أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أسامة الخوّاض - فوكوياما: الربيع العربي والإسلام وأوروبا القرن التاسع عشر والدمقرطة















المزيد.....


فوكوياما: الربيع العربي والإسلام وأوروبا القرن التاسع عشر والدمقرطة


أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)


الحوار المتمدن-العدد: 5053 - 2016 / 1 / 23 - 20:57
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


فوكوياما: الربيع العربي والإسلام واوروبا القرن التاسع عشر والدمقرطة

في كتابه الجديد "النظام السياسي والتحلل السياسي"، يخصص فوكوياما فصلا بعنوان " من 1848 إلى الربيع العربي"، يورد فيه موجزا لاحداث الربيع العربي، ثم يتحدث في ص 427 أن " بعض المراقبين يعتقدون أن الأقطار المسلمة أو العربية تواجه عقبات خاصة في سبيل التحول نحو الدمقرطة ، غير موجودة في أقاليم أخرى من العالم، ذلك أنه الاقليم الوحيد الذي لم يتأثر بشكل كبير بالموجة الثالثة من الدمقرطة. يعتبر الاسلام او الثقافة العربية بشكل ما مسؤولين عن مقاومة الديمقراطية الليبرالية. لقد انتهت كل تلك الحجج البسيطة التي ترى أن العرب استثنائيون وانهم بشكل سلبي يقبلون الديكتاتورية، انتهت تلك الحجج بوقائع بداية سنة 2011".
ويقول في نفس الصفحة انه بعد مرور اربع سنوات على الربيع العربي، يبدو ان التوقعات بعدم امكانية تأسيس ديمقراطية ليبرالية في دول الربيع العربي، هي توقعات صحيحة، وان ظهور حكومة على النمط الديمقراطي الليبرالي لا يبدو قريبا، باستثناء تونس.

لا يوافق فوكوياما المراقبين الذين يرون ان الربيع العربي لا يمثل موجة ديمقراطية وانما يمثل تأكيدً ذاتياً لهيمنة الاسلام السياسي، وفي أحسن احواله سينتج ديمقراطية غير ليبرالية، وفي أسوأ الأحوال سينتج انتشارا للإسلام الراديكالي والفوضى المستمرة. ويقول ان أولئك فشلوا في ان يتذكروا كم كانت سيرورة دمقرطة اوروبا طويلة وفوضوية وعنيفة.

يرى فوكوياما أن هنالك فروقا واضحة بين الشرق الأوسط وأقاليم مثل شرق اوروبا وامريكا اللاتينية ابتداء من الثقافة وتأثير الإسلام. ويرى في نفس الصفحة أن أوروبا القرن التاسع عشر تمثل سابقة أفضل للتحولات السياسية في الربيع العربي، اكثر من الانتقالات الديمقراطية في الموجة الثالثة التي حدثت في من سبعينيات ح القرن العشرين ومابعدها. ويرى انه في حالة امريكا اللاتينية وشرق اوروبا فنحن بإزاء دول كانت لها تجارب ديمقراطية استمرت بعضها لعقود، وقد انقطعت هذه التجارب إما بفعل استيلاء العسكر على الحكم كما في حالة امريكا اللاتينية، او بغزو أجنبي كما في حالة شرق أوروبا. ولذلك فعملية الدمقرطة هي بشكل ما استعادة وإحياء لنظام سياسي قديم له جذور في التجربة الوطنية لكل بلد. ففي امريكا اللاتينية بوجه خاص، كانت هنالك أحزاب ديمقراطية مؤسسة تأسيسا جيدا، بعثت نفسها بسرعة حالما حانت الفرصة.أما في شرق أوروبا، فإن اوروبا الغربية والاتحاد الاوروبي قد شكّلت أمثلة قريبة وقوية للديمقراطية الناجحة والتي قدمت مساعدات جوهرية وحوافز لكي تدمقرط.
وعلى النقيض من تجربتي امريكا اللاتينية وشرق اوروبا، فان العالم العربي اليوم واوروبا القرن التاسع عشر ،كما يرى فوكوياما في ص 429 "لم تكن عندها تجربة سابقة للديمقراطية". والدول التي يمكن ان تقدم مساعدة في الديمقراطية المتجسدة ونماذج سياسية مثل امريكا والدول الغربية الأخرى، تواجه بالتشكك من قِبل العديد من الناس في العالم العربي، على عكس ما حدث من تبنّي شرق اوروبا للاتحاد الاوروبي والناتو، وبقية المؤسسات الغربية.

يرى فوكوياما انه مع وجود اشتراك بين العالم العربي المعاصر واوروبا القرن التاسع عشر في عدم وجود تجربة مباشرة مع الديمقراطية ، فان بينهما اختلافات مهمة بدءاً بالإسلام السياسي ، لكنه يرى –أيضاً- ان الدين لعب دوراً رئيساً في اوروبا القرن التاسع عشر. يقول في ص 430:فحزب الوسط الالماني وأحزاب المسيحية الديمقراطية في فرنسا وأيطاليا قد تأسّست لكي تدافع عن المصالح الدينية وليس عن المصالح الطبقية. لكن مازالت الطبقة والأمة تميلان لأن تكونا المصدرين الأكثر أهمية من الدين في اوروبا، بينما أن العكس هو الأكثر غلبة في العالم العربي اليوم. ولم يكن ذلك هو الحال دائماً، فبين الخمسينيات والسبعينيات من القرن العشرين كانت السياسة العربية يهيمن عليها القوميون العلمانيون أكثر من الاسلاميين، مع وجود حفنة من الاشتراكيين اليساريين والاحزاب الشيوعية.

وكذلك كما يرى فوكويا ، فإن القوى المحافظة ذات خاصية مختلفة. فقط الباكستان، من الدول الاسلامية اليوم، لها بنية اجتماعية من ملّاك الأراضي المهيمنين على جماهير غفيرة من الفلاحين كما كان حال معظم الدول الاوربية في بداية القرن التاسع عشر. أما المحافظون في معظم الدول الاسلامية والعربية فهم قد تم توظيفهم من النخب القبلية، والعائلات الملكية التقليدية وعملائهم، والضباط العسكريين، والرأسماليين المقرّبين المحيطين بالأنظمة الاستبدادية القديمة، والإسلاميين. لم يحصل المحافظون الاوروبيون على مصادر دعم خارجية، ما عدا المساعدة الي يقدمها كل منهم إلى الآخرين. وعلى النقيض، حصل محافظو الشرق الأوسط على مساعدة خارجية جوهرية من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على مر السنين، ومن منجم الثراء المتمثل في النفط والغاز من الخليج العربي.

ويرى فوكوياما ان الطبقات العاملة في كل الشرق الأوسط اقل قوة من الطبقات العاملة التي كانت في اوروبا القرن التاسع عشر، ذلك أن معظم الاقليم، كما حدث لليونان وجنوب ايطاليا، قد شهدت "حداثة بدون تنمية". نقابات العمال الموجودة في مصر وأجزاء أخرى من العالم العربي، بالرغم من انها لعبت أدواراً مهمة في المعركة الابتدائية ضد النظام الاستبدادي، لا تمثِّل قطاعات متنامية وهائلة من السكان بنفس الطريقة التي حدثت في بريطانيا القرن التاسع عشر أو ألمانيا.

ومع ذلك يرى فوكوياما ، أنّ هنالك عدداً من التشابهات بين العالم العربي واوروبا قبل قرن مضى. يأتي في المقام الأول ان عملية الدمقرطة متجذِّرة في التعبئة الاجتماعية التي يحرِّكها تغيير سوسيو-اقتصادي كامن. عندما تقدّم التصنيع في اوروبا القرن التاسع عشر، فانه خلق طبقة وسطى وبروليتاريا متوسعة. تركت جماهير غفيرة من الفلاحين الريف الى المدن، حيث تمّ تجنيدها بواسطة احزاب سياسية جديدة و أصبحت سريعة التأثر بإغراءات مبنية على سياسة الهوية.

ويرى فوكوياما أن شيئاً مماثلاً كان يجري في الشرق الأوسط منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين. لقد تم تحضّر الاقليم سريعا، نامياً من 30 إلى 50 في المائة من السكان بين عامي 1970 و 2010 .
لقد ازدادت مؤشرات التنمية البشرية –كما يرى فوكوياما في صفحة 430-بنسبة 28 في المائة في مصر و 30 في المائة في تونس بين عامي 1990 و 2010. زادت أعداد خريجي الجامعات حتى بمعدل أسرع، وفي كلا البلدين كان أولئك الخريجون يشكون من انعدام وظائف تناسب مستويات تعليمهم. لقد كانت هذه المجموعات هي الأكثر حذقاً في استعمال الانترنت والميديا الاجتماعية لنشر صور القمع وتنظيم التظاهرات ضد النظام.

جادل صامويل هنتنغتون في كتابه "النظام السياسي في مجتمعات متغيِّرة" بأن الطبقات الوسطى مهمة في التغيير السياسي. وأشار إلى ان الثورات لم تنظّم قط بواسطة أفقر الفقراء، لأنهم لا يملكون لا المصادر، ولا التعليم للتنظيم بشكل فعّال. وعلى النقيض، فإن الطبقات الوسطى هي التي غالبا ما تشعر بزيادة متسارعة في وضعها الاجتماعي، ولذلك تواجه خيبة الأمل الأشد حدّة إذا ما إذا ما أُعيق حراكها الاجتماعي اللاحق. إنها الفجوة بين توقعاتها والواقع، التي تخلق عدم الاستقرار السياسي.

ويرى فوكوياما في صفحة 431 أنه في كل من العالم العربي وثورات 1848 الاوروبية كانت الطبقات الوسطى هي الفاعلة الاساسية في تنظيم الثورة والضغط من أجل التغيير السياسي. قاد أفراد الطبقة الوسطى الحضرية الانتفاضات التونسية ضد بن علي، وتظاهرات ميدان التحرير ضد مبارك. كان افراد تلك الطبقة يشعرون ان فرص تقدمهم الاقتصادي والاجتماعي قد تمّت إعاقتها من قِبل النظام الاستبدادي. كانت الثورانات في ليبيا واليمن اكثر تعقيداً: كانت الطبقة الوسطى هنالك أقل عدداً، كما توجد تنافسات قبلية. كانت هنالك طبقة وسطى كبيرة في سوريا، لكن الهوية الطائفية تغلبت على الضيم الطبقي والاقتصادي.

يقول فوكوياما في ص 431، لم تكن الطيقة الوسطى الجديدة نتاجاً للتحضّر فقط. يمكن في كثير من النواحي أن ينظر إلى صعود الإسلام السياسي بشكل اكثر مناسبة كشكل لسياسة الهوية، أكثر منه كإحياء للتدين في حد ذاته، وبهذا الشكل فإنه قد حل محل الطبقة كشعار لتعبئة اللامنتمين السياسيين. لقد شهد العالم العربي نفس التحول الذي شهدته اوربا في اواخر القرن العشرين أي التحول من القرى التقليدية إلى المدن الحديثة بكل ما يلزمه من من تفسخ وارتباك هوية. بعد عقد من الاستقلال من الاستعمار، كانت القومية العلمانية هي مصدر الهوية، لكنها فقدت مصداقيتها في أواخر سبيعينات القرن العشرين ، لفشلها في إنتاج نمو اقتصادي عادل التوزيع ومتّسق، وفشلها السياسي في التعامل مع قضايا مثل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ملأ الدين هذا الفراغ، والذي كان قد أصبح المصدر الجلي للجماهير الريفية المتحضرة حديثاً، التي استطاعت الحصول على شبكات الاقمار الصناعية التلفزيونية والانترنت. واحد من أسباب قوة الإسلام السياسي اليوم هو انه يمكن ان يتحدث عن قضايا الهوية والدين والطبقة الاجتماعية في نفس الوقت.

ظلت الطبقة الاجتماعية مهمة، في الشرق الاوسط المعاصر تحت قشرة السياسة الدينية. يميل أنصار الديمقراطية الليبرالية غربية الطراز، ان يأتوا بشكل كبير من الطبقات الوسطى الحضرية المتعلمة، بينما ان الاحزاب الإسلامية مثل الاخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس تميل للتجنيد من المناطق الريفية أو المجتمعات المحلية الهامشية الفقيرة ضمن حدود المناطق الحضرية. كأحزاب محظورة تحت النظام الاستبدادي القديم، تحوّلت هذه التنظيمات إلى التقديم المباشر للخدمات الاجتماعية إلى الفقراء، ولذلك أصبحت في وضع يهيئها لتعبئة أولئك السكّان عندما ينفتح الفضاء السياسي الديمقراطي. الأمر نفسه صحيح بالنسبة للمحافظين الإسلاميين في إيران، الذين أصبحوا يميلون للتجنيد من الفقراء والطبقات الأقل تعليماً في المجتمع.

تبيِّن التجربة الأوروبية في 1848 أن الإطاحة الابتدائية بنظام استبدادي وتنظيم الانتخابات الديمقراطية، هي فقط بداية سيرورة عملية طويلة جدا للتنمية السياسية. تُبنى الديمقراطية حول مأسسة للمشاركة الجماهيرية في سيرورة سياسية مُتفق عليها، والتي تتطلّب في المقام الأول أحزاب اًسياسية جيِّدة التنظيم. يجب على ليبراليّ الطبقة الوسطى الذين يقودون الثورة، المُضي قُدماً في تنظيم أنفسهم حتى يكونوا قادرين على المنافسة في الانتخابات، وعليهم أن يكونوا قادرين على تشكيل تحالفات مع مجموعات أخرى. لقد فشل ثوار 1848 الليبراليون في فعل أيٍ من ذلك، في الفترة القصيرة التي كانوا فيها قبل أن تتغلب عليهم التحركات المضادة العسكرية للمؤسسة الاستبدادية. كان لمجموعات الطبقة الوسطى التي قادت الثورات العربية نفس مشكلة تنظيم أنفسها على أساس طويل المدى للمنافسة في الانتخابات في السنتين اللتين أعقبتا الانتفاضة، لكونها منقسمة داخلياً ومتمركزة حول قادة أفراد، أكثر من تمركزها حول جماهير غفيرة من الأتباع السياسيين. الآن يواجهون الحكومة العسكرية المنبعثة من جديد والتي ستقيِّد بشكل فعّال قدرتهم على التنظيم.

يرى فوكويا في ص 432 ان مجموعات الطبقة الوسطى في اوروبا التي قادت المطالبة بالديمقراطية كانت نادرا ما تحقق ذلك بنفسها. كان المطلوب هو تحالفات متقاطعة الطبقات من أنواع متعدِّدة. في الدنمارك تفاهمت مجموعات الطبقة الوسطى مع الفلاحين (أو بشكل أكثر صحة، المزارعين، لان الفلاحة التقليدية كانت قد اختفت بشكل كبير في ذلك الوقت( للمطالبة بإنهاء الحكم الديكتاتوري المطلق في 1848، وفي 1915 تفاهمت مع الطبقة العاملة للمطالبة بحق الافتراع العام. في ألمانيا تفاهمت الطبقات الوسطى مع أحزاب الطبقة العاملة في دعمها لجمهورية فيمار، كما فعلت في السويد، وبلجيكا، وهولندا. وفي سويسرا، وبريطانيا، وإيطاليا تفاهمت مع الأحزاب المحافظة لتوسيع حق الاقتراع.

ويعيد فوكوياما إلى الأذهان في ص 433، ما ذكره في الفصل الثامن والعشرين من أن مجموعات الطبقة الوسطى لا محالة في نهاية المطاف تدعم الديمقراطية الليبرالية. يمكنها أن تتفاهم مع القوى المحافظة ليس بغرض توسيع الديمقراطية، ولكن لتقييدها من القوى الشعبية التي تهدّد مصالحها. تم اتّباع هذه الاستراتيجية بواسطة مجموعات عديدة من الطبقة الوسطى في أمريكا اللاتينية خلال ديكتاتوريات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وفي تركيا حتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين. كرّر هذا النمط نفسه في مصر في 2013، حيث أصبح العديد من الليبراليين سابقاً مشمئزين من الرئيس الإسلامي مرسي الذي انتخب في السنة الماضية، بحيث أنهم دعموا الانقلاب العسكري الذي عزله من السلطة.

ثم يتحدث فوكوياما في ص 432 عن أنه في اوروبا القرن التاسع عشر، تم اختطاف التعبئة الشعبية من أجل الديمقراطية بواسطة القومية. تمظْرت هذه الظاهرة أوّلاً خلال الثورة الفرنسية، عندما تطوّرت النداءات من أجل حقوق الإنسان سريعاً، إلى توكيد عسكري لحقوق الأمة الفرنسية. كان من الواضح في ألمانيا في سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما أصبح العديد من ليبراليّ الأربعينيات والخمسينيات من القرن التاسع عشر من المؤيدين المتحمِّسين لبسمارك وتوحيده بالقوة للأُمّة الألمانية. وظهرت تلك النزعة في أغسطس عام 1914، عندما اصطف العوام الأعضاء في أحزاب الطبقة العاملة التي كانت من الأعضاء المؤسسين للأممية الاشتراكية الثانية مع حكوماتها القومية واندفعت في تهوّر إلى الحرب.

ثم يدلف فوكوياما في صفحتي 433 و 433 إلى الحديث عن دور الأسلام في دمقرطة الشرق الأوسط. يبدأ الحديث مؤكدا على أن هنالك عاملاً ثقافياً جلياً عقّد بشكل خطير إمكانية الديمقراطية في الشرق الأوسط ،ألا وهو الإسلام، حسب وجهة نظره. ويرى أن على عدد كبير من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة أن تكافح ضد مجموعات إسلامية غير ديمقراطية وعسكرية، لم يكن هنالك تهديد مكافئ للموجة الثالثة للانتقالات الديمقراطية في شرق أوروبا أو أمريكا اللاتينية. كان العديد من المراقبين قد اقترحوا أن الاسلام نفسه يحتوي عقبات لا يمكن تذليها في وجه نشوء الديمقراطية، ذلك أنه لم يقبل أبدا مبدأ فصل الكنيسة من الدولة، ويأوي تقاليد طويلة من العسكرية الدينية العنيفة. لقد تمّ اتهام تنظيمات إسلامية مثل النهضة في تونس والاخوان المسلمين في مصر والتي تلعب حسب القواعد الديمقراطية، بانها تستخدم الديمقراطية كوسيلة للحصول على السلطة، وأن اجندتهم الحقيقية تظل هي ابتداع دول ثيوقراطية وغير ليبرالية. لقد حدا صعود هذه المجموعات بالحكومات الاستبدادية المحافظة إلى اتخاذ إجراءات صارمة حيالها، مما يؤدي إلى سياسة مستقطبة بين بديلين غير ديمقراطيين.

ويرى فوكوياما انه ليس واضحاً بشكل جلي إذا ما كان أن الإسلام السياسي سيظل عقبة دائمة تمنع نشوء الديمقراطية الليبرالية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، لكن الواضح أنه توكيد لأن القومية تجعل الديمقراطية غير ممكنة في أوروبا. نما الإسلام السياسي وتضاءل عبر عقود، وفي القرن العشرين كان غالباً ما يأتي خلف الحركات الأخرى المؤسسة على القومية العلمانية أو الاستبدادية الليبرالية. بالإمكان تفسير كل الأنظمة الثقافية المركبة و قد تم تفسيرها بطرق مختلفة عبر الزمن. بالرغم من وجود معتقد مساواتي في قلب المسيحية (كما هو في الإسلام) تفاهمت الكنائس المسيحية مع الحكّام الاستبدادين، وبرّرت الأنظمة غير الليبرالية عبر القرون. جزء من حكاية الموجة الثالثة للدمقرطة في أوروبا وأمريكا اللاتينية ذو علاقة بإعادة تأويل العقيدة الكاثوليكية بعد الفاتيكان الثاني في الستينيات من القرن العشرين، وجعل تلك العقيدة متوفقة مع الديمقراطية الحديثة. هنا يشير فوكوياما بطرف خفي إلى أهمية التأويل في جعل الإسلام متوافقاً مع الدمقرطة.

نفس الأمر ينطبق على الإسلام الراديكالي. يبدو أن توسُّع الإسلام الراديكالي حسب فوكوياما في صفحة 434 ، يعود إلى الظروف الاجتماعية لمجتمعات الشرق الأوسط المعاصرة، أكثر منه إلى الطبيعة الجوهرية للدين. في الحقيقة، يمكن أن يُنظر إلى انتشار الإسلام السياسي كشكل لسياسة الهوية، شديد المضاهاة مع صيغته القومية في أوروبا. هذه كانت الحُجة التي أدلى بها ارنست جلنر، الذي تمت الإشارة إلى نظريته سابقاً في الفصل الثاني عشر. جادل جلنر بأن القومية هي استجابة للاقتلاع من المكان الذي حدث عندما تم تحديث المجتمعات والانتقال من القرىة الصغيرة إلى المدينة الكبرى. يحدث بشكل رئيس في البلدان التي هي في طور التحديث، حيث تختفي أشكال الهوية القديمة الضيِّقة المؤسَّسة على القرابة والجهوية وحلّت محلّها معتقدات أكثر عمومية رابطة الأفراد بحركات ثقافية عريضة. وهو يجادل بأن صعود الأسلامية استجاب لضرورات في الشرق الأوسط، حيث الدين يلعب الدور الذي لعبته الأمة في اوروبا. شخصية مثل أسامة بن لادن يمكن أن يعطي إجابة مُقْنعة لسؤال "من أنا"؟ لفلّاح سابق مرتبك يعيش الآن في القاهرة أو كراتشي، أو لمهاجر من الجيل الثاني في اوروبا. ولذلك فإن صعود الإسلام السياسي في الجزء الأخير من القرن العشرين لا يعكس عودة الإسلام غير المتغيِّر أبداً، كما يحاول أن يجزم كل من أنصار الإسلام الراديكالي و نقّادهم، ولكن بالأحرى هو استجابة بشكل دقيق للدولة نصف المحدّثة والتي يجد معظم الشرق الأوسط نفسه فيها.
ولذلك مثلما أن اندفاع القرن التاسع عشر الاوروبي قد انحرف إلى القومية، فالتعبئة الشعبية الشرق أوسطية قد تم اختطافها بواسطة الدين.

ثم يختم فوكوياما الفصل قائلا أن انتقالات الموجة الثالثة في اوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية هي سابقة مضلِّلة للربيع العربي. إن رحلة اوروبا الطويلة والمعذّبة من حكم الفرد المطلق عبر القومية إلى الديمقراطية، هي التي تقدِّم بشكل حقيقي نموذجاً أفضل. ويرى فوكوياما إن هذا النوع من التحليل لا يقدم شعوراً بالراحة إلى أولئك الذين يأملون في نشوء ديمقراطية ليبرالية في زمن قريب في العالم العربي. يمكننا فقط أن نأمل في ألا يأخذ انتقال مثل ذلك، إذا حدث بشكل حقيقي، زمناً طويلاً كما حدث في اوروبا. لم يكن لأوروبا في القرن التاسع عشر خبرة سابقة بالديمقراطية ولذلك لم يكن هنالك أية نماذج مؤسَّسية واضحة كي يتمّ اتّباعها. الأمر ليس نفسه بالنسبة للشرق الأوسط المعاصر. لقد أصبحت الأنظمة التي توازن الدولة القوية مع قيود قانونية وديمقراطية على السلطة، مقياساً معيارياً حول العالم. لكي تكون هناك، يعتمد على خلق طقم مركّب من المؤسسات المتشابكة. ويخلص فوكوياما في الجملة الختامية من الفصل إلى أن الأساس الاجتماعي لديمقراطية مستقرة لم يكن موجودا في اوروبا عام 1848، وريما لم يوجد بعد في أجزاء عديدة من الشرق الأوسط اليوم.



#أسامة_الخوّاض (هاشتاغ)       Osama_Elkhawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفلوك (ملبورن): في الثناء على الكانجرو
- (لاهوت الوردة):قراءة نقدية بقلم: صابر جمعة بابكر
- في(الميدان الثقافي): عادل كلر و أسامة الخوّاض و(حصاد المشَّا ...
- في(الميدان الثقافي): عادل كلر و أسامة الخوّاض و(حصاد المشَّا ...
- حوار الهجرة والتجريب مع أسامة الخوَّاض-محمد نجيب محمد علي
- (لاهوت الوردة) لأسامة الخواض.. آفاق الحكمة المنسية-محمد نجيب ...
- عشتُ عصر -سلوى- : قمح اعتذار
- مُقالدة -بوذا-- شعر عامي سوداني
- -قبر الخوَّاض-*: جماليات النص..حفريات الكتابة-قراءة نقدية بق ...
- أكلوني الطفابيع
- كلّ حربْ، و أنتم و نحن جميعاً بخير
- مقدمة: إضاءات خافتة على المكان في خطاب (عفيف إسماعيل) الشعري
- تفكيك خطاب النماذج: -معركة الأفكار- حول الشرق الأوسط ما بعد ...
- الأصوليَّات الدينيَّة في المدينة: تفاكير حول الربيع العربي-ن ...
- (قبْر الخوَّاض) في أمازون دوت كوم
- لاهوت الوردة: شعرٌ لا تخطئه العين الحرّة-
- استعمال للنص أم قراءة خاطئة؟ درس النهاية غير السعيدة للتأويل ...
- سبحانه الثلج! مراثي (بهْنس) الباسفيكيِّة
- مفاتيح -البرنس- النقديَّة: عن -قبر الخوَّاض-تائهاً كالأراميّ ...
- حامل القات للسيِّدة: النصَّان المكتوب و الملتيميدي


المزيد.....




- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أسامة الخوّاض - فوكوياما: الربيع العربي والإسلام وأوروبا القرن التاسع عشر والدمقرطة