أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم فرات - المكان وأثره














المزيد.....

المكان وأثره


باسم فرات

الحوار المتمدن-العدد: 5037 - 2016 / 1 / 7 - 14:32
المحور: الادب والفن
    


ثمة مفارقة عجيبة أنتجتها الظروف التي مرّ بها العراق وطنًا وثقافة منذ مطلع ستينات القرن العشرين وحتى الآن، وهي أن العراق كمكان، أي كأقليم جغرافي اتفق المؤرخون والبلدانيون على حدوده من تخوم الموصل شمالاً وحتى بلاد عبادان على ساحل البحر جنوبًا، ومع ذلك تصدعت وحدته وراح الصوت المتطرف الذي يزعم كذبًا أن العراق وطن اصطنعه الإنجليز هو الذي يعلو.
على صعيد الكتابة، هناك معاناة مزدوجة يعيشها الكاتب، فهو منفيّ على الدوام، يتمثل قول سلفه الشاعر العراقي القديم:
لقد نفتنا الآلهة
لقد نفتنا الآلهة
يسكن كل واحد من الكُتّاب منفى روحي ، ومنفى مكانيّ يثقل على كاهله، غربتان تنوء بهما روحه، لا أمل إلاّ في المضيّ قُدُمًا، بتهشيم غربتيه، وخلق مكانٍ جديدٍ، قد يتشابه مع المكان الأول كثيرًا، المكان الأول الذي ترسّخ في ذاكرته من أسلافه ومن كبار السنّ، فيستهويه المكان الذي لم يعد مكانًا مثلما كان، كل شيء تغير كان الماضي أجمل، هذه الجمل لطالما كررها العراقي، وهو في جوهره يمضي على سنّةِ أسلافي الذين تحدثوا في ألواحهم عن الماضي الذي كانت الآلهة راضية على الإنسان.
ثمة صراع طردي بين التهميش والمكان، فكلما ازداد تهميش المكان وإنسانه نجد حضوره أقوى في أدب أبنائه، وفي خروج عدد كبير من الأدباء سيطر الحنين إلى الأماكن الأولى التي أصبحت بعيدة زمانيًّا وجغرافيًّا وبيئيًّا وثقافيًّا، فكان المكان الأول حاضرًا بقوة لأنه تعويض عن خسارة الكاتب وشعوره بعزلة بعضها يخضع إلى نظام حياتيّ صارم.
شخصيًّا، عانيت من حضور المكان سلبيًّا في بداية غربتي، فكتبت عددًا من القصائد، تقطر حنينًا ويُهيمن عليها المكان الأول، مع تهميش تام للمكان الجديد، وإن ذُكرَ فالتذمر والشكوى منه تتراقص في جسد القصيدة، فكنتُ مثلي مثل معظم الذين كتبوا ويكتبون، لكن أُلفَتي للمكان الجديد، الذي بدأ يشكل حدثًا مهمًا في حياتي، فأنا قبل أي شيء قارئ، نعم قارئ اقترف الكتابة، ربما بجرأة لا استحقها، لكنني أبقى قارئًا، وهذا ساعدني في التوغل كثيرًا وعميقًا ليس في المكان الجديد ثقافة بمعناها الشامل، بل كان لوجود عشرات الجاليات التي تنتمي لعشرات البلدان وعشرات الأعراق والقوميات والأديان والمذاهب، فرصة ثمينة بالنسبة لقارئ مثلي، أن يستفيد من هؤلاء الناس، يتعرف على خصوصياتهم اللغوية والدينية والمذهبية، بل والمناطقية أيضًا.
بدأت أتعلم اللغة الجديدة ومعها أكتشف هذا الخليط غير المتجانس التي تتشكل منه نيوزلندا، والذي يسير بدقة كبيرة بفضل قانون صارم لا يرحم، لكن الأيام التي علمتني لغة ثانية، ومعرفة غزيرة بتاريخ بلادي وجغرافيته وثقافات أمم كثيرة وجمالية وثراء تنوعها، علمتني أن لا تجانس بين البشر حتى لو كانوا على دين واحد ومذهب واحد ولغة واحدة إلاّ بقانون صارم ومعه تربية تعليمية تتطور باستمرار أيضًا.
وجدتني أتصالح مع الأمكنة تلقائيًّا، ولم يعد الحنين والبكاء على الأطلال ولا الكربلائيات تصبغ قصائدي، بل تعاشقًا ثقافيًّا لثقافات متعددة على مكان أحببته، هيروشيما أو فِيَنْتان عاصمة لاوس، أو نيوزلندا ومناطق فيها، فأنا الغريب الذي أصبحت واحدًا منهم وأنا ابن ثقافة عربية عراقيتي لا تتعارض مع شعوري بالانتماء إلى جمالية الأمكنة الأخرى والثقافات العديدة التي تنفستها في رحلاتي وتنقلي بلدانيًّا وثقافيًّا.



#باسم_فرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كانت حياتها حفرًا معرفيًّا .. في رحيل الباحثة فاطمة المرنيسي
- كريم راهي .. عرفته في أبي غريب
- لماذا لم نستلهم تراث بابل؟
- ديوان إلى لغة الضوء
- حُلمٌ فادح
- كشف أقنعة الاستشراق
- انتباهةُ طفل
- الذكرى الحادية والعشرون لخروجي من العراق
- البدايات
- عرض لكتاب ثورة العشرين: قراءة جديدة في ضوء الوثائق التاريخية ...
- قراءة في كتاب الحمس والطُّلْس والحِلَّة للباحث زكريا محمد
- بالمطر أغسل ذاكرتي
- ثلاث قصائد حب
- قراءة في كتاب ينابيع اللغة الأولى لسعيد الغانمي
- ديوان بلوغ النهر
- سُكّان أصليّون ... سكّان طارئون
- تلاميذ ُ هُندوري
- تقريظ باشو
- العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 7
- العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 6


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم فرات - المكان وأثره