راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 5035 - 2016 / 1 / 5 - 15:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
A Bahá-;- í-;- Perspective- The Spiritual Foundation of Human Rights
بقلم سهيل بديع بشروئى by Suheil Badi Bushrui
الخطاب الرئيسي الذي ألقاه الدكتور سهيل بشروئى في المؤتمر السنوي الحادى و العشرين لجمعية الدراسات البهائية في 15 نوفمبر 1997.
إن الإعتراف بحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي هو أمر حديث نسبياً، ولكن الفلسفة التي يقوم عليها المفهوم قديمة. و ذلك في نصوص مثل قانون حمورابي البابلي، والأحكام القانونية للسنهدرين الإسرائيلية القديمة حيث يُحظر التعذيب ويُحد من إستخدام عقوبة الإعدام، والتشريع الإسلامي لحقوق المرأة، و ماجنا كارتا الإنجليزية، وإعلان إستقلال الولايات المتحدة، و فى القرن التاسع عشر كانت إتفاقيات حظر تجارة الرقيق، وبعد الحرب العالمية الثانية كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)، الشكل و الصيغة لنظام أخلاقي عالمي قد تم إبتداعه.
هناك تعريفات عديدة لمصطلح "حقوق الإنسان" تمت صياغتها. موريس كرانستون، على سبيل المثال، يصف حقوق الإنسان بأنها "إسم القرن العشرين لما كان معروفا تقليديا بالحقوق الطبيعية، أو في عبارة مبهجة أكثر، حقوق الإنسان". و بصورة أوسع، فحقوق الإنسان هي جسم مكون من سمات و إمتيازات - مثل حق الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة – و التي هي مستحقة لكل إنسان بغض النظر عن جنسيته أو مكان إقامته. و لا تُمنح هذه الحقوق من قِبل الحكومات لمواطنيها، بل هي فطرية ملازمة للكرامة التي يتمتع بها جميع الأشخاص. وبشكل أكثر تحديداً، يمكن تصنيف حقوق الإنسان بأنها تقع في المجالات المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية للحياة.
على الرغم من أن تعبير "حقوق الإنسان" بالذات لم يظهر في اللغة الإنجليزية حتى عام 1781م، السنة التي ظهر فيها الجزء الأول من عمل توماس باين Thomas Paine: "حقوق الإنسان" “The Rights of Man”، و المثل العليا التي ينطوي عليها كانت موضوع الكثير من النقاش في السنوات السابقة مباشرة لنشر هذا العمل. ومن المفيد أن نذكر هنا صياغة مسودة توماس جيفرسون الأصلية لإعلان الاستقلال الأمريكي: "نحن نحمل هذه الحقائق لتكون مقدسة و لا يمكن إنكارها، و هى أن كل الناس خلقوا متساوين و أحراراً، و عليه، فمن ذلك الخَلق على قدم المساواة فإنهم يستمدون حقوقاً فطرية و غير قابلة للتصرف و المصادرة ومنها الحفاظ على الحياة، والحرية، والسعي لتحقيق السعادة".
و في عام 1775م، العام قبل صدور إعلان الإستقلال الأمريكى، بدأ جوته Goethe العمل فى التراجيديا النثرية إيغمونت Egmont، و التى بدأت وسط الصراعات السياسية والدينية المضادة للاصلاح، وتصوّر فكرة الحرية السياسية القائمة على حرية التعبير والتسامح الديني في مجتمع يحترم القانون. و في عام 1787م، وهو العام الذى أكمل فيه نُسختها النهائية، حصلت مسرحية دوون كارلوس لشيللر على عرضها الأول في هامبورغ. مثل مسرحية جوته، فإن مسرحية شيلر بدأت فى وقت الهيمنة الأسبانية على هولندا، موفرة الأساس لمرافعة مشبوبة العاطفة للتسامح الديني والتفاهم المتبادل، و تُوّجت بصرخة بوزا العظيمة Posa’s Great Cry: "أعطونا حرية التفكير Give us Freedom of Thought". و في نفس العقد قام قوتهولد افرايم ليسنغ بكتابة ناثان الحكيم Nathan the Wise، و التى عرضت أولاً في برلين في عام 1783م، و بمناشدة مؤثرة لإحترام معتقدات الآخرين تجسدت في شخص الحكيم والمتسامح اليهودي ناثان، و بلغت أوجها في اكتشاف أن ريكا إبنته بالتبني و الشاب تمبلر الذى يحبها هما في الواقع أخ وأخت، أبناء الراحل أخ صلاح الدين الأيوبى Saladin وزوجته المسيحية. و تعكس الحكاية الرمزية للحلقات الثلاثة المتطابقة التي يجيب بها ناثان على سؤال صلاح الدين الأيوبى حول ما إذا كانت المسيحية والإسلام أو اليهودية هى دين حقيقي عكس وعياً معاصراً من الحاجة لإعتبار الأديان غير دين المرء الخاص به بأنها جديرة بالإحترام لأجل مصلحة حقوق الإنسان والتضامن مع زملائهم الآخرين من البشر.
ومع ذلك في جوته، شيلر، ولسينغ، نجد شهامة الروح، التي لا تكتفي فقط بالتسامح مع معتقدات الآخرين و منحها حرية التعبير، بل وتسعى لفهمها بشكل أعمق والإعتراف بقرابتها الى معتقد الفرد. و بعكسها لهذا الوعي المتقدم دوماً لوحدة الجنس البشرى، فمن المناسب فى النهاية أن قد أصبحت حقوق الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين قضية رئيسية في السياسة الدولية. فالأسئلة التي تطرحها حقوق الإنسان هي أسئلة سرمدية: ما معنى أن تكون إنسانا؟ ما هو الغرض من الحياة على هذه الأرض؟ وماذا يجب أن يكون موقفنا الفكري والعاطفي تجاه بعضنا البعض؟ هذه الأسئلة بالذات هي المحور الحقيقى للفكر والممارسة الدينية. و من هذا المنظور، يمكننا أن نستشف أن واحدةً من العيوب الرئيسية في نهجنا لحقوق الإنسان تتعلق بطريقة تقديمها باعتبارها قانوناً من القانون المدني والأخلاقي، وربما كإنتاج للحضارة الغربية، في حين أن حقوق الإنسان هي بالأساس تقنين للقوانين الروحية الرئيسية و التي هي في حد ذاتها المأثرة التراكمية للسنن الدينية في العالم.
لقد كان القرن العشرين هو عصر حقوق الإنسان، بمعنى أنها قد أُنتهكت مرارا وتكرارا على نطاق واسع و إعترفت بها باستمرار الإتفاقيات القانونية الدولية. وهكذا، على الرغم من الفظائع التي ارتكبت في عصرنا فإن النضال من أجل أخلاقيات عالمية وممارسة لحقوق الإنسان قد تقدم بالمعنى القانوني الرسمي، وكذلك في المجتمع العالمي الناشئ.
لقد وضع الأكاديميان ريتشارد كلود و بيرنز ويستون يده على الهوة بين المبادئ و الممارسات لحقوق الإنسان في عالم اليوم في عملهما حقوق الإنسان في المجتمع الدولي: "إن القول بأن هناك قبولاً واسع النطاق لمبدأ حقوق الإنسان على الأصعدة المحلية و الدولية لا يعني أن هناك إتفاق تام حول طبيعة هذه الحقوق أو نطاقها الحقيقى – أى بأن نقول، تعريفها. فبعض الأسئلة الأساسية لم تحصل على إجابات قاطعة بعد. و ما إذا كانت حقوق الإنسان ينظر إليها على أنها إلهية، أخلاقية، أو إستحقاقات قانونية، وما إذا كان التصديق عليها من قِبل مؤسسة، عُرفْ، نظرية العقد الاجتماعي، مبادئ عدالة التوزيع، أو كمتطلبات أساسية للسعادة، وما إذا كان لها أن تُفهم بأنها غير قابلة للنقض أو تُفهم بأنها قابلة للإلغاء جزئيا، سواء أن تكون واسعة أو محدودة من حيث العدد والمحتوى - هذه القضايا و المشابهة لها هي مسائل تدور المناقشة فيها ويرجح أن تظل كذلك طالما توجد مناهج متنافسة فى النظام العام والندرة بين الموارد". فالحاجة إلى إتباع نهجاً كلياً لحقوق الإنسان أُعترف به في البند 10 للمؤتمر العالمي للأمم المتحدة فى عام 1993 لحقوق الإنسان: "البند 10 من جدول الأعمال: النظر في العلاقة بين الديمقراطية، والتنمية، والتمتع العالمي بجميع حقوق الإنسان، مع وضع نصب الأعين العلاقة البينية و عدم تجزئة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية."
إن المنهاج الكلى لرفاهية الإنسان - الذي تقره كل السنن الروحية - يؤثر على جميع جوانب الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، و - فوق كل شيء- المسائل المتصلة بالضمير. و أن بيان الجامعة البهائية العالمية بعنوان "عدم تجزئة حقوق الإنسان" يتناول القضية الرئيسية على المحك هنا، وهي مسألة لا فكاك منها كجزء من المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (حول الحرية الدينية): "إن الأكثر جوهرية فى حقوق الإنسان هو حق كل فرد فى التحرى عن الحقيقة لنفسه أو نفسها، والإستفادة من نتائج هذا الإستكشاف ... وطوال التاريخ البشري فإن القناعة بأن كل شخص ليس لديه الحق فقط ولكن عليه المسؤولية ’لمعرفة الله وعبادته‘، فأياً كان المصطلح الذى ربما قد وصفوا به هذه الحقيقة الأقصى، فقد طبعتها فى الأذهان الأديان الكبرى في العالم، و التى يمكن القول أنها القوة الأكثر أهمية في تهذيب الطبيعة البشرية". "فالقضية الرئيسية، مع ذلك، ليست قضية لاهوتية. فالسجل التاريخي هو ذا صلة هنا لأن التكوينات الدينية هى التى من خلالها أن الجزء الأكبر من الإنسانية حتى الآن يمارس بالأساس الحق في التحرى عن الحقيقة. ومع ذلك فالتملص من ذلك التحرى لا شك كان بسبب القيود الفكرية والاجتماعية من العصور السابقة، والحق الإنسانى في حد ذاته لا يمثل فرضية جديدة وغير مجرّبة، ولكنه قد زُرع في قوام ما نسميه الثقافة."
ونتابع.......
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟