أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - العريس















المزيد.....

العريس


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5029 - 2015 / 12 / 30 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


العريس

_" أبي هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنته ؟"
سقط السؤال عليه سقوط القنبلة ,تفجرت في رأسه كل تلافيف المخ , تفتّتت مع كل حرف وصله , وحده سؤالها وصل مسامعه واضحاً وسط ضجيج الجميع , وحده شق عباب التلوث السمعي الذي أصم مسامعه ومسامع الجيران , سؤال يخترق جدار الصوت ليستقر في الهدف , فيتهاوى ....
الأم تبكي أيامها , وإخلاصها مع شريك ضلّ عنها واتّبع هواه فأردى عائلته , تعدّد ما كان منها , وما قابلها به من حجود ونكران , الصغرى تبكي غير مستوعبة لما نطق به والدها , ما معنى أنه تزوج مها ؟ تلك الشابة التي تعمل في مكتبه ؟عقلها الصغير ذو الثماني سنوات لم يستوعب هكذا خبر , لا تعرف بين أقرانها أن أب واحدة منهن قد تزوج غير أمها !موضوع غير مألوف في محيطهم , محمود الطفل ابن الثلاث عشرة سنة يحاول أن يهدّئ أمه , يلتفت إليه قائلا : "لماذا أبي ؟ هل أغضبتك أنا ؟"
كل تلك الضوضاء ما كان يلقي لها بالاً ! فقط ذاك السؤال الذي هزّ كلّ ما فيه ! ترنّح ثم تهاوى كما يسقط جذع شجرة شقها منشار , يصل الأرض مع تعقيبها :" كنت تناديها بابنتي".
قبل شهر من تلك الحادثة كان قد غادرهم خفية بعد أن طلب من الزوجة تحضير وجبة غداء يحبها , غمرهم بلطف كان قد غادره منذ أشهر, وبحدس الأنثى أدركت الزوجة أن الليلة ستشهد تتويج خيانته لها ! وزّع على أهل بيته الكثير من النقود سألته الصغيرة : "هل جاء العيد وهذه عيدية؟".
وبطريقة غبية طلب من زوجته أن تأخذ الأولاد للتسوق , عندها تأكدت , غادرهم , تقسم الأم أنها رأت نظرة السخرية تفرّ من عينيه .
أثناء التسوق , رن جوالها , ظهر اسم أختها كمتصل ,كانت تدعوها للقدوم إليها بعد انتهاء التسوق , وكان .....
هناك أخبرتها أن الليلة عرسه وأنه مغادر مع عروسه غداً صباحاً لقضاء شهر العسل في بلد سياحي , صمتت صمت الموت, بكاء الصغيرة كان أول صاروخ ينطلق في ساحة حرب كانت كلها بكاءً وعويلاً , البنت الكبرى أخذت بلطم وجهها حتى أدمته , محمود انزوى في زاوية ووجهه إلى الحائط يخفي شلال دمع مر على صخور القهر فصقلها , أما هي فبقيت صامتة غابت في تاريخ ذاك اليوم , نفس تاريخ زواجها منه منذ ثمانية عشر عاماً ! هل هي مصادفة أم مقصودة ؟ لا تدري , تذكرت كيف تزوجته ضاربة برأي أهلها عرض الحائط , كيف رفضت أكابر من تقدم لها لأنها أحبته هو دون سواه , وكيف هام بها حد الوله , وكيف عاشت معه على الكفاف , وهي ابنة العز والترف , وكانت سعيدة غير عابئة بنقص أو حاجة , كيف وقفت إلى جانبه تناضل , وكيف نجحت معه بوضع مركبة حياتهم على المسار الصحيح , كيف تمكنت معه من تأسيس عمل ناجح بمكسب ممتاز , كل ذلك وهي تنجب أطفالها وترعاهم , الحمول عندها كانت من نوع الحمول الخطرة , لكنها كانت تحرص على إرضائه فهو يريد عدداً كبيراً من الأولاد , سلم لها منهم ثلاثة وتوفي اثنين ,كيف كانت سعيدة رغم شقائها بين أولادها وعملها ورعايته, ورعاية والدتها المريضة , وواجباتها اتجاه أهل زوجها, كانت متعبة من كل المحطات لكنها سعيدة , رغم أنه لم يكن كما كانت تظنه , الشاب الهادئ الذي كانه أيام الحب والوله انقلب بعد فترة وجيزة إلى زوج غاضب من كل شيء , ومن اللاشيء, عندما أحست به كيف كان يحاول تحطيم كل نجاح تحرزه على كل الأصعدة , ولاسيما المهني والإجتماعي , كيف جعلها تقلّص عملها شيئاً فشيئاً , ثم علاقاتها الإجتماعية حتى اقتصرت على الأهل , حتى الأهل حاول ونجح مرات عدة في جعلها تحد من احتكاكها معهم , أمور كثيرة كانت تشككها في حبه لها , كان المقربون منها يرسلون لها إشارات تنبيه إلى أنه سيسجنها في مداره , ويجعلها تصلي في محرابه , لكنها لم تكن تستقبل هذه الإشارات, أو بالأحرى لم ترد أن تستقبلها , سرّب لها أحد المخلصين يوماً تنبؤاً بأن طيرها الذي علمته التحليق سيطير يوماً بعيداً عنها باحثاًعن بومة حتى يمعن في قهرها , كانت تستغرب تنبؤات كهذه , كيف يفعل ذلك بها وهو من هام بها وهامت به , ولماذا يفعل وهي الطائعة الوفية الأمينة على بيته وماله وعياله ؟ التي أفنت نفسها وذابت في كيانه ؟ وتحققت التنبؤات بعد سنوات كانت قد تجاوزت الأربعين بسنتين , ذلك العمر الذي تبدأ به المرأة بالارتياح تدريجياً والالتفات إلى نفسها ومراعاة متطلباتها , فالأولاد قد كبروا, يستطيعون الاعتماد على أنفسهم , بل وحتى يستطيعون المساعدة , لكن رجلها كان قد وقع في شباك فتاة تكبر ابنته بسنوات قليلة , تعمل في مكتبه عاملة بسيطة نجحت خلال عام قضته في العمل أن تدرك نقاط ضعفه وتحصي عليه هنّاته, لم تكن جميلة بل هي أقرب إلى النقيض , كل ما يبتغيه الرجل في المرأة كان عندها في الحدود الدنيا , ومع ذلك استطاعت الإيقاع به بسهولة, رجل مثله غني وذو مركز مرموق وشكله الوسيم لا ينبئ عن عمره , إضافة إلى أنه ليس بحاجة إلى أن ينجب منها , فهي تعاني من مشكلة قد تمنعها من الحمل , وها هي اليوم تتوج انتصارها بالزواج منه !
في تلك الليلة أخذت الأم أولادها إلى البيت, وعبثاً حاولت أن تقنعهم بالهدوء والنوم , لا تدري كيف زارها النوم بعد الفجر, الصغيرة ارتفعت حرارتها حتى جاوزت الأربعين , استيقظت على صوت جرس الهاتف , رفعت السماعة كان هو , لم يقل سوى : "ألو " وأكمل المكالمة بكاء, أما هي فقالت كلاماً حبسته دهراً , آن له أن يبصر النور بعد أن حبلت به من الأيام , ما همها إن كان سمع وعقل أم لم يفعل المهم أنها ولدت جنينها ولو ميتاً .
بعد بضعة أيام اتصل بهم , عريس عصره , رد عليه محمود , لم يعرف صوت محمود , لأن محمود في هذه الفترة كان قد بلغ الحلم , عندما أخبر أباه أن الصغيرة بالمشفى صرخ ببطر كل من بطر :" وأين هي أمك ؟ ألم يكن من المفترض أن تعتني بكم؟".
هنا جلس محمود واضعاً يده على ذقنه التي نبتت , تحسسها وقال :"أبي أريد أن أخبرك الكثير من الأخبار , أختي الكبيرة كبرت كثيرا وكأنها بلغت الثلانين دون أن تتجاوز السادسة عشر , أظنها لم تمر بفترة العشرينات , أنا تغير صوتي وبلغت مبلغ الرجال , أختي الصغرى ودعت الطفولة, رمت كل ألعابها , و ما عادت تتحدث أحاديث الأطفال , أمي احدودب ظهرها , وابيضت عيناها , أبي ..المهم طمني عنك , هل أنت بخير .......؟ هل كبرت أنت أيضا .....؟",


د. عبير خالد يحيي



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انصهار
- رصاصة
- أنا وأنت
- العيش في قبر


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - العريس