أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - العيش في قبر














المزيد.....

العيش في قبر


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 4997 - 2015 / 11 / 26 - 16:22
المحور: الادب والفن
    


العيش في قبر

يرخي اللّيل سدوله ويخيّم الظلام على الكون ، تسكن الحياة وتتحضّر للنّوم، كلّ شيء تتغشّاه السّكينة إلا قلبها وهواجسها، تستيقظ لتبدأ طقوسها، صباحها يبدأ عند تفلّت اللّيل من قبضة النّهار، تغسل وجهها المتغضّن الذي عملت فيه المعاول طوال سبعين عاماً بشقّ الأخاديد العميقة بين الجبال المدبَّبة ، تتوضّأ بماء دموعها لتصلّي صلاة الميّت .
النّظر في المرآة يزيدها خشوعاً ، تمعن النّظر في تفاصيلها على ضوء شمعة تضعها في شمعدان على حائط جانبي
وتبدأ بترتيل تعويذتها، تتأمّل في وجهها ، عيناها اللّتان خبا بريقهما و غارتا في محجرين برزا على جانبي وجهها، أنفها المدبّب وقد استطالَ وتهدّلت أرنبته حتى لاقت الشّفة العليا، الشّفتان اللّتان هرب الدّم منهما وفقدتا اكتنازهما وأصبحتا بالكاد تطبقان على بعضهما، الوجنتان اللّتان حفر بهما الزّمن بئرين عميقين غار فيهما الماء، ترفع غطاءً عن رأسها لتنفلت منه كومة قش لكنّها
بيضاء غادرها الصّفار ليستقر في وجهها ، تتحسّس بيديها المعروقتين عنقاً كانت تحسبه فيما مضى مرمراً لن يفقد ملوسته أبداً ، لكنّه خانها وتحوّل حصيراً منسوجاً بخطوط متداخلة ، تبدأ بفك أعلى ثوبها، وتبدأ ركناً آخر من أركان صلاتها اليوميّة تلك، تُسقِط ثوبها أرضاً وتقف منتصبة، كل شيء فيها تهدّل ، محراث السّنين مرّ على أرض طينتها مرّات عديدة، وأجاد الحرث بخطوط طولانية متوازية وعديدة ، لكنّ الحصاد عقيم ، أرض بور تصحّرت عبر السنين وجفّ ماؤها وتملّحت من أمطار دموعها ولا سبيل للاستصلاح ، تهوي أرضاً لتبدأ الركن الثّالث، تسجد على ثوبها وتغرقه بما تبقّى عندها من ماء العيون،
كل شيء فيها شاخ وهرم إلا تلك المضغة المقيمة بين جنبات قفصها الصدريّ ، ما زال يخفق بالحياة ، ومازال سكناً ودار إقامة له، هذا العملاق الذي لم يدرِ يوماً أنه يملك سكناً لا يكاد يغادره، وأنّها درست لأجله تاريخ أجداده الذي يمتد لعصور مضت وعاشت بين ظهرانيهم علّه يبصرها يوماً وهو يدخل إلى ذلك العالم مفاخراً بقصائده ليجلس إلى جانب جدّته ملكة بلاده في غابر العصور.
تقوم تمشي الهوينى حتى تصل إلى طاولة مكتب صغيرة ، تمسك القلم بيدها وتنفض لواعجها على ورقة مصفرّة ، برسالة لن تصل.
نار شوق تحرق أوراقها ، ونار غيرة تحرق قلبها، وتكتب قصصاً عن حضارات تستعرض فيها ملكات من كلّ الأزمان، تستنجد بهم وتشكو إليهم جحود من سكن قلبها دون أن يدري، تكتب بهذيان عاشقة، وشعوذة حاسدة، أنّ حورية بحر استحوذت على قلبه وأسرته، تصفها بالأفعى حيناً وبالفأرة حيناً آخر، تصدِّق هواجسها، مطلقةً العنان لخيالها المريض، تتوعّدها بالخسران المبين، وتتوعّده بشرٍّ مستطير، تصوّره بصور شتّى، مرّة مستعطفاً ومسترحماً، ومرة آيباً يرجو الوصال، ومرة معرضاً عنها، جاحداً لمشاعرها الفيّاضة، تتّهمه بأنّه طفل لاهٍ ، ومراهقٍ معربد، وشيخ زاهد ، تنهي رسائلها بالتّحضير لجنازة ، تنبش القبور بحثاً عن رفات أُمّها، تنقل الرّفاتَ من مقبرة إلى أخرى لتنتهي بها في مسقط رأسها في بلاد بعيدة جداً ، تحفر هناك قبراً، تضع
الرّفات فيه، وتستلقي فوقه، تنتظر موتاً لا يأتي ...

د. عبير يحيي.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - العيش في قبر