|
رصاصة
عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 5004 - 2015 / 12 / 3 - 19:10
المحور:
الادب والفن
رصاصة على شاشة حاسوبي رأيتها، رسالة من ضمن رسائل كثيرة تردني على صندوق الرّسائل في الفيس بوك ، فتحتها كما أفتح أي رسالة ، وما لبثت أن عدّلت جلستي وبدأت أعيد قراءتها من جديد، هي من صديق شاعر: -" هل لي أن أقصدك بخدمة ؟ قرأت لك نصّاً تتحدّثين به عمّا يشبه ما حدث معي ، وأريدك أن تصيغي ما سأخبرك به بقصّة بأسلوبك المميّز " هذا نصّ الرسالة ، نظرت إلى الأيقونة وجدت الدّائرة الخضراء متألّقة ، بادرت فوراً : -" السّلام عليكم ، كيف الحال ؟ " وبدأت المحادثة ، كتب قائلاً : "كانت صديقة، تعمل معي بنفس الشّركة ،مهندسة جميلة ، أنيقة، لبقة ،محبّة للحياة ، تعشق السّهر والسّفر ، منطلقة ، تكاد الإبتسامة لا تغادر وجهها الصّبوح ، محبوبة من الجميع ، ومحطّ أنظار الجميع ، لكن ... هناك نظرة كنت ألمحها بين الحين والآخر تهرب منها هروباً فألتقطها ، نظرة عميقة ، كنت أتمنّى أن أدفع عمري لأدرك كنهَها ، أحياناً كنت أباغتها بالسؤال : -" ما بك ؟" فتستدرك وتعود من سفرها البعيد: -" لا شيء !" علاقتي بها كانت مزيجاً بين الصّداقة والأخوّة والحبّ، حبٌّ غير مُصرّح به من قِبَلي. أذكر يوماً خرجت من العمل وكانت سيّارتي بالتّصليح ، رأتني ودعتني لركوب سيّارتها وإيصالي إلى البيت ، لم أتردّد، بدت أول الأمر ساهمة، وغابت بنظرتها العميقة تلك ، سألتها: -" ماذا بك ؟ ألسنا أصدقاء وأخوة ؟ لم لا تقولين لي ما يشغلك وإلى أين تذهبين بنظراتك تلك ؟ " التفتت إليّ، وبصوت كأنّه صدى آتٍ من وادٍ عميق في نفسها : -"يوماً ما، سأكون في شدّة ، سأحتاج مساعدة ، ولن أطلبها من سواك". وجاء ذلك اليوم منذ أيّام ، منذ حوالي شهر أخذت إجازتها السّنوية وأعلمتنا أنها ستقضيها في بيروت ، وهي معتادة على ذلك ، منذ يومين رأيتها في منامي". وهنا أحسست أن محدّثي يبكي ، سألته : -"هل تبكي ؟" قال لي : -"ليتني أفعل ، ، رأيتها في منامي على متن قارب ، مع ثلّة من النَّاسِ، بثوب أبيض وكأنّه ثوب عرس ، كانت تلوّح لي ، فجأة انقلب القارب وسقط الجميع بالماء ، صرخت تستنجد بي حاولت الوصول إليها ، لكنّي لم أصل ، وغابت كما كانت تغيب بنظرتها الشّاردة تلك ، أفقت من نومي تعباً أستعيذ بالله من شرّ ما رأيت ، وصلت إلى الشركة لأسمع الخبر الفاجعة ، ....لقد غرقت ! كانت الوحيدة التي ماتت ! وتم إنقاذ الجميع إلّا هي !. تخيلّي صديقتي ، استغاثت بي وأنا لم أغثها ، كانت تغرق في البحر وأنا كنت أغرق في النّوم ، بنفس اللّحظة !...استنجدت لي ولم أنجدها !" " هدّئ من روعك قليلاً ، لكن كيف ذهبت إلى هناك ؟ ألم تكن في بيروت ؟" "نعم كانت في بيروت ومن هناك لحقت بأخيها الموجود بتركيا ومن هناك استقلّوا قارب الموت ذاك ، وحدث ما حدث ! والبارحة رأيتها في منامي أيضاً، بثوبها الأبيض نفسه ، قادمة من البحر، وجهها ينافس البحر بزرقته ، مدّت ذراعيها إليّ، عانقتني ، وفي عينيها عتب كبير، لكنّها لم تتكلّم ،حملتها ومضيت بها ، وصلنا إلى الشاطئ ، عندما وضعتها على الرّمال ، لم يكن هناك سوى ثوبها الأبيض ، بلا جسد !."
اليوم وجد ت في صندوق رسائلي ، رسالة منه : -"صديقتي ، لقد التقيت بأخيها العائد من تجربة الموت ، وقد أخبرني أنّها ماتت برصاصة غادرة من حرس الحدود، اخترقت القارب واستقرّت في قلبها .....!" دكتورة عبير خالد يحيي
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا وأنت
-
العيش في قبر
المزيد.....
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|