|
ما أقسى فقد من اعتدنا على قربهم !!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 14:57
المحور:
الادب والفن
ما أقسى فقد من اعتدنا على قربهم !! ألم الفراق مظهر من مظاهر السلوك الاجتماعي لدى البشر ، لسانه الدّموع وحديثه الصمت ، بل أنه من أشد الأنماط السلوكية وقعا على النفوس ، وأكثرها تأثيرًا فيها ، لقساوته الشديدة ، وجرحه الذي لا يبرأ أبدا ، خاصة حينما يكون غير مبرّر، كما هو كل فراق بين الإنسان ومن يحب ، مهما كانت دوافعه معقولة ومسبباته منطقية ، ويمكن القول ، يحتاج تجاز ثقل آثاره ، الكثير من الصبر والتحمل .. إذ ما أصعب أن يشعر المرء وكأنّ المكان يضيق من حوله ، وأنه يبكي بلا دموع ، وينوح بلا صوت ، بعد أن يذهب من يحب بلا رجوع ، فليس هناك أقسى مرارة من فقد من اعتدنا على قربهم ، وألفنا ضحكاتهم وجلساتهم ، وما أحزن الفراق ، حتى لو كان فراق حيوان أليف ، كما اختبره العديد من ذوي الأكباد الرطبة من البشر ، وأدركوا قساوة ما يتسبب فيه ألمه من إحباط واكتئاب والكثير من المشاعر الأخرى ، كالشعور بالذنب لما فعلناه أو ما لم نفعله تجاه ذاك الحيوان خلال حياته بيننا ، قبل أن يستطيعوا قبول هذا الفقدان، ويستعيدوا صحة مشاعرهم ويبدؤوا بالتعافي بتذكر الأوقات السعيدة التي قضوها مع الفقيد .
مناسبة هذا الكلام ، هو ذاك الشعور القوي الذي ينتابني كلّما ، تذكّرت كلبتي " إيدي " أو رأيت أحدا يسير صحبة كلب في الشارع ، فأحس بوقع ألم رحيل كلبتي "أيدي الذي لن تعود منه يعصر قلبي ، لقد كانت إيدي" كلبة تعلّقت بها أسرتي ، وأعتقد ، بل كلي يقين ، بأنّها تعلّقت هي الأخرى بنا ، وبشكل لا مثيل له ، فقد كانت تشعرنا بأن قربنا منها ، كان يسعدها ، كما كان قربها يسعدنا ، حيث كانت تلاحقنا وتلاعبنا ، وتطلب منا حملها ، وتستمر في ذلك بلا كلل ولا ملل ، بل كانت تحزن وتبكي إذا نحن سلونا عنها لحظة أو تظاهرنا بذلك ، أو إذا تركناها وحيدة في البيت ، فقد كانت كالطفل في تعلقه ورغبته الشديدة في أن يكون قريبًا جدًا - إلى درجة الالتصاق – من أي شخص ممن له مكانه معينه لديه .كثيرا ما كنا نحكي لها ومعها ، وكانت تسمعنا ، وتفهمنا ، ويحدث أن نصرخ في وجهها إذا ما هي بالغت في طلبات الخروج وألحت عليها ، وينتهي صراخنا بحركاتها المتوددة ، وأنينها المصحوب بلعقات خدودنا ، تعبيرا منها على أسفها على ما صدر منها من إزعاج ، والذي سرعان ما تعود إليه بمجرد ما تقرأ بحدسها المتطور ، استحسان تصرفها ـ كم كان يروق لنا أن نلتقط لها صورا جميلة ، وهي تكبر بسرعة أمام أعيننا، وتزداد في كلّ يوم نضارة وجمالا ، لتبقى ذكرى لكائن دخل شغاف قلوبنا ، دون استئذان ، وأحببناه بلا شروط ، فكان الجمال كله في حياتنا في تلك الفترة ، التي ظلّت فيها فردا متميزا من العائلة ، شامخة كعادتها ، شديدة التأثير تعطي الأسرة سعادة وسرورا دون تأفف. لكن اللحظات الجميلة لا تدوم -كما يقال- ولا يبقى منها بعد زوالها غير آثارها السعيدة أو التعيسة ،المحفورة في القلب والوجدان ، والتي لا تمحى من الذاكرة.. ذات يوم صدمني مشهدها -الذي لا أخال أنّه سيفارقني أبدا- ، وقد تكومت ، بشكل مفاجئ ، حول نفسها ، وزاغت نظراتها ، وبدأت أطرافها تتشنج بقوة ، وأخذت كل عضلة من جسمها تضطرب بشدة ، ثم دخلت في غيبوبة واسترخاء عضلي عام بعد أن تبولت على نفسها وتلطخت ببرازها.. أصابني انهيار شديد من نظراتها الحزينة المستجدية ، التي كانت ترسلها نحو أفراد الأسرة الواحد تلو الآخر ، كلما خفت حدت نوبتها الصرعية ، وخفتت توتراتها الارتجاجية ، وكأنها تنادينا ، مستنجدة بنا مما أصابها ، أو ربما كانت ترغب في توديعنا قبل فقدان الوعي والسقوط في الغيبوبة الأبدية ، أو كانت تريد أن تقول لنا شيئا أخيرا مثلما يفعل المحبون عند الوداع . فزعنا واشتدّ رعبنا ، وما حسبنا أنّ الضرّ ينتصر بكلّ هذه القسوة في فك أواصر المحبة والعشق والحنان ، ورجونا الله أن يبقيها لأنّها لا زالت صغيرة ، لكنه قرار لا رجعة فيه ، ولا مرد لإرادة الله . كم دفع بنا حزن الفقد وألمه الشديد إلى التفكير في تبني كلب آخر جديد، لكننا سرعان ما كنا نحجم عن الفكرة لأن كلبتنا "أيدي" كانت متميزة، ولن يحل مكانها أي حيوان آخر. لا زلنا نذكرها ، بل ونبكيها إلى كتابة هذه الأسطر ، وسنظل نذكرها ونبكيها ، مهما سخرت الأرواح الخشبيّة الجافة التي لا يعرف أصحابها كم هو محزن وصعب فقدان حيوان صديق حبيب ، أعطانا السّعادة ولم يطلب المقابل... حميد طولست [email protected]
ألم الفراق مظهر من مظاهر السلوك الاجتماعي لدى البشر ، لسانه الدّموع وحديثه الصمت ، بل أنه من أشد الأنماط السلوكية وقعا على النفوس ، وأكثرها تأثيرًا فيها ، لقساوته الشديدة ، وجرحه الذي لا يبرأ أبدا ، خاصة حينما يكون غير مبرّر، كما هو كل فراق بين الإنسان ومن يحب ، مهما كانت دوافعه معقولة ومسبباته منطقية ، ويمكن القول ، يحتاج تجاز ثقل آثاره ، الكثير من الصبر والتحمل .. إذ ما أصعب أن يشعر المرء وكأنّ المكان يضيق من حوله ، وأنه يبكي بلا دموع ، وينوح بلا صوت ، بعد أن يذهب من يحب بلا رجوع ، فليس هناك أقسى مرارة من فقد من اعتدنا على قربهم ، وألفنا ضحكاتهم وجلساتهم ، وما أحزن الفراق ، حتى لو كان فراق حيوان أليف ، كما اختبره العديد من ذوي الأكباد الرطبة من البشر ، وأدركوا قساوة ما يتسبب فيه ألمه من إحباط واكتئاب والكثير من المشاعر الأخرى ، كالشعور بالذنب لما فعلناه أو ما لم نفعله تجاه ذاك الحيوان خلال حياته بيننا ، قبل أن يستطيعوا قبول هذا الفقدان، ويستعيدوا صحة مشاعرهم ويبدؤوا بالتعافي بتذكر الأوقات السعيدة التي قضوها مع الفقيد .
مناسبة هذا الكلام ، هو ذاك الشعور القوي الذي ينتابني كلّما ، تذكّرت كلبتي " إيدي " أو رأيت أحدا يسير صحبة كلب في الشارع ، فأحس بوقع ألم رحيل كلبتي "أيدي الذي لن تعود منه يعصر قلبي ، لقد كانت إيدي" كلبة تعلّقت بها أسرتي ، وأعتقد ، بل كلي يقين ، بأنّها تعلّقت هي الأخرى بنا ، وبشكل لا مثيل له ، فقد كانت تشعرنا بأن قربنا منها ، كان يسعدها ، كما كان قربها يسعدنا ، حيث كانت تلاحقنا وتلاعبنا ، وتطلب منا حملها ، وتستمر في ذلك بلا كلل ولا ملل ، بل كانت تحزن وتبكي إذا نحن سلونا عنها لحظة أو تظاهرنا بذلك ، أو إذا تركناها وحيدة في البيت ، فقد كانت كالطفل في تعلقه ورغبته الشديدة في أن يكون قريبًا جدًا - إلى درجة الالتصاق – من أي شخص ممن له مكانه معينه لديه .كثيرا ما كنا نحكي لها ومعها ، وكانت تسمعنا ، وتفهمنا ، ويحدث أن نصرخ في وجهها إذا ما هي بالغت في طلبات الخروج وألحت عليها ، وينتهي صراخنا بحركاتها المتوددة ، وأنينها المصحوب بلعقات خدودنا ، تعبيرا منها على أسفها على ما صدر منها من إزعاج ، والذي سرعان ما تعود إليه بمجرد ما تقرأ بحدسها المتطور ، استحسان تصرفها ـ كم كان يروق لنا أن نلتقط لها صورا جميلة ، وهي تكبر بسرعة أمام أعيننا، وتزداد في كلّ يوم نضارة وجمالا ، لتبقى ذكرى لكائن دخل شغاف قلوبنا ، دون استئذان ، وأحببناه بلا شروط ، فكان الجمال كله في حياتنا في تلك الفترة ، التي ظلّت فيها فردا متميزا من العائلة ، شامخة كعادتها ، شديدة التأثير تعطي الأسرة سعادة وسرورا دون تأفف. لكن اللحظات الجميلة لا تدوم -كما يقال- ولا يبقى منها بعد زوالها غير آثارها السعيدة أو التعيسة ،المحفورة في القلب والوجدان ، والتي لا تمحى من الذاكرة.. ذات يوم صدمني مشهدها -الذي لا أخال أنّه سيفارقني أبدا- ، وقد تكومت ، بشكل مفاجئ ، حول نفسها ، وزاغت نظراتها ، وبدأت أطرافها تتشنج بقوة ، وأخذت كل عضلة من جسمها تضطرب بشدة ، ثم دخلت في غيبوبة واسترخاء عضلي عام بعد أن تبولت على نفسها وتلطخت ببرازها.. أصابني انهيار شديد من نظراتها الحزينة المستجدية ، التي كانت ترسلها نحو أفراد الأسرة الواحد تلو الآخر ، كلما خفت حدت نوبتها الصرعية ، وخفتت توتراتها الارتجاجية ، وكأنها تنادينا ، مستنجدة بنا مما أصابها ، أو ربما كانت ترغب في توديعنا قبل فقدان الوعي والسقوط في الغيبوبة الأبدية ، أو كانت تريد أن تقول لنا شيئا أخيرا مثلما يفعل المحبون عند الوداع . فزعنا واشتدّ رعبنا ، وما حسبنا أنّ الضرّ ينتصر بكلّ هذه القسوة في فك أواصر المحبة والعشق والحنان ، ورجونا الله أن يبقيها لأنّها لا زالت صغيرة ، لكنه قرار لا رجعة فيه ، ولا مرد لإرادة الله . كم دفع بنا حزن الفقد وألمه الشديد إلى التفكير في تبني كلب آخر جديد، لكننا سرعان ما كنا نحجم عن الفكرة لأن كلبتنا "أيدي" كانت متميزة، ولن يحل مكانها أي حيوان آخر. لا زلنا نذكرها ، بل ونبكيها إلى كتابة هذه الأسطر ، وسنظل نذكرها ونبكيها ، مهما سخرت الأرواح الخشبيّة الجافة التي لا يعرف أصحابها كم هو محزن وصعب فقدان حيوان صديق حبيب ، أعطانا السّعادة ولم يطلب المقابل... حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تداعيات -جوج فرنك- على بعض مجريات الأحداث !!
-
ثقافة الاعتذار وثقافة -أنصر أخاك ظالما أم مظلوما-!!
-
أعذروا السيدة الوزيرة فإنها لا تعلم !!
-
هل يصبح شباط الرئيس 16 للحكومة المغربية رقم 31 ؟
-
على هامش حريق شارع الحسن الثاني بفاس ، وتأخر رجال المطافئ !!
-
هيبة الدولة من هيبة مؤسساتها !!
-
لرؤية البصرية هي أساس التصديق !!
-
لا شك أنه ثمة ما يستحق فعلا أن يُعاش في هذه الحياة!!
-
كيفما تكونوا يكون إشهاركم !!
-
إن للأحداث الكبيرة ذيولاً ليست في الحسبان
-
وفاة فاطمة المرنيسي رزء فادح للمغاربة .
-
مليونا قارئ شهادة إبداع أعتز بها ..
-
المرأة وقدرها في المجتمع ؟
-
أحوال المسلمين في فرنسا بعد 13 نوفمبر !!
-
مجتمع مريض وبحاجة إلى إعادة تنظيم !!
-
حادث باريس تشويه لصورة الإسلام الوضاءة
-
إلى طاحت البقرة ، كيكثروا الجناوا-..
-
عندما تستهدفك الأعداء!!
-
هاجس الرحيل !!
-
رتباط الموسيقى والأغاني بالشعب ومشاعر الناس .. أغنية - صوت ا
...
المزيد.....
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
-
لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
-
مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|