أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - كمال العيادي - صورة جانبيّة, لوضع الجاليّة العربيّة في ألمانيا















المزيد.....

صورة جانبيّة, لوضع الجاليّة العربيّة في ألمانيا


كمال العيادي

الحوار المتمدن-العدد: 1366 - 2005 / 11 / 2 - 12:04
المحور: كتابات ساخرة
    


سواء كنت تغادر للتّوّ محطّة القطارات بكولونيا أو بميونيخ أو أنّك كنت تعبر السّاحة الرّئيسة ببرلين أو بدورتموند, فلا بدّ أن تلاحظ أنّ أغلب الوجوه سمراء وأنّ أغلب الملامح أجنبيّة, ليس لها علاقة بالملامح الآريّة ولا تشبه أطلاقا ملامح أحفاد نيتشه و طوماس مان وهرمان هسّه.

طبعا سيكون من الصّعب عليك أوّل الأمر, التّأكّد إذ ما كان ذلك الكهل المتّكأ إلى السّور المقابل, تركيّا أو مغربيّا, أو إذ ما كان ذلك الشّاب الواقف هناك, جزائريّا أو ايطاليّا,
ولكن لوّ أطرقت بسمعك قليلا لسمعت أحدهم يصيح : - يا حبيبي خلّصنا الله يرضى عليك.
أو جملة متداولة من هذا القبيل, وستدرك فورا حينئذ أنّك في قلب المنطقة العربيّة بالمدينة.

لبنانيّون وجزائريّون وتوانسة ومغاربة. يلعبون الورق عند الرّكن القصيّ من المقهى المقابل. لمبنى محطّة القطارات. أو يخوضون في حوار ساخن حول مقابلة ليلة البارحة التي لا تتكرّر. سيّان, أينما كنت بألمانيا, فساحات مركز المدينة, حيث محطّة القطارات بالمدن الكبرى, تتشابه إلى حدّ التّطابق المثير للدّهشة أحيانا. بل هيّ تكاد تكون واحدة استنسخت منها صور عدّة.

السّاحات الرّئيسيّة هي الأماكن المحبّذة للتّجمّعات العربيّة. محلاّت لبيع الكفتة و الشارورمه
وأخرى لبيع الخضار و مشتقّات الحليب. هذه تخصّصت في بيع أجهزة الهاتف الجوّال مستعملا وجديدا, مع توفير كلّ آلات غياره. وتلك تعرض لحوما ودجاجا بوضع لافتة ضخمة لا تتناسب مع ضيق مدخل المحلّ, كتب عليها باللّغة الألمانيّة والتّركيّة والعربيّة عبارة – حلال وطازج - كما أنّ هناك الكثير الكثير من محلاّت بيع وشراء المجوهرات والذّهب والفضّة والسّاعات.

أغلبيّة الجاليّة العربيّة المتواجدة بالمدن الألمانيّة الصّناعيّة الكبرى من العراقيين والفلسطينيين واللّبنانيين والمغاربة ( المغرب – تونس – الجزائر ). عدد كبير منهم قدموا خلال أواخر الستّينات وبداية السّبعينات للعمل بمصانع السيّارات والصّناعات الكيميائيّة. و لم يغادروا المدينة التي قدموا إليها منذ ذلك الحين. هم الآن يتمتّعون بامتيازات صندوق التّقاعد, بعيدا عن ضجيج آلات المصانع الضّخمة, يحاولون بصعوبة التّعوّد على الكسل وتوزيع ساعات اليوم الطّويل بين زيارات استثنائيّة لمصلحة التّقاعد ولعب النّرد, استعداد لزيارة خاطفة للبلد كلّ ثلاثة أشهر, لتغييرالجوّ, و كذلك للوقوف على آخر مستجدّات البناء هناك. خاصّة وأنّ سعر تذاكر الطّائرة ينخفض بشكل مغر خارج أوقات الذّروة. تراهم عادة يتكلّمون ببطء واتّزان, ويقلّبون الخضار عشرات المرّات قبل وضعه على الميزان. وغالبا ما تراهم يتأبّطون محفظة أوراق بنّيّة أو سوداء, تضمّ رزما من الوثائق التي لا غنى عنها, من ملفّ للتحاليل الطبّيّة, إلى صور بيانيّة للبيت هناك بالبلد, لتبادل الرّأي والمشورة مع بعض الأصدقاء الذين يتأبّطون محفظات مشابهة.

الشّريحة الثّانية تتقن اللّغة الألمانيّة أفضل من الأولى, أغلبهم من الطّبقة الوسطى, جاء اكثرهم من لبنان أوائل الثّمانينات هربا من هول الحرب الأهليّة والإحتلال الإسرائيلي سنة 1982
وبعضهم من الطّلبة القدامى الذين قدموا سعيا وراء شهادة علميّة نافعة, وانتهى بهم الأمر إلى فتح محلاّت لبيع الحمّص المطحون والفلافل, منافسين في ذلك إخوتهم و جيرانهم الأتراك الذين أكتفوا باقرار تخفيضات مؤلمة لسعر الكباب كتعبير عن ضيقهم بهذه البدع العربية. - الشّاورمه هيّ الكباب, ونحن جميعا مسلمين, فلماذا يسمّون كبابنا شورمه ؟؟ ألا يكفي أنّ اليونانين يبيعون نفس بضاعتنا ويسمّونها- غيروس ؟؟ ( للتّنبيه فأنّ الغيروس, كباب من لحم الدّيك الرّومي ).

البعض الآخر, يتكلّم الألمانيّة والحقّ يقال بشكل جيّد. لا ترى أغلبهم إلاّ أيّام السّبت والآحاد, يجلسون على بعد أمتار قليلة فقط, بعيدا عن طاولات الآخرين, ولكنّها بعيدة بما يكفي لإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه. عادة تراهم لا يشربون غير المياه المعدنيّة أو الشّاي الإنجليزي الأصفر المنقوع. يحرصون على الحديث بتأنّق ويتعمّدون التّركيز على إبراز مخارج الحروف و التّأكيد خاصّة على حركات الكسر والرّفع, حين يطلبون من النّادل بأدب جمّ قطعة أخرى من السّكّر أو ملعقة.
يتحدّثون بطلاقة في السّياسة العالميّة وآخر أخبار الكوارث, وينتقدون بجرأة التعديلات الدّستوريّة الأخيرة في بنغلاداش وكوستاريكا, وربّما طالت بهم الجلسة فتراهم يتطرّقون بحذر إلى مسائل ساخنة, مثل مشروع القانون التّجاري الذي تقدّم به نائب رئيس غرفة الصّناعة والتّجارة للبرلمان الألماني ببرلين. يتناقشون بحماس أيضا, ولكن لن يحدث إطلاقا أن يرفع أحدهم صوته بما يزعج طاولة الزّبائن المحاذية. وهم يدفعون ثمن ما شربوا تماما مثل الالمان. كلّ يدفع شربه.

عادة عند الزّاوية اليمنى, أو اليسرى, مقابلا لمحطّة القطارات بأيّ مدينة صناعيّة ألمانيّة كبرى
يمكنك أن تعثر على معلّقة متوسّطة الحجم, تشير إلى مقهى – السّلام – عند أوّل الزّقاق الجانبيّ. قد تتغيّر الأسماء, فيمكن أيضا أن يكون مقهى – الصّفاء- أو مقهى – القدس - … ولكن لو كلّفت نفسك مشقّة قطع الطّريق واتّجهت صوبه مسترشدا بالسّهم الذي يشير إليه أسفل المعلّقة, لوجدت أنّه نفس المقهى الذي سبق لك أن رأيته في أحد المدن الألمانيّة الصّناعيّة الكبرى الأخرى. حانوت ضيّق تصعد إليه ثلاث درجات, وبابه من البلّور المدخّن المصقول. وسترى كهلا متثاقلا يلفّ وسطه بميدعة حمراء, يلبّي بتذمّر طلبات الزّبائن التي لا تزيد عن كأس شاي ثقيل قبل السّاعة الحادية عشر صباحا, أو كأس بيرة بيضاء بعد ذلك. و لو حدث وإن سلّمت ودخلت, فإنّك سترى أنّ المحلّ عبارة عن قاعة مستطيلة, توزّعت فيها سبع طاولات خشبيّة ثقيلة, وعند كلّ طاولة من الطّاولات الثّلاث الأخيرة, تحلّقت جماعة من المهاجرين الشّبان, يلعبون الورق, ولو جلست ساعات هناك, فلن تسمع غير لعن أبا الورق والحظّ التعس الذي يبخل بوزير أسود.
أو بملك أحمر, بدل هذه الأوراق الصّغيرة التي تتقاطر كلّما انعدمت الحاجة لها.
هؤلاء, يكون من السّهل عليك التمييز بينهم, ومعرفة بلدهم الأصل رغم تشابههم الغريب, فهذا الذي يضرب الورق على الطّاولة كامل الوقت هوّ تونسيّ, وذلك الذي يصرخ كلّ دقيقتين
( … باباك ) فهو جزائري, في حين أنّ ذاك الذي يهبّ واقفا بين الحين والحين صائحا:
( - وِيلي…وِيلي, بحال فرشت. ), فذاك مغربيّ. الأمر في غاية البساطة.
أمّا الكهل النّادل, فخذ من الوقت عشرة أيّام ولن تعرف من أيّ بلد هوّ. تراه يشتم الأوّل بلهجة أهل الجنوب التّونسي ويسخر من الثّاني بلهجة أهل مكناس. ويجادل الثّالث بلهجة تيزي وزّو ولو سألته عن عنّابة أو وهران, لسألك بدوره عن أيّ زقاق فيها تسأل وعن أيّ عائلة بالتّحديد.
خبرة لا تتوفّر إلاّ لكهل يلبّي بتذمّر منذ ثلاثين سنة, طلبات زّبائن عرب و يقدّم شايا ثقيلا قبل السّاعة الحادية عشر وبيرة بيضاء بعد ذلك.
ولو حدث و حدّثته بعد دفع ثمن الشّاي الثّاني طبعا, أنّك قرأت في مجلّة جادّة بأنّ عدد العرب الذين يعيشون في ألمانيا حاليّا يقدّر بـ 390 إلى 420 ألفا, مقارنة بأكثر من 7,6 مليون أجنبي يعيشون فيها. لنظر إليك بارتياب وأجابك قائلا وهو ينهض فجأة, - ألمانيا بلد كبير يا أخي.



#كمال_العيادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مستعجلة إلى حبيبتي الإلكترونيّة
- صاحب ربطة العنق الخضراء
- زفرات قلب الشّاعر
- عن الحنين والغربة : مع الكاتبة المهاجرة كوثر التابعي
- لهذه الأسباب منحت جائزة نوبل لأدونيس ولم تمنح لمحمود درويش
- مرثيّة القمر الأخير
- موت بدون وصيّة
- يلزم بعض الوقت: مجموعة - زهرة يسرى -الشّعريّة
- برقيّات إليهم …أينما كانوا في منفاهم - 1
- وقائع الرّحلة العجيبة إلى تونس
- رحلة إلى الجحيم
- حكاية السنوات العشرين
- بقايا الحنّاء والرّسائل المغشوشة
- 48 ساعة قبل سقوط القيروان
- أبو زيان السعدي , سيد الغيلان
- - آنيتا - زوجتي
- حميد ميتشكو
- الخادمة الصغيرة: للكاتبة كوثر التابعي
- الجوّاديّة لن تزغرد في أعراس هذا الصّيف
- هذا الثّلج غريمي


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - كمال العيادي - صورة جانبيّة, لوضع الجاليّة العربيّة في ألمانيا