أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل كامل - لمناسبة المجلد الثالث طه سالم .. الانساق تتجدد















المزيد.....

لمناسبة المجلد الثالث طه سالم .. الانساق تتجدد


عادل كامل

الحوار المتمدن-العدد: 4996 - 2015 / 11 / 25 - 10:58
المحور: الادب والفن
    


لمناسبة المجلد الثالث*


طه سالم..
الأنساق تتجدد
عادل كامل
منذ اختار طه سالم فن المسرح، بمختلفة أبعاده، من التدوين إلى الإخراج، مرورا ً بالتمثيل، أدرك انه إزاء محنة كلما توغل في مجهولها اكتسبت ـ المحنة ـ أسئلتها الأكثر تعقيدا ً، لأنها لا تخص إلا أسئلة الوجود الأكثر استحالة للإفصاح عن معناها الأبعد، والذي يكمن في لغز اللغة أحيانا ً، وفي الغالب، خارجها.
فالفتى القادم من بلاد سومر (1930)، البلاد التي تكّونت في رحمها فنون المعمار وبناء السدود وتدوين الشرائع، فضلا ً عن الايكولوجية التي تضافرت فيها أسس أقدم حضارات الأرض: الكتابة، صهر المعادن، الفلك، الطب، التعليم، الديمقراطية، حماية البيئة، حقوق المرأة والطفل، وقبلها أقدم مفهوم للعدالة...، فلم يصدم الفتى بغياب ارثه الكبير، اندثاره، بل وزواله فحسب، بل العمل على إبقاءه طي النسيان، أو العمل على نهبه، أو تركه نسيا ً منسيا.
فهذا الفتى المنحدر من أوروك، بلاد ما بين النهرين، ارض السواد، العراق، حمل الأسئلة ذاتها التي دوّنت، قبل أن تكتب مراثي أور وأكد، وبعدها: ما العدالة....، بمعنى: ما المعنى من الوجود برمته، خارج سلطة الواعظ، الملقن، وبعيدا ً عن سلطات المعبد، وهو يرى ـ بعنف أو بهدوء أو بلا مبالاة ـ تاريخه الحاضر يمضي إلى المجهول...؛ تاريخ قرن مشحون بالتحولات، والخراب، والغموض..
ولأن هذه الأسئلة سبقت ولادة إبراهيم، في الآلف الأول قبل ظهور المسيح، بألفي سنة أو أكثر، أسئلة تمت صياغتها بالحوار، استنادا ً إلى فحص الواقع، وعبر التجريب، كاستحداث يلخص مفهوم: منح الحياة دلالة توازن، أو معادلا ً موضوعيا ً لها، إزاء الانتهاك، الجور، والموت، فإنها لم تتكرر، بل ولم تتجدد، ولكن ليس لديها إلا أن تشكل لغزا ً ليس لاندثارها، أو زوالها، بل لديناميتها. فطه سالم، في نصوصه المسرحية المبكرة، والمتأخرة، حدق في أزمنة لا يكاد الضوء فيها إلا أن يكون إشارة للظلمات، والرداءة، واللا معقول...، وهو التصادم الدائم القائم على مثنوية الرحمن ـ الشيطان (النور ـ الظلام)، بإضافة بحث شاق يلخص مسار البعد الثالث: ما بعد الشر ـ والفضيلة، الذي يلخص ولادة الإنسان من الوحل ومسعاه للتطهر منه: نحو (المثال): الفردوس، أو المكان الذي لا شوائب فيه.
فنصوصه المسرحية لا تكف تحفر في واقع الإنسان ـ بدءا ً بسكان العراق القديم ـ من أعالي الفرات إلى ضفاف البحر ـ بالأسئلة الوجودية العابرة: للمكان، المعتقدات، والهوية...، نحو: قهر عوامل القهر، أو تعديلها، بالبرهان، العقل، بالاستناد إلى منطق التجريب في الوجود.
وقد كان لخمسينيات القرن الماضي في العراق ـ عهد الريادة عن حق ـ وفي شتى حقول المعرفة، أثره بمنحه روح المغامرة، التحدي، وقد كان العالم في طريقه للتحول إلى مساحة مكشوفة، مرئية، والى قرية صغيرة.
فبعد قرون طويلة عاشها العراق بمعزل عن التاريخ، وما كان يحدث للأمم من تطور وارتقاء، كانت الظلمات تتراكم في وطنه، وتعمل على قهر الإنسان ـ الذي كان نبراسا ً لأقدم حضارات الأرض ـ كما أسهمت روافد أوربا، في حداثتها، بجعله يصدم بالمزيد من العثرات، الفجوات، أو الفراغات، ليس بين حاضر العالم واسيا، وليس بين حاضر وطنه وما كان أنجز في بلاد وادي الرافدين، فحسب، بل في: ما معنى أن يحكم على الإنسان، بالمحو...، قبل أن يكون لحضوره كينونة، وامتداد...؟
وأتذكر إن الأستاذ نجيب المانع كان يقول لي ـ في سبعينيات القرن الماضي ـ إن بلادا ً بلا مسرح، يعني، إنها بلا بشر، وبلا حضارة. فلقد وجد إن التنمية، لا يمكن عزلها عن الحرية، لأن الأخيرة لا تجد أنساقها إلا في: الحوار، وليس في بناء أنظمة قائمة على المحرمات، القهر، والدفن.
إنما كان طه سالم، في انشغاله بهموم المسرح، قد ترك بصيرته تذهب ابعد من مرارات الواقع، فقره، وجدبه، فراح يتوغل في تفكيك أنسجة المجتمع، وفي تحليل الذات ـ كذات إنسانية شاملة ـ ليكون شاهدا ً،: يرى، يسمع، ويختبر الكثير من المخفيات، وما كان يحدث عبر الحياة اليومية أيضا ً.
وما دوّنه الأساتذة ـ في المجلد الأول والثاني ـ: مؤيد البصام، سامي عبد الحميد، يوسف العاني، حميد رشيد، يوسف عبد المسيح ثروة، شوقي كريم حسن، عقيل مهدي، ياسين إسماعيل، شذى سالم، على عبد المحسن علي وغيرهم... يسهم بإعادة القراءة، ليس في ما أنجزه الرائد طه سالم، في نصوصه المسرحية، بل في إعادتها إلى الضوء. إنها قراءة تماثل في عملها إعادة صناعة الأثر، بعد اكتشافه، وليس في إهماله، أو تجاهله. فالنص لدى القارئ، في هذا السياق، يعمل عمل ألجين، وهو يقاوم عوارض الزمن، وآفات المحو.
فعندما (اقترن) طه سالم بالمسرح، من غير هالات أو مقدسات، بل استنادا ً إلى التجريب، بمعطياته الواقعية، المباشرة، فانه اصطحب معه الذاكرة الشعبية، برموزها، وعلاماتها، لأنه لم يغادر بيئته، نحو العالمية، بل ستكون العالمية، جذرا ً للدراما، بعنفها، وصخبها، مثلما مكث يقاوم زمن: الخرافات، وزمن الطناطل، والخراتيت، والأنظمة الثيوقراطية، والأحادية، فراح يعيد للمعقول ـ في حده الأدنى ـ مساره عبر برنامجه: الجدل في المحاورات، ومغزى التركيب، والتداخل، والتوليف، وليس في الانغلاق، والتزمت؛ محاورات ترجعنا إلى المدونات الأولى: الحوارات التي جرت بين المعادن، وبين النباتات، والحيوان، فضلا عن البشر، وهي إشارة لحضارة تأسست على الحوار، كأساس لكل مسرح يغدو برنامجا ً للتقدم، وليس للارتداد، ففي المسرح السومري ـ يتذكر طه سالم ـ تضافرت عناصر: الفكرة، المدون، والجمهور، عبر: فوانيس، طنطل، الكورة، ورد جهنمي، نجمة أم ذويل، تراب، قرندل، الجدار، ما معقولة، عصافير الشوك، مدينة تحت الجذر التكعيبي، أبو خزامة... وغيرها، مع مساحة للتيارات المعاصرة، الطليعية، بمختلف أشكالها، حيث التنصيص ـ وهو قديم قدم تطور الحرف عن الصورة، وتطور الأشكال نحو الرموز، ونحو التجريد ـ ليس إلا مهارة لم تترك لفقدان الأمل، وواقعية الواقع المرير، أن يكون خاتمة إلا وقد مدت البذرة براعمها نحو الشمس...، بعد أن حفرت جذورها عميقا ًفي اصلب الصخور.
فطه سالم، ليس واقعيا ً، ولا سورياليا ً، ولا مستقبليا ً، ولا عبثيا ً، كما لم ينتم إلى الوجودية، ولا إلى الماركسية التقليدية، ولا إلى أية مدرسة إلا وقد راح ينسج منها كل ما سيمثل مفهوم: استحالة تدمير الفن، أي استحالة تدمير الإنسان، حتى لو تمت تصفيته جسديا ً، أو إخفاءه من الوجود.
فماذا لو وضعنا اسم طه سالم، مؤلفا ً لمحاورات: أيوب البابلي أو ما بين السيد والعبد، أو ما بين الفلاح والراعي، أو ما بين الصيف والشتاء .. الخ، بعد مرور ستة آلاف سنة على تدوينها، ألا نجد إن الفجوة تقلصت حد الصفر...، وان زمن الحاضر ليس إلا مستقبلا ً لماضيه، أم سنقول، على العكس: ليس المستقبل إلا ماضيا ً مؤجلا ً...، وان النصر ليس هزيمة مؤجلة؟!
مثل هذا الانشغال، رد عليه، أنطوان تشيخوف، وقبله تولستوي، بالفن. فأما أن نصنع مسرحا ً حقيقيا ً، بشروط الفن، أو بما هو مضاد للإبداع الفني. لقد نذر الكاتب ـ الممثل والمخرج ـ طه سالم حياته للفن/ الأمل، حتى لو كان بحجم حرف أو كلمة أو إيماءة ـ اللغز ذاته الذي تحدى آفات الزمن، والقهر، الأمل الذي لم يغادر منهجه النقدي، بما تضمنه من شهادات نسجها بروح التحدي، والتجديد، وهو ما اكسب ريادته عمقها، من ناحية، ومعاصرتها، من ناحية ثانية: وحدة لا تزور، بل عملت على تفكيك الالتباسات، لصياغة فنه المسرحي، بأسلوب هو شخصيته، رؤيته، وهو هوية طه سالم، نموذجا ً للذي لم تأسره الغوايات، بل على العكس: لمغادرتها، وإعادة بناء دراما من غير أوهام، وزخارف.
25/11/2015
* صدر، في بغداد، عن مكتبة فضاءات الفن، المجلد الأول، والثاني، لمؤلفات المسرحي العراقي الرائد، طه سالم، وإشارتي ـ هنا ـ سترفق مع المجلد الثالث، وهو قيد الطبع.



#عادل_كامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 7 مواقف
- 7 قصص قصيرة جدا ً
- 3 قصص قصيرة جدا ً
- قصة قصيرة/ رائحة ما
- 9 قصص قصيرة جدا ً
- من النبات الى حداقئنا المعاصرة: نكوص ام ارتقاء..؟
- قصص قصيرة جدا ً/ مستعمرة الديناصورات/ القسم الرابع والاخير
- في التشكيل العراقي المعار/ عبلة العزاوي رحلة مع رائدة الخزف ...
- قصص قصيرة جدا ً/ مستعمرة الديناصورات القسم الثالث
- قصص قصيرة جدا ً/ مستعمرة الديناصورات / القسم الثاني
- قصص قصيرة جدا ً/ مستعمرة الديناصورات
- قصة قصيرة/ ممرات
- في التشكيل العراقي/ غالب المسعودي
- قصة/ شجرة من غبار
- قصة قصيرة/ اعترافات كبش
- قراءة في رواية وجع المدينة لعماد العبدلي
- قصة قصيرة/ تتمات
- في النحت العراقي الحديث/ منعم فرات
- قصة قصيرة / لا احد سوى الجميع
- قصة قصيرة/ في الطريق الى المنصة


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل كامل - لمناسبة المجلد الثالث طه سالم .. الانساق تتجدد