أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل كامل - قراءة في رواية وجع المدينة لعماد العبدلي















المزيد.....

قراءة في رواية وجع المدينة لعماد العبدلي


عادل كامل

الحوار المتمدن-العدد: 4883 - 2015 / 7 / 31 - 12:37
المحور: الادب والفن
    


قراءة في رواية

وجع المدينة لعماد العبدلي



عادل كامل
مع إن الخيال الجمعي/ والفردي، لم يكف عن اختراع المدن الفاضلة، قبل جنة (عدن)، وبعدها، ومع إن الخراب يكاد يكون السابق في الوجود قبل انهيار هذه المدن، وزوالها، فان الألم، الظلم، والخديعة تبقى احد أهم المكونات التي تحفر أساسات المدن التي لم تتأسس بعد!
عماد العبدلي، أستاذ الكيمياء الحياتية*، الذي امضي سنوات طويلة في المختبرات، لا علاقة له بالخيمياء القديمة، والسحر، بمختلف ألوانه، فلم ينشغل بتحويل التراب إلى ذهب، بل راح يتأمل المعضلات التي وجدها تمتد، وتتكرر، من غير خاتمة. هذا المراقب الذي انشغل بمراقبة مستعمرات الجراثيم، العالم غير المرئي إلا بالعدسات المكبرة، ومنها الأكثر حداثة، سيختار المدينة ـ وهي بغداد ـ معضلة أو موضوعا ً لا يبحث عن حل له، بل راح يراقبه، عبر الكائنات التي ستصير، في الأخير، انشغاله. فراح يراه بالعين المجردة، لكنها العين التي تحدق في الظلمات، وما يجري داخلها من اشتباكات، وفضائح.
وعلى الرغم من إن عماد العبدلي أمضى سنوات طويلة في دراسة الكائنات المجهرية، الضارة منها والنافعة، وبأدوات علمية، حيادية، إلا انه سيكرس روايته (وجع المدينة) للتوقف عند عالم لا يقل غرابة ـ وواقعية، تجعل المقارنة بين الأول والثاني، تذهب عميقا ً في رصد ظاهرة الحياة ذاتها، وديناميتها. فالمكان لا يتوجع ـ كمكان أو كمدينة ـ إلا بكائناته، فالمكان بمعزل عنها، كالكائنات الحية لا وجود لها خارج هذا المكان، وفجواته. الأمر الذي منح رؤيته أفقا ً أوسع في القراءة، فالوجع ـ أكثر قربا ً للإذن من كلمة الم ـ بما يمتلكه من كتمان، ولوعة، ورمزية. هكذا تصبح المدينة، في السياق، علامة كونتها سلاسل الصراع/ الاشتباك/ والانتهاك. إن الكاتب يكف عن دراسة المجهريات، للانتقال إلى عالم شبيه بما جاء في أساطير سومر، حول مفهوم العدل، الإله، وما تعنيه الحياة. فالعبث لم يعد نتيجة، إلا ليبرهن وكأنه وجد قبل التجربة...، لكن الكاتب يعمل وفق برنامجه العلمي، غير الافتراضي أو الخرافي أو الأحادي، في رصد الصراع، ليس بعيدا ً عنه، أو مستقلا ً، بل جزءا ً من بنيته. لأن عملية استبدال الكلمات بالأدوات المختبرية، العلمية، منح النص الروائي دور المفتاح الذي يدور في القفل. فبعد فتح الباب، تتكشف المدينة عن عالمها وهو يتوجع، حد الفجيعة. وكأن الكاتب يفند ما دار بخلد الأسلاف ـ عن الجنات ـ والمدن الشفافة/ الفاضلة، ولكن هذا محض افتراض، برغم أن بغدد بشخوصها وكائناتها هي المسرح، حيث لا تتوارى تلك المشفرات العنيدة الذاهبة ابعد من المعنى...، ابعد من الوجع، ولكن الحصيلة تبقى تحافظ على ما حصل، كوثيقة للتاريخ، وإنما دوّنت برؤية شاعر مرهف مهموم بها حد إنها حافظت على ديمومة استحالة تدمير الأمل، حتى لو تم قهر الإنسان، وسحقه.
انه المعنى برمزيته، وهو الرمز واقعيا ً: فقد استبدل عمله ألمختبري، للمجهريات، بقراءة الوجع، عبر مساراته حتى النهاية.
وقد لفت الكاتب والفنان حميد ياسين، الانتباه ـ في كلمة له منشورة على غلاف الرواية الأخير ـ للعلاقة بين الواقع والخيال، فكتب:
[ وجع المدينة رواية انطلقت عن رؤية خاصة لأحداث وأماكن وشخوص انحدرت من خيال تشكلت فيه ملامح مدينة موجودة على واقع مترام الأطراف لم تجد أسباب تعانقها الإنساني.
وقدر لها أن تتحرك بأزمان متعجلة ولم يكن السرد فيها هو المنظور الذي تجتمع فيه تلك الخطوط على نحو معين، بل كانت تتعامد وتتقاطع وفق تصور لجو مشحون بالصراع وتجلت الرواية في واقع ضبابي عائم في فراغ تراهنت عليه نبوءات وهمية لواقع مثلته انتقالات سريعة لمدينة راكضة وراء صيرورة وهمية لعناصر غير متكافئة. ومن لذائذ هذه الرواية أن تقرأ بعناية فائقة ليشعر القاريء فيها بأنه اشترك مع الكاتب في تمثله للواقع والخيال] **
إلا أن الرواية لن تغادر الواقع نحو الفن، أو الخيال، مثلما الفن أو الخيال سيحافظ على علاقته بالواقع، للنبش في (الوجع): الانتهاك. فالنص الروائي لا ينشغل بتشريح جثة مدينة ميتة، أو مازالت تحتضر فحسب، بل سيعيد صياغة الأسئلة التي تخص معنى الموجودات ـ في الوجود ـ المدينة، أو ما يسمى بالحضارة. فهي رواية لم تتوقف عند انتهاك الحقوق، وهي لا تحصى ولا تعد، لليسار، ولكل ما ينتمي إلى التقدم والتنمية، بل وللإبداع عامة ـ الذي حدث بإفراط في قسوته على مدى عقود غير قصيرة ـ وهو زمن الرواية ـ بل وامتداده، كأنه يؤكد إن العقوبة بالدمار صدرت قبل وجود المعاقبين!
وأنا لا اعرف لماذا مكثت أفكر بمئات المدن، بأسمائها المعروفة، مثل أور، أكد، وبغداد ...، والبعض منها غاب، ولم يترك إلا وجعا ً يخترق عقولنا المعطلة، أو الخاملة، أو الخامدة، أو يلامس ضمائرنا المحتضرة، المضطربة، أو المستلبة، ولكنني اعرف أن الكاتب عماد العبدلي، صفعنا بمنهجه العلمي، الجذاب، ولا أقول الحيادي، كي لا تفقد الكلمة أثرها، في المراجعة، والمحاسبة، وفي أداء دورها، كأداة لم تمت بعد، إن لم اقل: مازالت تأمل بمن يعيد للإنسان قدراته على بناء مدن الحلم.
فالرواية (وجع المدينة) تنتهي بفاجعة، ذروة للوجع، كأنها دورة، بدأت بصراع مخلوقات مرئية ـ ولم تعد مجهرية ـ لتنتهي برصد وجع اشد إيذاء ً وهولا ً غد معروفا ً عبر مختلف وسائل البث والتواصل، أمام أنظار العالم بأسره:
[ إضافة لفقدان الأمن وسلطة القانون ومع ظهور مليشيات متعددة وبأسماء وشعارات كثيرة تتوعد الويل والثبور وإباحة من يخرج عن نهجها السماوي القويم كأنها تمتلك تفويضا ً إلهيا ً، أصبحت بغداد تصحو وتغفو كل يوم على الانفجاريات وبأشكال متنوعة لا احد يعلم من الذي يفجّر وما هي الأسباب ومن هو المستهدف ولكن يبدو إن الجميع مستهدفون، مواسم للقطاف عديدة ومتتالية ... عمال البناء لهم موسم يليه موسم للمقاهي ثم موسم آخر لتفجير الأسواق الشعبية وآخر لدور العبادة بعدها حافلات الركاب وأحيانا ً الجسور وبطرائق وإبداعات مختلفة لإيقاع اكبر خسائر ممكنة بالناس وهناك موسم آخر للاغتيالات موسم حصاد للكفاءات وموسم للنخبة الاجتماعية وآخرين، اختطاف وذبح على الطريقة القروسطية بشر ينحرون وآخرون تتطاير أعضاءهم وأحشائهم في كل مكان ولملمة لأعضاء القتل الملطخة بالدم الرائب ببطانيات وخرق ممزقة ورميها بالعربات. وعساكر الغرباء ومنهم المارينز تحلل وتترقب المشهد إن لم تساهم به في دعم جماعة على أخرى .....] ص110
فهل حقا ً لم تسمع السماء، مثلما الأرض مكثت عمياء ـ كما في الأصل السومري في: الحوار بين السيد والعبد/ وكما في حكاية أيوب السومري: العادل المتوجع ظلما ً ـ كي يدوّنه كاتب متخصص بالمجهريات، والكيمياء الحياتية..، أم أن السماء هي التي اخترعت الحكاية، بمخلوقاتها، ووجعها، كي لا تحكي أكثر من كلمات جلجامش، وهو يقف عند أسوار أوروك، وليس ابعد من كلمات هاملت، وكأن شكسبير أعاد تنصيصها، وقد صاغ منها عبثا ً وعبئا ً سيدفع الإنسان ثمنه، باهظا ً، لأن الوجع ضرورة، مثل الحلم بمدينة اقل جورا ً، ولكنها لم تخطر إلا ببال هؤلاء المتشبثين بالمستحيلات....؟


هامش
ـ صدرت الرواية في بغداد ـ رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق 1327 لسنة 2015.
* ولد في بغداد ـ 1951وحصل على درجة البكالوريوس كيمياء حياتية عام 1974/ ماجستير كيمياء سريرية 1981. وحصل على لقب استشاري عام 1998. صدرت له كتب علمية، و: يوميات سائق أجرة/ بغداد 2002.
** كما صمم الفنان حميد ياسين غلاف الرواية، واختار لها لوحة من لوحاته التشكيلية.
31/7/2015



#عادل_كامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة/ تتمات
- في النحت العراقي الحديث/ منعم فرات
- قصة قصيرة / لا احد سوى الجميع
- قصة قصيرة/ في الطريق الى المنصة
- قصة قصيرة/ كآبة بيضاء
- قصة قصيرة/ غبار وكلمات
- قصة قصيرة/ الوباء
- قصة قصيرة/ المستنقع
- قصة قصيرة/ الغائب معنا
- قصة قصيرة/ اقتضى حضوركم!
- المصيدة
- الغزلان في السماء


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل كامل - قراءة في رواية وجع المدينة لعماد العبدلي