خالد فضل
الحوار المتمدن-العدد: 4986 - 2015 / 11 / 15 - 21:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حتى متى يتم دفن الرؤوس في الرمال , وذر الرماد على العيون بإصدار بيانات شجب وإدانة فطيرة مما تسمى هيئات علماء المسلمين في البلدان التي يعتنق معظم سكانها الإسلام , ومن حكومات تنعق في شعوبها ليل نهار أنّها هي الإسلام والإسلام هي ,كلما مارست فئة من المسلمين أعمالا وحشية ضد الأبرياء الآمنيين في بلد من بلدان العالم . خاصة تلك البلدان التي لا تدين شعوبها بالإسلام , وكما هو مثبت في الآيات القرآنية فإنّ من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه , وفي الخرطوم مثلا , توجد هذه الآية منحوتة على واجهة مسجد على مسافة 40مترا من المطار الدولي في قلب العاصمة السودانية , بل مكتوبة هذه الآية باللغتين الإنجليزية والعربية إمعانا في توصيل فحوى رسالتها للذين لا يعرفون اللغة العربية من (الأعاجم) كما يصف العرب غيرهم من البشر . فلماذا إدانة غزوة قام بها جماعة من المسلمين لعقر دار غير المسلمين الذين لا يعترف المسلمون أساسا بديانتهم , ولمّا كان الإسلام من عدمه هو الفيصل للتفريق بين البشر , فبأي منطق يأسى علماء المسلمين وحكوماتهم على الكافرين , ولماذا يدينون مجاهدات أولئك الأشاوس من أبنائهم المجاهدين الذين يدخلون الرعب في قلوب الكافرين ؟ ثمّ ولأنّ المسلمين أنفسهم يتمذهبون (سنّة وشيعة) وكل فريق منهما يرى الآخر منحرفا عن جادة الصراط الإسلامي القويم , ويتهمه في عقيدته , لدرحة التكفير , فما موقف السنّيين من غزوة الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أيام قليلة من غزوة باريس المباركة كما وصفها بيان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), وفي غزوة الضاحية الجنوبية كان المستهدفون من الشيعة بإعتبارها معقل من معاقلهم الرئيسة في لبنان , أو ليس ما قام به المجاهدون السُنّيون يستحق الترحيب والتأييد من جانب علمائهم وأنظمتهم السياسية الحاكمة وإماراتهم وممالكهم المهيمنة ؟ ما هذا النفاق المكشوف وهل هذه الطريقة هي التي تجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا ؟ هب أنّهم دخلوا على مذهب المسلمين الشيعة مثلا فمن ينجيهم من إرهاب المسلمين السنيين , والعكس , إذا دخلوا على مذهب السنيين , فمن يضمن لهم اعتراف الشيعة بإسلامهم ؟ وقد عبّرت الكاتبة اليمنية اليهودية نجاح النهاري عن هذه الحيرة في مقال لها نشرته قبل نحو عامين ,علّقت فيه على دعوة بعض أصدقائها لها بدعول الإسلام وفيه تساءلت بحق عن من يضمن لها أنّها إذا دخلت الاسلام من باب إحدى ال72فرقة , الواردة في المأثور الاسلامي عن تفرق المسلمين واحدة منها فقط هي الناجية , فمن يضمن لها دخولها من بوابة الفرقة الناجية حتى لا تكون هدفا مباحا لنيران الفرق الأخرى التي ترى كل واحدة منها أنّها هي فقط الناجية وبقية المداخل ضالة ؟
وعلى ذات النسق , يمكن إيراد الآف النماذج منذ فجر التاريخ الإسلامي وحتى عشية غزوة باريس الوحشية , أو لم يحتفل المسلمون ويمجدون , ويدرسون أطفالهم بفخر وإعتزاز , تاريخ الغزوات والفتوحات الإسلامية ؟ وأنّ هرون الرشيد كان يغزو عاما ويحجّ عاما , وأنّ خالد بن الوليد توجّع وتحسّر لأنّه لم يمت غازيا , وأنّ النابغة الجعدي مات مجاهدا وغازيا في بلدان آسيا الوسطى , فيما دموع التماسيح على الضحايا من الكفّار الذين تقول الملصقات في شوارع الخرطوم مثلا أنّه لا يجوز تهنئتهم بأعياد الميلاد ومن يفعل ذلك يعتبر مواليا للكافرين , وبالتالي تحريم الإنتماء لحزب الحركة الشعبية لتحرير السودان والحزب الشيوعي السوداني لأنّها أحزاب علمانية كافرة , ما يقال ويكتب ويمارس ضد الكفّار من جانب المسلمين وحكومات الإسلاميين وهيئات علماء المسلمين , لا يهيئ البيئة الخصبة للدواعش وطالبان والقاعدة وبوكو حرام وغيرها فحسب , بل يشكل المناخ والحاضنة التي تخرّجهم .
هذه حقائق التاريخ والحاضر الماثل , فما فعله الدواعش في باريس لا ينفصل عمّا فعله السلف الصالح , ففكرة الغزو لدحر الكفّار وإرغامهم على خيارين : إمّا دخول الإسلام أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون تعتبر فكرة راسخة,وفي كل تلك الممارسات هناك سند من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية ففيما الخداع ! أو لم تنقل وسائل الإعلام السودانية كنموذج للحكومة الإسلامية , هتافات المليشيات المسلحة التي يطلقون عليها الدفاع الشعبي , وفيها : أمريكا وروسيا قد دنا عذابها عليّ إنْ لقيتها ضرابها , وفرنسا بالضرورة ليست بلاد الحرمين , بل هي ضمن دول دنو العذاب , والوعيد بالضراب والخراب , فهل يصدق غرّ جاهل أنّ حكومات المسلمين وهيئات علمائهم صادقة في إدانتها لما فعلته وتفعله داعش وأخواتها ؟ بل حتى عامة المسلمين , الذين لا يجهدون أنفسهم كثيرا في التدبر والتعقّل والتفكّر ؛كما أوصاهم القرآن , هل لأغلبيتهم موقف مبدئي ضد وحشية وعنف ودموية القاعدة وطالبان والدواعش وأمثالهم من جماعات الإرهابيين المجرمين ؟ أم أنّهم يسمعون قصص وفتاوى علمائهم ويؤيدون حكوماتهم لمجرد رفعها لشعار الإسلام ؟ لماذا لم تنهض حركة شعبية اسلامية تخرج المظاهرات , وتكتب الشعارات , وتعلن التنديد بما يفعله المجرمون من أتباع داعش والقاعدة وبوكو حرام من تحريف لدينهم وعقيدتهم إذا كانوا فعلا يعون أنّ تلك الممارسات المتوحشة ليست من دينهم في شئ , فأيهم خطرا على الدين الإسلامي بالعقل والمنطق , من لم يؤمن به أساسا ولم يسمع عنه حتى , أم من يستند في كل ممارساته على ذات الإسلام ونصوصه التي من المفترض يحتكم إليها كل المسلمين ؟ أيّهم أشد تمريغا للإسلام وتشويها له , صحيفة شارلي إبيدو ومحرريها ورسّامي الكاركاتير , أم الفتية الذين فتحوا نيران بنادقهم وفجّروا عبواتهم الناسفة في قاعة , واستاد كرة قدم , ومطعم ؟ هذه هي الأسئلة التي يجب أن تقال منذ البداية , فداعش وجرائمها لم تهبط من السماء فجأة , والإدانة الخجولة للإرهاب لا تعني شيئا طالما ظلّت الأجيال تغذيها نصوص الإرهاب . مع كامل التضامن مع أسر الضحايا في باريس ولبنان وسوريا وغيرها من أماكن يضربها الإرهاب الإسلامي بدم بارد .
#خالد_فضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟