|
عظمة شعب وأزمة نخبة
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4985 - 2015 / 11 / 14 - 10:26
المحور:
القضية الفلسطينية
كم هو عظيم الشعب الفلسطيني ، عظيم في عطائه وصيره ، عظيم في ذكائه وألمعيته. البعض اعتقد أن الشعب الفلسطيني استسلم لواقع الاحتلال وللتعايش مع الاستيطان والمستوطنين ، ولليأس والإحباط ولسلطتين مأزومتين، وأنه لم يعد معنيا بقضيته الوطنية حيث قهره الفقر والبطالة والانقسام والحصار وغياب قيادة وطنية جامعة . إلا أن الواقع يقول إن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يستسلم للاحتلال أو يصمت لتدنيس مقدساته ، وأنه أكبر وأعظم حتى من قياداته ،وأن صمته كالجمر الخامد تحت الرماد يشتعل مع أول هبة ريح ، شعبنا يُعبِر عن أصالته وحسه الوطني وينتفض في لحظات لا يتوقعها أحد . صدق الزعيم الراحل أبو عمار عندما قال إن الشعب الفلسطيني كطائر الفينيق ينتفض محلقا من وسط الرماد بعد اعتقاد أنه هلك .أبو عمار الحاضر فينا دوما والذي عاصر وشارك في كل الثورات والانتفاضات الحديثة ،والذي كان يؤمن بعظمة شعبه ويراهن عليه دوما ولم يخذله الشعب يوما. كانت رؤية الزعيم أبو عمار تنطلق من معرفته بتاريخ الشعوب وحركاتها التحررية حيث لا قوة تستطيع كسر إرادة شعب يناضل من أجل الاستقلال ، وتنطلق من إيمانه ومعرفته بالشعب الفلسطيني الذي يضرب بجذوره في أرض فلسطين منذ أكثر من أربعة آلاف سنة وقبل أن تظهر هرطقات ومزاعم دولة بني إسرائيل. فعندما اعتقد كثيرون أن الشعب استسلم لواقع اللجوء والتشرد والوقوف أمام مقرات وكالة الغوث ،والتبعية لهذا النظام العربي أو ذاك ، نهض منتفضا منتصف الستينيات رافعا راية الوطنية الفلسطينية وكانت الثورة الفلسطينية المعاصرة مع حركة فتح ومنظمة التحرير بكل فصائلها ،ثورة غيرت وقلبت كل المعادلات والمخططات التي كانت تُحاك ضد القضية الوطنية . وعندما اعتقد كثيرون أن خروج مصر من ساحة المواجهة مع إسرائيل بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد 1979 ،ثم خروج الثورة الفلسطينية من لبنان 1982 وتصفية كثير من قياداتها ومحاولة الالتفاف على الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الخ ، قد أنهى الثورة الفلسطينية وطوى صفحتها إلى غير رجعة ،نهض الشعب في انتفاضة الحجارة 1987 ليُسقِط مراهنات المتخاذلين والمتواطئين والمتآمرين حيث أعادت الانتفاضة وضع القضية الفلسطينية على سلم الاهتمامات العالمية . وعندما قررت القيادة خوض مغامرة أوسلو وتأسيس سلطة لم يخذل الشعب القيادة وساهم في بناء السلطة ،وقَبِل الثوار والفدائيون أن يتحولوا مؤقتا إلى أجهزة أمنية تُنسق مع عدوهم التاريخي ، وانخرط الشباب والمثقفون في سلك الوظيفة العمومية ليتحولوا إلى موظفين يتقاضون أجرا ،وأرتبطت حياة الجميع براتب تقدمه جهات مانحة بشروط سياسية غير وطنية . كل ذلك على أمل أن تكون السلطة نواة الدولة وبداية الاستقلال . وعندما اعتقد البعض أن القضية الفلسطينية ومشروع السلام الفلسطيني وصلا لطريق مسدود بعد نهاية المرحلة الانتقالية لسلطة الحكم الذاتي 1999 وتَهَرب إسرائيل مما عليها من التزامات وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية 2000 انطلقت الانتفاضة الثانية ،والتي كان من الممكن أن تكون حصيلتها أفضل مما كان لو لم تتدخل الأجندات الإقليمية وأصحاب المشاريع غير الوطنية وتنزلق الأحزاب نحو حسابات مصلحية ضيقة . وعندما خاضت حركة حماس وفصائل مقاومة أخرى ثلاثة حروب مدَمِرة في قطاع غزة ،ألحقت بالقطاع خرابا ودمارا وسقط فيها آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ،صبر الشعب وتحمَّل ولم يخذل فصائل المقاومة حتى وهو يعلم أنه كان بالإمكان تجنب بعض هذه الحروب أو تقليل خسائرها ،ويعلم أنها لم تكن حروبا لتحرير فلسطين بقدر ما كانت من مستلزمات صناعة دولة غزة وتعميق الانقسام ،أو نتيجة حسابات عسكرية وسياسية خاطئة. الشعب الفلسطيني هو نفسه من حيث أصالته واستعداده للتضحية ،بالرغم من تردي أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية وشدة وطأة الاحتلال والحصار . الشعب الفلسطيني لم يتغير ما بين الأمس واليوم ،ما تغير للأسوأ هو العالم العربي الذي تخلى عن مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية ، والمجتمع الصهيوني الذي يزداد تطرفا وإرهابا ، والنخب الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وارتباطاتها وشبكة مصالحها . الشعب لم يقصر ولم يتخاذل يوما وكان دوما معطاء ويلبي نداء الواجب الوطني متى دعته القيادة الوطنية سواء لثورة أو انتفاضة أو لدعم جهود دبلوماسية وسياسية ، بل ويأخذ المبادرة لحماية قضيته الوطنية وقيادته عندما تتعرض القيادة السياسية للحصار والتآمر ، ولكن ليس دوما تتوافق وتتطابق حسابات الشعب مع حسابات النخبة السياسية والقيادة . لم يشهد التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني افتراق وتباعد النخبة عن الشعب كما هو حاصل اليوم ،بحيث باتت خيارات الشعب وحساباته غير خيارات النخبة السياسية وحساباتها ،هذا الافتراق نلمسه في كيفية التعامل مع الانتفاضة الراهنة. ففي الوقت الذي تتخبط فيه النخب السياسية في الانقسام وتداعياته ، وفي البحث عن منافذ للخروج من مأزق خياراتها التي تفردت بها بعيدا عن التوافق الوطني – خيار المفاوضات والتسوية السلمية والشرعية الدولية بالنسبة لمنظمة التحرير ،وخيار العمل المسلح بالنسبة لحركة حماس وفصائل أخرى- ، وفي الوقت التي تتصارع النخب حول السلطة ومنافعها ، في هذا الوقت انتفض الشعب ،ليس لأنه مُحبط بل ليدافع عن أرضه ومقدساته وكرامته،ولأنه لمس عجز الأحزاب والنخب السياسية عن حمايته والتهائها بالانقسام وتداعياته والسلطة ومنافعها، ولمس محدودية تأثير المقاومة المسلحة وصواريخها وأنفاقها ،ومحدودية مردود المراهنة على الشرعية الدولية وقراراتها. في مقابل عظمة الشعب تقف النخب السياسية والأحزاب موقفا مترددا ومرتبكا من الانتفاضة الراهنة ،حيث ما زالت النخب والأحزاب وفئة من المثقفين مترددة حتى في تسميتها بالانتفاضة ،بل تخوض جدلا بيزنطيا عبثيا حول إن كانت هبة أو انتفاضة أو حالة غضب ؟ ! وهل من الأفضل أن تبقى سلمية أو تتحول للعمل المسلح ؟ ! متجاهلين أن كل الثورات في العالم ككرة الثلج المتدحرجة، تبدأ بحراك شعبي محدود ثم يتحول لهبة ثم لانتفاضة ثم لثورة عارمة، ولا توجد معايير ومقاييس دقيقة للتفريق بين الحراك الشعبي والهبة والانتفاضة. هذا الموقف المتردد للنخب السياسية والأحزاب مما يجري في الضفة والقدس ، وعدم انخراط الأحزاب بقوة وبكل ما تملك في الانتفاضة سواء في الضفة وغزة ،واقتصارها على التأييد اللفظي إنما يكشف الواقع البائس لهذه النخبة وانشدادها لمصالحها وخوفها عليها أكثر من انشدادها للمصلحة الوطنية . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استلهموا تجربته ولا توظفوا ذكراه
-
المغرب ومسيرته الخضراء التي لم تنتهي
-
التدويل في إطار استراتيجية وطنية شمولية
-
في خفايا التدخل الروسي في سوريا
-
انتفاضة لاهداف وطنية واضحة ومحددة
-
نحو تصويب البعد القومي للقضية الفلسطينية
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (3) : في غزة إبداع في ظل
...
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (2)
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين
-
المطلوب وحدة وطنية وليس مصالحة إدارة الانقسام
-
ماذا بعد تأجيل دورة المجلس الوطني الفلسطيني ؟
-
خروج آمن للشعب والقضية وليس للرئيس
-
ما وراء الأزمة المالية المُفتعلة لوكالة الأنروا
-
حركة فتح والعمل الوطني
-
من يُعيق اصلاح النظام السياسي الفلسطيني ؟
-
الحالة الثقافية ضحية فوضى (الربيع العربي)
-
السكوت عن الفساد ... فساد
-
أمِن المستوطنون العِقاب فأوغلوا في الدم الفلسطيني
-
ما يجري في القدس يفضحهم .. ويفضحنا
-
المثقفون ضمير الشعب وحُماة الهوية والثقافة الوطنية
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|