|
العراق .. إذا غادره الجيش الأمريكي غداً !!
أنيس يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 09:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد فاز شعار " فليخرج الأمريكيون من العراق " في مسابقة الشعارات بفارق كبير جداً ، والمصفقون له يحتلون المدرجات الأربعة ، حتى بات المشهد خالياً من أي شعارٍ آخر . لا ريب أن لهذا الشعار قدرة عجيبة على اختراق ألباب كل سامعيه ، وأصبح بالتالي يتكرر على ألسنة مَن يعي أبعاده ومَن لا يعيها ، أو يقدّر التداعيات التي تترتب دون شك عند إنجازه . كي لا يظنّ أحدٌ بأنني من دعاة بقاء الجيش الأمريكي ، والجيوش المشاركة معه في العراق إلى ما لا نهاية ، خاصة والعراق دولة مؤسسة في الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة . العراق للعراقيين ، كما أن كل كيانٍ آخر لأبنائه . أما استباحة القوة فتبقى مرذولة ، وعلى كلّ أحرار الأرض التصدّي لها بكل الوسائل . فلنتأمل بروية في المشهد العراقي اليوم : الأكراد في الشمال مهيأون للانفصال وإقامة دولتهم رغم المحاذير الاقليمية ؛ فالجرح الذي تسبب به النظام السابق ما زال نازفاً ولم يندمل بعد . والشيعة في الجنوب مهيأون بدورهم للخيارات الصعبة ، وكيانهم المستقل أحد هذه الخيارات . يبقى السنّة في الوسط ، وهؤلاء لا يتحملون أوزار النظام الصدامي المتوحش ، تسري بينهم ثقافة التميّز والاختلاف ؛ عرقياً ومذهبياً ؛ عرقياً مع الأكراد وسواهم من الأعراق المتواجدة في العراق . ومذهبياً مع الشيعة . إن هذا المشهد يُظهر بدايات التنازع والصراع ، فالكثيرون ممن قضوا في العراق خلال الفترة الأخيرة كانوا بذرائع دينية أو عرقية . قد يقول قائل أن الأمريكيين مسؤولون وحدهم عن تشكيل هذا المشهد الذي ينمّ عن امكانيات كبيرة للتصادم الدموي بين الجماعات العراقية . والكثيرون من ضيوف الفضائيات العربية ، وكتّاب الصحف والمجلات يؤكدون ذلك . لكن أين الحقيقة مما يقال ويكتب ؟ أن إدارة الأكراد لمناطق تواجدهم كانت قائمة قبل وصول الأمريكيين إلى العراق ، والشيعة كانوا قد تراصفوا بانتظام خلف مرجعيتهم الدينية دون ضغط الجيش الأمريكي ، أما السنة فقد كانوا يتأرجحون بين شعارين متضادين : القومية والدين . لا مجال للنقاش هنا حول الأهداف التي جعلت الرئيس الأمريكي بوش يدفع بأهم ترسانة عسكرية في عصرنا إلى العراق ، ويتحمل بالتالي تبعات قتلى الجنود الأمريكيين . لكن النقاش يصبح متسعاً عندما نحاول التعاطي ببرغماتية مع هذا الواقع الذي هو صنيعتنا بامتياز . إن صدام حسين وأزلامه يتحملون مسؤولية انفتاح الأبواب على التدخلات الأجنبية . ومن حسن حظ الشعب العراقي ، وبالتالي شعوب المنطقة أن تتقاطع مصالحها مع مصالح الأمريكيين ، وتتم إزالة نظام صدام حسين ، وتستشعر الأنظمة العربية الأخرى بضرورة المصالحة مع شعوبها . لا بد من دفع فاتورة ما للأمريكيين وللمجتمع الدولي من ورائهم ، لكن هذه الفاتورة تصبح شديدة الوطأة بما يهدد مجتمعاتنا العربية بشكلٍ ماحق إذا لم نحسن التعاطي بعقلانية مع هذا المترتب علينا . كثر الكلام ، ومن وجهات نظرٍ مختلفة عن أولئك الذين تصدروا الواجهة السياسية في العراق بعد إزاحة صدام حسين بأنهم " أذناب المحتل " و " وراكبوا الدبابات الأمريكية " ، إلى ما هنالك من أوصاف ونعوت . هل يعقل يا سادة أن يكون جميع هؤلاء عملاء وخونة ومرتزقة ، وغالبية هؤلاء إذا لم يكن جميعهم كانوا مطاردين من أجهزة النظام الصدامي ، وقد اتخذوا بلداناً في مشارق الأرض ومغاربها ملاجىء لهم ؟؟ بالاضافة إلى أن لبعضهم ماضٍ في العمل العام في العراق . وبعضهم الآخر ينتمي إلى عقائد سياسية تناهض التخلّف والتسلّط ومحاربة الفقر . مَن منا قادر على تظهير صورته ناصعة دون شوائب ؟ وشجرة واحدة لا تحجب الغابة . كم كان أحرى بالعراقيين الالتفاف حول هؤلاء الذين مهما قيل فيهم استطاعوا إظهار قدر عالٍ من النجاحات السياسية رغم جحيم الواقع : تبادل للسلطة ، إنتخابات ، تعدد في الحريات الاعلامية .. ألخ . فلنعطِ فرصة لهؤلاء القادة من العراقيين ، وننتظر موقفهم من الأمريكيين بعد حين . فإن قالوا أن الوجود العسكري الأمريكي أصبح ضاراً بالمصلحة العراقية ، ويشكل احتلالاً واستنـزافاً لمقدرات العراق ، عندها وجب على العراقيين وعلى أحرار العالم إشهار السلاح في وجه الأمريكيين .أما الدعوة الملّحة اليوم لاخراج الأمريكيين من العراق في ظل واقعه المتفسخ ، ما هو إلا دعوة إلى أشكال كارثية من الصراعات الدموية على مختلف الصعد ؛ أدرك مطلقي هذه الدعوة أم لم يدركوا . ها هو أحد الكتّاب العراقيين ، حسن حاتم المذكور ، يقول في مقالة نشرتها صحيفة الحوار المتمدن – عدد 1360 : " هناك ذئب تحت أبط كل طائفة وقومية مسلحاً بأنياب وأظافر " وأن " كل من الفرقاء المتخاصمين في العراق ، يبحث عند الآخر عن موقع للضربة القاضية " . يبقى أن أعترف بأن البعض سيجد بين هذه السطور مساحات بيضاء يستطيع ملؤها بما يشاء ، خاصة وأن الرأي الأوحد والكلام الذي لا قبله ولا بعده أصبح من مظاهر الاستبداد . لكن العراقيين أمام كل هذا الاستعراض الكلامي ، يدفعون أبهظ الأثمان ، وعلينا أن نساعد في جعل هذه الأثمان مقدمة لمستقبل أفضل يستحقه العراقيون .
#أنيس_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تستكمل فصول الحكاية .. عُد إلى بدايتها
-
كراهيتنا لأمريكا .. هل هي بمجملها مبررة ؟؟
-
حيث دفنا ملِكاً
-
أمريكا والشارع العربي .... - - كلام على مقربةٍ من مقالة الدك
...
-
تعليقٌ على مقالة الشاعر سعدي يوسف - المنتفجي .. رئيساً
المزيد.....
-
معارضون خارج المملكة ينظمون مؤتمر -البحث عن الديمقراطية في ا
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مبنى في مستوطنة شتولا شمال
...
-
الشورة.. والمصالحة الصعبة
-
سويسرا تنظم مؤتمر -السلام في أوكرانيا- وروسيا تقلل من جدواه
...
-
فون دير لاين تدعو لاستئناف حل الدولتين
-
تجديد واسع في قيادات الجيش الإسرائيلي على خلفية الانتقادات ا
...
-
تونس.. إحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة في الإرها
...
-
الخارجية الأمريكية تكشف عن مطلبين سعوديين قبل تطبيع علاقاتها
...
-
بزعم معاداة السامية.. قمع أمريكي لاحتجاجات طلابية تدعم غزة ب
...
-
أردوغان: نواجه ضغوطا من الصهيونية
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|