العراق .. إذا غادره الجيش الأمريكي غداً !!

أنيس يحيى
anis-yehya@hotmail.com

2005 / 10 / 29

لقد فاز شعار " فليخرج الأمريكيون من العراق " في مسابقة الشعارات بفارق كبير جداً ، والمصفقون له يحتلون المدرجات الأربعة ، حتى بات المشهد خالياً من أي شعارٍ آخر .
لا ريب أن لهذا الشعار قدرة عجيبة على اختراق ألباب كل سامعيه ، وأصبح بالتالي يتكرر على ألسنة مَن يعي أبعاده ومَن لا يعيها ، أو يقدّر التداعيات التي تترتب دون شك عند إنجازه .
كي لا يظنّ أحدٌ بأنني من دعاة بقاء الجيش الأمريكي ، والجيوش المشاركة معه في العراق إلى ما لا نهاية ، خاصة والعراق دولة مؤسسة في الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة . العراق للعراقيين ، كما أن كل كيانٍ آخر لأبنائه . أما استباحة القوة فتبقى مرذولة ، وعلى كلّ أحرار الأرض التصدّي لها بكل الوسائل .
فلنتأمل بروية في المشهد العراقي اليوم : الأكراد في الشمال مهيأون للانفصال وإقامة دولتهم رغم المحاذير الاقليمية ؛ فالجرح الذي تسبب به النظام السابق ما زال نازفاً ولم يندمل بعد . والشيعة في الجنوب مهيأون بدورهم للخيارات الصعبة ، وكيانهم المستقل أحد هذه الخيارات . يبقى السنّة في الوسط ، وهؤلاء لا يتحملون أوزار النظام الصدامي المتوحش ، تسري بينهم ثقافة التميّز والاختلاف ؛ عرقياً ومذهبياً ؛ عرقياً مع الأكراد وسواهم من الأعراق المتواجدة في العراق . ومذهبياً مع الشيعة .
إن هذا المشهد يُظهر بدايات التنازع والصراع ، فالكثيرون ممن قضوا في العراق خلال الفترة الأخيرة كانوا بذرائع دينية أو عرقية .
قد يقول قائل أن الأمريكيين مسؤولون وحدهم عن تشكيل هذا المشهد الذي ينمّ عن امكانيات كبيرة للتصادم الدموي بين الجماعات العراقية . والكثيرون من ضيوف الفضائيات العربية ، وكتّاب الصحف والمجلات يؤكدون ذلك . لكن أين الحقيقة مما يقال ويكتب ؟
أن إدارة الأكراد لمناطق تواجدهم كانت قائمة قبل وصول الأمريكيين إلى العراق ، والشيعة كانوا قد تراصفوا بانتظام خلف مرجعيتهم الدينية دون ضغط الجيش الأمريكي ، أما السنة فقد كانوا يتأرجحون بين شعارين متضادين : القومية والدين .
لا مجال للنقاش هنا حول الأهداف التي جعلت الرئيس الأمريكي بوش يدفع بأهم ترسانة عسكرية في عصرنا إلى العراق ، ويتحمل بالتالي تبعات قتلى الجنود الأمريكيين . لكن النقاش يصبح متسعاً عندما نحاول التعاطي ببرغماتية مع هذا الواقع الذي هو صنيعتنا بامتياز . إن صدام حسين وأزلامه يتحملون مسؤولية انفتاح الأبواب على التدخلات الأجنبية . ومن حسن حظ الشعب العراقي ، وبالتالي شعوب المنطقة أن تتقاطع مصالحها مع مصالح الأمريكيين ، وتتم إزالة نظام صدام حسين ، وتستشعر الأنظمة العربية الأخرى بضرورة المصالحة مع شعوبها .
لا بد من دفع فاتورة ما للأمريكيين وللمجتمع الدولي من ورائهم ، لكن هذه الفاتورة تصبح شديدة الوطأة بما يهدد مجتمعاتنا العربية بشكلٍ ماحق إذا لم نحسن التعاطي بعقلانية مع هذا المترتب علينا .
كثر الكلام ، ومن وجهات نظرٍ مختلفة عن أولئك الذين تصدروا الواجهة السياسية في العراق بعد إزاحة صدام حسين بأنهم " أذناب المحتل " و " وراكبوا الدبابات الأمريكية " ، إلى ما هنالك من أوصاف ونعوت . هل يعقل يا سادة أن يكون جميع هؤلاء عملاء وخونة ومرتزقة ، وغالبية هؤلاء إذا لم يكن جميعهم كانوا مطاردين من أجهزة النظام الصدامي ، وقد اتخذوا بلداناً في مشارق الأرض ومغاربها ملاجىء لهم ؟؟ بالاضافة إلى أن لبعضهم ماضٍ في العمل العام في العراق . وبعضهم الآخر ينتمي إلى عقائد سياسية تناهض التخلّف والتسلّط ومحاربة الفقر . مَن منا قادر على تظهير صورته ناصعة دون شوائب ؟ وشجرة واحدة لا تحجب الغابة . كم كان أحرى بالعراقيين الالتفاف حول هؤلاء الذين مهما قيل فيهم استطاعوا إظهار قدر عالٍ من النجاحات السياسية رغم جحيم الواقع : تبادل للسلطة ، إنتخابات ، تعدد في الحريات الاعلامية .. ألخ .
فلنعطِ فرصة لهؤلاء القادة من العراقيين ، وننتظر موقفهم من الأمريكيين بعد حين . فإن قالوا أن الوجود العسكري الأمريكي أصبح ضاراً بالمصلحة العراقية ، ويشكل احتلالاً واستنـزافاً لمقدرات العراق ، عندها وجب على العراقيين وعلى أحرار العالم إشهار السلاح في وجه الأمريكيين .أما الدعوة الملّحة اليوم لاخراج الأمريكيين من العراق في ظل واقعه المتفسخ ، ما هو إلا دعوة إلى أشكال كارثية من الصراعات الدموية على مختلف الصعد ؛ أدرك مطلقي هذه الدعوة أم لم يدركوا . ها هو أحد الكتّاب العراقيين ، حسن حاتم المذكور ، يقول في مقالة نشرتها صحيفة الحوار المتمدن – عدد 1360 : " هناك ذئب تحت أبط كل طائفة وقومية مسلحاً بأنياب وأظافر " وأن " كل من الفرقاء المتخاصمين في العراق ، يبحث عند الآخر عن موقع للضربة القاضية " .
يبقى أن أعترف بأن البعض سيجد بين هذه السطور مساحات بيضاء يستطيع ملؤها بما يشاء ، خاصة وأن الرأي الأوحد والكلام الذي لا قبله ولا بعده أصبح من مظاهر الاستبداد . لكن العراقيين أمام كل هذا الاستعراض الكلامي ، يدفعون أبهظ الأثمان ، وعلينا أن نساعد في جعل هذه الأثمان مقدمة لمستقبل أفضل يستحقه العراقيون .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن