|
العناية بالنشء .. وعملية النهوض المستقبلي
يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4962 - 2015 / 10 / 21 - 10:32
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
العناية بالنشء …وعملية النهوض المستقبلي
تنويه الموضوع يمس النشء العربي بشكل خاص . مقدمة : اسمحوا لي أن أبحث في هذا الموضوع ، بعيدا عن كل السياسات وعن كل أيدولوجيات الأحزاب و بعيدا عن كل برامج الأنتخابات الرئاسية ، وبعيداعن كل عمليات التصويت بالتأييد او بالرفض لبعض الأفراد الذين لا يقارنون كقيمة بأهمية النشء ودوره المستقبلي ، وبعيدا عن كل الحروب والصراعات وعن كل التكتلات السياسية ... بعيدا عن كل هذه المحاور التي أتعبت العالم وأتعبتنا بالخصوص نحن العرب الغارقين بأرض قفراء / لا ماء بها !! لانه غير مستغل بالشكل المطلوب ، الأن وجب علينا أن نقف لحظة صدق حقيقية مع دورنا الذي أهملناه تجاه النشء ، هذه الزهور الندية التي حاصرتها النكبات من كل جانب وصوب . هذا النشء هو أول المكونات في بناء أي حضارة ، وكل التراكم العلمي والثقافي والأجتماعي يبدأ منه ، و أن الأهتمام به والعمل على شحنه بكل وسائل المعرفة والثقافة سوف يقود الى بناء الركيزة الأساسية لبناء الدول و الأمم ، وليس من أمة متحضرة ، يعمل أحداثها / بورش السيارات ، توزيع الجرائد ، والأستجداء عند أشارات المرور ... كمثل ما يحدث في الكثير من بلداننا العربية !! ولغرض الدخول الى السلبيات والأيجابيات المتعلقة بالأهتمام بالنشء ، لا بد لنا أن نبين المراحل الأولية للتكوين المجتمعي للنشء لما له من أهمية في هذا الصدد ، ولتكون مدخلا لهذا البحث المختصر : التوجيه والتربية : بشكل عام تضم هذه المرحلة المحاور التالية : *الأسرة : تعتبر هذه المرحلة نقطة البدأ الأولي ، وهي تعتمد وبشكل رئيسي على دور الأم ، وذلك لما لها من دور مهم للطفل في نشأة الطفل بالتحديد ، وهو يرتكز على جانب التوجيه / الأولي ، من ناحية الأعتماد على النفس في نواحي عديدة منها / المآكل والمشرب والأمور الحياتية الأولية الأخرى ، وهي تمتد للسنوات الأربع الأولى من حياة الطفل ، وأن أهمال العملية التوجيهية الأولية ، تجعل من الطفل أن يبتعد عن الأنسجام وينفر من التأقلم لكل الأفعال الحياتية لاحقا . لذا أرى أن وجود الأسرة في حياة الطفل / والأم بشكل خاص ، هي من أهم العوامل التي يجب أن نتبه أليها ، وأن أي فصل بين الأثنين / الأسرة والطفل ، يقود الى أمراض نفسية لاحقة تؤثر على سلوك الطفل المستقبلية ، لذا أن دور الأم هو أكثر من أساسي في هذه المرحلة . *رياض الاطفال : نستطيع أن نقول أن بداية مرحلة تشكيل الشخصية الأولي / حسب رأي ، تبدأ بالظهور من هذه المرحلة ولغاية الست السنوات الاولى ، وتتبين للطفل في هذه المرحلة الكثير من الأمور ، من خلال قضاء وقته مع لعبه وأغراضه ، وأقباله على لعب معينة دون أخرى ، أندماجه مع جنس دون أخر . أضافة الى ظهور مؤشرات معينة في السلوك ، كأنعزالية الأطفال ، أو أندماجهم مع أطفال معينين دون أخرين ، كما تظهر لديهم بعض الممارسات العدوانية أو الودية وغير ذلك .. هذه المرحلة بالرغم من أهميتها فأنها تتصف بعدم الوضوح الكامل ، وذلك لعدو وجود أدراك تام ووعي واضح ، وذلك لضبابية بعض الممارسات التي قد لا تجد سببا أو مبررا لها في بعض الأحيان ، ولكنها ضرورية في رسم الخطوط الأولية للشخصية . فمن الضروري العمل على وجود مؤسسات تعني بالأطفال بهذه المرحلة ، من أجل تواصل المرحلة الحالية مع المرحلة التي سبقتها / الأسرة و المراحل اللاحقة ، ويجب عن الشرخ الزمني بين المراحل ، ان مرحلة رياض الأطفال لها فعالية مهمة في عملية تهيئة الأطفال بشكل جدي للمرحلة التعليمية اللاحقة . * مرحلة الدراسة الابتدائية : هذه المرحلة تنتهي بشكل عام بعمر 12 عاما ، وهذه المرحلة مهمة ، لأنها تضم خلاصة التوجيه الأسري أضافة الى مرحلة رياض الأطفال / التعليم الأولي ، كل هذه يشكل مؤشرات وأنطباعات مهمة على السلوك الأنساني / تنطبع في العقل الباطن ، وفي أغلب الأحيان أن الضبابية تبدأ بالذوبان في هذه المرحلة لتتبين للنشء الكثير من الأفكار والمبادئ الأولية ، وتترسخ أيضا في هذه المرحلة الكثير من الأفعال كالأيمان والشعور بالمسؤولية وفق نطاق محدد ، وتتحدد لبعضهم بعض المؤشرات التي تتعلق بالمستقبل ، لذا وجود المؤسسات التعليمية له دور مهم في هذه المرحلة ، ومنها يبدأ الأنطلاق الحقيقي للمراحل الدراسية اللاحقة ، وأن حرمان النشء من المدارس ، قد يحيلهم الى عناصر طفيلية على المجتمع ، وتستكمل بعض مؤشرات بناء الشخصية في هذه المرحلة أيضا . السلبيات : في عالم اليوم الكثير من الممارسات اللاأنسانية والغير حضارية تجاه النشء الجديد ، هذه الممارسات تكشف عنها عمليات الحروب والتطاحن والتطهير العرقي والتهجير والترحيل والأضطرابات ... ، كل ذلك وغيره يلقي بظلاله السوداء على هذه الأجيال ، وذلك لأن أي عملية مس بهذه الأجيال ، يعني حرمان الأنسانية من طاقات خلاقة يمكن أن تتفجر في المستقبل لو توافرت لها الأمكانيات والظروف المناسبة .. ومن السلبيات التي يتعرض لها النشء / على سبيل المثال وليس الحصر ، الأتي : 1. النكبات ، وتحت هذا الباب تدخل الكثير من الأمور التي تلحق بالقرى والمدن والبلدان ، وهي تتمثل بأوجه مختلفة منها الحروب ، المشاكل العرقية والأثنية ، الترحيل و التهجير ، وبعض المشاكل الطبيعية كالجفاف والقحط والفيضانات ... وغيرها من النكبات التي تتعرض لها البلدان والتي يكون النشء أول المتأثرين بها ، وتلقي هذه النكبات بتأثيراتها السلبية على النشء ، التي تتمثل في فقدان المأوى/السكن الدائم و ما يتبعه من حرمان التعليم والصحة .. 2. التلقيحات الوقائية ، ونلاحظ حكومات بعض البلدان تهتم بالعاصمة و مراكز المدن فقط ، ولا تعتمد التغطية الصحية الجغرافية الشاملة ، لهذا تفتقر الكثير من القرى والأرياف وحتى المدن الصغيرة لبعض البلدان للكثير من الأهتمام الصحي ، التي يأتي في مقدمتها تلقيحات .. الحصبة ، الجدري ، التيفوئيد ، ألتهاب الكبد الوبائي ، شلل الأطفال ، السحايا والسل والكزاز .. وغيرها . أن الأهمال أو النقص أو فقدان العناية الصحية يقود بالمحصلة الى القضاء على أجيال كاملة ، ويؤثر في تفاعلاته الثانوية على مرحلة النهوض المستقبلي لأي مجتمع ، وسيخلق مجتمع مريض / معتل . 3. تشغيل الأحداث ، هذا الأمر يعتبر أغتصابا لجيل كبير من النشء ، ويعمل على زجهم في محيط مملوء بالسلبيات بعيدا عن ممارساتهم الطبيعية للحياة الأعتيادية ، الأمر الذي يؤدي الى أنحراف في السلوك العام ، وزيادة في في نسبة الأمية ، وتحمل الحدث للمسؤوليات الحياتية في سن لا طاقة له عليها ، كما قد تجره في كثير من الأحيان الى التورط في كثير من الممارسات غير الأخلاقية ، وممكن أن تقوده الى تعاطي المخدرات والمسكرات / الكحول ، وغيرها من السلبيات ، هذه الأمور تبعد النشء عن الدور الأجتماعي المناط به . 4. الحالات الأجتماعية العائلية / غير المستقرة ، قد تقضي بعض حالات الأختلاف بين الأبوين على مستقبل الأبناء بالكامل خاصة اذا تمت والأبناء في مرحلة الطفولة ، وهناك الكثير من الحالات في هذا الشأن ، لذا تقع على الأبوين مسؤولية كبيرة من أجل أكمال مسيرة الأبناء بعيدا عن كل الخلافات الزوجية ، التي قد تجر الى كوارث مستقبلية لا يمكن التنبوء بها ، وأن حل المشاكل الزوجية عقلانيا يوفر مناخا صحيا يبعدنا عن المصاعب التي يستحيل معالجتها مستقبليا ، وفي هذا الصدد من الممكن القول أن حالات الزواج الناجحة توفر مناخا صحيا للطفولة البناءة . الأيجابيات : أن لعملية الأهتمام والرعاية بالنشء والتي تشمل التوجيه والتربية والتعليم من خلال الأسرة والمؤوسسات التربوية الكثير من الانعكاسات الأيجابية والفعالة على سلوك النشء ، ممكن تلخيص أهمها في الأتي / على سبيل المثال وليس الحصر : 1. رسم الشخصية ، أن الأهتمام بالنشء / بالطرق القويمة ، يساعدهم على عملية رسم صورة واضحة لشخصيتهم وتكون هذه أداة مهمة في تحديد مستقبلهم في المراحل اللاحقة ، خلاف الحالات الأخرى التي تهمل النشء وتغفل الأهتمام بهم مما يؤثر على نمو شخصيتهم ، وترسم صورة سوداء قاتمة لهم ، تقودهم الى مستقبل عقيم تنعكس مؤشراته على المجتمع . 2. الوقاية من الأنحراف ، أن عملية الأهتمام بالنشء / بشكل عام ، تقود الى عمليات وقائية مهمة تبعد النشء عن الأعوجاجات في السلوك في الحياة العملية ، وهذا أمر مهم ، حيث أن السلوك القويم في المراحل الأولية منه يقود الى تفاعلات فعالة في المراحل الثانوية ، تتسم بالايجابية تجاه التفاعلات الحياتية ، وتجعله واعيا ومدركا تجاه أي أنحراف من الممكن أن يتعرض له ، كما أن الأنحراف يؤدي الى نتائج سلبية لا يمكن السيطرة عليها لاحقا ، لانها تكون قد ترسخت في عقلية النشء وتركزت في الوقت ذاته بالمكونات البنائية لشخصيته . 3. خدمة الوطن ، التعليم الجيد والوعي والشعور بالألتزام ، يقود الى خلق أجيال تتحمل مسؤوليتها الأجتماعية ، أضافة الى تملكها لحس وطني عال تجاه قضايا الوطن ، فكيف تشكل الجيوش / مثلا أذا كانت اللبنات الأولى للمجتمع غير واعية ، مغيبة ، منحرفة السلوك وبلا شعور أدنى للمسؤولية ، وكيف تدافع هذه الأجيال / المستقبلية ، عن قضاياها أذا كانت أصلا لا تعرف المسؤولية الأجتماعية تجاه عوائلها وتعيش عالة عليها وعلى المجتمع ، لذا أرى أن المؤوسسات تزرع التعليم و التعليم يزرع الوعي ، والوعي يزرع بذور الوطنية . 4. أن النشء الموجه جيدا أسريا و الذي توعيته كانت أيجابية والمحصن دراسة ، يكون بعيدا عن كل الأنحرافات التي يلجأ أليها شيوخ ودعاة الفتنة من خلال دعوات فتاوى الجهاد التي يتورط بها شباب الأمة . كلمة لا بد منها : أن النشء الواعي المبني على أسس قويمة مجتمعيا ، سيخلق أجيالا لاحقة خلاقة ، وسيؤسس لمجتمع منتج مستقبليا ، ويؤسس أيضا لقاعدة متينة للمواطنة الصالحة ، كل هذا وغيره يضع البذور الأولى لعملية النهوض المستقبلي ، والذي بدوره سينقل المجتمع من المرحلة السلبية الضبابية الى مرحلة مجتمع بان لوطن أمن و مستقر .
#يوسف_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتابة تأريخ الخلافة الأسلامية .. رؤية شخصية
-
قراءة في الأمن الغذائي العربي
-
قراءة حداثوية للحج و الكعبة ... مع أستطراد لحوادث التدافع في
...
-
خواطر شخصية .. غير صالحة للنشر
-
يوميات شعب
-
مسألة اللاجئين و - النواصب والروافض والكفار -
-
حيدر العبادي والوقوف بين - المطرقة و السندان -
-
برقية الى المتظاهرين - بعنوان / بداية النهاية
-
العراق ... و .. أزمة الهوية
-
الدول العربية .. بين الأسلمة و المستقبل المجهول
-
سبي النساء .. بين الشرعنة و الأغتصاب
-
الأسلام بين مفهوم - الدين و الدعوة - ومفهوم - الدولة و السلط
...
-
الاراضي تسقى ماء ، أما أرض العراق فتسقى دماء ..
-
تساؤلات .. في المرتدين وحرية المعتقد
-
قراءة في فتوى - موت المسلمين في بلاد الكفار .. في النار -
-
داعش .. والذبح على الطريقة الهوليودية
-
الدولة المدنية .. هي الحل
-
قراءة في فكر الشيخ محمد عبده .. أمام التنوير و التحديث
-
حل الجيش العراقي .. الطامة الكبرى
-
العشاق .. يقتلون بلا سيوف
المزيد.....
-
حزب الله: إيران حقّقت نصرا مؤزرا
-
كيف تطيل عمر مناشف الميكروفايبر وتحافظ على فعاليتها؟
-
16 قتيلا في احتجاجات بكينيا
-
اعتمد على المباغتة.. الجزيرة تحصل على تفاصيل كمين خان يونس
-
الموساد يشيد بعملائه داخل إيران وبدعم الـ-سي آي إيه- للهجوم
...
-
إصابة 3345 إسرائيليا بالحرب مع إيران و41 ألفا طالبوا بتعويض
...
-
أبو عبيدة: جثث العدو ستصبح حدثا دائما ما لم يتوقف العدوان
-
لماذا تتجه طهران لمنع الوكالة الدولية لتفتيش منشآتها؟
-
كاتب روسي يدعو موسكو للتحرك دبلوماسيا من موقع قوة
-
موقع تركي: القبة الفولاذية باتت ضرورة ملحة لتركيا
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|