أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - الثقافة بين الانغلاق في التراث والانفتاح على العالم















المزيد.....

الثقافة بين الانغلاق في التراث والانفتاح على العالم


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4943 - 2015 / 10 / 2 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


" في الثقافة الأخلاقية، لابد من السعي في سن مبكرة إلى تمكين الطفل من تصورات للحسن أو القبيح. وإذا أردنا تأسيس الخلقية ينبغي تجنب العقاب. فالخلقية هي أمر في غاية القداسة والسمو..."1

قد لا تحتاج الثقافة إلى التذكير بشكل مستمر بفائدتها بالنسبة إلى الأفراد والجماعات، فأهميتها في تربية النوع وتطوير المجتمعات وتقدم الدول وتحضر الشعوب لا تزال قائمة في كل مكان ومحل اتفاق وقبول.
لم تكن الثقافة في حركة مد وجزر مع الجانب الطبيعي قصد إدخال الإضافات والتنقيحات التي تصل إلى حد التغييرات المفيدة والإصلاحات النافعة فحسب وإنما فاق مستواها كل ذلك نحو بناء المشاريع وإنتاج المعنى وتفجير الثورات وتأسيس المدنية واختراع التقنيات واكتشاف المجهول واستكمال الوجود البشري. وإذا كان أولا لكل ثقافة خصوصيتها ومنطلقاتها ومنابتها فإن تجذرها في موروث مادي وارتباطها بتقاليد محمولة من الماضي وانشدادها إلى ذاكرة جماعية قد يؤدي إلى انغلاقها على ذاتها وتحوطها بسور تراثها. وإذا كان ثانية لكل ثقافة محاور كونية ونقاط مضيئة وإبداعات عالمية فإن إشعاعها على الآخرين وإفادتها المتواضعة للكون وخدمتها للإنسانية قد تتحول إلى موطن ضعف وسيتسبب في ذوبانها وضياع في العالم.
لم تغادر الثقافة في معناها اللغوي الطبيعة فهي تفيد زراعة الأرض وتسويتها وتهذيب الطبع بالتسلح بالوعي والتثقيف هي حركة يؤديها المرء ويكتسب بها المرء التربية والذوق والحكم ولكنها تتحول إلى حالة يستقر عندها السلوك وكيفية تتأقلم بها العاطفة مع مستلزمات الإرادة وقوانين المجتمع والواجب. بيد أن الاستعمالات العلمية للثقافة جعلها ترتبط بالتربية بواسطة الكلي وتتنزل ضمن دوائر الروح العلمية والواقعية السياسية والنظريات النقدية للمجتمع والدين والاقتصاد وتوثق صلاتها مع تقدم التقنية الصناعية.
ماهو المفهوم النسقي للثقافة ؟ ومن يحدد الهدف الكامل من التثقيف؟ هل ثمة طريقة لتحقيق هذا الهدف؟
يميز عمونيال كانط بين العام والخاص في تحديد مفهوم الثقافة رابطا إياها بالتربية والتفكير والخلقية. من جهة أولى تهتم الثقافة العامة بتكوين القوى الذهنية والعقلية للإنسان وتنشد الإتقان والمهارة وتنقسم إلى بعد مادي يركز على الانضباط والتمرين وتشترط حسن التقبل والامتثال إلى التوجيهات دون الحاجة إلى معرفة مبادئ المعارف والعلوم والى بعد أخلاقي يؤسس السلوك البشري على الاقتداء بالمثل العليا والمبادئ الحسنة والشخصيات النموذجية ويبتعد عن منطق التهديد والإكراه والتعسف والعقوبة ويعتمد على نشاط المرء الحر ودافعيته نحو الخير واستنتاجه الخاص لمبادئ الفعل والواجب وليس على تقبله وامتثاله للأوامر. من جهة ثانية تحضر الثقافة الخاصة القوى العقلية والملكات الذهنية الباطنية وتنمي قدراتها على الإحساس والتقدير البصري والتخيل والتذكر والتصور والانتباه والهزل والتسلية والحلم.
كما توسع من قدرات القوى العقلية العليا على الفهم والاستدلال وتدفع الفاهمة والحكم والعقل إلى توليد المعارف بصورية ذاتية والتفكير فيما يحدث وتحاول تجنيبها الشرود والتكرار والمماحكة والحفظ الآلي .
تحرص الثقافة الخاصة على توظيف الشعور باللذة أو الألم من أجل تمتع المرء بالترفيه دون الوقوع في الميوعة ولكي يقوي المرء إمكانيات الصبر لديه بالمران والمكابدة والتحلي بالشجاعة دون قهر الإرادة.
تجنب الثقافة وقوع المرء في انعدام الكياسة واللاّإجتماعية وتطهره من مشاعر الحقد والغيرة المرضية والكسل والكذب والوقاحة والتهور والخنوع والعصيان والتوسل والاستجداء والخبث والانقياد والميوعة واللاّخلقية التي تستوجب الردع والتأديب واستعمال العقوبات السلبية وتقوية الإحساس بالكرامة والشرف والصدق في القول والاجتماعية والتأنسن وفرح الاستمتاع بالحياة وخلق المقاومة الطبيعية للاجترار2 .
في الحقبة المعاصرة أعاد أدغار موران تعريف المسألة الثقافية ضمن إطار ما سماه بالأنسنة الثقافية مبينا أن الثقافة هي أعظم انبثاق يتصل بالمجتمع البشري وبأنها التراث المنظم الذي يتصل بالذاكرة الجماعية والموروث الجيني وأنها تضم داخلها عنصرين هما: - رأسمال معرفي وتقني ويتعلق بالمعارف والقواعد والممارسات والمهارات، - رأسمال ميثولوجي وطقوسي يخص المعتقدات والممنوعات والقيم والمعايير3 . على هذا الأساس تحتوي كل ثقافة على شبكة رمزية ومادية مركبة ومتشابكة وتحوز على لغة خاصة بها تسمح بتسجيل الموروث واستذكاره ونقل المعارف والتواصل بين الذوات والمجموعات ولذلك فهي تبعث للحياة في كل زمن يتشكل فيه جيل جديد وتعمل على تغذية هويته. تبعا لذلك " تفرض الثقافة نظامها المنظم على التكاثر البيولوجي وتنشئ قواعد الحياة المشتركة من خلال ذلك النظام"4 .
غير أن الثقافة تتميز بالطابع المزدوج فهي خصوصية ومغلقة من ناحية ولكنها كونية ومفتوحة من ناحية أخرى وتعمل على إنتاج عالم روحاني مليء بالأساطير والرمزيات ولكنها تساهم في تشكل الابتكارات التقنية وتمنح الشكل والمعيار إلى الأفراد لكي يندمجوا في وجود اجتماعي يتمتع بالتنظيم الذاتي والتجدد. لكن حينما يتم تأهيل المجتمع ثقافيا فإنه يكتسب هوية مميزة ويبدأ في التفتح والنماء والازدهار وتشتغل فيه آليات الحوارية بين أفراده والتكاملية بين اندفاعاته وآماله من جهة وقدراته وتصوراته ومنجزاته من جهة أخرى وتتشكل مقاومة تآزرية تعمل على درء المخاطر وصون تماسكه واستمراره والتأقلم مع العصر. فماهي المحصنات التي يجب أن تتوفر حتى لا تفقد الثقافة هويتها عند كل انفتاح ولا تسقط في تمركز عند كل انغلاق؟ وهل من تعارض بين حركة الابداع عن طريق التوليد الذاتي والنواة السردية المنظمة؟

الاحالات والهوامش:
[1] كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، ضمن ثلاثة نصوص، تعريب وتعليق محمد بن جماعة ، دار محمد علي الحامي للنشر، صفاقس ، تونس، طبعة أولى ، 2005.ص.59.
[2] كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مرجع مذكور، صص.52-55(بتصرف).
[3] موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، ترجمة هناء صبحي، كلمة ، أبو ظبي، طبعة أولى 2009،ص193.
[4] موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، مرجع مذكور،ص200.
المصادر والمراجع:
كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، ضمن ثلاثة نصوص، تعريب وتعليق محمد بن جماعة ، دار محمد علي الحامي للنشر، صفاقس ، تونس، طبعة أولى ، 2005.
موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، ترجمة هناء صبحي، كلمة ، أبو ظبي، طبعة أولى 2009،

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية والذاتية والإبداع
- الفلسفة بين سكون الليونة وعزم الصلابة
- النظرية التربوية الكانطية والتأسيس البيداغوجي
- إلى أين تذهب الهرمينوطيقا في الثقافة الراهنة ؟
- علامات على التصور البوبري للفلسفة
- شذرات في الصميم
- التسوية وحرب المواقع والثورة السلبية عند أنطونيو غرامشي
- حال تدريس الفلسفة في العالم العربي
- باراديغم المحاكاة بين الواقعي والتراجيدي
- مفهوم الجميل بين المعطى الطبيعي والبعد الفني
- العدالة الإجرائية والمساواة الديمقراطية عند جون رولز
- المنعرج التداولي للفلسفة المعاصرة مع يورغن هابرماس
- أولانية دراسة الوضع البشري
- ميلاد الفنون الجميلة ودلالاتها
- المقاربة الفنومينولوجية للسياسي عند حنة أرندت
- تأرجح الكائن بين اللاوعي والوعي عند سغموند فرويد
- الإنسان المنتج عند كارل ماركس
- ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟
- كيف يتحقق العيش المشترك في ظل التصادم بين الحضارات؟
- الفنان بين اتساع نطاق التسمية وتقلص رقعة المعنى


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - الثقافة بين الانغلاق في التراث والانفتاح على العالم