أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثامن















المزيد.....

العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثامن


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4943 - 2015 / 10 / 2 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


اتفق جميعنا على أن أندريه، الأخ البكر، اختطفها، لكننا استبعدنا فرضية القتل. حسين وحده، مدفوعًا بنظرته المتشائمة إلى العالم، طلب منا ألا نجزم، وأن ننتظر حتى الغد، ربما وجدوها مقتولة على ضفة نهر السين. انفجرت الشتائم من كل الجهات، فشعر حسين بالخجل. قال إن من طبيعته إثارة المخاوف من غير داعٍ، فغفرنا له، ونحن دَهِشون من بقائه دون كحول.
نسينا أنطوان تمامًا، وفكرت أنه يغرق في النوم، فلم تكن مارتا إلى جانبه، ولا الفوطة المبلولة على جبينه. بقينا مدة طويلة، بانتظار ماري، وخلال ذلك الوقت، توثقت عرى الصداقة بيننا. هذا على الأقل ما كنت أشعر به، ورؤوسنا تقترب من بعضها.
سمعنا أحيانًا بعض الهمسات، بعض السِّباب، بعض الضحكات الخافتة كذلك. ونحن نغوص في قلقنا، كنا نبحث، بشكل من الأشكال، عن جَوْنِ رملٍ ساخنٍ نُغرقه فيه. لكن الحقيقة التراجيدية كانت تطاردنا، ولم نكن نراها بوضوح. كنا نحس بها جيدًا، ونرفض الحديث عنها.
ولأول مرة أعلم أن أنطونيو أصله من البرازيل، وليس من إسبانيا. كنت أعتقد أنه إسباني، ومع ذلك لم أسمعه يومًا يتكلم الإسبانية. كانوا يتكلمون البرتغالية هناك، وهو لم تكن له أية علاقة "ببرتغالينا". حكى لنا أن أباه زارع قهوة، عشرات الهكتارات من القهوة. لكن ليشربها، كان مضطرًا لشرائها! في الواقع كان زارع قهوة للشركات الاحتكارية! قال لنا كذلك إن أمه ماتت عندما كان طفلاً، فتزوج أبوه من خالته الصغيرة التي ماتت بدورها. ثم تزوج من خالته الكبيرة التي أعطته تسع أخوات، وبقي ابنًا أوحد.
- تسع بنات، يا مومس! هتف عصام، هل تدركون؟
- تسع بنات، أعاد أنطونيو، مبسوطًا من نفسه.
- إذن أبوك عربي، يا مومس!
- أبي برازيلي.
- برازيلي من أصل عربي.
- من أصل أندلسي تعني؟
- نفس الشيء، يا مومس! وكل هذه البنات! كل هذه البنات!...
- إذا ما فقد أبي واحدة، أوضح أنطونيو...
- تسع بنات، يا مومس!
- ...فلن يسيئه ذلك بتاتًا، سيرسل اثنتين أخريين في طلبها، متمنيًا ألا يراهما ثانية، مما يوفر عليه بعض الهموم، ختم، وهو يفرك سبابته وإبهامه. أنتم ترون ما أعني؟
ابتسم بعضنا، ولم يشأ أحدٌ الرد. كان لأنطونيو وجهٌ أرجوانيُ اللون، مليءٌ بالنمش. حقًا كان سمينًا، لكنه لم يكن بدينًا. كان خفيف الروح، ويحب كثيرًا جان. استمع جان إلى صديقه بكثير من الاهتمام، ثم، قال بدوره:
- أبي الذي لي، أعطته أمي تسعة صبيان. إذا ما فقد واحدًا، فلن يسعده ذلك بتاتًا، لن يرسل أحدًا في طلبه، خوفًا من أن يفقد ابنين آخرين. كل واحد منا يدفع حصته من النفقات التي دونها ستسقط على دماغه أطنان الهموم.
ضرب جان بقبضته رأسه، أخذه بيديه، وتظاهر بِلَوْيِهِ، وهو يَحْوَلُ، ويبصقُ لسانه.
أخفى الجميع الضحكة نفسها، وأنطونيو يضربه بقدمه، لأن الوقت لم يكن للضحك.
كنا، نحن الرجال، نجتمع في حجرة، والنساء في أخرى. اقترب والد لحسن من عادل، وراح يحدثه عن حربه، فأصغى عادل بانتباه. أوضح الشيخ أن الصانعين الحقيقيين لاستقلال المغرب هم حاليًا في السجن أو في المنفى، وعاد إلى الوراء، وهو يحكي عن ذكرياته، فتظن أنك تخترق التاريخ عبر نظرته العميقة. كان صيادًا، وفي الليل، كان يغوص في أعماق البحر ليضع الألغام تحت هياكل البوارج الحربية التي ما أن تُقْلِع حتى تتفجر هشيمًا يكون طُعمًا للأسماك. لم يكن يذهب إلى المكان ذاته مرتين، فعرف كل مدن المغرب الساحلية، حتى أنه ذهب مرة لتنفيذ عملية في طولون.
رأيته، وهو يكشف بيد عصبية عن كتفه الضامرة:
- هذا الجرح سببه انفجار لُغم. تحركت البارجة، ولم أزل بعد قربها، عندما تفجرت ألف قطعة. سال دمي بغزارة حتى الشاطئ، حيث غبت عن الوعي. عندما فتحت عيني، قلت لنفسي "يا ولد، وقعت في أيدي الفرنسيين!" لكني وجدتني في بيت أبيض، ووجوه باسمة تحيط بي.
ابتسم بسعادة، ثم قال بمرارة:
- وها نحن، يا ولدي، في البرد والجليد!
نهض عادل معتذرًا، وسارع إلى كراسه ليدون ما قال له الشيخ، وصور ماركس ولينين وماياكوفسكي تبتسم.
جاءت مدام ريمون، وقالت لعصام وحسين إنها لن تستطيع الانتظار أكثر، وعليهما أن يدفعا الإيجار، وإلا رفعته. احتد حسين، وقال لها إنه لا يبالي، وإنه سيترك في أول فرصة، لأنها امرأة عبدة للنقود، لا تقدر ظروف مستأجريها. أمسكته، ورجته ألا يرفع صوته، احترامًا لأم ماري. وعدته بالانتظار، لكنها أنذرته بأنها ستزيد الإيجارات. شددت على كلماتها الأخيرة لتتحاشى احتداد حسين، فعلق لحسن دون أن ننتظر ذلك:
- لمدام ريمون قلب طيب! كنت أظن أن لها قلب الشيطان: في النهاية، لها قلب طيب! هذه هي الحقيقة! الحقيقة الصرفة! كما أقول لكم، أؤكد لكم!
فتذكرته مدام ريمون:
- أما أنت، فمتى سيدفع لي أقرباؤك؟ يهبطون علينا من السماء فجأة! يستقرون! دون أن يدفعوا فلسًا! قل لي مَنْ غير مدام ريمون تفعل هذا؟
استدار نحونا، وهو يقطب حاجبيه، ويرفع كتفيه:
- ألم اقل لكم؟ لمدام ريمون قلب طيب!
قال المهندس:
- لم يعد باستطاعتي!
- ابق أيضًا بعض الشيء، يا مومس! قال له عصام، سنغادر معًا.
- سأذهب للنوم.
خرج، تتبعه مدام ريمون، فجان، فأنطونيو.
- سأبحث عن ماري غدًا، لا تخشوا شيئًا، تلعثم حسين.
ذهب هو كذلك. لم يبق سوى عصام الذي يدخن، ولحسن الذي يتثاءب، والشيخ الذي ينام. أشارت الساعة إلى الثالثة وعشرين دقيقة صباحًا. نهضتُ لأنظر من النافذة. لم أميز شيئًا في السماء. عدت إلى مكاني ونظرت إلى الساعة من جديد. سمعت دقاتها الرتيبة، وتأملت الرقاص القديم. فكرت في ماري: أين ماري؟ هل حقًا قتلوها؟ لماذا ماري بالذات؟ هذا الحلم الذي لم يتحقق! ابتسمتُ بحزن، وأنا أفكر في نهاري، في انتظاري، في ملاحظات جورج الأشقر، في أحلامي! عادت ابتهالات الأم القانطة إلى الوصول إلينا، واطئة، كالمستسلمة. تركتُها في الطريقِ، وحدَهَا، وغفوتُ. عملتُ كابوسًا: ماري، حبلى مني، وَضَعَتْ طفلاً بلا وجه، قطعته أمي بضربة فأس. ثم، بسكين، ذبحت ماري كالخروف.

* * *

هزتني مارتا بيدها، وطلبت مني النهوض. لم أجد أحدًا حولي، ذهبوا كلهم. سألتها عن أخبار ماري، فرجتني أن أخفض صوتي، لأن العجوز والطفل ينامان.
- ماري دومًا غائبة، قالت.
وقبل أن تصحبني، لَمَسَتْ جبين أنطوان. نزلت الحرارة، فابتسمت مارتا، رغم تعبها. قلت لها إنني حلمت حلمًا مزعجًا، لكنها دعتني إليها، لأنام، وأرتاح، فما كان إلا حلمًا مزعجًا. قبل أن ندخل بيتنا، سمعنا الأم، وهي تردد في نومها:
- ذبحوا ماري، ذبحوا ابنتي الصغيرة!


ينبع القسم الأول الفصل التاسع



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل السابع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل السادس
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الخامس
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الرابع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثالث
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثاني
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الأول
- الغِربان2: واقع المهاجرة
- الغِربان1: واقع الهجرة
- المرأة العربية5 وأخير: حركة تحرير المرأة العربية
- المرأة العربية4: المتعة
- المرأة العربية3: المرأة والجنس
- المرأة العربية2: الخمار ليس الحجاب
- المرأة العربية1: الوضع العام
- الحريات9 وأخير: الخطوط العريضة لسلطة التنوير
- الحريات8: المغرب
- الحريات7: الجزائر
- الحريات6: العراق
- الحريات5: الأردن
- الحريات4: مصر


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثامن