مازن ريا
الحوار المتمدن-العدد: 4932 - 2015 / 9 / 21 - 12:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بدأت مشكلة اللانهاية تشكل قلقاً معرفياً لدى الرياضيين منذا اصطدم فيثاغورث بالأعداد اللامقايسة عند محاولته حساب طول الوتر في المثلث القائم الذي طول كل من ضلعيه القائمتين يساوي 1، فالوتر في هذه الحالة يساوي 2√-;- وهو عدد لامتناه، كما ظهرت القضية ذاتها عند أرخميدس عندما حاول إيجاد علاقة بين محيط الدائرة وطول قطرها تسمح لنا بحساب محيط الدائرة فظهرت له النسبة 22/7 أو العددπ-;- الذي يساوي ....3,1415 دون أن نصل إلى نهاية لهذا العدد.
لم تحظ الأعداد اللامتناهية لدى الرياضيين بالدراسة والاهتمام الكافيين إلا في وقت متأخر حيث كانت تعتبر أوهاماً ليس لها أي نوع من أنواع الوجود، إلاأن مشكلة اللانهاية فرضت نفسها وبقوة على الرياضيين حين وجدوا أنه من المستحيل تجنبها في مسار اكتشافاتهم الرياضية وخاصة اللامتناهيات في الصغر حيث تم اكتشاف أكثر من طريقة لحساب اللانهايات في الصغر، على يد كل من نيوتن وليبتنز، من خلال دراسة الكميات التي تتناقص باستمرار ودون توقف إلى ما حدّ له، أو الزيادات اللانهائية الصغر التي يمر بها متغير خلال القيم المتتابعة التي تعطى له.ومن الجدير ذكره أن كلاً من نيوتن وليبتنز توصلا إلى حساب اللانهايات في الصغر أو علم التفاضل والتكامل في العام ذاته، ولكن باعتماد منهجين مختلفين نيوتن توصل إليه بوسائل علم الحركة الفيزيائي وكانت المشتقات عنده تشير إلى التسارع، أما ليبتنز فقد استخدم الطريقة الهندسية وعبر عن اكتشافه بلغة المثلثات.
يقسم اللامتناهي رياضياً إلى نوعين:
الأول : اللامتناهي في الكبر ويقصد به ((ما هو أكبر من كل مقدار معلوم وأكثر استعمالاته في المقادير المتغيرة أو الأعداد التي لا حدّ ولانهاية لزيادتها)) ، والمقصود هنا أننا لا نستطيع إيجاد أكبر عدد لأننا لو فرضنا أن أكبر عدد في مجموعة الأعداد الطبيعية هوω-;-، هناك عدد أكبر منه هوω-;-+1 ،.... وهكذا .
ثانيا: اللا متناهي في الصغر ويطلق ((على كل مقدار متغير يكون حدّه صفرا)) ، فالعدد 1 يمكن قسمته إلى نصف ، والنصف إلى ربع، والربع إلى ثمن ... وهكذا، إن حدّ العدد واحد هنا الصفر، وهذا يلقي الضوء على العلاقة بين الكثير والواحد، فالعالم بجملته ككل هو واحد، حدّه العدم المساوي للصفر، والصفر هنا ليس الصفر بالمعنى العددي، إنما لحظة البدء، والتي نشأ منها وتكون ماهو كثير ولا متناهٍ.
وهذا التقسيم يلجأ إليه جميل صليبا في معجمه الفلسفي فيقسم اللامتناهي النسبي إلى لا متناه في العظم ويقصد به (( ما هو أكبر من كل مقدار معلوم)) أما اللامتناهي في الصغر فيقصد به ((ما هو أصغر من كل مقدار معلوم ويطلق على كل مقدار متغير حدّه ونهايته الصفر)) ، ولا يختلف إبراهيم مدكور عما ذهب إليه صليبا بأن اللامتناهي النسبي نوعان أحدهما لا متناهٍ في الكبر ويقصد به ((ما هو أكبر من كل كم معطى)) ولا متناهٍ في الصغر ويقصد به ((ما هو أصغر من كل كم معطى)) .
أما اللانهاية في نظرية المجموعات فإنها تتميز بخاصية تثير تناقضاً منطقياً، حيث الجزء يكافىء الكل عددياً، فالمجموعة اللامتناهية تحوي مجموعة جزئية منها لامتناهية بحيث يمكننا إجراء تقابل واحد لواحد.وعندها سنجد أن كل عنصر من المجموعة له عنصر مقابل من المجموعة الجزئية، مثلا مجموعة الأعداد الطبيعية، هناك تقابل بينها وبين مجموعة الأعداد الزوجية التي هي جزء منها، وبهذا المعنى فإن اللانهاية في نظرية المجموعات تطلق ((على ما كان معادلاً لجزء من ذاته)) ، حيث تكون الفئة ((لامتناهية إذا كانت أجزاؤها مماثلة عدديا لذاتها أما إذا كانت أجزاؤها غير مماثلة لذاتها كانت متناهية)) ، فإذا ما أخذنا، على سبيل المثال مجموعة الأعداد الطبيعية و أجرينا تقابلا بينها وبين مجموعة الأعداد الفردية واحد لواحد كما يلي:
1 , 3 , 5 , 7 , 9 , 11 , 13 , 15 , .........
1, 2 , 3 , 4 , 5 , 6 , 7 , 8 .......,
تظهر لنا بوضوح مفارقة الكل والجزء في اللا متناهيات، إذ أن عدد أجزاء الجزء يكون مساوياً لعدد أجزاء الكل.
يرمز إلى اللانهاية بالرمز(∞-;-) واللانهاية في الرياضيات نوعان لانهاية من حيث الكم المتصل تتعلق بالمكان الرياضي ولانهاية من حيث الكم المنفصل وتتعلق بالمجموعات العددية، ويمكن تمييز نوعين من اللانهاية في الكم المنفصل لانهاية موجبة(+∞-;- ) ولانهاية سالبة(-∞-;-).
وفي هذا السياق ذكرت المدونات الرياضية مجموعة من خواص الأعداد اللامتناهية، والسلاسل اللامتناهية:
أولا: خاصية الانعكاس:
تتمتع الأعداد والسلاسل اللامتناهية بخاصية الانعكاس ((إذا كان العدد لا يزيد كلما أضفنا العدد 1 أو غيره إليه)) وبالتالي العدد اللامتناهي لا يكبر بالتضعيف ولا ينقص بالطرح أو القسمة مثلاً : ∞-;-+ 1000 =∞-;-، ∞-;-÷ 1000=∞-;- ، ∞-;- - 100=∞-;- ، ∞-;-×100=∞-;-
ثانيا: خاصية اللااستقرائية:
أول من تحدث عن هذه الخاصة، العالم الرياضي "بيانو" عندما بحث في القضايا الأولية وكيفية البرهان عليها وتعريفها في علم الحساب الرياضي حيث وضع ثلاثة أفكار أولية هي:
(( الصفر، العدد، التالي)) ثم وضع خمس مصادرات هي:
)) الصفر عدد ، كل عدد له تالٍ، لا عددين ذوا تال واحد، الصفر ليس تالياً لأي عدد، أية صفة تنسب إلى العدد صفر وتنسب إلى تالي أي عدد يملك هذه الصفة تنسب إلى كل عدد)) ، فالأعداد اللا متناهية لا تتمتع بهذه الخاصة على عكس الأعداد المتناهية لأن هذه الخاصية تسمح لنا بالانتقال من عدد إلى العدد الذي يليه ابتداء من الصفر، لكن الخاصية الاستقرائية لا توجد في الأعداد اللا متناهية ((لأن أول الأعداد اللانهائية ليس له سابق مباشر لأنه لا يوجد شيء اسمه أكبر عدد متناهٍ سيكون التالي هو العدد اللا متناهي ولهذا فإن الانتقال خطوة خطوة من عدد إلى التالي له لا يمكن أن يصل إلى عدد لا متناه)).
ثالثا: خاصية اللاترتيب:
وهي من الأفكار الرئيسة في الرياضيات سواء في الكميات المتصلة أو في الكميات المنفصلة، و ((الترتيب فكرة اعتبارية خالصة، أي ليس هناك ترتيب يجب أن يؤخذ دون ترتيب آخر، إنما الأمر يتوقف على وجهة نظر الشخص المرتب، لا على الأشياء المرتبة في ذاتها)) ، فإذا كانت النقطة ب سابقة على النقطة ط على مستقيم الأعداد، والنقطة ط سابقة على النقطة ق، كان العدد المقرون بالنقطة ب أكبر من العدد المقرون بالنقطة ق بعبارة أخرى إذا كان ب>ط وكان ط >ق فإن ب>ق، ولا يمكن أن يكون العكس، هذه الخاصية تنطبق على الأعداد المتناهية فقط، بينما الأعداد اللامتناهية تفلت من قبضتها.
مما لاشك فيه أن فكرة اللا متناهي قد شكلت قلقاً معرفياً لدى الرياضيين و الفلاسفة تمثل هذا القلق برفض الفكرة واعتبارها مجرد وهم وخيال يقول هيوم: (( إن جميع ما يستند إليه الرياضيون من أفكار حول الكمية ليس سوى أفكار خاصة أوحتها الحواس والتخيل، ومن ثم لا يمكن تقسيمها إلى ما لانهاية)) وقد وصل الأمر إلى حد السخرية من فكرة اللامتناهيات في الصغر عند بركلي إذ اعتبرها مجردأشباح لكميات ميتة وبالرغم من كل ذلك لم يستطع الرياضيون تجنب فكرة اللامتناهي، فكانت أول محاولة لتجاوز هذه العقبة الأبستمولوجية، بواسطة حساب التفاضل والتكامل على يد كل من نيوتن ولا يبتنز.
#مازن_ريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟