أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالهادي مرهون - دماء أطفال العراق بين الشط وتجار الموت والحرب















المزيد.....

دماء أطفال العراق بين الشط وتجار الموت والحرب


عبدالهادي مرهون

الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 10:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يجرفنا الحنين إلى العراق وشعبه، والصداقات والعشرة الجميلة التي تكونت مع أبناء الرافدين وبين جنباته، وزمالات جامعاته وإلى قصائد شعرائه وكتابات مثقفيه وزيارة مقدساته، يقع كل ذلك الحنين ليعصر الفؤاد ويوجع القلب والعاطفة حين نشاهد دماء الأطفال والعمال والكسبة تسيل هدراً على الشط، ليس هو شعراً منثوراً هذا الذي نكتب بل هو وجع المقهور المكبوت على نرى ونشاهد من عنف وإرهاب، وكله يؤدي إلى نتيجة واحدة، إما موت الأطفال جوعاً أو بفعل الإرهاب التكفيري الأسود أو على أيدي وسلاح قوات الاحتلال الأمريكي. والمستهدف في كل الأحوال، هو الإنسان العراقي وعلى الخصوص الكادح الذي لا يملك من دنياه شبراً، ولا يحلم بغير تحصيل لقمة عيش شريف له ولعياله والوقوف في طوابير العمال والكادحين.

لكن المتتبع للحال العراقية الراهنة يجد أنها لم تبدأ اليوم بل إنها تشَكلت مع مجيء الدكتاتورية وتسلطها على رقاب العراقيين منذ عام 1968، ومع كل ما جرى لهذا الشعب المنكوب من مذابح جعلت المقابر الجماعية منتشرة من الجنوب إلى الشمال وتهجير 4 ملايين عراقي تُماثل مصائرهم ملايين الفلسطينيين المهجرين على أيدي قوات الإحتلال الصهيوني ، إلا أن المفجع في الأمر ما أصبح معروفاً مؤخراً من استغلال أطراف سياسية دولية رفيعة المستوى في منظمة الأمم المتحدة لبرامج المنظمة الدولية "النفط مقابل الغذاء" المخصص لمساعدة العراقيين وتحت غطاء المشاعر الإنسانية، بينما الهدف المشاركة في سرقة اللقمة من فم أطفال هذا الشعب المنكوب، حيث كشف عن تورط دول وهيئات وأفراد في سرقة قوت العراقيين الذين كانوا مطوقين بناري الديكتاتورية والحصار الدولي.

وقد تبين من خلال الوثائق التي تكشفت بعد تحقيقات مستقلة عدة أن برنامج "النفط مقابل الغذاء أو النفط مقابل الدماء" سمح لديكتاتور العراق السابق بتحويل مئات ملايين الدولارات بين عامي 1996 و2003 وقد شملت تلك التحويلات والمنح مسئولين كبار في الأمم المتحدة قبضوا عمولات كبيرة وعلى نحو خاص مسئول البرنامج بينون سيفان، كما شمل أيضاً سياسيين أجانب منهم الفرنسيون لاسيما الذين استفادوا من رشا النظام، أما السياسيون العرب ومن دول أخرى متعددة ومن بينهم خليجيون أيضاً وفئات أخرى ضمت كتابا وفنانين فقد تلقوا كوبونات نفط على حساب الشعب العراقي، ويمكننا هنا التحدث عن تحويل المنظمة الدولية أيضاً لعشرات المليارات في تلك الفترة عبر عمل لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التي يقع مقرها في جنيف بذريعة تعويض أولئك الذين عانوا من المغامرات الخارجية الهوجاء للنظام والتي تلاعبت واشنطن وغيرها من الدول بحسابات تلك اللجنة على نحو واسع واقتطعت مبالغ تصل إلى 30% من موارد العراق النفطية، حتى أنه تم دفع مبلغ 200 مليون دولار في أبريل 2005 في الوقت الذي تحاول الحكومة العراقية الاقتراض من الخارج دون جدوى أو المطالبة بإلغاء أو حتى جدولة الديون.

لقد أساءت الأمم المتحدة والدول الكبرى في مجلس الأمن تقدير النتائج الكارثية لتلك العقوبات على المجتمع العراقي نفسه، فقد تدهورت البنى التحتية شيئاً فشيئاً على الرغم من الجهد الخارق الذي بذله التقنيون العراقيون للمحافظة عليها، أما الخدمات الأساسية للمواطنين مثل محطات الكهرباء ومياه الشرب فقد أصبحت هشة، وتحطمت هياكل الدولة ومؤسساتها حتى أن الأمر لم يتطلب سوى ضربة واحدة كي ينهار النظام الفاسد، فقد كان مهترئاً أصلاً رغم أنه كان يكابر ويرتكب الفظاعات ضد شعبه في الداخل ويرشي السياسيين الدوليين حتى يضمن البقاء والتسلط على رقاب مواطنيه، وهو درس بليغ لجميع الأنظمة العربية التي إن استمرت في انتهاج سياسات تسلطية مماثلة مع شعوبها قسََتَضعُف جبهاتها الداخلية ولن تصمد أمام التدخلات الخارجية.

ومع كل ذلك، يدرك جميع المتابعين أن تلك العقوبات الدولية لم تعاقب حكام النظام الذين استمروا في التحكم بالموارد الهامة، كما لم تُضعِف قبضة النظام على رقاب المواطنين بل أن هذه العقوبات سمحت للنظام بالتحكم في كل شيء، وكان بوسعه البقاء عدة سنوات أخرى، لكن المؤلم أن تداعيات العقوبات والحرب التي تلت أدت إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، وانتهت إلى زعزعة إحدى أهم الدول في المنطقة، وإطلاق الغرائز والنزعات المذهبية والطائفية وتصديرها للمحيط الإقليمي، ودفع المنطقة نحو استقطابات جديدة عرقية ومذهبية وطائفية.

وأدى الاستهتار بالمصالح العراقية من قبل مافيات شركات النفط والسلاح واستشراء منظمات وشخوص الفساد ورأس المال المتوحش وتوابعهم من البرجوازية المحلية إلى إحكام السيطرة على مفاصل الاقتصاد العراقي حتى أن البنتاغون وبأمر من وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد رفض تقديم الكشوفات المطلوبة للتعرف على الكيفية التي صُرفت فيها الأموال العراقية التي كانت تحت إدارة الاحتلال ويقدرها خبراء المال بأكثر من 45 مليار دولار، عدا عن استحواذ شركة هاليبرتون وفروعها "براون أند روت" على أغلب العقود التي يقول المتابعون أن لا أحد في العراق يستطيع أن يفسخ العقود مع الشركة بما فيها الحكومة العراقية المنتخبة لخمس سنوات قادمة.

ولم يقتصر الأمر في استغلال ثروات العراق على المسئولين في الأمم المتحدة لكن تعداه إلى كبار السياسيين وخاصة في الولايات المتحدة حيث تمارس هذه الدولة العظمى القتل والتدمير خارج حدودها وتعتدي على غيرها من الشعوب، وترسل الأساطيل والبوارج والغواصات، وبعد أن تدمر كل المقدرات وتكذب على شعبها في الداخل وشعوب العالم في الخارج، يعتذر ويتملق سياسيوها الكبار ويَظهَرون بمظهر الإنسانيين للتغطية على ممارساتهم المخزية. بعد كل الدمار والخراب الذي تسببوا فيه ودفعهم عُنوة الدول الأخرى في الأمم المتحدة ومجلس الأمن على إصدار القرارات من خلال الترغيب والترهيب بحق الدول الأخرى، وكذلك أكاذيب السياسيين الأمريكيين من الرئيس حتى وزير الخارجية وبقية مستشاري الأمن القومي اعتماداً على تزييف أشرطة صوتية أو صور أقمار صناعية مفتعلة فقط لأنها تخدم غرضها لتقنع دول العالم عنوة، لا بل وتسخير كل الأجهزة الذكية منها والغبية وفي الطليعة منها جهاز استخباراتها CIA بتقارير ملفقة، والدليل على ذلك سقوط مبررات غزو واحتلال العراق الذي دمرت الولايات المتحدة مقدراته وسرقت آثار حضارته واستباحت أرضه وفككت هياكل دولته وجيشه، ثم يخرج علينا بعض أركان حكومة الأكاذيب الأمريكية بتبريرات سمجة وأعذار أقل ما يمكن القول فيها أنها استخفاف بعقول كل هذا العالم وشعوب الأرض، فنجد وزير الخارجية الأمريكي السابق الجنرال كولن باول بعد أن قاد أكبر الحملات الدبلوماسية الأمريكية وأحكم الطوق على العراق وهدد حكومات العرب والعالم لكي تتكتل ضده، يخرج علينا بكلمات الأسف لأنه اشترك في أكاذيب في مجلس الأمن، وقبلها أيضاً هو بذاته قاد الحرب العسكرية ضد العراق على خلفية الغزو العراقي للكويت، وهي حرب لم تقف عند حدود إخراج قوات صدام من هذا البلد العربي، إنما ذهبت بعيداً لضرب مقدرات العراق وفرض الحصار على شعبه.

فنحن إذاً أمام لعبة أمم جديدة لن توفر قيماً دبلوماسية ولا إنسانية ولا أخلاقية إلا وستحطمها، وتضع بديلاً لها على أسس جديدة قوامها المنفعة والسيطرة على ثروات الشعوب وإن تطلب الأمر إسالة دماء الأطفال على الشط وكذب رئيس أمريكا على شعبه وشعوب الأرض قاطبة. إن الأمر يتعلق بخطة استراتيجية أمريكية محكمة، الغرض منها السيطرة على المنطقة والتحكم في ثرواتها من البوابة العراقية، في الإطار الأشمل للتصور الأمريكي لإدارة العالم كله من مركز واحد، ووضع اليد على مصادر الطاقة والثروة في هذا العالم، والحيلولة دون تمكن البلدان والشعوب الأخرى من بناء مستقبلها بما يتفق ومصالحها الوطنية وحاجاتها التنموية.



#عبدالهادي_مرهون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضامن النواب مع القضية الفلسطينية
- اسكت أيها الوزير!
- سنعلم ابناءنا وأحفادنا ان هذا الكيان‮ معتدى ‬غاص ...
- البرلمانيون والضمير الوطني
- القوانين والتشريعات بين رضى المجتمع وحاجة السلطة
- علي أبواب الانعقاد الرابع
- لماذا اختاروا الوطنيين الديمقراطيين؟
- صراع الكتل البرلمانية .. و متغير العمل السياسي
- على الحكومة أن تنهي‮ ‬احتكاروسائل الاعلام
- لسنا مع إنشاء كيانات مذهبية
- سياسات أميركا في الخليج... سراب أم فقدان توازن؟
- تهديد مرهون هو تهديد للديمقراطية البحرينية
- مجلس النواب ومنحني التعلم
- ديمقراطية الترجي والتوسل . المعارضة والمصافحة . . . الهواجس ...
- لا يجب دائما تمرير القوانين اعتمادا على قوة حزب الحكومة
- تهديد مرهون ينم عن وجود قوى حاقدة
- أكد تعرضه لتهديدات بسبب مواقفه الوطنية
- غالبية البرلمانات العربية تعمل بوحي من السلطات
- الديمقراطيين‮« ‬تتقدم بمقترح لتعديل‮ ̷ ...
- البرلمان البحريني يختتم جلساته باللكمات


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالهادي مرهون - دماء أطفال العراق بين الشط وتجار الموت والحرب