زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 00:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع توجه تركيا الى انتخابات برلمانية في الاول من تشرين الثاني نوفمبر القادم , يبدو أن أردوغان قد وصل الى مرحلة متقدمة من الهستيريا السياسية في سعيه المحموم والفاشل وبدعم غربي وصهيوني وتحالف خليجي منذ عام 2011 لتدمير سوريا وإسقاط النظام السوري . حيث لم يدخر منذ ذلك التاريخ أي وسيلة من وسائل التآمر الاجرامي على النظام والدولة والاقتصاد والصناعة والشعب في سوريا لتحقيق أحلامه العثمانية والاخوانية . فمن احتضان وانشاء معسكرات تدريب وغرف عمليات وتقديم الدعم اللوجستي والميداني لعشرات الالوف من الجماعات التكفيرية المسلحة من لواء التوحيد ولواء الفتح وغيره من ألوية الجيش الحر وجبهة النصرة والدولة الاسلامية وأحرار الشام وجبهة ثوار سوريا وكتائب نور الدين الزنكي وحركة حزم....الخ , الى الجهود المستميتة لتوحيد هذه الجماعات تحت راية الجبهة الشامية وجيش الفتح وجيش المجاهدين وكتائب السلطان مراد....الخ بهدف زيادة الضغط العسكري على الجيش السوري لتحقيق انتصارات عسكرية في ريف حلب الشمالي وفي مناطق إدلب وجسر الشغور وساحل الغاب .... هذا في الوقت الذي أعلن فيه بعد خسارته في الانتخابات البرلمانية الاخيرة وانكشاف دوره الفاضح في دعم وإيواء الجماعات التكفيرية , حملة مسعورة من النفاق السياسي باعلان الحرب على الدولة الاسلامية وحزب العمال الكردستاني تحت شعار محاربة الارهاب . ولكن الجيش التركي بتوجيه من أردوغان ركز ضرباته الجوية فقط على المواقع والقرى الكردية في شمال العراق التابعة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني , وهو الحزب الذي يُقاتل تنظيم داعش بضراوة مع مجموعات الحماية الكردية والجيش السوري في مناطق الحسكة والقامشلي والقرى الحدودية في الشمال السوري . وهنا لم تكتفي قيادة أردوغان بالنفاق الاعلامي وادعائها بضرب الارهاب الحقيقي مُمثلاً بتنظيم داعش , ولكن أيضاً بتجاهل الدعم التركي لآلاف الجماعات التكفيرية المسلحة الاخرى .
ولكن لماذا لم تزل تُسيطر على أردوغان هستيريا محمومة لإسقاط الاسد والنظام السوري, ولماذا بدأت هذه السياسه المغامرة تجاه سوريا وفي الداخل التركي تُهدد على نحوٍ خطير مستقبله السياسي ؟؟ في وقت إقتنع فيه الغرب بقيادة الولايات المُتحدة باستحالة إسقاط الدولة والنظام في سوريا ....... نستطيع أن نلخص الاجابة على هذه التساؤلات على النحو التالي :
أولاً : سيطرت على أردوغان وزمرته في حزب العدالة والتنمية الاخواني هواجس متطرفة لإسقاط النظام القومي في سوريا مع بداية أحداث الربيع العربي وبدء التآمر الاقليمي والدولي الممنهج على الاستقرار السياسي الممانع في سوريا , ذلك لان سقوط سوريا بيد الجيش الحر والجماعات الاخوانية المسلحة التابعة له, سيُتيح لاردوغان وزمرته تحقيق حلمهم العثماني ليس فقط في السيطرة على سوريا , بل على مجمل المنطقة والمشرق العربي برمته من خلال التحالف مع حلفائهم الايديولوجيين من جماعات الاخوان المسلمين في المنطقة . وقد أزداد هذا الهاجس المرضي عند أردوغان على نحوٍ جنوني مع سيطرة الاخوان المسلمين والاحزاب الاسلامية على الحكم في مصر وتونس وليبيا بين عامي 2011 و 2012 .
ثانياً : كان لاخفاق الجيش الحر والجماعات الاخوانية المسلحة المدعومة من تركيا وقطر في اسقاط النظام السوري خلال المراحل الاولى للازمة السورية أثراً على إطالة الازمة والحرب الدائرة مع الجماعات المسلحة والمزيد من تورط أردوغان الاجرامي في هذه الحرب, لا سيما مع إصراره على المضي الى النهاية في سعيه المحموم لاسقاط النظام في سوريا , وانتقاله الى المزيد من التعاون مع السعودية وقطر في استخدام الجماعات الجهادية والوهابية والتكفيرية الاكثر تطرفاً وإجراماً وتعداداً وتسليحاً وهمجية .
ثالثاً : إزدادت مُؤخراً هستيريا أردوغان بجنون لإسقاط النظام السوري بعد خسارة حزب العدالة والتنمية للاغلبية البرلمانية بسبب نجاح حزب الشعوب الديمقراطي في تجاوز نسبة ال %10 وحصوله على 80 مقعد في البرلمان التركي . وهنا إعتقد أردوغان أن سقوط النظام السوري سيزيد من قوة وانتشار الجماعات الاسلامية المسلحة وبأعداد هائلة على كامل الجغرافيا السورية ولا سيما في مناطق الشمال السوري والتي ستسحق بالتالي الوجود الكردي في هذه المناطق , مما سيُمكن أردوغان من تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية ضمن شرائح الشعب التركي ذات العداء القومي للأكراد . وهذا سيُحقق له مع سقوط نظام الاسد جميع طموحاته السياسية والعثمانية والاخوانية وأحلامه الامبراطورية في المنطقة .
رابعاً : لم يُدرك أردوغان بخرقه لاتفاق المصالحة مع الاكراد الذين يمثلون مايقرب من 20 – 18 مليون من تعداد تركيا والذي دعا اليه عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني , بأنه يدفع تركيا ليس فقط الى المزيد من التوتر والازمات السياسية والعسكرية في الداخل التركي ومع دول الجوار بل أيضاً توريط الجيش التركي في جبهة قتال واسعة مع مُقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يخوضون من وقت لآخر حرب العصابات في مواجهة الجيش التركي . وهي جبهة تمتد من جنوب شرق تركيا وشمال سوريا الى مناطق الاكراد في شمال العراق .
خامساً : خوف أردوغان مع استمرار فشله في الانتصار على النظام السوري إنفضاح دوره الاجرامي في سوريا أمام المحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية والشعبية ونقابات المحامين والاحزاب السياسية في تركيا وأمام الرأي العام العالمي والعربي والتركي , والتي تُظهره بأنه لم يكن نزيها في الدور الذي لعبه في الازمة السورية , ولم يكن هذا الدور يهدف كما يدعي الى دعم الديمقراطية في سوريا وتقديم المعونة الانسانية للاجئين السوريين, بل تورطه بشدة مع السعودية وقطر وعلى نطاق واسع بدعم وإيواء الجماعات الاجرامية والتكفيرية المسلحة من تنظيمات القاعدة وغيرها, وذلك بهدف الاسراع في سقوط الدولة والنظام وإغراق سوريا بعمليات القتل والذبح والتهجير والدمار وهدم البنى التحتية وسرقة الحقول النفطية ومحاصيل الاراضي الزراعية وحتى المنشآت الصناعية , التي تم تفكيك ما لا يقل عن 1500 منشأة منها في حلب وتهريبها لبيعها في تركيا . وهذا الخوف من انفضاح دوره الاجرامي ومن ثم محاكمته وضع أردوغان في موقف لا يُحسد عليه , ودفعه لكي يُسابق الزمن في سعيه لاسقاط النظام السوري دون إدراكٍ لمخاطر ما يفعله من مغامرات جنونية وأخطاء وجرائم .
سادساً : تورط أردوغان ولا سيما منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في ممارسات دكتاتورية واجراءات أمنية وقمعية للمظاهرات ولبعض الجهات والمؤسسات الاعلامية والشخصيات المناهضة له في الداخل التركي . فقد أمر أردوغان باعتقالات غير مُبررة شملت المئات من المسؤولين والاعلاميين والصحفيين والمتظاهرين والناشطين السياسيين . وقد أساءت هذه الاجراءات التي تتجاوز صلاحياته الدستورية الى مكانته وشعبيته وثقة الناخب التركي بقيادته . ومما زاد في تراجع شعبيته الفضائح التي روجتها جماعة فتح الله غولان من خلال التجسس على الرئيس التركي والاستخبارات التركية وقيادات حزب العدالة والتنمية والعديد من الوزراء ونشرها لبعض فضائح السرقات والفساد والتواطؤ التي تم التورط بها, والتي من أخطرها ظهور أدلة دامغة تثبت تورط الاستخبارات التركية بتوجيه من أردوغان في مساندة مقاتلي داعش والجماعات التكفيرية وتقديم كافة أشكال التسليح والدعم المالي واللوجتي والميداني لهم , مع تسهيل تنقلهم من والى الاراضي السورية والتركية .
وبالتالي فمن المفارقات المُثيرة للسخرية أن يتوقع أردوغان بعد كل ذلك , ومع انتشار الفساد وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة والتراجع المتواصل في قيمة الليرة التركية , أن يحصل حزبه على المزيد من أصوات الناخب التركي في الانتخابات البرلمانية المبكرة , في الوقت الذي بدأ هذا الناخب بسبب ممارسات أردوغان يفقد ثقته بالقيادة التركية الحالية وبحزب العدالة والتنمية . فالتوقعات الاعلامية ربما تُشير الى احتمال أن يتراجع نصيب حزب العدالة والتنمية من أصوات الناخب التركي . وهذا ما سيعقد الامور في وجه أردوغان نحو الاسوأ , وقد يتعرض أردوغان وزمرته في الحزب الى التحقيق والمساءلة من قبل أعضاء البرلمان التركي القادم , والتي قد تنطوي على تجريده من منصبه الرئاسي وصلاحياته الدستورية وربما إحالته الى المحاكمة بتهم الفساد والخيانة العظمى .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟