زهير الفارسي
الحوار المتمدن-العدد: 4899 - 2015 / 8 / 17 - 07:53
المحور:
الادب والفن
لوحة
اقتربت من جدتي وأنا أحاذر أن أدوس قوارير الصباغة، التفتت إلي مبتسمة...تأملت رسمها ثم خاطبتها:
ـ جدتي...لماذا تضيفين كلّ يوم زهرة أو شجرة للوحتك؟
تنهّدت بعمق، وضعت الفرشاة، نظّفت يديها وأقعدتني في حجرها، قبّلتني، وقالت: كان يا ما كان في سالف العصر والأوان " كانت في البلدة طفلة مدلّلة جدّها، أهداها أرضا، غرست فيها كل أنواع الأشجار المثمرة والظليلة..." قاطعتها:
ـ والأزهار...أولم تكن تحبها؟
ـ تركت مهمة استنبات الأزهار والخزامى وباقي الأعشاب، للطبيعة فهي تعرف بالسّليقة أنها تَنبت كل فصل ربيعا دونما حاجة لتدخل من أحد...
"...وقبل أن تتذوق ثمار جنّتها، اضطرّت للنزوح نحو المدينة لمواصلة دراستها...من هناك، كانت تحرس نمو شجيراتها في خيالها؛ كانت تحمل الدلو كل صباح وتسقيها، وفي كل موسم تلبسها حلة جديدة تليق بالأوان...وحينما كان يستبدّ بها الشوق يابني؛ كانت تخطّ لها رسائل وأشعارا وتنثرها في الهواء ليحملها إليها...".
توقفت عن الحكي، شردت وهي تمسح بيدها على رأسي، ثم استرسلت "...بعد أعوام صارت شابة، حصلت على شهادة التخرّج وعادت إلى قريتها فرحة لتجد أن جنتها قد اجتثّت قبل أن تينع ثمارها...حزنت الطفلة الصغيرة وانتحبت، ولم تسكت إلا حينما أخذت ريشة ورسمت لها أشجارا وأزهارا؛ من يومها يا صغيري وهي ترسم...". خاطبتها وأنا أشفق على الصبية:
ـ ومتى تكتمل اللوحة؟
ـ يوم تكفّ الصبية عن البكاء.
ـ ومتى تكف عن البكاء؟
ـ يوم تنمو أشجار الغابة وأزهارها...ولن تنمو إلا إذا تم إطلاق سراح فصل الربيع...
#زهير_الفارسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟