أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رفعت الدومي - اسهار بعد اسهار (8) : عصام أبو قنين














المزيد.....

اسهار بعد اسهار (8) : عصام أبو قنين


محمد رفعت الدومي

الحوار المتمدن-العدد: 4898 - 2015 / 8 / 16 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


أستعيدُ "عصام" فيغلِّف الألم كل حواسي تكريماً لذكري "عصام"، ويطير الاسمُ كاليمامة في ريش ذاكرتي، وأشعر أني تسلَّلتُ إلي قافيةٍ من الشفق السحيق وافرة الشجن، ويكتظ سطح ذاكرتي بغابةٍ من الصور الواضحة الأخاذة، للبهجة في أسنِّها عمرًا نبضٌ أكيد، ونبضٌ أكيدٌ لمتون الألم في تلك الذكريات طازجة الملامح!

لأنَّ الصور هي، قبل كلِّ شئٍّ، كلماتٌ مرسومة، يصبح الباب الوحيد بالنسبة للخيال لأيِّ محاولةٍ لرسم "عصام" بالكلمات هو ذلك الملمح البارز في شخصيته القريبة القاع إلي مدي بعيد، ظُرفُ "عصام" ، وكلِّ الدروب بعدُ لا تصل، إنه المحور الذي تدور حوله في كلِّ أطوارها!

ومن كان يري "عصام" لابد أن يجده تعبيراً حقيقيا بشكل متحيز عن أفكاره السابقة عن "جحا"!

كان من القلائل .. القلائل جداً، المطبوعين علي الظرف، وإذا كان السيد "جحا" قد احتمي بمأمنٍ خلف اسم ٍ انتحله في كلِّ بلد تسلّل إلي تراثه الساخر، فلقد احتمي في تراث "الدومة" الساخر خلف اسم " عصام أبو قنين "!

وكانت غرابة اسم أبيه، يدعمها جهله بالعلاقات بين الأحرف والأرقام، مدخلاً ملائماً إلي الكثير من نوادره!

كان كلَّما ذهب إلي جهة حكومية ليستخرج مستنداً رسميِّاً يرشد انتباه الآخرين إلي وجوده يرتطم بخطأ أذني الموظَّف في التقاط اسم أبيه صحيحاً، ربما استيعابه بدقةٍ أكثر، فموظف يكتبه "عصام جنين" ، وآخر يكتبه "عصام جميل" ، وثالث يكتبه "عصام جنيه" ، ويستأنف الآخرون كثيراً من الأخطاء البسيطة، والمبررة أيضاً!

واهتدي بغريزته وحدها إلي حلٍّ ركيك، لقد احتفظ بورقةٍ، كان قد استكتب عليها أحد المعلمين اسمه كاملاً، وبحروفٍ شديدة الوضوح، وكان كلما ترصد لموظفٍ سأله عن اسمه أخرج الورقة من جيبه وبسطها أمام عينيه صامتاً، وسداً لكلِّ الثغرات، كان يستبدل الورقة القديمة بأخري جديدة كلما بهتت الحروف علي سطحها!

حلُّ ذكيٌّ بالقياس إلي عقل "عصام" طبعاً، ولكن ذلك الحلّ الذكيَّ لم يسلم دائمًا من المقاربات المباغتة!

سأله موظفٌ ذات مرة وهو ينظر في الورقة مأخوذاً:

- عصام مين؟

فأجابه في لهجة عدائية لا تنم عن احترام:

- ارسمها!

كان اسم أبيه جرحاً يكابده، وتناسلت في دم هذا الجرح الكثير من سخافات الآخرين، وشغلت باله فكرة أغلب الظن أنها سمعها في مكان ما، وأطلَّ وجهه الشتائي علي قوميِّتنا الصغيرة حول الموقد العائليِّ ذات ليلة، كان جمال الخاطر الذي ارتاح إليه واضحاً علي شتاء وجهه، وقال مخاطباً أبي قبل أن يكمل دوائر جلسته، ودون استهلال ما:

- عم رفعت، عايز نغير اسم أبويا!

وسرعان ما سورت هالةٌ من الضحكات مجلسنا، سحب أبي قطعة مشتعلة من الخشب من طرفها البارد إلي الوراء فأسكت اللهب قليلاً، كان أحد أساتذة النار برهافةٍ بالغة، تلك الموازنة بين حاجة الأجساد الباردة وقوة اللهب، انعدام الدخان أيضاً، ثم صدمه صدمة ميسَّرة، هو لا يستطيع، علي حد علمه، أن يغيِّر اسم أبيه، المرحوم أبوه فقط لو كان حياً، وكان أبوه أيضًا حياً، وخاصمه أمام القضاء، فرجح القاضي حجته كان ذلك ممكنًا!

أمام هذه المتاهة الصلبة والشعور بالخيبة تبدد البشر من وجهه سريعاً وفتر حماسه، وتساءل مغتاظًا كأنه يلوم ويعاتب:

- والحل؟!

التقط العم "عبد الباسط" بسرعة أكثر مما ينبغي خيط انكساره وقال في شماتة واضحة:

- إنتا تروح الجبانة، وتخلي المنتول أبوك، يرفع قضية عَ المنتول جدك!

ضحكنا، ولم يشاركنا هو ضحكنا، وعرفنا من نظراته الجادة إلي ألسنة اللهب الواطئة أن عقله الآن يعمل، رفع رأسه بعد قليل وتساءل:

- ومين حيحكم له فيها؟ سيدنا جبرين؟!

حاصر النار شلال من الضحكات العصبية وقليلٌ من الذنوب أيضاً..

كانوا، لا كان موتهم، يجيدون العثور علي السخرية في أكثر الظلال صلابة!

محمد رفعت الدومي



#محمد_رفعت_الدومي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسهار بعد اسهار (7) : بهجة غرابة
- الوطن محله الحذاء
- أنين الروح
- اسهار بعد اسهار (6) : سكت الطاحون عَ كتف المي
- اسهار بعد اسهار (5) : ديكتاتورية العم ياسين
- اسهار بعد اسهار (4) : ورم
- اسهار بعد اسهار (3) : علي جسر اللوزية
- اسهار بعد اسهار (2) : ولادة مبكرة
- اسهار بعد اسهار (1): أدينُ بدين الحبّ
- نبّوت عبد الناصر المزيف
- إعدام الماضي / إعدام المستقبل
- الأردوغانية والأعراب
- النبيُّ ابراهيم.. الزِفَري آخر موضة!
- أوَّلُ المكيدة إنحناءة
- وداعًا فريناز خسرواني
- إن إزاري مُرَعْبل!
- إسم الله عليه.. إسم الله عليه
- حمير مصر
- الأنوثة للرغبة لا المرأة
- حبيبة


المزيد.....




- ترامب يوعز بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على المنتجات السينمائ ...
- سوريا.. سحب الثقة من نقيب الفنانين مازن الناطور
- مصر.. غضب بسبب امتحان -اللغة الثانية- في الثانوية العامة
- نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالروائي حميد المختار
- صراع في نقابة الفنانين السوريين.. مازن الناطور يلغي قرار عزل ...
- نقيب الفنانين في سوريا مازن الناطور يرد على قرار عزله بإقالة ...
- -مين فيهم-؟.. صناع فيلم -درويش- يشوقون الجمهور لشخصية عمرو ي ...
- سوريا.. هل قرار سحب الثقة من نقيب الفنانين مازن الناطور صائب ...
- قداس يتسم بأجواء أفلام -حرب النجوم-.. كنيسة ألمانية تبتكر وس ...
- قبل حوالي 2500.. كيف أسست أميرة بابلية أول متحف في العالم؟


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رفعت الدومي - اسهار بعد اسهار (8) : عصام أبو قنين