أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رفعت الدومي - اسهار بعد اسهار (6) : سكت الطاحون عَ كتف المي















المزيد.....

اسهار بعد اسهار (6) : سكت الطاحون عَ كتف المي


محمد رفعت الدومي

الحوار المتمدن-العدد: 4881 - 2015 / 7 / 29 - 16:56
المحور: الادب والفن
    


وراحت الأيام وشوي شوي

سكت الطاحون عَ كتف المي

وجدي صار طاحون ذكريات

يطحن شمس وفي، يا سهر الليالي!

كانت ليالي الصيف الخالية من الأحداث مغلفة علي الدوام بالضجر، تتماسك أيضًا بانكسارها الحاد مثل الوتد المتغلغل في مغارات القلب، تطير طرق النوم في الوقت المناسب فتنهار عضلة النوم تمامًا حتي لابد من إنفاق الكثير من الجهد للدخول إلي متاهاته السائلة!

في مثل هذه الليالي يتضاءل الإحساسُ بالجمال، ومثل هذه الليالي، بالنسبة للقلب قلب الضجر، لذلك، كان لابد لي من تجاوز انطباعات المتعة التي أعيشها في ليلة عادية إلي الانخراط في متاهات الوجود البديل بالسفر في مساحات سفر الآخرين الذين تباشر عمة أبي تربية وجودهم في بيتنا أمام عينيَّ بحكاياتها التي لا تنتهي!

بمجرد اللجوء إلي وجه حنانها المدور، ونحافتها الشديدة، ومسحة الجمال علي وجهها التي تنم عن جمال هادئ قديم، ورائحة دهان "أبو فاس" التي تنبعث من ساقيها المريضتين:

- عمة فتحية، حجي لي أمانة!

وسرعان ما أسبح علي أمواج صوتها الدافئة في خضم عوالم من الذهب المرصع بمانجو الوقت، وينخرط في سرنا "الشاطر حسن" و "ست الحسن" و "طيزان" و "أمنا الغولة" و أسراب من الذئاب الشريرة والماعز الرقيقة!

تتخلخل أمواج صوتها من آن لآن لتنزلق أنة في شرخ الحكاية، لكنها تتماسك مرة أخري، لقد سيطر الروماتيزم علي أفق ساقيها بأكمله، توحَّش حتي لم تكن أكياس عقاقيرها الكثيرة تفلح علي الدوام في تهدئة قلبه، كنت أتألم علي الدوام لألمها، بل كنت أبكي لبكائها أحيانًا، وكثيرًا ما خرج بكائها عن إطاره فتحوَّل إلي رثاء للذات، كانت تصيح بصوتٍ مختنق بالدموع الحقيقية:

- لحدّْ ميتا العذاب دا يا ربِّـ .. بي ؟ الصليل هيموتني يبووويه؟ ميتا نرتاح يا ربِّـبببي؟!

وأتذكر الآن بوضوح أنني ذات ليلةٍ تسلقت إلي مرقدها، وقلت في ضراعة:

- حجِّي لي ياعمة أمانة!

ربما لنفاذ رصيدها من الحكايات، وربما لتتفادي مغاراتها التي تضلل الذهن، ولقد كنت أضبط أحداث الحكايات والأمكنة والأزمنة تتغير كثيرًا وأتحلي بالتجاهل التام، وأغلب الظن أن الألم السري تلك الليلة كان يستقطب إدراكها ووعيها، لذلك، قالت وهي تربت علي ظهري بصوت منغم:

مقطف رقيق رقيق/ والكلبة تحلق فـ الطريق/ والكلبة عايزة البتاوة/ والبتاوة في عين الفرن/ والفرن عايزة المحساس/ والمحساس عند النجار/ والنجار عايز البيضة/ والبيضة فـ ضهر الفرخة/ والفرخة عايزة الغلاية/ والغلاية في الجرون/ يروح يجيبها "محمد" بسبع قرون!

ما هذه المتاهة السائلة التي لا هي حكاية ولا يحزنون، والتي لم أشعر معها بمتعة السفر خلف الجبال البعيدة، بل لم يتحرك لها خيالي ملليمترات أبعد من مرقدنا؟

ومن هو "محمد" الذي بسبع قرون؟

لم أفهم علي أية حال!

حاولت مجدداً السفر خلف الجبال البعيدة، لذلك، قلت في لهجة تنم عن ضيق شديد:

- حجي لي حجيوة تانية يا عمة!

وقالت وهي تربت مجددًا علي ظهري بالإيقاع نفسه وبطبقة الصوت المنغم هو هو:

مقطف رقيق رقيق/ والكلبة تحلِّـ ..

قاطعتها بصوت حملته كلَّ ضيقي وكلَّ نفوري:

- مش الحجيوة دي، حجيوة "طيزان ومليحة"!

أعترف الآن أنه كان تصرفًا غبيًا مني، لقد أضأت أعماقي دون أن أقصد، وجعلتني هدفًا مشروعًا عند الحاجة لسخريتها التي تقطع بها مرضها، كما هيأت لها بكل بساطة ذريعةً لمضايقتي!

من الآن فصاعدًا، سوف لا تضعف شهيتها لإضحاك الجميع عليَّ، خاصة في وجود أبي ، وسوف تبادرني في أي وقت وهي تحمل في جيب وجهها غابة من وجوه الأطفال قائلة:

- "محمد" ، نحجي لك؟

بعد أن أسرف الطقس في التكرار كنت أصيحُ بصوت محتقن بالرفض:

- لااااااه!

مع ذلك ، علي الرغم من نفيي العصبيِّ لأي رغبة في سماع حكاياها، أو، بفضله بالتأكيد ، كانت تستأنف وعلي وجهها فائض من الضحكات الحقيقية:

– مقطف رقيق رقيق .....

يضحكون حتي تدمع أعينهم وأبكي ، يزداد إيقاع ضحكاتهم حدة، فأبتعد عن الحيز الممكن لأي حماقةٍ موجعةٍ من أبي، وأقول مكايدًا:
- يا أم صليل!

وتزداد مساحات الضحك اتساعًا فيزداد غيظي اشتعالاً!

للذهب هذه المرأة، لا شك أن موقدنا العائليَّ أحرز بموتها أكبر خسائره علي الإطلاق، لقد كانت القامة الطويلة، والوحيدة، التي بمقدورها أن ترجَّ نزوات أبي فتتساقط من نيته قبل تفجيرها تمامًا!

كان قد مضي علي رحيلها عقدٌ وبعض العقد حين عدت في إجازةٍ من مدينة "أسيوط" ذات ليلةٍ يبدو أنها كانت خالية من الأحداث أيضًا!

لقد حطَّ أخي "بهاء" الذي كان يطارد عامه السابع في ذلك الوقت بقرب تعبي، كنت أعرف أنه يحبُّ حكاياي، ربما، لأني، بفضل غابة من التجارب السابقة تجسست خلالها بما يكفي علي رغباته كنت أستطيع إبهاره، كما كنت أحني رؤوس الكلمات لكي يستطيع ذهنه أن يمرَّ ببساطة من تحت أقواسها، قال لي:

– حجي لي!

لا أدري ما الذي دفعني تلك اللحظة إلي الرغبة في تقييم طفولتي، متاعبي ربما، وربما، كان شكي في رجاحة عقلي تحت ضغط من شكوك الآخرين تعقيبًا علي رفضي الذوبان في تسريحة العوام المضطربة، لذلك، ربت علي ظهره وأنا أقول بصوت منغم:

مقطف رقيق رقيق/ والكلبة تحلق في الطريق/ والكلبة عايزة البتاوة/ والبتاوة في عين الفرن/ والفرن عايزة المحساس/ والمحساس عند النجار/ والنجار عايز البيضة/ والبيضة في ضهر الفرخة/ والفرخة عايزة الغلاية/ والغلاية في الجرون/ يروح يجيبها "بهاء" بسبع قرون!

عندما انتهيت لم تكن لديَّ أدني فكرةٍ عن أثرها في نفسه حتي قال في ضيق:

- حجي لي حجيوة "عصفور وقمرية"!

أغرتني في الحقيقة هالة التوتُّر التي سوَّرت وجهه فجأة فربت مجدداً علي ظهره ، وقلت بصوتٍ منغم:

مقطف رقيق رقيق/ والكلبة تحلق فـ الطريق/ والكلبة عايزة البتاوة/ والبتاوة في عين الفرن ....

انزلق "بهاء" من فوق السرير فجأة قبل أن أتمَّها وخرج من الحجرة ليتركني في منتصف دهشتي تمامًا، لكن، سرعان ما تبددت دهشتي عندما سمعت صوت ارتطام صغير بالباب، لقد أصاب الباب حجرٌ صغير، نهضت أستطلع أمرًا كنت أتوقعه، وتفاديت حجرًا كان في الطريق إلي الباب، لقد أضحكني كما لم أضحك من قبل أن أجدَ "بهاء" قد ملأ حجره بالحجارة الصغيرة، وهو للتعبير عن غضبه راح يرجم بها الباب، علي وجه الدقة، هو استهدف أوَّل الأمر انتباهي إلي خطأي باستهداف الباب،وهو، عندما رأي ضحكاتي تفاقم غضبه فراح يستهدفني أنا تحديدًا وبعنايةٍ شديدة، فاصل من الكر والفر أصابني خلاله حجرٌ أمطر في أوجاعي مباشرة!

أدركتُ لحظتها أن طفولتي كانت تسير في طريقها الصحيح..



#محمد_رفعت_الدومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسهار بعد اسهار (5) : ديكتاتورية العم ياسين
- اسهار بعد اسهار (4) : ورم
- اسهار بعد اسهار (3) : علي جسر اللوزية
- اسهار بعد اسهار (2) : ولادة مبكرة
- اسهار بعد اسهار (1): أدينُ بدين الحبّ
- نبّوت عبد الناصر المزيف
- إعدام الماضي / إعدام المستقبل
- الأردوغانية والأعراب
- النبيُّ ابراهيم.. الزِفَري آخر موضة!
- أوَّلُ المكيدة إنحناءة
- وداعًا فريناز خسرواني
- إن إزاري مُرَعْبل!
- إسم الله عليه.. إسم الله عليه
- حمير مصر
- الأنوثة للرغبة لا المرأة
- حبيبة
- بلطاي - مرسي!
- ويحبُّ ناقتها (بشيري)!
- خمسون درجة من الرمادي.. أو.. رماد النور!
- واذكر في الكتاب إسماعيل!


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رفعت الدومي - اسهار بعد اسهار (6) : سكت الطاحون عَ كتف المي