أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - منير العبيدي - الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي















المزيد.....


الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي


منير العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 11:10
المحور: ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
    


المقدمة
قدمت الحوار المتمدن دعوتها لكاتباتها و كتابها للمشاركة في الملف أعلاه مستهلة الدعوة بالعبارة التالية : " إقامة الأنظمة الديمقراطية و إجراء الإصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية ، كانت من المطالب الأساسية التي رفعتها القوى السياسية اليسارية والديمقراطية المعارضة لأنظمة الحكم في العالم العربي منذ عقود ، إلا أن هذه المطالب وخلال السنوات الثلاثة الماضية قد قفزت إلى مرحلة الصدارة في العالم العربي وأصبحت الحديث الذي يدور على كل لسان بعد أن أعلنت أمريكا عن رغبتها بوجود ( أنظمة ديمقراطية ) ... الخ . والمقدمة نفسها تثير السؤال التالي :
هل سعت القوى اليسارية حقا وبشكل جدي وسليم الى إقامة انظمة ديمقراطية حقيقية ؟
ولكي لا يكون التساؤل ـ العنوان مثيرا للالتباس علينا أن نوضح ما هو المقصود حقا بالديمقراطية وما هو مضمون دعوة قوى اليسار لها . فقوى اليسار كان لها مفهومها الخاص للديمقراطية والذي كان ، حتى وقت قريب ، لا يتضمن مفهوم التداولية والتعددية بل إنها كانت تسعى إلى مفهومها للديمقراطية والذي يتعارض مع المفهوم اللبرالي لها ، ودعت أحزاب اليسار العربي إلى الديمقراطية وطالبت بها حيثما كانت تواجه أنظمة الطغيان والديكتاتورية والتعسف وحيثما كانت المهمة الملقاة على عاتقها التخلص من أنظمة الطغيان في البلدان العربية ، وقامت بالمطالبة بإطلاق الحريات الديمقراطية وحرية التعبير والصحافة والتعددية والبرلمانية ، و لكنها بررت ودافعت عن الأنظمة المصادرة للحرية وأنظمة الحزب الواحد في البلدان الاشتراكية .
فكيف يمكن أن تحقق مثل هذه الدعوات بإقامة الديمقراطية والتعددية مصداقيتها في الوقت الذي قامت فيها هذا الأحزاب بالدفاع عن أنظمة الحكم التي لا تتمتع بأية تعددية ، وحيث لا تزال أوساط كثيرة في اليسار تدافع تحت مبررات ايديوليوجية بالية قيام حزب واحد وفرد واحد باحتكار السلطة في الفترة التي تناهز النصف قرن في بلد مثل كوبا .
أما القوى الديمقراطية اللبرالية والداعية حقا الى الالتزام بالتطوير السلمي للعملية الديمقراطية من خلال تطوير عمل المؤسسات التمثيلية الناشئة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتجنب تغيير أنظمة الحكم بواسطة العنف ، مثل الحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي في العراق ، فان هذه الأحزاب لم يكن لها نفوذ جماهيري واسع بسبب ضعف الطبقة الوسطى في البلدان العربية وقيام أحزاب اليسار بتغليب ثقافة العنف ، وبذا فإن أحزاب الوسط بين مطرقة التطرف اليساري وسندان السلطات وممثليها السياسيين المتمسكين بكراسي الحكم والمدعومين من قبل سلطات الاحتلال أو الانتداب .
كانت دعوات قوى اليسار الى الديمقراطية يشوبها الكثير من عدم المصداقية والمخاوف من إنها إنما تطالب بالحريات لاستخدام هذه الحريات للوصول الى السلطة ومن ثم إلغاء التعددية وإقامة نظام الحزب الواحد ، أو إقامة نظام حكم يعتمد على التحالف أو (الجبهات الوطنية )مع قوى سياسية ليس لها سوى وجود شكلي و لا تمتلك أي تأثير على القرار السياسي.
ألحقت القيادات التقليدية لقوى اليسار الماركسي في البلدان العربية ، والتي نشأت وتربت في الحقبة الستالينية ، ضررا بالغا بقضية الديمقراطية في البلدان العربية من خلال نشاطاتها النظرية والتطبيقية والتي تتمظهر بما يلي :
أولا : الاشتراك في تحالفات مع القوى والشخصيات التي وصفت بأنها القوى الممثلة للبرجوازية الصغيرة المعادية للإمبريالية ، والتي كانت في واقع الأمر قوى قمعية اعتمدت على قيام قيادات عسكرية ذات أفق محدود بعملية إنقلابات عسكرية ، واحتكرت السلطة بشكل مطلق في بلدان مثل سوريا والعراق ومصر وليبيا ... الخ وفرضت فلسفتها على المجتمع وألغت المجتمع المدني.. الخ و قامت بتهيمش قوى اليسار الماركسي والأحزاب الشيوعية وتعطيل دورها في عملية التحولات السياسية علما بان قوى اليسار الماركسي العربي قدمت لهذه السلطات خدمات لا تقدر بثمن وساعدتها على ترسيخ أنظمة حكمها الناشئة والهشة ، وزكتها أمام القوى الاشتراكية العالمية والمنظومة الاشتراكية ، وساعدتها في الحصول على مساعدات سخية اقتصادية وعسكرية بدلا من تكريس هذه الأموال لمصلحة شعوب البلدان الاشتراكية ، وقد استعملت هذه المساعدات بشكل رئيسي لتشديد القبضة البوليسية لهذه الأنظمة على شعوبها وليس لإنجاز مهمات التحرر الوطني كما كانت تدعى .
ثانيا : قدمت لها التبرير الأيديولوجي من خلال نموذج الحزب الواحد استنادا إلى نظرية دكتاتورية البرولتريا ، ومفهوم الشرعية الثورية كبديل عن الشرعية الديمقراطية والدستورية .
ثالثا : المساعدة بشكل مقصود وغير مقصود على تصفية وإضعاف الطبقة الوسطى ، الحامل الحقيقي لأفكار الديمقراطية والاعتدال والتداولية في البلدان العربية ، ودفع السلطات الحاكمة وخصوصا في الستينات للقيام بحملة تأميمات لا ضرورة و لا معنى لها وتأييد حملة التأميمات هذه بأعتبارها منجزات .
رابعا : تبرير وجود أنظمة قمعية تحت واجهة معاداة الإمبريالية وبدفع من الاتحاد السوفيتي .
كانت أحزاب اليسار العربي بدون شك في طليعة القوى المتحضرة التي كانت تنادي بالحريات العامة وخصوصا حرية المرأة ودورها في المجتمع ، كما قامت بمساندة طبقات الكادحين والشغيلة وفقراء الفلاحين في تعزيز دورهم في الحياة الاجتماعية والسياسية ، وساعدت أحزاب اليسار الطبقة العاملة في البلدان العربية على إدراك دورها وتنظيم نفسها في نقابات ، ولكنها في الوقت نفسه كانت بحكم الإطار الأيديولوجي الضيق والجامد تفتقر إلى الآليات الضرورية للاستمرار في العملية السياسية ، وكانت حتى وقت متأخر ، تدعو الى التغيير بواسطة العنف عن طريق الثورات والانقلابات مما أدى إلى تبرير العنف المضاد من قبل القوى الرجعية والفاشية للانقضاض على المكتسبات مما أوقع البلدان التي تم تغيير الحكم فيها بواسطة العنف في دوامة من الانقلابات والانقلابات المضادة وأدى بها إلى فقدان الاستقرار لعقود طويلة ، لا يمكن استخدام العنف في التغيير بدون إعطاء المبرر للقوى الأخرى المضادة باستخدام العنف في عملية التغيير المضاد .
لقد أصبحت النظرة النقدية لدراسة تاريخ وتجربة قوى اليسار ضرورية ضرورة حيوية من أجل تجاوز الأزمة فحتى الآن لا تزال دراسة تاريخ حركات اليسار وأحزابها تدور في حلقة مفرغة من التبريرات غير المقنعة والخوف من انتقاد الذات .
المسببات التي حدت بالولايات المتحدة إلى طرح موضوع إشاعة الديمقراطية في المنطقة بشكل ملح
هل إن الضغوط الخارجية قادرة على إقامة أنظمة ديمقراطية في العالم العربي ؟
يسعى بعض الكتاب والباحثين إلى اعتبار تاريخ الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 بداية تفكير الولايات المتحدة بطرح موضوع ( الرغبة بإقامة أنظمة ديمقراطية و إجراء إصلاحات سياسية شاملة تخفف من قبضة الحكام المتمسكين بزمام السلطة ) في العالم العربي حسب صياغة "الحوار المتمدن " .
وبالرغم من أن الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر كان نقطة تحول مهمة في السياسة الأمريكية وفي قضية إعادة تقييم سياساتها بالأخص في منطقتنا إلا أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت عن هذه المساعي بوقت أبكر بكثير من هذا التاريخ ، فقد أعلن رونالد ريغان في الثمانينات عن ستراتيجية جديدة هي إن الولايات المتحدة سوف تكف عن دعم الأنظمة الديكتاتورية كوسيلة لمواجهة القوى المعادية للولايات المتحدة و خصوصا قوى اليسار التي كانت تتصدر القوى المعادية للولايات المتحدة . وقد نبه الكثير من المتخصصين ومن خبراء السياسة في الاتحاد السوفييتى الطلبة الدارسين هناك وخصوصا طلبة امريكا اللاتينية في السبعينات الى أن الولايات المتحدة لن تستمر في دعمها للأنظمة الديكتاتورية وأن عليهم أن يستعدوا لأشكال جديدة من النضال قبل أن تُفرض عليهم بشكل متأخر ، كان هذا قبل الإعلان الرسمي للرئيس رونالد ريغن .
كانت أنظمة الحكم التي قامت في أعقاب ذلك في أمريكا اللاتينية وجنوبي شرقي آسيا بشكل خاص تمثل تطورا نوعيا قياسا بالدكتاتوريات العسكرية التي كانت قائمة في أمريكا اللاتينية وبعض أنظمة الحكم في آسيا كنظام حكم ماركوس في الفلبين ، ولكنها كانت في بداية نشوئها ، بشكل خاص ، بعيدة عن أن ترقى الى المستوى المقبول للديمقراطية ضمن أدنى الحدود ، ولكنها فتحت الطريق للتطورات اللاحقة لمزيد من الديمقراطية والنمو الاقتصادي وترسيخ الحريات الفردية الأساسية قياسا بالأنظمة التي كانت مدعومة من قبل الاتحاد السوفييتي أو الصين مثل كوريا الجنوبية وفيتنام والتي كانت ولا تزال محكومة من قبل نظام الحزب الواحد وتعاني إنعدام التعددية .
ولكي نسلط الضوء على آليات الستراتيجيات الأمريكية علينا بادئ ذي بدء الإقرار بأنها تتمتع بمرونة عالية وقدرة على التغيير والديناميكية بسبب عدم ارتباطها بالقيد الايديولوجي على غرار الاتحاد السوفييتي .
كما أن علينا العودة قليلا إلى الوراء لتأشير طريقة الولايات المتحدة والغرب ـ مع اختلافات مهمة ـ في بسط النفوذ ، سوف نؤشر المرحلة الأولى والثانية بشكل سريع بسبب إنها أصبحت على ذمة التاريخ و إنها من الوضوح بحيث لا تحتاج الى الكثير من التفاصيل
ـ المرحلة الأولى :المرحلة الكولنيالية
ـ المرحلة الثانية : الكولنيالية الحديثة ، أو الاستعمار الجديد
ـ المرحلة العولمية
المرحلة العولمية والتي لا تزال في بدايتها أدت الى التقليل من استخدام القوة في تصفية الخلافات الدولية والإقليمية ،ولكنها لم تستبعدها تماما بدليل حرب الخليج الثانية والثالثة والحرب المعلنة على الإرهاب وغيرها.
ظهرت بوادر الملامح الأساسية للسياسة العولمية وخصائصها في الفترة التي سبقت سقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية كميل ( trend ) لا يمكن أن يأخذ فعله الكامل والواضح بسبب اصطدامه بالميول المضادة . ولكن سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية حقبة الحرب الباردة وفرت الفرصة لكي يأخذ هذا الميل كامل دوره وكامل وضوحه .
وفرت ظروف العولمة والروابط الوثيقة للنظام الاقتصادي العالمي الفرصة لكي يقوم الاقتصاد بدور أكثر أهمية في تصفية الخلافات حتى بين الدول ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة ، مثال العلاقة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية . وكذلك علاقات الولايات المتحدة مع أقرب حلفاء الأمس : ألمانيا وفرنسا ، حيث ليس بمستطاع أي طرف من هذه الأطراف تجاهل المصالح الاقتصادية الحيوية للأطراف الأخرى و كرس ضرورة تجنب الصدامات ، والوصول الى تسويات وحلول وسط ، فالتسويات الأخيرة بالأخص مع فرنسا في قضايا تقاسم النفوذ قدمت مثالا على طبيعة علاقات المستقبل وآلياتها ، وبالرغم من أن الاقتصاد كان دائما يلعب دورا مهما في العلاقات الدولية ويوفر إمكانيات لممارسة الضغوط ، إلا أن ازدياد الترابط بمختلف أشكاله في ظروف العولمة قد وفر مديات ابعد في مراعاة المصالح الاقتصادية وتكييف السياسة لمتطلباتها .
فالصين لا يمكن أن تتهم بانها تسير في فلك الولايات المتحدة ، أو إنها عميلة لها ، حسب التعبير المبتذل لبعض أشكال الخطاب السياسي ، بل إن سياسات كلا البلدين تتناقض في الكثير من المواقع ، لكن الاقتصاد الضخم والديناميكي للصين قد ارتبط بقوة بالسوق العالمية وأن المستهلكين الرئيسيين لمنتجاته هم الولايات المتحدة وأوربا . و بما أن المزيد من الانتعاش هو الوسيلة الوحيدة للإستقرار في الصين ، فأنه اصبح من المستبعد أن تضحي الصين أو روسيا بالمزايا المتحققة من الارتباط بالسوق العالمي من خلال السعي الى الصدام مع الولايات المتحدة ، كما أن هذا يؤشر نهاية خطاب المواجهة الأيديولوجي ، وباختصار فان الولايات المتحدة وهذه الدول لا يمكنها أن تتجاهل بعضها البعض .
اقتصاد العولمة : القوة الهشة
ازداد الاقتصاد العالمي قوة وترابطا في العقد الأخير من القرن الماضي ، ولكنه في الوقت نفسه ازداد هشاشة ، وتكمن الهشاشة في الاقتصاد العالمي في نفس عوامل القوة ، أي إن القوة في الاقتصاد العالمي الحالي تحمل نقيضها ، فمصدر القوة هو الترابط الوثيق للاقتصاد العالمي والتأثيرات المتبادلة ، وهذا الترابط هو نفسه مصدر الضعف ، فقد أدى هذا الترابط إلى أن أي خلل أو ضربة توجه الى احد رموز الاقتصاد في أي مكان في العالم سوف تترتب عليها انعكاسات سريعة على مجمل الاقتصادي العالمي و بإمكان مجموعة صغيرة من الناس ، كما حصل في الحادي عشر من ايلول أن تلحق خسائر ذات أرقام فلكية بالاقتصاد العالمي ، وقد أدى هذا الى أن يدفع الى الصدارة الحقيقة التالية : إن اقتصادا أكثر قوة يحتاج الى اقتصاد اكثر عدالة . ونعني بالعدالة : عدالة التوزيع على النطاق المحلي والعالمي وكذلك أنظمة سياسية ذات كفاءة .
ربما يجد بعض الدارسين المتخصصين بتاريخ السياسة الأمريكية شيئا من هذه الأفكار بشكل ما وبصياغة أخرى في بعض أفكار الرئيس الأمريكي السابق بل كلنتون في الفترة التي سبقت الـحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر و الداعية الى ضرورة وجود المزيد من العدالة في الاقتصاد والسياسة الخارجية ، وخصوصا سياسة أمريكا في الشرق الأوسط ، ولكن المصالح الضيقة لبعض أوساط رأس المال واليمين المحافظ كانت دائما عقبة رئيسية في طريق المثل العليا الى أن يصطدم التطور العالمي ومصالح رأس المال نفسها بحقائق صارخة ومؤلمة ومكلفة . لقد تعرض الرئيس كلنتون الى طريقة متحضرة للتحذير والتوبيخ ـ قضية الفضيحة الأخلاقية مع الحسناء لونسكي ـ مقارنة بالطريقة الصادمة لتنبيه جون كندي ، الذي كان ، بالمناسبة ، المثل الأعلى لـ ( بل كلنتون ) .
أن إمكانيات ضمان مصالح الغرب والولايات المتحدة في منطقتنا ذات الأهمية الحيوية بسبب احتوائها على اكبر احتياطي النفط في العالم لم يعد ممكنا بالأسلوب القديم فالأنظمة الديكتاتورية والشمولية المدعومة من قبل الولايات المتحدة والتي تعتمد على القمع في حكم شعوبها وكذلك الموقف المتحيز لصالح العدوان الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وإحتلال أرضه ، أدت إلى تفاقم النقمة والكراهية للولايات المتحدة ، إضافة إلى أنها تعرض مصالح الغرب والولايات المتحدة إلى مصاعب جمة حين يتمرد الدكتاتور على مشيئة الولايات المتحدة التي ساعدته في الوصول إلى السلطة . كما إن الأنظمة الدكتاتورية والقمعية ستؤدي إلى تراكم النقمة وتوفير الأرضية لاستيلاء قوى التطرف على السلطة في هذه البلدان ، ولذا فان الولايات المتحدة تسعى الآن إلى إقامة أنظمة سياسية مستقرة تعتمد على التداولية والتعددية وحرية التعبير ، وتتضمن ـ وهذا الأكثر أهمية ـ آلية التغيير السلمي والسلس ، و ارتباطا أوثق بالسوق العالمي يفعّل آليات التغيير عن بعد ، وبالتأكيد سوف لن تكون هذه الأنظمة ديمقراطية بالمعنى الأوربي للكلمة ، فالديمقراطية في أوربا والولايات المتحدة واليابان قد احتاجت إلى مسيرة طويلة سبقتها نشوء القاعدة الاقتصادية الملائمة ، كما إنها تطورت وفق خصائص البلدان التي نشأت فيها
إن الأمر لا يتعلق بالمثل والأخلاق وحسن النية أو سوءها ، لقد أصبحت الديمقراطية وحرية التعبير والتعددية السياسية مستلزمات عمل لا بديل عنها وأصبحت الحل الوحيد الذي لا بديل عنه. وبذا فان مستلزمات التطور الديمقراطي بكافة جوانبها المشار إليها أعلاه هي السبب الأساسي في جعل الديمقراطية ضرورية وذلك بسبب التطور الداخلي للبلدان العربية وفشل مشروع الدولة الدينية والقومية والتي لم تقم بحل أي من المعضلات التي واجهت الشعوب العربية وكذلك فشل الخطاب اليساري التقليدي وسياسة الحزب الواحد .
العلاقة بين العوامل الداخلية والخارجية
تأسيسا على ذلك يبدو من الجلي أن المزيد من الديمقراطية وتنحية الوجوه الحاكمة للبلدان العربية والتي تتمسك بزمام السلطة منذ ما يزيد على الربع قرن دون تغيير وتحديث هو من المطالب المهمة للشعوب العربية ، فحرية التعبير وحرية الصحافة وحكم المؤسسات التمثيلية التي تمارس سلطتها الرقابية على الحاكم العربي المنتخب قد أصبحت ضرورة لا غني عنها وطريقا لا بديل عنه إذا شاءت هذه البلدان أن تسير حقا في طريق التطور السليم ، وهي إذن نابعة من التطورات الداخلية للمجتمعات العربية ومستلزمات تطورها اللاحق .
و لا تلعب العوامل الخارجية ولا ينبغي لها أن تلعب اكثر من الدور الداعم وتقديم المثال وتقديم المساعدات والنصح و فرص الإطلاع على التجارب الديمقراطية في البلدان التي حققت تقدما في هذا المجال ، اما فرض أي شكل من أشكال الأنظمة السياسية ، بواسطة القوة المسلحة فانه سوف يؤدي الى رد فعل معاكس وضار .
على أننا ينبغي أن ننتبه الى حقيقة أن الحدود بين العوامل الخارجية والداخلية لم تعد بتلك الحدود صعبة الاجتياز وذلك بسبب ظروف العولمة والمعلوماتية وإزدياد الروابط الاقتصادية وقد يحل قريبا الوقت الذي تنعدم فيه هذه الحدود أو تكون في اضعف حالاتها في القدرة على التأثير وحماية الخصوصية .
العلاقة بين الديمقراطية والرفاه الاجتماعي
إن من أكثر الأمور سطوعا هي العلاقة بين الديمقراطية والحريات العامة و الرفاه الاجتماعي ، فعلى الرغم من أن الدول الأوربية واليابان ، على خلاف العديد من البلدان العربية ، لا تمتلك ثروات طبيعية ومصادر طاقة ، إلا إنها دول ثرية وتحقق أعلى المداخيل ولديها نسب نمو اقتصادي سنوي عالية ، كما أن مستوى الضمان الاجتماعي حتى بالنسبة للعاطلين عن العمل والعاجزين والمعوقين يضمن مستوى متقدماً من الرعاية والضمانات الأساسية ، إن إجمالي الإنتاج السنوي للسلع الخدمات لأكثر بلدان المجموعة الأوربية فقرا يفوق الإنتاج الإجمالي للدول العربية مجتمعة بما فيها المداخيل المتحققة من استخراج النفط . ومجمل الثروة المتحققة في أوربا والمكاسب المؤسسة عليها قائم على العمل والنظام والانضباط ، وتسخير طاقات المجتمع الى ابعد المديات ، وكل هذا مؤسس على قاعدة النظام الديمقراطي التداولي ، الذي تحول ليس الى مجرد وسيلة متطورة للتعبير ، وانما الى آلية عمل تضمن وصول الأفضل إلى مراكز صنع القرار .
أن البلد الوحيد الذي يحقق نتائج اقتصادية عالية ونسبة نمو اقتصادي متقدمة على الرغم من انه ليس ضمن مجموعة الدول الاوربية والولايات المتحدة واليابان ، ولا يعتمد الآلية الديمقراطية التداولية هو نظام الصين ، ومع ذلك فان النتائج الايجابية في الرفاه والتطور الاقتصادي التي تحققت في الصين مؤخرا مرتبطة بالمزيد من التحرير للاقتصاد والانفتاح والبراغماتية .
ولو قيض للشعوب العربية شكل من النظام السياسي الذي يعتمد على الديمقراطية وحرية التعبير حتى ضمن حدوده الدنيا لأصبح من الممكن أن نشاهد أنظمة ذات كفاءة اقتصادية عالية ، ونسب نمو عالية ورفاهية متزايدة وعددا اقل من العاطلين عن العمل مما يعنى تبعا لذلك إنحسارا في الميل الى العنف ومصادرة الاخرين وكذلك الحد والقضاء على الميول الارهابية
كيف تنظر قوى اليسار والتحرر الى ادعاءات الديمقراطية والاصلاح السياسي وكيف يمكنها ان تديم برامجها السياسية والاجتماعية خصوصا تلك المتعلقة بإقامة دولة العدالة الاجتماعية والمساواة والرفاه الاجتماعي؟
أن الديمقراطية ليست خيارا يتناقض مع الخيارات الأخرى بل هو آلية تتضمن الخيارات الأخرى مجتمعة ، وهي ، اذا جاز التعبير ، إطار يفسح المجال لهذه الخيارات لكي تقدم نفسها إلى الشعوب العربية دون أن يقوم خيار ما بإلغاء الخيارات الأخرى أو فرض نفسه بالقوة على شعب ما ، وعليه فان التعارض الذي يلمح السؤال له غير موجود ، فالديمقراطية ، على الضد من ذلك ، هي الوسيلة الوحيدة التي توفر قاعدة الدعم الاجتماعي للمكاسب وترسخ نتائجها ، فمن الواضح أن الإجراءات الفوقية التي اتخذتها بعض السلطات في الوطن العربي والتي تضمنت إصلاحات مهمة على العديد من الأصعدة ، كما في أعقاب ثورة 14 تموز في العراق ، قد تم التراجع عنها وتصفيتها لعدم توفر الآليات الديمقراطية والمؤسساتية التي تحمي المكاسب المتحققة ، وعلى الضد من ذلك نجد أن البرامج السياسية الإصلاحية والتي أدت الى إنشاء أنظمة و قوانين متطورة للضمان والرعاية الاجتماعية والصحية و التي قامت بها أحزاب الاشتراكية الديمقراطية في العديد من دول أوربا في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، قد ترسخت وتعززت لأنها مدعومة بآلية الديمقراطية والمؤسسات وحرية التعبير . لقد وفرت الديمقراطية أمكانية لتعايش الخيارات بدلا من تناحرها .
أما اذا كان المقصود بالسؤال ما هو مصير إجراءات ما يسمى بالتعبير الكلاسيكي : تشريك وسائل الإنتاج وعمليات التأميم ومصادرة المشاريع الخاصة حين تصل قوى اليسار الى السلطة عن طريق الانتخاب وكيف يتم فيما بعد التراجع عن مثل هذه الإجراءات في حالة فوز القوى المضادة لهذه الإجراءات ، فان الجواب على ذلك يعتمد على محورين :
الأول : إن إقامة دولة العدالة الاجتماعية كما سماها السؤال يقوم بادئ ذي بدء على ترسيخ العملية السياسية والتداولية ، وترسيخ وتطوير عمل المؤسسات التمثيلية وإعادة الاعتبار والدور الى مؤسسات المجتمع المدني . هذه هي المهمات الملحة في الوقت الحاضر وهذه هي الإجراءات التي سوف تمهد الطريق لكل الخيارات بما في ذلك خيار دولة العدالة الاجتماعية ، كما أحب طارحو السؤال أن يسموها بالرغم من إنني أرى أن هذا التعبير " دولة العدالة الاجتماعية " تعبير غامض في أحسن أحواله و يطرح رؤية أيديولوجية أكثر منها واقعية .
ثانيا : ان ترسيخ العملية السياسية القائمة على التداولية والديمقراطية ... الخ سوف يعقبه الكثير من الخيارات في تحديد المسارات التالية والنهج اللاحق وذلك حسب موازين القوى السياسية ومدى قناعة الناخب بالبرامج المطروحة من مختلف القوى السياسية المتصارعة في إطار العملية السياسية السلمية ، توجد مثلا تجارب مختلفة لإعادة توزيع الثروة الاجتماعية في دول أوربا ، مع الحفاظ على الملكية الخاصة للمؤسسات والمحافظة على الدافع الفردي ومكافئة العمل ، لقد ساهمت في صياغة سياسة هذه الدول بشكل فعال الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ، كما في ألمانيا والدول الاسكندنافية وهولندا.
والخلاصة : ان التداولية ليست تهديدا لدولة تسعى الى العدالة الاجتماعية ، بل العكس تماما أنها توفر لها الإطار الأسلم لكي تكون فاعلة وراسخة . فقوانين الضمان والتقاعد والرعاية الصحية في بعض دول أوربا الغربية المشار إليها آنفا والمتقدمة جدا على مثيلاتها في الدول الاشتراكية سابقا والتي ساهمت احزاب الاشتراكية الديمقراطية في تشريعها بشكل فعال ، لم تستطع أحزاب اليمين التي تصل الى السلطة بين الحين والآخر إلغاءها ، إذ تحولت الى قوة مدعومة من قبل الآلاف من الناخبين ، وبذا فإن الديمقراطية لم تهدد المساعي من أجل المزيد من العدالة الاجتماعية بل عززتها .

كيف يمكن التعامل مع التيارات الاسلامية التي يمكنها أن تصل الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع ؟
لا شك أن التيار الإسلامي هو أحد التيارات الموجودة بقوة في الساحة السياسية العربية وقد تزايد دوره منذ الإخفاق لذي لحق بالخطاب السياسي اليساري وسقوط الاتحاد السوفييتي ، وإن الاختلاف مع هذا التيار لا يبرر إقصاءه من العملية السياسية بل العكس هو الصحيح أي جذب القوى الاسلامية الى الإقرار الفعلي بالتعددية وقبول الرأي الآخر وعدم تكفير الآخرين ، إن السماح بالإشتراك بالعملية السياسية ينبغي أن يتضمن كل القوى التي تؤمن بعدم استخدام العنف في التعامل مع الرأي المخالف وعدم الادعاء باحتكار معرفة الحقيقة وإحترام الحقوق المدنية وفي مقدمتها حقوق المرأة ولعل أفضل مثال على ذلك هو وصول القوى الاسلامية الى الحكم في تركيا دون المساس بثوابت وأسس الدولة ومبدأ التداولية واحترام الحقوق ، إن الرد الوحيد على التطرف الديني والمذهبي هو تعميق الديمقراطية وتوسيعها لتشمل كل القوى التي ترغب بالانخراط بها دون إقصاء والشرط الوحيد هو توفير آلية تمنع القوى غير المؤمنة بالديمقراطية من الغاء الديمقراطية بعد وصولها الى السلطة .



#منير_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسييس الثقافة العربية
- الديمقراطية وإمكانيات التصدير
- الفنان التشكيلي عدنان شينو - الحنين الخلاق
- الماركسية وافق البديل الاشتراكي - كارل ماركس
- دور اللغة في التاريخ
- المرأة ومشاكلها الوجودية , لدى التشكيليات العراقيات
- إتحاد الشعب تسمية ملائمة لحزب ذي إرث نضالي مجيد
- الديمقراطية الليبرالية وتيارات الفكر السياسي العراقي المعاصر


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي / علي عبد الواحد محمد
- -الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع / منصور حكمت
- الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - منير العبيدي - الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي