أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - رحلة مع الموسيقى...قصة قصيرة














المزيد.....

رحلة مع الموسيقى...قصة قصيرة


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 18:49
المحور: الادب والفن
    


أيامٌ تمحو أيام، وعذابات تسعى لوداع الماضي الجميل.
لم يعد شيئاً يلاحقهما سوى ملل حياتهما الفاترة ..وترديده لكلمات مظفر النواب "ملل يشبه علكة بغي لصقته الأيام في قلبي " ..
عقارب الساعة تدور ببطءٍ، تجرف معها شظايا الحَسرات ، تراكمها وتلقيها في طريق الذاكرة المعتمة التي ما عادت ترى سوى ذكريات الماضي الجميل تستأنس فيها...
أصبحا يبحثان بخجل عن ذلك الحُبّ الذي جمعهما. فما عاد الوصال بينهما، ولا الأيام قادرة على كسر عنادهما. والزَوجة ما عادت تلك الفتاة صاحبة الجمال لتتباهى به، ولا تلك الأم القويّة كي تعطي المزيد. خصوصاً في تلك البلاد البعيدة التي زرعت الكرمة فيها ولم تُورق بعد، رغم مجيء فصل الربيع!!. أما الزَوج لم يعد ذلك الفتى الذي يتباهى بقوّته ولا أحد يثنيه عن طموحه؛ بل أصبح منهكاً بعد أن علا جسده صدأ السنين العجاف في بلده، والغربة نخِرت عِظامه، وصار كدلوٍ مُتدلٍ بحبل الغربة يترنح.
كانت المناسبة جميلة: إذ حصلا على بطاقة "حفلة موسيقية" هدية أولادهما في اليوبيل الفضي لزواجهما!! .
جلسا وسط الصالة الكبيرة المزدحمة بالجمهور الذين بانت استثارة المرح في وجوههم تأهباً لبدء الحفل.. فجأة !! خفتت الأنوار من حولهم وتوهجت عند مِنَصّة العرض. ظهرت فرقة موسيقية من الرجال والنساء. وقفوا حاملين آلاتهم الموسيقية ، فاق عددهم الثلاثين ، انتصب أمامهم قائدهم حمل آلة الكمان الموسيقية ، بدا بشعره الفضي المسدول على وجهه كقط مدلل، وبسترته الطويلة السوداء كأميرٍ في القرون الوسطى، اِنحنى مع فرقته للجمهور، صفّق لهم الجمهور تحية له ولفرقته، ثم استدار نحو فرقته وجلسوا. رفع آلة الكمان على كتفه وأمال رقبته عليها، سحب عصا قوسه و أومأ إلى العازفين فشرعوا العزف معه .. اِنسابت انغام العزف بهدوء من آلات عازفيها، وصداها انتشر في فضاء المسرح، باعثةٌ لحناً متسق الأنغام جميلاً، مَلكَ اللحن قلوب الحاضرين وملأ جنبات صدورهم شوقاً ، جعلهم في سرَحانٍ، يتمايلون بأجسادهم مع اللحن كسّعَفُ النخيل عند هبوب النسائم الطيبة ، طافوا مع انغام الموسيقى إلى عالمٍ آخر تبحث الروح عنه، تسبح معه بعيداً في الفضاء، تَسمَع أصوات الأحبة البعاد هناك في البرزخ .. تمرّ عليهم، تستأنس برؤياهم فتنتشي بخيالها.. ثم تعود الروح هابطة مع الأنغام كفراشة ترفرف فوق الحقول والمروج الخضراء، تنطرح عائمة مستلقية فوق مياه الأنهار الهادئة، تنجرف مع السيل باسترخاء مستمتعة بخرير الماء ، تتصفح سنين العمر في ثنايا خيالاتها، تلتقط احداثها كخَرَزات المِسْبَحة المنزوعة.
عند احدى المعزوفات الجميلة، سقط الضوء على سيدة ممتلئة، اِرتقَت الجهة اليمنى من خشبة المسرح، بدت كعروس في ليلة زفافها ببدلتها البيضاء ، طوّق رقبتها عِقداً متلألأً . أومأ قائد الفرقة برأسه اليها، فسكتت جميع الآلات باستثناء ألة البيانو الموسيقية، عزف صاحبها لحناً خفيفاً زحفت به أصابعه بخفة على قطع البيانو وكأنه يرسم لوحة فنية في الرمل. شرعت المُغنّية بصوتها( الأوبرالي ) ترش ندى العاطفة على الحاضرين...نغمات صوتها تَخرج من حنجرتها كأنها صوت الملاك بل الملائكة اجتمعت فيه!! لحَقَها صوت الموسيقى الخارج من آلة الكمان وهي تسحب حنين خيالات الجمهور بعصا القوس، وينقذف مع صوت المغنّية بانسيابية كالسَّيْل، في رحلة عاطفية (رومانتيكية) تعجز الكلمات استخراجها ، تنسلت روحهم فيها من رحم اجسادهم، تُحَلّق مرَّة أخرى نحو الأماكن البعيدة، تُفَتش في فضاءات الخيال عن مستقر لها. تعلو الروح سامقة في السماء وتنحدر هابطة متمايلة مع صوت مغنّية الأوبرا، كطائرة ورقية حلّقت في السماء وانقطع خيطها فتهاوت متمايلة. والحنين المنبعث من صوتها يذرّ الخشوع كرذاذ الماء على صدور وقلوب الحاضرين فتستهل مدامعهم كماء الينبوع في أول موسمه، يطبقون اجفانهم تأملاً فينساب الدمع من عيونهم كحبات اللؤلؤ متدحرجاً على خدودهم...
اسندت رأسها على كتفه وأخذتها وسْنَةُ احلامها. لم يكتفيا امتصاص الدفء الذي غمرهما بل ذهبا يعتصران اصابعهما المتشابكة.. هدوء في الصالة، لا صوت فيها سوى صوت الملائكة...
أي حنين هذا اقتحم شغاف القلوب ، ملأها بالحبّ والرأفة والحنان، وأخرج كل شائبة من الأعماق، وما عادت ولا ثانية واحدة للعتب والخصام ما دامت الروح منغمسة غاطسة بلباسها الأبيض، تتطهر في نهر اللحن النقي، تتعمد فيه وبسحر الصوت الملائكي...
مضى الوقت دون أن يدركاه حتى نهاية الحفل... نظرا الى بعظهما بشوق وحنين افتقَداه منذ زمن ، أشرقت ابتسامة على شفتيهما .. خرجا من القاعة متلاصقي الكفّين .. عند باب الخروج ... اندفعت نحوه ودَسّت رأسها تحت ذراعه وسارا ..



#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة مرْميّة....قصة قصيرة
- طائرُ اللّقلق..قصة قصيرة
- أنا وأُمي ووطني
- من هذه السيدة...قصة قصيرة
- عيد الحب...قصة قصيرة جداً
- حبٌ..وألم....قصة قصيرة جداً
- استوقفني مظفر النواب ...في قصتين قصيرتين جداً
- خربشة عند الفجر...قصة قصيرة
- حرب وأشياء أخرى...قصة قصيرة
- صور متشابكة...قصة قصيرة
- سنة سعيدة وأمنيات...قصة قصيرة
- ذكريات لاجئ عراقي...لحظة وداع...قصة قصيرة
- غثيان...قصة قصيرة
- رائحة الحرية...قصة قصيرة
- نَبْض الضّمير..قصة قصيرة
- عُرْسٌ فوق السطوح
- صديق الطفولة...قصة قصيرة
- أنا...ونفسي في ثلاث قصص قصيرة جداً
- اعادة نشر ( أنْسامٌ عذبة )
- اعادة نشر قصة قصيرة ومرة اخرى بعنوان القصة(انسام عذبة)


المزيد.....




- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- الحلقة 23 من مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة الثالثة والعشرو ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - رحلة مع الموسيقى...قصة قصيرة