أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - ذكريات لاجئ عراقي...لحظة وداع...قصة قصيرة














المزيد.....

ذكريات لاجئ عراقي...لحظة وداع...قصة قصيرة


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 17 - 18:00
المحور: الادب والفن
    



بعد مخاض دام اربعين عاماً... كانت الحقيبتان المركونتان قرب باب حجرة الضيوف؛ تشكل عائقا لمرور إخوته وأخواته وبعض من أصدقائه وأقربائه؛ جميعهم جاءوا يودعونه؛ متمنين له السلامة والتوفيق... في رحلة اللاعودة ! رحلة البحث عن وطن آخر ! بعد أن جَفّت في بلده ينابيع المياه العذبة و فقدت الأنهار وشاحها الأزرق واصبحت جدباء عاريةً كاشفةًً اسرارها؛ وضفافها باتت مزابل تعبث بها الكلاب والقطط السائبة والنباشين ؛..
صدى طنينٍ ملأ اذنيه وسخونة تعالت فيهما من الذبذبات المختلفة من اصوات المودعين، والمليئة بالنصائح والدعاء لسندبادهم. وأحاطت عيناه غشاوة فشلت في اخفاء قاعهما المتزين بمرجانة حمراء.. ورأسه يتحرك بانسيابية كرأس دمية متأرجحاً يميناً وتارةً شمالًاً مجاملاً هذا ومبتسماً لذاك؛ لكن طرفا عينيه كانا منصبان نحو الركن البعيد حيث أطفاله الثلاثة ابنته وولديّه الواقفين بجانب الباب، فكبيرهم عمره سبعة سنين، وكانت وجوههم حائرة وعيونهم تتفحص هذا الجمع الذي حظى به اليوم والدهم.
كان وفي لحظات انشغال المودعين عنه يذهب مسرعاً إلى حجرة نومه لا يعرف ما يقوم به !
كان يفرفر كالطير المذبوح في حجرته، ثم يستقر واقفاً امام المرآة.. ويرى وجهاً خفتَ ضوؤه القمري مع أول خيوط الصبح ؛ يحاكي نفسه هل: هذا فرات؟! هل أنا: اسم على مسمى- كما كان يكنى لي أيام دراستي الجامعية بل وحتى قبل اسبوع. كيف أكون فرات وملامحي بدأت تفقد عذوبتها...وفي كل مرة كان يسرق نفسه من مودعيه ويقف أمام المرآة ...وفي كل لحظة استغراق خاطفة يرى وجهاً غير وجهه ويرى قامته تقصر وتقصر حتى إذا طال النهارتكاد تصل إلى الحافة السفلى لإطار المرآة الخشبي.. وكان كلما خرج من غرفة استقبال المودعين تلاحقه زوجته التي كانت مهمومة بمجاملة النساء المتواجدات وفي كل مرة كانت تفتعل عذراً لهنّ بانه قد نده عليها.. وعيناها كانتا هذا اليوم ذابلةً وشعرها لم تصففه بل اكتفت بلملمته إلى الخلف وقرصته بحلقة مطاطية.., أمّا أمه فكانت لآخر لحظة غير مقتنعة بهذه الرحلة وبترك زوجته واطفاله... ربما اكتفت بقدر سلامته وسلامة اخوته من الحروب التي ابتلى بها البلد , أمّا السفر والهجرة لم يكن له عنوان عندها ولا عند غالبية الأمهات والآباء العراقيين.
وقف شاكر عند باب حجرة الضيوف وهو صديق طفولته وجاره وكان قد فقد احدى طرفيه في الحرب العراقية الإيرانية وحاز على سيارة المعوقين. صاح شاكر وبصوت حزين منادياً : فرات ..فرات.. السيارة جاهزة نهض فرات بسرعة كالمقاتل الذي اراد الهروب من ساحة المعركة، ونهض معه جميع المودعين بحركة لا ارادية وكأنهم في مسرحية شارفت على نهايةِ فصلها الأخير، واخذ الجميع الواحد تلو الآخر يعيدون تقبيله ويكررون امنياتهم ودعائهم له، وهو هامداً جامداً وكأنه صار صفحة من كتاب التشريفات فتحت لاِستلام تواقيع المهنئين أو المعزين على خده.
ركض بسرعة حيث أطفاله واقفين ، وحضنهم وأخذ يشم بهم كأم الجراء بعد الولادة؛ وكانوا قد همّوا بالبكاء بعد ما رأوا المودعين يبكون.
وعيناه المحمرتان ترقرقتا بدموعهما وكانتا كقرص الشمس في الشفق... ودموع زوجته وبكائها وبكائه الصامت وعينا أمه الحسيرتان المختبئتان خلف العدسات السميكة لنظّاراتها كلها عناوين للوداع ..
قبّلَ زوجته والتفتَ إلى أمه وقبّل يدها وانتفض قائلاً: اِدعي لي يا أُمي ؟ وسحب نفسه مسرعاً الى الخارج غير ملتفت ٍوراءه وجلس في سيارة شاكر؛ حيث كان ينتظره وقال لصديقه شاكر :هل الحقائب في صندوق السيارة ؟ أجاب شاكر: نعم انها في الخلف . ثم قال: وبصوت باهت مخنوق، لنذهب: وأدارَ شاكر محرك سيارته وانطلقَ.. وإذا برشة ماءٍ أمطرت خلف السيارة تقليداً لضمان سلامة الوصول.



#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غثيان...قصة قصيرة
- رائحة الحرية...قصة قصيرة
- نَبْض الضّمير..قصة قصيرة
- عُرْسٌ فوق السطوح
- صديق الطفولة...قصة قصيرة
- أنا...ونفسي في ثلاث قصص قصيرة جداً
- اعادة نشر ( أنْسامٌ عذبة )
- اعادة نشر قصة قصيرة ومرة اخرى بعنوان القصة(انسام عذبة)
- قصة قصيرة
- قصة قصيرة/ أنسامٌ عذبة
- قصة قصيرة/أحلام تحت سحابة سوداء
- بلادي
- قصة قصيرة جدا(لمسة إصبع)


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - ذكريات لاجئ عراقي...لحظة وداع...قصة قصيرة