أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - قصة قصيرة/أحلام تحت سحابة سوداء















المزيد.....

قصة قصيرة/أحلام تحت سحابة سوداء


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


أحلام تحت سحابة سوداء

باتت ليلتها تُقلب صور العيد بجفنيّ عينيّها الواسعتين...وتعدّ ساعات انبلاج ضوء الصبح الساقط على وجهها المدوّر الشاحب ، فتستفيق من نومها ماطتاً وجهها الأسمر باِبتسامة فرحة العيد.
- سبقتها جدّتها باِعداد فطور العيد ..بقايا خبز الأمس مع قليلٍ من الدبس.. بينما ابريق الشاي يصرخ فوق النار .
- اعتادت نبراس النهوض في كل صباحٍ على صوت جدّتها وهي تنادي عليها .. دون أن ترى أبوها.. فهو عامل بناء يذهب كل فجر عند ناصية الطريق حيث يتجمع العمال الباحثون عن العمل منتظرين رزقهم ...في كثيرٍ من الأحيان كان يعود خالي اليدين ،وفي بعضٍ منها كان يحصل على علْثة تقوته وتقوت أبنته وأمه، وكان ذا عوز دائم ، لكنه هذا اليوم نائم في حجرته، فاليوم أول أيام العيد .
-لقد عجّلت على أمها المنية قبل ثلاث سنين ونصف عن مرضٍ وهي في زهرة شبابها، وأصبحت جدّتها لها أمّاً ... حينها كانت نبراس في الثامنة من العمر.
- نادت عليها جدّتها: يا نبراس تعالي قاسميني الفطور ؟؛ بينما نبراس تغسل وجهها بماء الصبح البارد، وتَعْقُلَ شعرها الأشعث بمشطها الكبير الأسود الذي كاد أن يقلع جذور شعرها وهي تحاول تسريحه... واقفة أمام بقايا المرآة القديمة، تتأمل وجهها، وجسدها الممتلئ بخشونة عظمها وهي تلبس ثوبها الجديد حيث اشتراه لها ابوها في الامس... فجأة جذب انتِباهها انتفاخاً في صدرها وكأنه ثمرة الفراولة!! ذُهِلت من هذا الشرخ الذي أصاب صدرها في غفلة، وأخذتها رهبة وهي تتحسس صدرها بأصابعها ، وانتابَها خوف من هذا الورم المفاجئ، ولا تدري كيف اِستحال صدرها؛ لكن احساس غريزي تمَلَكها وأبحر بها إلى أعماق عالم انوثتها .. وكأنها استَفاقت من غفلةِ الطفولة وغمرَتها فرحة اِمتلاك شيء لم يشترِه ولم يعطه اِياها احد ؛ لقد وهبتها لها السماء دون أن تعلَم...متباهية بثمرتها الصغيرة المعلّقة على صدرها وصار لها العيد عيدين ؛ وهي تحسر ثوبها الجديد وترفعه، وكانها غدَتْ بوجهان واحد في صدرها والثاني وجهها... وجدّتها تنادي أين انتِ يا نبراس: وهي ترد عليها لا تقلقي يا جدتي سوف أصنع فطوري بنفسي. وتعود تبحث عن أشياء أخرى في جسمها فاتَها رؤيتها. محدثةً نفسها بصوت واهن: لقد رأيت بعض النساء يَلبسنَ درعاً خَفينَ به صدورهن.. من أين: أأتي به ؟ فجدتي لمْ أرَها تلبسه... اِنهالت على رأسها الصغير مواضيعاً لا تفهمها...وتعود ترشق جسمها وثوبها بنظرة اِعجاب ...لقد صنعَت لنفسها اِمرأة داخل طفلة...تنظر إلى المرآة وتتكلم همساً: سأذهب الى جارتي سميرة لتعطيني الدرع ..ثم تخرج بفكرة أخرى تحَدّث بها نفسها و تحني رأسها الصغير نحو قدميها سأطلب منها حذاءها ذو الكعب العالي.. لقد سئِمْتُ من حذائي وضاق على قدميّ وصار كالخرقة الباليَة من كثرة الترقيع به وأبي بالأمس لم يشتري لي حذاءً، سأطلب من سميرة حذاءً.. انّها تحبني ولا أظنها تمانع، وهي لا تطيلني كثيراً سأذهب اليها في الحال، لمْ يبقَ من الوقت كثيراً فصديقاتي على وشك المجيء .... أحاسيس بريئة حملتها إلى شواطئ أحلامٍ لمْ تعرفها.
- اندفعت بسرعة نحو الباب، واعترضتها جدتها وقالت لها: الى أين انتِ ذاهبة؟
- ردت عليها بتعجل: سوف أعود حالاً يا جدتي. سأذهب إلى سميرة.
- ما بك وسميرة الآن؟
افتعلت جواباً سريعاً وقالت: لقد وعدَتني بالأمس بهدية في أول ايام العيد.
كان بيت سميرة ملاصق لبيتها ..نادت عليها وهي تقرع بابها ؛خرجت سميرة مُرَحِبةً بها، ودَعَتها الدخول الى رواق البيت. طوقتها بذراعيها وطبعت على خدها قُبلة العيد ثم قالت لها : ما خطبك يا نبراس أراكِ تفكرين بشيء ما ؟ تلجلجت نبراس بكلامها وسكتت؛ ثم نطقت متحرجةً :أريد طلب شيئاً منك هل تمانعي ؟
- اجابتها سميرة: وما هذا الشيء الذي جعلك تتلجلجين؟
- قالت: أريد منك درعاً أخفي به صدري؟
- عن أي درعٍ تتحدثين؟
راحت نبراس تؤشر بإصبعها الصغير نحو صدر سميرة!!
دُهِشَت سميرة مما سمعته ورمقتها بنظرة تعجب، وأخذتها ابتسامة وقالت لها: لمن تريديه ؟
- أريده لي... لقد اصبحتُ كبيرة !!
بدت على وجه سميرة ملامح الدهشة ثم تحولت إلى ابتسامة تعَجُب خفيفة وهي تختلس النظر إلى صدر نبراس... وقالت لها: يا صديقتي الجميلة أنتِ ما زلتِ صغيرة وما أملكه لا يناسبك الآن.. في العام القادم سيكون لك ما تبتغيه.
حزنت نبراس قليلاً ثم أسرعت بسؤال آخر: أريد منك حذاءً كعبه عالي هل هذا يناسبني الآن؟؟ قالتها بغنج حانيةً رقبتها الصغيرة على كتفها.
أجابتها سميرة: أريني قدَميك
صفّت نبراس قدَميها...
نظرت سميرة محدقةً اليها وقالت: حسنا سأجلب لك ما يناسبك
- حالفها الحظ وحصلت على حذاء كعبه عالي قياسه كبيراً بعض الشيء؛ لكنه أشبع رغبتها وأخذته... ثم قالت لسميرة: وهي تبتسم وبراءة الأطفال تملأ وجهها: عندي طلب أخير؟
اجابتها سميرة مبتسمةً: ما هذا الطلب الأخير في أول صباح العيد يا نبراس؟
قالت نبراس :أريد بعضاً من زينة الوجه كحل وحمرة... قاطعتها سميرة في الكلام وامتنعت أن تجاملها بهذا الموضوع.. وربتت على كتفها وقالت لها: اذهبي يا نبراس فالعيد قد بدأ لقد تأخرتِ .
أخذت نبراس الحذاء وغمرتها فرحة هذا اليوم السعيد، وعادت إلى بيتها تهذّب نفسها مرة ثانية أمام المرآة مرتديةً ثوبها الجديد ومنتعلةً حذائها ذو الكعب العالي.
دقات قرع الباب تتزايد لقد جئْنَ صديقاتها؛ لتذهب معهن إلى ملاهي العيد في وسط الحي والتي لمْ تكن بعيدة عن منازلهن.. خرجت لصديقاتها بثوبها الجديد، متباهية بحذائها، وبدت أكثر اهتماماً بنفسها من الأمس.
أصابت صديقاتها الدهشة وهنّ ينظرنّ اليها، فقد طالت قامتها عليهن ..ووجهها بدا أكثر جمالاً وانوثةً... بينما نبراس أحست لأول مرة انها تكبرهن عمراً وأحلاماً؛ ولكن لابد لها أن تفرح ببدلتها وحذائها وكأنها تقودهن.
- ذهبنَ محلقات بأجنحة احلامهن إلى ملاهي العيد...ووجوههن مشرقة بمظاهر الفرح ... وكانت نبراس تتهادى بينهن... والوان كسوتهن الجديدة اِزدان بها شارع الحي.
- مضى وقت قصير على غيابهن... فجأة دَوَى انفجار رج بيوت الحي؛ كأنما حدث زلزال!! ...وخرجَ الخلق من بيوتهم فازعين واقفين وسط الشارع... يحدقون إلى سحابة الدخان الأسود التي أخذت تتكور في السماء...يتساءلون بعضهم علّهم يعثروا على خبر يرشدهم لمكان الإنفجار.
ثَمّة أطفال وصبية وجوههم مشوبة بالخوف والرعب جاءوا يتمخّطون بخطواتهم مسرعين ويصرخون بأعلى صوتهم :سيارة مفخخة ...سيارة مفخخة انفجرت عند ملاهي الأطفال، الكثير من الأطفال قد ماتوا. الكثير من الأطفال قد ماتوا !! وصدى صوت سيارات الإسعاف أخذ يصدح في بيوت الحي...وزياط الناس ملأ الحي صداه.. لطَمتْ صدرها جدّتها ولطمْنَ صدورهن نساء الحي.. هرِعَ أبوها حافي القدمين وآخرين من رجال وشباب الحي هرعوا معه يبحثون عن الناجين من أبنائهم .
جمال حكمت عبيد



#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلادي
- قصة قصيرة جدا(لمسة إصبع)


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - قصة قصيرة/أحلام تحت سحابة سوداء