أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - ذاكرة مرْميّة....قصة قصيرة














المزيد.....

ذاكرة مرْميّة....قصة قصيرة


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 4842 - 2015 / 6 / 19 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


ذات صباح مشمس وعلى ساحل بحر الشمال كان قرص الشمس يرتفع في السماء بهدوء سألني صديقي الهولندي: هل جمَعَتك ذكريات مع البحر في بلدك؟
قلت له: لم أرَ البحر في حياتي لكن جمعتني ذكريات أماكن أخرى.
- ماهي تلك الأماكن؟
- دعني أتذكر..
- إبتَسمَ وقال: هل نسيت ذكرياتك يا رجل؟
- نعم
- كيف
- انتظرْ.. تذكرت :
في بلادي كنت أسير في الأزقة الضيّقة أحتمي تحت سقوف بيوت الشناشيل كي لا تبللني حبات المطر، أخزن بذاكرتي كل شيء جميل يسقط عليه نظري وعلى وقع أنغام المطر يختمر المشهد في مخيلتي وينتفخ كالعجين شريط ذكرياتي، وشهواتي كانت تطير في دهاليز رغباتها مليئة بالحُبِّ كحبوب اللقاح تتنقل بزهوٍ بين الأزهار و مروج الحقول الخضراء وأشجار النخيل.. كانت ذاكرتي تقفز هنا وتنطرح هناك كالطفل المحبوب.. نشطة ثائرة كغريزتي تثار حتى بسفاد العصافير.
اِبتسم صاحبي وقال لي: وبعد؟
- في إحدى الأيام ومن حيث لا أدرى ودون موعدٍ سُلِب فيه وطني وسُلبت معه ذكرياتي.
- من هذا الزائر ؟
- هو إنسان وليس إنسان هو دولة هو صاروخ يصرخ هو طائرات تقصف وترمي اوجاعاً دامية هو ريح سوداء عصفت بلدي وشاعت الفرقة فيه. افعاله خبَطت ذاكرتي جعلتني أتخبَّط في حياتي أذهب يميناً وشمالاً، أضرب الحيطان كعصفورٍ دخل غفلة غرفتي واحتارَ في الخروج منها. اِمتَصَّ الزائر عنوة رحيق ذكرياتي كنحل العسل دويه صار يوجع أذني.. أفرغ ذاكرتي فتشتت ذكرياتي ، القى بها جوفاء خالية لا حلو فيها. رماها بعيداً، سبَحتُ بها فوق أرض جدباء أبحث عن واحة في الصحراء تعيد لملمتها لتحيا . بينما عيناي الفارغة تنظر بشغفٍ أقواس منعطفات ذكرياتي ، وعقلي يبحث عن واقع يذكيه كي يجد مخرجاً لحياتي.
-هل وجدتها ؟
- نعم :عندما ترك الغريب وطني وولى ...
- وماذا حدث بعد؟
- الذي حدث غطّت سحب سوداء سماء بلادي أمطرت على الناس خبثاً وفرقة، متلفعة بوشاح الدين فصدقوها أبناء بلدي .
- وهل طالتك أمطارها ؟
- نعم
- كيف
- هزيز رياح عاتية جاءت مع السحب لَفَّة ذاكرتي وما عدتُ أرى الأشياء واضحة فيها فكل شيء تغير في بلادي ، برَمَت الريح ذاكرتي كخيط المغزل حاكتها وصارت بساطاً مطروحاً في الممراتِ . داست عليه العباد حتى مُعِسَت فلصَقَت كالعلكة بكِعابِ أحذيتهم .. محبوسة بين البساط والنِعال... صراخها عوى في أذني كنباح كلب تركته القافلة... سُحِقَت ذاكرتي من كثر الدوْس عليها حتى صارت طيناً، تشظَّت بين الكِعابِ تتنقل بمداسات السائرين دون أن يحسوا بها وبأوجاعها .
- كيف؟
- لقد اختاروا رمي ذاكرتهم وذكرياتهم الجميلة والقديمة .
- في لحظة ما انتبَه أحَدَهم رآى شيئاً ما لصق في نِعاله، لم يأبه بها، عند خروجه مسح ذاكرتي على حافة الرصيف. سار وتوارى عن الأنظار في عتمة الليل، تركها تتلوى تطلب العون للملمتها. عند الصباح جاء عامل رث الثياب وجدها على الرصيف عالقة يحمل مكنسة ، أزالها ورماها في الحاوية ، ثم جاءت مركبة كبيرة أخذتها بعيداً ألْقتها فوق تلال الأزبال..
- أيعقل هذا صار الناس في بلدكم يرمون الذاكرة والذكريات الجميلة في الأزبال؟
- نعم لولا أني استفقتُ هناك من حٌلْمي واخذتُ أبحث في التلال عن بقايا ذاكرتي، العَن تلك الجراثيم التي هاجَمَتها.. دخان كثيف متصاعد نحو السماء كانت محرقة ترمى بها الأزبال .. انتظرت دور ذاكرتي في الحرق وأنا في حيرة من أمري أأتركها تُرمى وتُحرق!! أم أحاول الهروب بها الصقها على ورقة تطير مع الريح كي أنجيها .. ما بين دخان المحرقة والفضاء الواسع رسَمتُ خارطتي.
أخذَت الحَسْرة صاحبي ..مسَك بيدي.. قال: دعنا ننزل البحر.




#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائرُ اللّقلق..قصة قصيرة
- أنا وأُمي ووطني
- من هذه السيدة...قصة قصيرة
- عيد الحب...قصة قصيرة جداً
- حبٌ..وألم....قصة قصيرة جداً
- استوقفني مظفر النواب ...في قصتين قصيرتين جداً
- خربشة عند الفجر...قصة قصيرة
- حرب وأشياء أخرى...قصة قصيرة
- صور متشابكة...قصة قصيرة
- سنة سعيدة وأمنيات...قصة قصيرة
- ذكريات لاجئ عراقي...لحظة وداع...قصة قصيرة
- غثيان...قصة قصيرة
- رائحة الحرية...قصة قصيرة
- نَبْض الضّمير..قصة قصيرة
- عُرْسٌ فوق السطوح
- صديق الطفولة...قصة قصيرة
- أنا...ونفسي في ثلاث قصص قصيرة جداً
- اعادة نشر ( أنْسامٌ عذبة )
- اعادة نشر قصة قصيرة ومرة اخرى بعنوان القصة(انسام عذبة)
- قصة قصيرة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - ذاكرة مرْميّة....قصة قصيرة