أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب الجليلي - بين سبيلك و ميركه سور 18 ..( أوراق على رصيف الذاكرة)














المزيد.....

بين سبيلك و ميركه سور 18 ..( أوراق على رصيف الذاكرة)


طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)


الحوار المتمدن-العدد: 4842 - 2015 / 6 / 19 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


بين سبيلك و ميركه سور ..18 ..( أوراق على رصيف الذاكرة)

كانت باحة المستشفى تعج بعجلات الإسعاف وهي تلفظ أعدادا هائلة من الجرحى ، وليس بعيدا عنها كانت عجلات اخرى تخلى من ضحيا تلك المعارك الطاحنة الى سقيفة الشهداء التي غصت هي الاخرى بهم وحشرت الاخرى في الحافلات المبردة !! كانت معركة الشرهاني من اقسى وأشرس المعارك .. في تلك الساعة ونحن نقوم بتصنيف الحالات وتحديد الحالات حسب خطورتها والإسراع بانقاذ الخطرة منها .. في تلك اللحظة دَنا مني ضابط التوجيه السياسي رائد نافل، الذي كان طبيبا من دورتي .. همس في أذني بحذر وهو يتلفت يميناً وشمالا وكأنه يتحاشى شخص ما ! : أسرع الى تلك الغرفة الجانبية ، هناك هدية اخفيتها لك قبل ان يتمكن منها رائد فلان !! كان ضابط التوجيه السياسي هذا سليل عائلة كريمة فقيرة وقد انتمى للجيش حين كنا طلابا في الكلية وقد كان حزبيا مرموقا وصاحب نخوة بدوية أصيلة ولا يقبل الأذية لأحد .. !
حين دخلت الغرفة شاهدت ضابطا برتبة عقيد مغاوير ممددا على السرير ويقف الى جانبه جندي اتضح لي لاحقا انه سائقه الخاص .. كان الضابط طويل القامة اسمر اللون وكان وجهه وملابسه قد غطاهما الغبار .. رحت اتفحص فخذه الذي كان ملفوفا بالضمادات المنقوعة بالدم اليابس .. حين كشفت عن الجرح راعني ما رأيت للوهلة الاولى !! التفت اليه لأرى وجها خال من التعبير .. كان هادئا وكأنه مخدرا وكانت نظرته لا تعبر عن شيء سوى التسليم بالأمر الواقع .. ظل ينظر لي لحظات ثم أشاح بوجهه الى الخائب وكأنه قرأ افكاري وأجاب عن استفساري الصامت وحيرتي !!
فجأة انفجرت بصوت عال وانا أبدي خوفا وحرصا وألف الجرح بالضمادات وطالبا المزيد منها لاضاعفها حول الفخذ وأمرت بنقل الضابط فورا الى صالة العمليات مدعيا خطورة حالته .. رحت ادفع بعربة النقل بيدي مساعدا الجنود وانا أسرع به الى الصالة .. أخبرت الرائد وانا مسرع ان حالته خطرة لكنني غمزت له فلاحت منه ابتسامة رضا خفيفة ومشجعة ..!! كان العقيد امر فوج وكانت إصابته إصابة قريبة .. بل قريبة جدا .. !! كانت كل دلائل ايذاء النفس المتعمدة موجودة ؛ هالة من البارود والحرق في سرواله حول ثقب صغير فيه وفي الجانب الداخلي لفخذه الأيسر .. في صالة العمليات امرت احد المضمدين الذي اثق به وتربطني معه قرابة بان يخفي ذلك السروال : أبعده خارج المستشفى ..!! قلت للمخدّر ان يعطيه تخديرا نصفيا لكي يبقى صاحيا ولكي أتحاشى هذيانه بعد الإفاقة من التخدير العام .. لاحت علامات الاستفهام على وجوه منتسبي الصالة وهم يَرَوْن دلك النوع من الجروح والتي يدعي أصحابها عادة بان الاشتباك مع العدو كان قريبا واحيانا كان يجري بالحراب وتشابك الايدي !! لكن الشك كان سيد الاّراء عادة .. قبل شهر وفي احد المعارك راح احد الضباط ضحية لتلك الشكوك والتنكيل من قبل بعض منتسبي الاستخبارات الذين كانوا يبحثون عن صيد لهم مقابل روح الانتقام التي تسود عند القيادات العليا حين تتعرض الجبهة الى اختراق او هزيمة لقطعاتنا ...!! بررت طلبي لطبيب التخدير بان العقيد يدخن بشراهة واخاف عليه من التخدير .. راح مشرطي يقص مساحة واسعة من تلك الأنسجة الممتلئة بالبارود وقطع القماش المرقط الصغيرة والخيوط .. !! .. توقفت أصابعي عن العمل وانا اسمع مساعد التخدير يتلو اسما راح ينخر في ذاكرتي كمزرف العظام ! العقيد دريد ال...!! كان المساعد يملي الاسم والوحدة على مسؤول العمليات لكي يضعه على طلب تحضير قنينة دم للضابط الجريح ... التفت اليه وانا اتسائل : من ؟! دريد ال.. ؟! فجأة رفع الضابط رأسه وراح يتطلع الى وجهي متسائلا هو الاخر بعد صمت طويل !! تابعت تساؤلي وانا استفسر منه ضاحكا لكي أزيل منه عامل الخوف من ان اكونً قد ضمرت له شرا: من ؟! ( نقيب دريد ..؟! شقلاوه) .. خان زاد ؟! راح هو يسأل ايضا وقد بدى عليه الارتياح والامل ! ؛ من هو جناب الدكتور عفوا ؟! ... استطردت وانا احاول ان أزيل مخاوفه : بعدك عدل انهجم بيتك ؟! ... أعاد رأسه الى مكانه قائلا وقد بدى عليه الارتياح كمن ألقي له طوَّق النجاة وكاد ان يسلم من الغرق : ومن يظل للقحاب ان متّ...؟!!!!
رحت اوغل في هندمة وقص الأنسجة المتهرأة من فخذه وانا أزيل كل دلائل الإصابة القريبة وما يمكن ان يثير الشكوك بالإصابة الذاتية المتعمدة ...!!
قبل ان أوقع على إجازته قلت له : سيدي ! ممكن اسأل؟! مد ساقيه الطويلتان والقى علي نظرة طويلة بعد ان سحب انفاسا متلاحقة مما تبقى من سيجارته ثم راح بسحقها بكعب حذائه بعنف ...
- دكتور الم اقل لك ان الاشتباك كان قريبا ؟! اسمع ؛ لقد مللت من السباق مع عزرائيل !! عشر سنوات وهو يتبعني من موضع الى الاخر !كدت ان اروح ضحية لغضب البغل مرة وتهت في الوديان والجحور لايام وليالي وانا اقتات على العشب كالماعز .. فقدت طحالي ونصف مصاريني وأخذت اتغوط من بطني أشهرا بلياليها ... علقت على صدري ثلاثة انواط شجاعة ووصفت بالبطولة والاقدام ولا يزال ملك الموت لحد هذه اللحظة يلعب معي ( الختيله) ..!! كل ذلك تحملته وصبرت ... ان تكرم زوجتي حين استشهد وتكرم مرة اخرى حين تتزوج رجلا اخر من قبل القيادة ، وينام طفلي الصغير وهو يسمع صراخ امه في الغرفة المجاورة وهي تضاجع رجلا اخرا !!! ذاك ما لا أستطيع تصوره وتحمل المشهد ... !!
رحت. أوقع كتاب التأييد بإصابته بشظية!! لإكمال معاملة الحصول على مسدس كهدية لجرحى المعركة من الضباط ثم وقعت إجازته واحتضنته قبل ان يغادر ... حين سلمته الإضبارة ذكرني الدخان المتصاعد من سيجارته جلستنا في خان زاد وطلبه من النادل بان يجلب له قنينة البيرة لكي تغسل معدته من العرق كما قال مازحا ...



#طالب_الجليلي (هاشتاغ)       Talib_Al_Jalely#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين سبيلك و ميركه سور 19 ( أوراق على رصيف الذاكرة)
- ومضة ..
- حزن ...
- عراقيون
- من هو زاير مبرم ..؟!
- قضية زاير مبرم ...
- شيخ ( جار الله)
- ماهي اجروح..
- حرت وياك..
- وطن مذبوح
- فضيحة جديدة
- حمى أعبيد وزيارة النجيفي
- يا عراق...
- The animal farm
- تحذير
- يا ..حبيبي
- عزف في الخريف
- ليس تبريرا..
- تحية للأمة
- تعال ..!


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب الجليلي - بين سبيلك و ميركه سور 18 ..( أوراق على رصيف الذاكرة)