أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الجبين - خمس وسبعون على ولادة الآنسة مار?ل















المزيد.....

خمس وسبعون على ولادة الآنسة مار?ل


إبراهيم الجبين

الحوار المتمدن-العدد: 1339 - 2005 / 10 / 6 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


على سرير أغاثا كريستي في حلب
"تسببت الثلوج المتراكمة في تعطيل القطار بعد منتصف الليل بقليل... لقد كان "قطار الشرق السريع" مزدحما بالركاب، وهذا أمر غريب في هذا الوقت من السنة. لكن الركاب نقصوا واحـدا عند الصباح؛ فقد وُجد أحدهم مقتولا في مقصورته وفي جسمه اثنتا عشرة طعنة، وكان باب المقصورة مقفلاً من الداخل": هذه الكلمات كتبتها أغاثا كريستي على هذه السرير، هنا في حلب. كانت تكتب وإلى جوارها طاولة صغيرة وضعت عليها أوراقها المبعثرة وأشياء أخرى، مع نظارتين مستديرتين ومنثنيتين. تكتب تارة وتنظر طورا من نافذة الغرفة إلى الشارع المقابل، حيث تمر عربات البدو والتجار الذين كانوا لا يزالون يعيشون ظروف الاحتلال وصراع الخروج من الانهيار السريع الذي مرت به السلطنة العثمانية.
المدينة جديرة بكتابة من النوع الذي كانت تكتبه كريستي، أعني الغموض الذي يكتنف تفاصيلها وأزقتها ومبانيها وشوارعها، وحتى أسماء عائلاتها وأنواع المهن التي تنتشر فيها. كان عليّ أن أعيد قراءة تلك الرواية، "جريمة في قطار الشرق السريع"، كي أعرف ما الذي كان يدور في رأس السيدة أغاثا حين اختارت حلب لتكتب فيها روايتها الأكثر شهرة. لماذا يختار أشخاص مثل شارل ديغول والضابط الإنكليزي الأسطوري لورنس هذا المكان ليعيدوا فيه ترتيب أوراقهم؟ ما السر؟ ما السحر الكامن في مجموعة من الحجار القديمة والأعمدة التي بُنيت عام 1911؟ تدخل إلى فندق بارون، الذي استضاف أغاثا. تصعد الدرجات العشر التي ترفعك إلى فردوس تلك التي سكنت المكان ولم تزل روحها تتجول في ردهاته. تلك الدرجات ستأخذك إلى البهو، حيث البار الى يسارك وحوله بضعة مقاعد وطاولات. الى يمينك الصالون حيث آثر أصحاب الفندق الاحتفاظ ببعض الأشياء التي تتعلق بأغاثا وبغيرها ممن عبروا من بوابة "بارون". كيف يمكن تخيل تلك الساعات التي كانت تمر بأغاثا خلف أحجار سميكة يرتفع بها بناء الفندق في قلب المدينة؟
ليس جديداً أن واحدة من أهم محطات الترحال في حياة الكاتبة أغاثا كريستي وزوجها ماكس مالوان، عالم الآثار الشهير، وصاحب الفضل في اكتشاف أور والعثور على رأس الملك سرجون، كانت بلاد الشام والعراق، مروراً بحلب، المدينة التي مكثت أغاثا فيها فترات كافية لكتابة تحفتها التي ذكرنا. فماكس، الذي تعرفت اليه الروائية عندما كانت في الأربعين، وهو يصغرها سناً بأعوام كثيرة، اصطحب زوجته يومذاك في بعثات تنقيب اثرية في منطقة الشرق الوسط، حيث تقاسمت معه المغامرات وعاشت أوقاتا سعيدة لا تنسى، من بيروت الى حلب وحمص وبصرى وماردين وتدمر، وهي اوقات شكلت لها كنزا ومنبع الهام لعدد كبير من رواياتها، علما انها كتبت من وحي الرحلة ثلاث روايات مهمة هي «جريمة في قطار الشرق السريع»، «ميت على ضفاف النيل»، و«جريمة في بلاد ما بين النهرين"، فضلا عن انها روت رحلتهما الغنية هذه في مذكرات لها صدرت عام 1946 في عنوان "تعال اخبرني كيف تعيش"، بالانكليزية أولاً، ثم بالفرنسية منذ اشهر قليلة عن دار "بايو" في عنوان "الروائية وعالم الآثار". لقد انتظر هذا الكتاب الجميل اذاً نصف قرن قبل ان يُترجم، علما انه جدير بأن يصدر بالعربية ايضا وخصوصا. "تعال اخبرني كيف تعيش" يروي بلغة سلسة سردية تفصيلية انطباعات أغاثا ويومياتها طوال خمسة اعوام تنقلت فيها بين العراق وسوريا ولبنان، وذلك من عام 1934 الى عام 1939. وهي تعبر في المذكرات عن حبّها للشرق، وحنينها الكبير اليه.
ألّفت أغاثا كريستي 66 رواية بوليسية في غضون 56 عاما، أهمها "جريمة في قطار الشرق السريع" (1939) و"موت على النيل" (1937) و"عشرة زنوج صغار" (1939). وتستعد بريطانيا الآن للاحتفال بمرور 75 عاما على "ولادة" شخصية الآنسة ماربل عام 1930، وهي التحرية البارعة التي كانت بطلة 17 رواية من روايات كريستي، الى جانب التحري البلجيكي الشهير هركول بوارو طبعا. وقد باعت رواياتها أكثر من ملياري نسخة، مليار منها بالانكليزية والمليار الثاني بلغات الترجمة المختلفة التي شارفت الخمسين. "أكثر من ألفي مليون قارئ في العالم قرأ أعمال زوجتي": هكذا كان زوجها مالوان يقول، فماذا لو كان يقرأ هذه الأرقام اليوم؟ ويتابع: "احتاجت مرة الى منضدة لتكتب عليها روايتها "اللورد ايدجوير يموت" فقصدت سوق الموصل واشترت منضدة بثلاثة باوندات، اعتبرها الدكتور كامبل رئيس هيئة التنقيب تبذيراً!". يبيّن ذلك أنه رغم أن الكتابة كانت شاغل اغاثا، فقد كان لها دورها ومهماتها ومسؤولياتها ضمن بعثة التنقيب.
تدخل غرفتها في "بارون"، تستريح على سريرها وتشعر بالرهبة. هل سيطل أحد مجرميها ليزهق روحك فجأة؟ هل ستلصق بك تهمة أنت بريء منها؟ هل سيرهقك السيد بوارو بالأسئلة ويحدجك بنظرته القاسية؟ هل ستختفي كأحد عبيدها الصغار ولا يعود يعرف أحد طريقه اليك؟ تدخل غرفة اغاثا فتشعر كأنك تدخل إحدى رواياتها. تلتفت وراءك رغما عنك خوفا من ان تكون ملاحقا. تنظر من النافذة فتحسّ بها تتحرك في المكان كشخوص رواياتها، تاركة بصمات وطبعات على الزجاج، لتقتفي اثرها كتحر بارع، وتكاد تسمع صرير قلمها على الورق، يرسم مصائر الضحايا ويخطط لجرائم كاملة. هنا الستائر صفراء والشراشف ذهبية. سريران تتوسطهما منضدة يتبختر عليها فانوس اصفر، فوقه لوحة، صفراء أيضا: كأن الشمس والوانها مقيمة في غرفة ملكة الظلال والعتمة والغموض. على بعد مئة ياردة فقط كان يمكن أغاثا أن تشاهد جيرانها نزلاء الفندق وهم يصطادون البط في الأرض المجاورة. "عندما وصلت إلى الصفحات الأخيرة من هذه المذكرات توفيت عزيزتي أغاثا بسلام بينما كنت أدفع كرسيها ذا العجلات إلى حجرة الجلوس بعد تناول طعام الغداء"، يكتب مالوان عن أيام زوجته الأخيرة. ويروي أيضا حادثة طريفة، اذ جلس يوما بالمصادفة، في عربة الطعام في قطار الشرق في طريقه إلى مدينة أوغاريت السورية أثناء الحرب العالمية الأولى، مع ثلاثة مسافرين أوروبيين آخرين، لكنه لم يكن يعرفهم. وقد اتضح بعدذاك أن احدهم عالم الآثار الفرنسي الشهير كلود شافير، وكان هو الآخر متوجها إلى مدينة اوغاريت التي نقّب فيها في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين. وفجأة انحنى مساعد شافير، جورج شينيه، الى الأمام وسأل مالوان:
هل سبق لك أن قرأت رواية «مقتل روجر اكريود» البوليسية لأغاثا كريستي؟
- نعم.
إنها رواية ممتازة بحق، لا تغرب عن بال قارئها. وما رأيك في ـ «الرجل ذو البذلة البنية»، هل قرأتها؟
- أجل قرأتها، وكذلك بقية روايات المؤلفة، وذلك لأني زوجها!
ليس ثمة اي اثر لهذا الزوج الرائع في المكان الذي عاشت فيه أغاثا في حلب. تسأل عنه في البار: هل كان يشرب البيرة هنا؟ يجيبك البارمان: "لم يرو لنا أحد شيئاً عن ماكس مالوان هذا. الظاهر أنه لم يأت مع المدام!".
ولمن هذه الأوراق؟
- للست أغاثا.
يحكي أحد الموظفين في فندق "بارون" عن سيدة أرمنية في الثمانين تتردد على المكان، تقول إنها رأت أغاثا وهي "تشتري الصعتر والصابون من سوق المدينة في حلب القديمة". ترى كيف تأثرت أغاثا بمناخ حلب، هذه المدينة التي يهبط الليل عليها لتستيقظ بنهار آخر في العتمة، نهار يضج بالغناء والهندسة الصوتية التي لا مثيل لها. هل انتبهت السيدة كريستي مالوان إلى الشرق الذي يضج بالجريمة لتستوحي منه مناخات "جريمة في قطار الشرق السريع"؟ وهل كان لديها خيار آخر سوى أن تنظر إلى العميق حيث يتفتح الشرق من جديد كوردة أمام القادمين للاستكشاف والغزو وإعادة الصياغة؟ ماذا لو جاء ماكس مالوان وزوجته الآن مع الجيش الأميركي وراقبوا كيف تختفي الآثار، ويتم تخريب كل ما هو آشوري وبابلي فيها على مسيرة يوم واحد من حلب السورية شرقاً نحو العراق؟
«إن شاء الله، سأعود الى الشرق، وكل ما أحببته لن يختفي عن وجه هذه الأرض»، تقول اغاثا في مذكراتها. مالوان وكريستي: شخصان اثنان قدما إلى الشرق كي يجد كل منهما ما يبحث عنه؛ هو ترك قاعة في متحف حلب اسمها "قاعة مالوان ـ البعثة الإنكليزية"، وهي تركت روحها الشغوفة، والكثير من الجرائم والصور التي لا تُنسى. حسنا فعلت بزيارة شرقنا و"خطف" جرائمها منه. أي مكان أكثر من الشرق يصلح لصناعة مسارح روائية تعرض الجريمة بتشويقها الأكثر حدة على الإطلاق؟



#إبراهيم_الجبين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا لو كان تيسير علوني إسرائيلياً ؟
- لماذا لا يوجد (جدل) في دمشق؟
- زكريا تامر لم يشتر بيتاً في دمشق لأنه لم يعثر عليها
- البحث عن بني أمية في سوريا الأسد
- أن تكون من أقليات سوريا 2005
- أخلاق العبيد في سوريا الحديثة
- من السوري إبراهيم الجبين إلى السوري بشار الأسد
- لن يكون هناك هيئة لاجتثاث البعث في سوريا ..فاطمئنوا


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الجبين - خمس وسبعون على ولادة الآنسة مار?ل