أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم الجبين - أن تكون من أقليات سوريا 2005















المزيد.....

أن تكون من أقليات سوريا 2005


إبراهيم الجبين

الحوار المتمدن-العدد: 1264 - 2005 / 7 / 23 - 08:27
المحور: حقوق الانسان
    


عنوان محرج ؟ ..ربما ...ولكن ها قد بدأنا بالتفكير ومرة جديدة بمعنى أن تكون من "أقليات" سوريا ..الآن .
ما الذي تضيئه عبارة كهذه في الذهن ؟ .
علينا أن نعرف ما هي "الأقلية" أولاً ..وهل تعني مجموعة من السكان أقل عدداً من غيرها ؟ أم أنها تتوجه مباشرة نحو الإثني والعرقي والطائفي ؟...أم أنه بالإمكان إعادة منحها دلالات جديدة ؟...
عرفت الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية الأقلية بما يلي: «الأقلية هي جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقياً أو قومياً أو دينياً أو لغوياً، وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم، يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية».
وتناولت الموسوعة الأميركية الأقليات على أنها: «جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك قدراً أقل من القوة والنفوذ وتمارس عدداً أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع، وغالباً ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى».
أما مسودة الاتفاقية الأوروبية لحماية الأقليات فتقرر أن مصطلح الأقلية يعني جماعة عددها أقل من تعداد بقية سكان الدولة، ويتميز أبناؤها عرقياً أو لغوياً أو دينياً عن بقية أعضاء المجتمع، ويحرصون على استمرار ثقافتهم أو تقاليدهم أو ديانتهم أو لغتهم. وعرفت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الأقليات بأنها: جماعات متوطنة في المجتمع تتمتع بتقاليد خاصة وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما وترغب في دوام المحافظة عليها.
وأما إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية (أو عرقية) ودينية ولغوية فقد سكت عن تعريف الأقلية متجاوزاً ذلك في مواده التسع إلى تأكيد أهمية الحفاظ على حقوق الأقليات ومساواتهم في الحقوق مع الأغلبية، وقد عرض على اللجنة التحضيرية لهذا الإعلان تعريف للأقلية قدمه الوفد الألماني يقول: «الأقلية هي جماعة من مواطني الدولة تشكل أقلية عددية لا تحظى بصفة السيطرة أو الغلبة في الدولة، ويتميزون عن بقية أعضاء المجتمع عرقياً أو لغوياً أو دينياً، وهم يميلون إلى التضامن معاً، ويحرصون، وقد يكون هذا الحرص كامناً، على البقاء، ويهدفون إلى تحقيق المساواة مع الأغلبية واقعاً وقانونا».
حسناً ...إذاً يمكننا اليوم أن نقبض على مفهوم الأقلية من مصادر مختلفة اهتمت بتشخيصه ووصفه وتحديده ..لكن كيف يمكن أن تكون واحداً من .."أقليات" سوريا ؟

هذا هو الموضوع وهو المعادلة والمعبر الذي نمر منه الآن ، سنفترض أنك من الأقلية (الآشورية ).... من أنت اليوم ؟..وماذا تفعل ؟ بعد أن عشت آلافاً عدة من السنوات على امتداد يخترق النهرين ويتجاوز نحو الشمال السوري محتفظاً بلغتك الأصلية ذاتها ، وتقاليدك ..وحتى الأزياء التي يزينها الريش والألوان والرقصات ...ماذا تفعل اليوم ؟...
سأحاول أن أعثر على إجابة ..أعتقد أنك ستفكر بالهجرة ، شأنك شأن من سبقوك من أبناء "أقليتك" ..على مدى العقود السابقة ، ستفكر بالسويد أو باستراليا أو بكندا والولايات المتحدة ، هذا ما يحدث ، لأن القرى الممتدة على تعرجات الخابور والتي عمرها أسلافك في المائة سنة الماضية لم تعد تسمع قرع طبولكم قبل الأعراس بأسابيع ، ولم تعد تزرع العنب الذي خبرتم رعايته ، ولستم اليوم موجودين هناك ـ في الجزيرةـ كما كنتم من قبل ، اقتحم حياتك كابوس السفر والعيش داخل الـ (غيتو) الذي صنعته الأيام وتفتتم واحداً واحداً، لم نسمع (شلوما ألوخن ) ولا (داخت) ..ولم يعد أهل الجزيرة يرقصون (الباكية) الشهيرة رقصتكم الشاعرية عالية الانسجام . ولم يعد ملوككم ينصبون كما كانوا على التلال ..تل طال ..تل نجمة ...تل هرمز .....إلخ ..ستفكر بالسفر ..ولو كنت أكثر التصاقاً بالمكان فإنك ستفكر بضرورة تأسيس حزب آشوري ..ولكن القانون سيمنعك ، وستقرر أن تكتفي بجمعية لرعاية مصالح الآشوريين ...وربما مارست نشاطاً سياسياً سرياً ...واعتمدت على بعض الجمعيات في لبنان ودول الجوار كي تمدك بالمطبوعات التي تعتمد الحرف الآشوري في الكتابة . وستبقى تنتظر ..
أما إذا كنت مسيحياً ..سريانياً أو غير سرياني ...فلن تفعل شيئاً ...الكنيسة وحدها كفيلة بمساعدتك على السفر ، وإذا لم ترغب بالتعاون مع الكنيسة لكونك علماني مثلاً فستتحول إلى فنان أو إلى عازف ..وأيضاً ستقودك خطاك إلى إحدى دول اسكندنافيا للإقامة الحفلات للجالية السريانية هناك ...إذا لم تفعل ذلك فما الذي يمكنك فعله إذاً ...سترسل أولادك إلى مدارس لتعليم السريانية وستحاول تصفح مواقع الانترنت للتعرف على واقع السريان في العالم ستعثر على ( وتجلى بمرأى منهم ....فأشع وجهه كالشمس ، وتلألأت ثيابه كالنور ...) ستقلب الصفحة وتفكر بالحياة في سوريا كأقلية منحت اسمها للبلاد ، ربما يسعفك تفكيرك للعمل كصائغ أو ناشر ولكنك لن تتذكر أنه عليك أن توقظ تلك الثقافة النائمة وتمنحها ما هو أكثر من التقوقع والارتداد ...
إذا كنت كردياً في سوريا 2005 ...فمشكلتك أكثر تعقيداً ، ماذا سنفعل بمئات الآلاف ممن لا جنسية لهم ، وكيف ستشعر السلطات بالثقة فينا ومتى ستسمح لنا بالحياة كأناس طبيعيين بلا (علامة فارقة ) ؟
ستصبح شاعراً ..فسليم بركات استطاع أن يجعل من القضية الكردية أمراً متداولاً ومستساغاً ولا يحتاج إلى شروحات مطولة ...ولكن سيسمع من يقول لك (من لم يكتب باللغة الكردية فهو لم يقدم نصاً كردياً ) حسناً إذاً جكر خوين كتب الكردية ولكن بشار العيسى لم يرسم باللغة الكردية ...كيف يمكن أن نحدد لغة اللوحة ؟!
لن تصبح شاعراً قررت أن تعمل بالسياسة ...هناك أكثر من 13 منظمة وحزب كردي
تعمل في سوريا ، بعضها ارتبط بامتدادات الأكراد في الدول الثلاث الباقية العراق وتركيا وإيران ، ولكن جلال طلباني أصبح رئيساً لدولة عربية ! حسناً ...وعبدا لله أوجلان في السجون التركية ...سأروي لك هذه الحادثة ...قبل نحو خمسة عشر عاماً حضر إلى بيتي مع أحد الأصدقاء شخص غامض وصامت ويحمل حقيبة صغيرة على كتفه ، طلب الصديق أن أسمح لصاحبه بقضاء يومين أو ثلاثة أيام ريثما يرتب أموره في دمشق ..وافقت ولم أسأل عن اسمه والبيت كان يضم عدداً من الأصدقاء مختلفي الأعراق والانتماءات ...ذهب الصديق الذي أحضره وصادف أن غادر الجميع المكان وبقيت مع الضيف الذي لا يتكلم ...أخرج وأعود وهو جالس ..لا يتكلم ولا يشرب شيئاً ..وبالكاد يوافق على تناول لقيمات في كل وجبة ...
بعد يومين خرج من صمته وقال لي ..هل تعرف أين كنت؟...لم أعرف طبعاً ...قال : كنت في السجن منذ سبعة أعوام !! لماذا كنت في السجن يا .... ، قال إن اسمه هو "عبدا لرحمن " أو "عفدي" بالكردي ....حسناً يا عفدي ..لماذا كنت في السجن ؟! قال : لأنني لم أوافق على الانضمام لحزب العمال الكردستاني ..أو الـ ( ب ك ك )
لم أفهم ....ما علاقة السجن بالـ (ب ك ك) ؟ قال إنه لا يفهم في أمور السياسة وأن عمله بلاط ومعلم صحية (سباك) وأنه لا يعرف أبعد من أغاني (شفان) ..ولكن كانت له خطيبة جريئة وجميلة وتحبه ...وأن شباب الـ (ب ك ك) أرادوا أن يضموها إليهم وهي بدورها تركت القرار له هو ....قرر "عفدي" أنه لا يريد وجع راس ...فأصروا عليه وحاصروه بأكثر من طريقة وأفهموه بأن لهم علاقات مع "علي دوبا" وأنه سيدفع الثمن .... وكأي كردي جزراوي ..لم يحتمل "عفدي" لغة التهديد ...فخرج من بيته في ظهيرة أحد الأيام بعد أن أحضر مسدساً وكرسياً صغيراً وزجاجة ويسكي تليق بالموقف ..وجلس عند باب الـ "حوش" وأخذ يناديهم واحداً واحداً ..يا فلان أخرج ..فيخرج فلان من بيته ..ليقوم "عفدي" بإطلاق النار عليه ..ثم ينتقل إلى فلان الآخر ..ويفعل الأمر ذاته ..حتى قاموا بإحضار عناصر المخابرات وأفهموهم بأن "عفدي" مناهض لأهداف الثورة ..ثورة البعث طبعاً ..وأنه قام بشتم القيادة ..وأنه وأنه ..
قدم "عفدي" إلى المحكمة ..محكمة أمن الدولة ..وقضت عليه بالسجن وجرد من حقوقه المدنية دون أن يعرف أكثر من "غزال ..غزال " التي يغنيها "شفان" .
ولكن ليست كل التجارب السياسية الكردية هكذا ...لن تفكر بأحزاب ولا بتيارات وربما قلت لنفسك ليس الناس كلهم مثل شباب الـ (ب ك ك) في تلك المرحلة ..وأن الأمور تغيرت ...ماذا ستفعل إذاً ؟...ستهرب إلى ألمانيا صديقة الأكراد ...ولكن من ماذا أنت هارب ؟..لا تعرف ..ولكنك تعرف أنك لن تتمكن من التنفس بسهولة هنا ....ستغادر الجزيرة أو عفرين إلى دمشق وتعمل في المقاهي أو تتقرب من إحدى الأجنبيات اللواتي جئن إلى سوريا لدراسة الأقليات وشؤونها ولغاتها ...بعد قليل سستزوج من تلك الأجنبية ـ المستشرقة ...وستسافر معها ....وستصبح وقتها ..خارج هذا المكان ...
إذا كنت "درزيا" ....ولم تسعفك أصابعك لتعلم العزف على العود كي تصبح مثل فريد الأطرش ..وليست حنجرتك بقوة حنجرة فهد بلان ..فما الذي ستفعله .....هل ستبقى على أطلال سلطان باشا ..قاعداً كمن يحضر روحاً لن تجيء ...؟! ستكتب رواية ..ولكنهم سيقولون بأنه فضح اسرار الطائفة ...ستسوي الأمور عن طريق الشوارب واللحى وستتجنب المشاكل .. إذا قررت أن تصبح صحفياً فالمشكلة أكبر ...ستشعر بأنك مهمل وغير مرغوب فيك ..مع أنك تنوي الخير ..ولكنهم يظنون أنك تبطن أمراً آخر ...ستحاول أن تكتب بأمانة وبتألق ....ولكنهم سيحاصرونك ...!! ولكن مهلاً ..من هم هؤلاء ؟! أنت لا تعرف ولكن تشعر بوجودهم ...غير مرئيين ...ستهمل الأمر وتتفرغ لأعمال أخرى ...وتحاول الاتصال بمن هم مرئيون ...واضحون ....ولكنك لن تفعل ما تجد نفسك فيه ، أحاول أن أشرح لك ...إذا حاولت أن تعمل ولو في لبنان ـ هذه الأيام وما قبلها ـ فسيقولون بأنك تحت رعاية جنبلاط أو في أحسن الأحوال المير أرسلان ...وربما قالوا إن الشيخ غيث يرتب لك الأمور ...فالأفضل أن لا تفعل شيئاً ...وتنظر أنت الآخر ..إذا كنت امرأة فالوضع خطير ...وسيتعامل معك الرجال من الأقليات الأخرى على أنك خارج السرب ..ولكنك لا تريد شيئاً سوى الوجود الطبيعي .. حق الوجود يا زلمة!! ..
إذا كنت "شيعياً " فأنت بين المطرقة والسندان ..ويلك الماضي الدامي الذي يطارد حريتك في التفكير وويلك الحاضر البارد الذي يطارد استقرار علاقتك مع ذاتك ...محسوب أنت الآن على السلطة ...ولكنك لم تستفد بأي شيء ..!! ولكنك أيضاً بلا عمل وتبحث عن فرصة ...وتسكن في حارة الجورة الفقيرة أو قرى إدلب .....حتى أن جارك النجار أصبح ممثلاً من قلة العمل ..وتحسنت أحواله ...لم تذهب إلى الجنوب ولا علاقة لك بحزب الله ولا بإيران ...أنت فقط تزور السيدة زينب وتشعل لها الشموع وتأخذ دمية صغيرة للسيدة رقية الصغيرة في أحشاء القميرية، تعرف كيف تصغي إلى الخطباء الذين كانوا يقدمون من النجف هرباً من بطش صدام الذي لم يرحم كي يرحمه أحد ، تبكي في عاشوراء ...وتحفظ "المقتل " وتعلق على صدرك "ذو الفقار " صحيح أنه ليس من الذهب ولكنه ولاؤك الشخصي والخاص ، لن تفعل شيئاً أنت الآخر سوى الانتظار ولن يتقدم بك الزمن ولكنه سيمر من حولك ..ويتركك تقلّب الأمر ولا يتقلب معك .
إذا كنت "أرمنياً " فأمورك محلولة ..يمكنك أن تشد الرحال فوراً إلى أرمينيا ..لا سيما وأن رئيسها السابق من حلب ويمكن التفاهم معه ومع حكومته ...ولكن ..........أرمينيا بلد فقير وصغير ويبدأ خطواته الأولى الآن ..حتى أن السوريين لا يعترفون بالشهادات الجامعية التي تمنحها وزارة التعليم العالي في أرمينيا ، ما العمل إذا ...؟ الميكانيكا ..رائع ....ستصبح "معلماً " كبيراً خلال سنوات فالأرمن مشهورون بقدراتهم على العمل الذي يتطلب فهماً للآلة أكثر من غيرهم ..ولكنك ستتذكر أن ابناء جلدتك من الأرمن في سوريا قاموا بانتاج وتصنيع سيارة ، وبأدوات بدائية .. لكنها سيارة ... ولكن ما الذي حصل ؟...منعتهم السلطات السورية من تكرار فعلتهم الشنيعة تلك . ستحبط ولن تفعل شيئاً أنت الآخر ...
أما إذا كنت " شركسياً" فلا تحلم بأن تصبح مثل نجدت أنزور يوماً ما ...ولن يساعدك أحد على شيء لأن شعبك القفقاسي مشغول بالعمل ...إنهم يعملون ..ولكن من أجل ماذا ..لا أحد يعرف ، وهم أكثر الشعوب استغراقاً في شغلهم ..وكأنهم ينحتون في الجبال ، ولكنهم أيضاً منخلعون وبشكل ما من مشيمة "غروزني" ومعظمهم لا ينام قبل أن يدعو لشامل باساييف بالنصر ...وفي كبدهم جراح تلك الجبال .
إذا كنت "إسماعيلياً " فوضعك صعب للغاية .....ستنظر بعين حائرة إلى ما يفعله الأغا خان في كل مكان من العالم وستتحسر ..لماذا لا يقدم لسلمية ما يقدمه لكل تلك الأصقاع ؟ لو كنت في الثمانينات لانتسبت فوراً إلى رابطة العمل الشيوعي ...ولقضيت الوقت مع أشرطة مظفر النواب ومارسيل خليفة ولنظرت إلى لوحات يوسف عبدلكي وصورة غيفارا المعلقة على الحائط ...ولكنك الآن ..هنا . تفكر بالحسن الصباح ..وبعمر الخيام وتقول لنفسك ماذا أفعل بكل ذلك ..تعيد قراءة الرباعيات ورسائل إخوان الصفا ..دون جدوى ...حتى لو فعلت أي شيء ...فكيف يمكنك أن تكون إسماعيلياً وسورياً دون مشاكل ودون حساسيات ؟ ... وماذا يرتب عليك ذلك كله ؟....
إن المتعة التي أقرأ بها تلك الخارطة الإثنية في سوريا لهي أكبر بكثير من نتائج هذا المقال ...كم نمتلك هنا ؟...مكان مذهل ومثير ورائع ....ولكنه متوقف .
أما إذا كنت "يهودياً " فلا مشكلة لديك لأنك تعرف أنك على خلاف مع الجميع ولا ضرورة للتفكير ...معظم أبناء دينك غادروا إلى المجهول ..وأنت ماذا تفعل هنا ...سأقول لك ...أنت تنتظر مثلما نفعل جميعاً ...
أما إذا كنت من " الأقلية السنية" الشهيرة ..ـ وهي أقلية بنظري على الأقل !!ـ ...فالأمور تبدأ الآن بالتحول إلى الخطورة ...سيواجهك سؤال ...من أنت ؟ هل أنت مجرد سني ؟ أم هناك شيء آخر تريد قوله ؟!
سيكون لديك ما تقوله وستنظر خلفك إلى ذلك الوادي السني المتعدد الذي ترعى فيه كائنات غرائبية ، بعضها يسير على هدي الأسلاف وبعضها يشق لنفسه طريقاً بريئاً من عقد لا نهاية لها ، بعضها يحلم بأعاجيب ستحصل ...قال لي أحد رجال الدين مرة : لو صدقت النبوءات وكنت أنا المعني ببلاد الشام فسنرى خيراً كبيراً !!!!!!!! وكأن الجميع يعتقد أنه هو المنتظر ـ بفتح الظاء ـ أما لو حاولت أن تكون بلا علامة فلن تفلح في ذلك لأن الجميع يعتبرك قادم من ثقافة تعدد النساء والجباية والجلابيات القصيرة والسواك !!
ولكن من قال إن كل من رشق الماء على وجهه صباحاً مردداً " أصبحنا وأصبح الملك لله " هو إرهابي ..!!!ومسؤول عن تفجيرات لندن !! ومن قال بالمقابل بأن التربية العنيفة في البيوت والشوارع لن تفرخ زغب قطا يحلمون بالجهاد والتفجير ؟!!
الشاعر الطبيب الذي يحاول دوماً إبعاد التهمة عن نفسه بالتأكيد على علمانيته ..ورجل الأعمال الذي يشتم السموات كي لا نظنه من " العامة" ..أما أطرف ما سمعت حول ذلك فهو تعليق الصديق ياسين العبد اللطيف على الكاتب خليل صويلح ، يقول : إن خليل يستيقظ كل صباح ويتوجه بالعتب نحو السماء قائلاً ..يارب ليش ما خلقتني مسيحي ؟!!! لأنه يكره أنه خرج من بيئة متخلفة وجرداء !!! هكذا ينظرون إلى بيئاتهم .
أمرك في حرج كبير وأنت سني ..ولن يفيدك شعورك بأن الرؤوس كلها تحت سيف قطاع الرؤوس كما يقول المثل ...ولكن يمكن أن تغيّر ...حاول ...لا تصبح بعثياً لأن كثيرين غيرك جربوها وفشلوا ....ولا تحاول أن تظهر النوايا الحسنة ..فلن يصدقك أحد ..إذاً ما العمل ؟! انتظر أنت أيضاً ...
أما إذا شاءت الأقدار وكنت " علوياً " فأنت في الـ (توب تن) اليوم ...مع من ستقف ؟..مع الإصلاحيين أم مع التجديديين ؟ هل ستعيد النظر بـ "رفعت الأسد" ؟...هل ستهاجم البعث ؟...أم أنك ستحاول أن تظهر وكأنك غير مكترث بشيء ..؟ كيف سيدخل كل هذا الدوار إلى رأسك ولا تفعل شيئاً ؟...هل ستفكر أن كل تلك الطوائف تتربص بك حقاً ؟! هل تعتقد أن سنوات طويلة من العشرة قد ضاعت لمجرد أن السلطة قد بدأت تخفف نم قبضتها قليلاً على خناق الناس ؟! كم مرة شربت المتة مع جيرانك السنة ..؟ وكم مرة سهرت على أصوات جدالات طويلة بينك وبين طوائف البلد للبرهنة على أن الامور طبيعية بيننا يا ابن الحلال ؟! هل ستتردد ؟ أم أنك ستتراجع إلى المواقع القديمة المبنية على الحذر من الآخر ؟ الآخر الذي لا يشعر أنك لا تخصه ؟...الآخر الذي يفكر معك بالتخلص من شبكات الفاسدين مهما كان انتماؤهم ...الآخر الذي هو أنت أيضاً ....أنت الفقير ..الذي قضيت سنوات في السجن وأنت تفكر في الذنب الذي فعلته كي تعامل هكذا ...أنت الذي تبيع الدخان على ناصية الشارع ..أو أنت الذي أرسلت إلى العالم الخارجي كي تحصل على شهادات عالية في مجالات وفنون مختلفة .....أنت الذي تعترض أحيناً على " علي الديك" وتعتبر فنه هابطاً ...مع أنك تعرف أنه تجل من تجليات انتشار وشيوع الثقافة ...وما الذي يختلف به علي الديك عن مطربي شوايا دير الزور وريف حلب وغيرهم ؟! إنه غطاء وانفتح ....ومنه ستخرج كل تلك العبقريات !
ماذا لو كنت منخلطاً في تركيبة أعراق ومعتقدات تقدم للعالم اختراعها الفريد " الروحانية"
أنت أيضاً ستنتظر مثل غيرك ...وستحاول ألا تخسر المزيد من الأصدقاء ...وستفكر بأنك معهم في تيه طويل .....وستتذكر قولة الصوفي " كيف القرار لمن لا قرار له ؟!" فلا قرار لكل هؤلاء ..ولا مستقر ....
ولكن ماذا لو كنت رئيساً للجمهورية ؟...ماذا ستفعل ؟!



#إبراهيم_الجبين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاق العبيد في سوريا الحديثة
- من السوري إبراهيم الجبين إلى السوري بشار الأسد
- لن يكون هناك هيئة لاجتثاث البعث في سوريا ..فاطمئنوا


المزيد.....




- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم الجبين - أن تكون من أقليات سوريا 2005