أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر مصلح - إنطباع عن قصة عباءات














المزيد.....

إنطباع عن قصة عباءات


عمر مصلح

الحوار المتمدن-العدد: 4822 - 2015 / 5 / 30 - 02:59
المحور: الادب والفن
    


عـباءات
للقاصة سولاف هلال

ركضتُ صوب نفسي ، احتضنتها ، وأقسمت لها أن أتبرأ من سذاجتي التي كادت أن تسقطني وأسرتي في غور سحيق .
لم أكن ذات خبرة بهذا العالم المسوّر بالغدر ، وتجاربي محض سراب ، فما أنْ خرجت من تحت عباءة أبي وأخوتي حتى انضويت تحت عباءة زوجي ، ولم تكن هناك مسافة بين هاتيك العباءتين ، فكيف لي معرفة محيطي وأنا محاصرة بين خاصرتين ؟.
تزوجت قبل انتهاء دراستي الثانوية بعامين ، وحين حصولي على الشهادة بامتحان وزاري خارجي ، أعربت لزوجي عن رغبتي باتمام تعليمي الجامعي الذي رفض الفكرة .. وكعادتي أطعت وانزويت.
لا أدري لِمَ قررت البوح ، ربما أمرني صوت الخشية من الاندماج ، أو قد تكون سذاجتي ، لكني قررت .. وهذا مايشعرني بالارتياح.
في صبيحة أحد الأيام البعيدة جداً رن جرس الباب.
كنت نائمة حينها ، نهضت أتعثر بنعاسي ظنا مني أن القادم هي الخادمة التي اعتادت أن تأتي في مثل هذا الوقت ، لكني فوجئت برجل لا أعرفه ، سلم علي بحميمية لم آلفها من رجل غريب ، ثم سألني عن زوجي بعد أن عرفني بنفسه :
ـــ أنا الدكتور هيثم صديق الأستاذ حسن فهل هو موجود .
ــ لا .. هو ليس هنا ، بإمكانك أن تذهب إليه في مكتبه.
ـــ للأسف يتعذر علي الذهاب إليه الآن ، لدي بعض الأعمال التي ينبغي علي إنجازها لأنني عدت من السفر ليلة أمس ، لكن يمكنني أن أترك له بعض الأشياء التي طلبها مني قبل أن أسافر إلى كندا ، أرجو أن تبلغيه تحياتي وأن تخبريه أني جلبت له معظم ما طلبه مني ، اسمحي لي أن أحضر لك الأغراض من السيارة .. آه ..وددت أن أخبرك أن زوجك يحبك جداً لأن كل الطلبات تخصك أنت .. جلبت لك ملابس فاخرة و قطعة بلاتينيه محفور عليها أول حرف من اسمك ، كما أحضرت لك دواء أرجو أن ينظم ضربات قلبك .. مم تشتكين؟
وجهت له نظرة استغراب ، لكنه قال لي على الفور :
ــ أنا دكتور جراح متخصص في جراحة القلب والأوعية الدموية ، ويمكنني معالجتك .. أرجو أن تشرفيني في العيادة ، فالأستاذ يعرف مكانها ، أرجو ألا تقلقي على قلبك فصحتك تهمنا وزوجك عزيز علينا.
مد يده دون مقدمات ليجس نبضات قلبي .. لم أعترض ، ثم راح يسأل وأنا أجيب ، ولم يوقفني شيء سوى ملاحظتي لتلك الارتعاشة التي بدت على صوته وعلى أصابعه التي راحت تزحف صوب ثديي ، فابتعدت عنه قائلة :
ــ كفى لو سمحت سوف أزورك في العيادة لإجراء الفحص اللازم .
ــ حسنا .. سأحضر الأغراض من السيارة.
لم أفكر طويلا قبل أن أقوم بإغلاق باب الشقة بإحكام ، هدأت نفسي ثم اتصلت بزوجي ، وقصصت عليه ما حدث فأوصاني ألا أفتح الباب لأنه لا يعرف هذا الشخص ، وأن هذه ليست إلا لعبة قذرة غايتها توريطه في أمر ما .
بعد دقائق حضر الرجل بالفعل لكني لم أفتح له بالطبع فانصرف ، وأنا لم أفعل شيئا سوى الاختباء داخل نفسي من شدة الخوف .. حتى أدمنت عباءته.
وبعد فشل تلك المحاولة بأيام ألقي القبض على زوجي بتهمة ملفقة من أحد الأصدقاء ، لكن الشرطة أخلت سبيله لعدم كفاية الأدلة ، فتبين لنا فيما بعد أن الرجل الذي ادعى أنه صديق زوجي كان مدفوعا من قبل ذلك الصديق الذي أراد توريطه من خلالي ، معوِّلاً على حب النساء للهدايا ، ومن حسن حظ زوجي أنني ارتديت عباءة الحيطة قبل أن أتسلم تلك الهدايا المزعومة وإلا كان مصيره مرهون بيد الشيطان.
توالت الأيام وأنا أتحاشى الناس .. وتوسَّد زوجي محبتي في مثواه الأخير ، فصار لزاماً علي خوض غمار الحياة ، لكني لم أفعل شيئا سوى الاختباء تحت عباءة أبنائي .

إنطباع عن قصة عباءات

على نحو غير مألوف قرائياً – نوعاً ما – يتكرر العنوان في النص أكثر من مرة، ويُعتبر هو ثيمة النص، والمُهَيمِن على البنية النصية عموماً..
اشتغلت القاصة على هذا، وهي تعلم بأنها شبه مجازفة.. فتناولت العباءة كرمز دلالي لأكثر من مثابة، إلا أنها تصب بحوض واحد..
وهذا الرمز التحجبي المعروف صار ملجأً تخندقت به من راجمات العادات والتقاليد وبعض المفاهيم الرثة.
إلا أنها كانت الملاذ الآمن لصباها.. ثم انتقلت بسلاسة، وبلا تعقيدات صورية أو توعير لغوي، إلى عباءة أخرى أدخلتها عالم آخر، لايختلف كثيراً عن خندقها الدفاعي الأول، غير أنه أكثر انفتاحاً، ممنية نفسها أن ترى الضوء حتى ولو من كم العباءة التي صارت أبعد منالاً من نيل شهادتها الدراسية.. لتُعلن عن انهزام آخر وانضواء تحت عتمة الإنطواء والتبعية.
ثم ألحقتها بعباءة أخرى، لترسم مستوى تكوينياً للخوف الذي كانت تشعره من قبل إلا أنها لم تعشه تفصيلياً، وكانت انعطافة مهمة في رسم مصير موغل بالتبعية والخشية والترقب.
فتأكدت التراكيب هذه إلى تراكيب باعثة إلى الحيطة والحذر من أي شيء، بحَدَس فطري أدركته شعورياً بعد سيل فيوضات القهر، والشعور بالاغتراب، في عالم لايد لها في جرائمه إلا أنها اختارت..
وكان هذا الاختيار متجراً لاستهلاكها نفسياً.. وصارت القيم التعاملية مبنية على .. أنا أخاف.. إذاً أنا موجود..
حتى أجهشت أحشاؤها بدموع على شكل بشر..
دموع تغسل طرقات الأسى، فوجدت نفسها تختبئ تحت عباءة أخرى أشد حذراً، وأكبر مقاساً كي تتسع لمدى واسع يسمى أطفال.
نخلص من هذا إلى أن القاصة أرادت أن تؤكد على أن العباءة هي سيدة مشهد المرأة العربية في العصر الحجري الحديث.
وأنها ثيمة بقائها على خارج خارطة أنياب كونية، تسمى حياة..
إذاً كانت جرأتها باختيار هذه المفردة المتعددة الدلالات لتكون ثريا النص، اول إجراء هجومي تشنه بعد انكسارات متتالية.
ولو تأملنا النص بنائياً لوجدناه ينضوي تحت لواء الواقعية، المستوفية لكل اشتراطاتها، إلا أنها تميزت بجعل الصراع بيني ومتشظ من جهة، وبين رمز صامت من جهة أخرى.
هذا عمل يستوجب الكثير من التأمل.



#عمر_مصلح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنطباع عن.. ألليلة التي ضاع فيها الرغيف للقاص أنمار رحمة الل ...
- قراءة سريعة في نص (مشردون) للقاص مشتاق عبدالهادي
- ماهية الفراغ في نصوص فلاح الشابندر
- ألغجر.. في مآل العرض
- سفينة نوح الفضائية.. قبل وبعد الإنهيار
- نبش في الأحزان المعلقة على المشاجب
- جلالة النص، وقصدية الكشف عن الأنا.. ميادة المبارك إنموذجاً
- سعد سعيد.. ملتزماُ
- بغداد الأزل بين الروح والمقل
- هذيان صوفي.. في حضرة القص
- ضربة فرشاة.. ألطعنة المخلصة في خاصرة الآن
- وجع يتكرر
- عشتار تولد من جديد
- ضياع
- قراءة في نص دروب وصدأ للشاعرة وقار الناصر
- إعتراف في محراب المنى
- عنوسة ال % مع سبق الإنكسار
- ضمير مستتر
- -سقوط الحضارة-
- رحيل


المزيد.....




- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر مصلح - إنطباع عن قصة عباءات