تَناقُضاتْ قُرآنِية.. ٣-;-

بولس اسحق

الحوار المتمدن-العدد: 4812 - 2015 / 5 / 20 - 13:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يقول القرآن في سورة الاسراء (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً).. وهذه إحدى الآيات التي تبارى المفسرون والفقهاء المسلمون في تأويلها وصرفها عن معناها الواضح النازل بلسان عربي مبين.. فمعناها المباشر أن الله في قراراته وتدخلاته غير المفهومة في حياة البشر يغضب أحياناً على بعض القرى فيقرر إهلاكها.. فيأمر مترفي هذه القرية بالفسق!! (لاحظ أنه قال سابقاً " وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ-;- قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ-;- أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ- الاعراف).. فإذا فسق هؤلاء فان الله يعتبر أنه أبرأ ذمته ويصب جام غضبه على هذه القرية التعيسة فيدمرها!!
ولندع جانبا أن الإله لا ينبغي له أن يأمر بالفسق او الفحشاء كما جاء بالاعراف، لكن قوله –فحق عليها القول(اي ان القرار خرج من فم اله القران ولا مجال للتراجع سواء فسق اهل القرية ام لم يفسقوا، فقرار التدمير قد صدر بغض النظر عن الاسباب)-اليس هذا دليل على أن القرية لم يحق عليها العذاب إلا بعد فسق المترفين، فكيف جاز لاله القران أن يقرر هلاكها قبل أن تستحق القرية ذلك لانه من سياق الاية يتضح ان الفسق في القرية تمكن منها بعد ان امر اله القران مترفيها بالفسق ؟ فلماذا يهلك الكثرة بفسق القلة المترفة؟ خاصة إذا كان هو المحرض على هذا الفسق؟
وهنا لنا سؤال: إذا كان الله قد أمر المترفين بالفسق فهل يجب عليهم طاعته أم عصيانه؟ فإذا أطاعوه فقد ارتكبوا فسقاً وجب به هلاكهم، وإن عصوه فلم يفسقوا غضب عليهم لعصيانهم إياه فكيف المخرج؟
وبعد هذا ان كان احدهم اراد ان يوجه الاتهام لي من باب ما ادراني بالغة العربيه او دع التفسير لاهل التفسير، او انني جاهل بمقاصد اله القران، فانني انصحهم بان يوجهوا الإتهام إلى الله نفسه فهو الذي وضع مفسري القران في هذا الوضع المتخبط الى درجة انهم يختلفون دائما ولم يتفقوا مع بعضهم ولا مرة واحدة،وعدم اتفاقهم واختلافهم الدائم يوضح لنا ان القران هو مجرد كتاب طلاسم، وَكُلٍ يفسر الطلسم حسب ادراكه وفهمه وما يعتمل تصوره(فاين –انزلناه بلسان عربي مبين)
وكمثال على ذلك هذا بعض مما قالوه في تفسير أمر الله بالفسق منقولاً من تفسير ابن كثير:
واختلف المفسرون (كالعادة طبعا)في معناها فقيل معناه أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمراً قدرياً كقوله تعالى "أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا" -- وقالوا: معناه أنه سخرهم إلى فعل الفواحش(يا سلام اله القران يسخر عبيده لفعل الفواحش)!! فاستحقوا العذاب -- وقيل معناه أمرناهم بالطاعات!! ففعلوا الفواحش فاستحقوا العقوبة. رواه ابن جريج عن ابن عباس وقاله سعيد بن جبير أيضاً -- وَقَالَ اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء -- قَالَ عَلِيّ بْن طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس يَقُول سَلَّطْنَا أَشْرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكَهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ وَهُوَ قَوْله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَة أَكَابِر مُجْرِمِيهَا " الْآيَة وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَالرَّبِيع بْن أَنَس -- وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس يَقُول أَكْثَرْنَا عَدَدهمْ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَعَنْ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ.
وسواء أمرهم بالفسق أو سخرهم لفعل الفواحش أو جعل مترفيهم أمراء أو سلط أشرارهم أو أكثر أعداد المترفين في هذه القرية فيبقى الله مسئولاً عما حدث فيها من الفسق بتحريكه لخيوط اللعبة من وراء ستار الغيب، ويبقى المسلم المسكين حائراً في فهم دوافع هذا الإله الذي يفقد صبره ولا ينتظر يوم الحساب ليعاقب المسيء ويكافيء المحسن بل يخبط خبط عشواء مهلكاً المحسن والمسيء معاً .
لنتامل الايه القرانية(: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آَبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ – الأنعام)
وهذه ايه عجيبة حتى بمقاييس القرآن نفسه، فالله هنا يخبرنا عن سؤاله للمشركين يوم القيامة عن سبب إشراكهم به فيقولون ان الله هو السبب في ذلك إذ لو شاء لهم عدم الإشراك لما أشركوا. وهذا قول يتطابق مع المنطق الديني الاسلامي القائل بأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فيعيب عليهم الله هذا القول ويتهمهم بالكذب والفسق، ولكن يبدو أنه نسي ما قاله في هذه الآية فنراه يقرر بكل ثقة في آية أخرى من نفس السورة ما عابه عليهم فيقول (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ – الانعام) فهو يقر صراحة بأنه السبب في إشراكهم لانه بكل بساطه لم يشئ ان يهديهم، فنحن هنا أمام أحد أمرين: إما أن تكون مشيئة الله سبباً في إشراكهم كما قالوا ويكونون بهذا صادقين في كلامهم، أو أن يكونوا كاذبين في هذا الزعم ويكون القرآن كاذباً أيضاً بتكذيبهم!!
وخير ما اختتم به هذه السلسله التي ربما لا نهايه لها لما يعج به القران من تناقضات، ففي الجزء الاول من هذه السلسلة جاء من ضمن تعليق السيد ابراهيم احمد(ان اردت التفهم اكثر شاور محامي ليعطيك الفرق بين التحقيق والسؤال والادانة وما بعدها لتعرف انك امام "كتاب غير بشري لا يتقن علومه اهل الزمان فكيف بالاميبين ايام عهد قريش") فيا سيدي اذا كان القران حسب قولك كتاب غير بشري لا يتقن علومه وطلاسمه اهل الزمان!!هل هو للملائكه وصاحب الزمان فقط؟؟ لانه حتى الانبياء والرسل هم من اهل الزمان.. واذا كان كذلك وبما اننا جزء من اهل الزمان، فما حاجتنا اليه اذا كنا لا نتقن ولا نفهم علومه!! .. اذن لم يتبقى امامنا الا ان نقول انما نتصفحة فقط للفرجة على الخطوط والصور التي فيه!!!ألست انت واحدا من اهل الزمان فكيف تؤمن به، اذا كنت اصلا لا تفقه منه شيئا حسب قولك ام انك مختلف؟؟؟..تحياتي.

#بولس_اسحق (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين