أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف علوان - قتامة الصورة وألم السخرية في -طائر القصب -















المزيد.....

قتامة الصورة وألم السخرية في -طائر القصب -


يوسف علوان

الحوار المتمدن-العدد: 4810 - 2015 / 5 / 18 - 19:09
المحور: الادب والفن
    




المجموعة القصصية هذه تدخل في إطار ما يسمى بالسرد القائم على السخرية السوداء، هذا النوع من الكتابة الأدبية الصعبة، بسبب ما تحتاج إليه من تقنيات عالية، وأدوات لغوية وبلاغية كبيرة، تساعد في نقل الواقع المبكي بأسلوب ساخر لا يخلو من البكاء الخفي على ما وصلت اليه الأمور من طمس للحقيقة التي نعيشها، وفي أكثر الأحيان يتطلب لمن يشرع في كتابة هذا الأسلوب، أن يجمع بين الكوميديا والتراجيديا في قالب واحد متناغم ومتلائم، لا وجود فيه للتناقض والارتباك، ومعروف أن هذا الأسلوب، يلجأ اليه الكثير من الكتاب، لكشف الجوانب المختلة والمريضة في المجتمع، حيث يجتهد الأديب في رصد هذه الاختلالات وهذه الأمراض الاجتماعية بأسلوب ساخر. وهذه الكتابة تهدف إلى إحداث ردة فعل وخلخلة في نفسية القارئ، عن طريق الصدمة التي يحدثها العمل القصصي ويدفعه عبر خيوط هذا العمل وطريقة تطريز جمله القصصية وشخصياته المتقلبة بتقلب الأحداث للدخول في لعبة القص، لكي يصبح عنصرا متورطا في تحديد الرؤية إلى العالم، ومشاركا بشكل مباشر في البحث عن الحلول الممكنة لعلاج هذا الخلل.
وقد جهد الكاتب كامل الدلفي في مجموعته "طائر القصب" لإحداث هذا التأثير على المتلقي لمعالجة الحالة التي وصل المجتمع لها بعد 2003 وما حدث ويحدث الآن من قتل وترويع ومشاهد يقف العقل عاجزاً عن ايجاد تفسير منطقي لها!
يغلب على هذه المجموعة القصصية - التي لم يحدد كاتبها جنسها بل ثبت على غلافها الأول كلمة "قصص" فقط – تسمية قصص قصيرة جداً، وهذا التجنيس مفهوما اصطلاحيا يهدف إلى تصنيف الإبداعات الأدبية حسب مجموعة من المعايير والمقولات التنميطية، وغالبا ما يتمظهر ذلك بشكل جلي في عتبة التجنيس التي تتربع في وسط صفحة الغلاف الخارجي من الكتاب. ولا أعلم لماذا أهمل الكاتب هذه الناحية التي تعد ضرورة بين المبدع والمتلقي. ليهتدي المتلقي إلى التعامل مع العمل على هدي ذلك التجنيس الذي أقره المبدع، فيعتبره رواية أو قصة قصيرة أو قصة قصيرة جدا. وهذا يسعفنا في فهم الأعمال الأدبية وتأويلها وتقويمها، ويساعدنا على تصنيف النصوص وتجنيسها. وهي التي تعين أفق القارئ أثناء التعامل مع النصوص والأعمال الفنية.
قسمت المجموعة الى أربعة فصول، الأول "عبق الضفاف" حوت 35 قصة قصيرة جداً. بينما الفصل الثاني "الطلق" اشتمل على 20 قصة قصيرة جداً. أما "حديقة الذكرى" فكان عنوان الفصل الثالث بـ 11 قصة قصيرة جداً. واما الفصل الأخير؛ الرابع فكان عنوانه "النفاس"، وضم 18 قصة قصيرة جداً. ومع أن أكثر قصص هذا الفصل كان حجمها كبيراً بالنسبة لقصص الفصول السابقة لكنها، لم تكن سوى قصص قصيرة جداً، حملت مقومات هذا الجنس الذي حدد البعض حجم هذا الجنس بـ500 كلمة وهي لم تزد على ذلك، ومثلما يحدد الباحث والناقد المغربي الدكتور جميل حمداوي مقومات هذا الجنس: بـ "الحجم القصير جدا، والتكثيف، والاقتضاب، والقصصية، وفعلية الجملة، وتراكب الجمل، والتنكير، والحذف، والإضمار، وانتقاء الأوصاف، وإرباك المتلقي، وطرح الأسئلة الكبيرة على الرغم من الحجم القصير جدا". فإننا نجد أن اغلب هذه المقومات والاشتراطات الفنية في قصص الفصل الرابع "النفاس" موجودة ومتوفرة، ولذلك نتساءل ما المانع الذي وقف حائلا بين تسمية هذه المجموعة بهذا الجنس الأدبي الجديد في غلاف المجموعة؟ وقد اشرت جميع قصص هذه المجموعة وجعاً في واقعنا الذي نعيشه الان، وهذا ما سيلاحظه القارئ عند قراءتها، لكن لا اخفي ان اجمل تلك القصص هي التي كانت في فصل المجموعة الأخير!
رغم كل ما مر به العراق من ويلات وحروب داخلية؛ وقتل على الهوية وعلى القومية وعلى المزاج! غير ان العراق لا زال قائماً نابتاً في الحاضر، كما هو في الماضي، مثلما تصور لنا القصة الأولى في المجموعة والتي تحمل اسم "جلجامش": "القوى العظمى تريدُ له أن يموتَ، فهو يستفزُها بابتسامتهِ الكونيةِ، التي تعيدُهُ إلى الوقوفِ في طابور الخبزِ، عقبَ كلّ شهادة وفاةٍ تحررها العواصمُ العتيدة".
ويسخر الكاتب في قصة أخرى تتحدث عن الذين يستخدمون الدين وسيلة لتحقيق مآربهم وهم بعيدين كل البعد عن الدين. وهذه السخرية والخوف ليس حكراً على العراقيين فقط فهم؛ "المحتلون" انتقل الخوف اليهم ايضاً؛ فالجدة مارتينا تحذر: "لا تشعلوا أعواد الثقاب في المنزل.. حين يعود جون من الحرب في العراق، فقد صار جنودنا هناك.. يعيشون بقلوب نفطية!"، لكن خوفنا فاقهم كثيراً؛ "ترك النوم وقاوم النعاس، خوفاً من أن يموت في حلم مفخخ". والأدهى من ذلك أن الكائنات الصغيرة تشاركنا الخوف على حياتها! فهذا جرذ يشكو لجاره "- الحياة اصبحت لا تطاق، وأفكر جدياً بالهجرة من المدينة، فهؤلاء القساة ذبحوا بالأمس صاحب منزلنا"... فيجيبه صاحبه مؤكدا ما ذهب اليه: "أصبت مساء أمس بجرح بالغ في ظهري ، حين رمى صاحب منزلنا سكيناً تقطر دماً في البالوعة فأصابتني في مقتل كما ترى!".
في أغلب قصص هذا الفصل نجد مقومات هذا الجنس واضحة: فالتكثيف والاقتضاب والحذف بيّنة فيها: "ما نفعُ المرآةِ ، كلما نظر فيها يرى نفس الوجه؟ ما ذنب المرآةِ ، يكسرها كل يوم؟".
في الفصل الثاني كبر حجم القصص وزاد عدد كلماتها لكنها لم تزل تحتفظ بمقومات القصة القصيرة جدا، ففي "أحلام ليست إلا" ستجد القصصية، وفعلية الجملة وتراكبها قد أعطت لهذه القصة القدرة على طرح الاسئلة الكبيرة، رجلان يكتملان ببعضهما، بمظاهر يومية ينسجانها لقتل الوقت الثقيل. كلب صغير تدحرج بين رجليهما مثل كرة بنية يلهث وينبح ببطء يعاكس نبضات قلبه المتسارعة، السعادة تأتي من توفر عواملها الباعثة، والفراغ يضيق بتراكم عناصر الوجود الواقعي فيقررا أن يتقاسما ملكية الجرو ويتعاقبا الدور في تدجينه وتربيته وغذائه.
"يوم لك يوم لي لك لي، كلما تأخرت الحرب كبر الكلب وكان يعوي في الليل فتأتي الجنازات و العويل". ثم رسمت القصة صورة مثقلة بالألم، مصورةً لنا كيف يتحول الانسان بسبب تخلفه وتعصبه الى كتلة من كراهية لا يفقه من حياته سوى بغض الآخر حتى تضمحل انسانيته ويتحول الى وحش، كل منهما يحلم بنهاية مروعة للآخر:"بينما كان الكلب يحلم أن لديه جروين صغيرين يرغب بهما ان يكونا طفلين سويين". هنا ينجح القاص الى إرباك المتلقي وخلق صورة غير متوقعة للحدث، فهنا الكلب يبحث عن الاسوياء بعد ان اصبح الانسان بعيد عن آدميته!
إن أهمية أي نص إبداعي تكمن في قدرته على توليد الأثر المهم في حقيقته، ودلالته عبر قراءته بما يدعو لعوامل الإيجاب في الحياة، محرضا على مقاومة الشر ودحض أدواته من أجل إحلال قيم الخير والنبل والمحبة، بدل القطيعة والعنف والعدوان. وهذا الحديث يقودنا للبحث عن النسق الذي يشكله هذا العمل الأدبي، فالعمل الفني العميق يجذبنا نحو نقطه نستطيع من خلالها؛ رؤية عدد هائل من الصور ذات الدلالة القيمية متجمعة، متمثلة في قدرة الكاتب على إقناع قرّائه بأن ما يقرؤونه هو قريب عن واقعهم. لكن عليه ان يقدّم هذا الواقع بشكل مختلف، خاصة وأن كلّ الناس يعرفون واقعهم، ولكن الكاتب يقدّم إليهم ذلك الواقع نفسه مضافاً إليه عمل المخيلة؛ لكي يكون مقبولاً قريباً على ما يتمناه القارئ. ومن المعلوم أن الواقع يمكن تصوره بصورٍ أخرى، غير الصور التي اعتدنا مشاهدتها له، صوراً رمزية او غرائبية لكنها تؤدي الوظيفة التي يروم الكاتب ايصالها الى قارئه المعني: ففي "ص95" يصور لنا القاص معاناة شخص في حلم يرى نفسه فيه قد تحول الى سحلية "ابو بريص" بينما كان ابو بريص يكمن قرب قاعدة المصباح ينظر بتركيز شديد الى الرجل، غارقا في حلمه للتحول الى جسد بشري كالذي يراه أمامه. هش الرجل بيده نحو السحلية المقرفة، فيتحرك ابو بريص الى خلف قاعدة المصباح صارفاً النظر عن فكرة الحلم كلياً.. "حرك الانسان شرشفه ليستر به عريه وينهي حكاية حلم مثير للقرف المتبادل"!
وفي قصة "يوميات قميص" التي تتكلم عن يوميات قميص في سوق الملابس القديمة، لم يسعفه الحظ ليشتريه شخص ما، بسبب فقدان هذا القميص لأزراره، فيظل بعيداً عن اهتمام المشترين الذين يقلبونه كل يوم غير انهم يرمونه بلا اكتراث حتى "انحدرت منزلته من واحد بألف الى الى أثنين الى عشرة بألف". ثم يرمى على الرصيف مع اكوام الملابس التي لا تصلح الا للمسح.. "عشرات الاحذية تتقدم منه كل صباح فينزوي هاربا الى الاطراف البعيدة".
ومع أن أحداث هذه القصة بعيدة عن الواقع، لكن الكاتب اراد بهذه الصورة التجلي عن الواقع واخبارنا عن احساس الشخص المهمل في وسطه، حتى لو كان قميص بدون أزرار، فخلق له خليل؛ ورقةٌ من مجلة فقدت غلافها، أتعبها التناص والتقمص والرياء، مثلما اخبرته، غير ان هذه الاشياء التي حركها الكاتب ومنحها الحياة والمشاعر: "واقعنا يبدو ابدياً فلا حاجة بنا للذكريات... فلا احد يمتلك صلاحيتنا في مراقبة العالم من اسفل". هذا الامتياز الذي منح "القميص والمجلة" متعة! غير انهم رغم هذا الواقع الدوني الذي هم فيه اختلفا كما يختلف البشر فـ"تباعدا، تشاجرا، تخاصما...".. إذاً هذه السخرية التي وظفها الكاتب في كل جوانب الحياة، أراد بها ان يبين ان الواقع الذي نعيشه لا يختلف عن مجموعة الصور التي رسمها لنا بأسلوب ولغة شفافة رغم سخريتها وهزئها من كثير مما يعانيه الناس في حياتهم التي يتحملون جزءاً من عبثيتها وسوداويتها! اجاد الكاتب في الكثير من هذه القصص من خلال السخرية اللاذعة التي انهى بها قصصه، او من خلال السرد الذي جعل السخرية أداة لانتقاد الحاضر الذي نعيشه، كذلك امتلك الكاتب لغة رائعة في رسم هذه الصور الساخرة الشبيهة بالكاريكاتير الذي يحمل بين تفاصيله الضاحكة لوعة ألم وصرخة وجع!



#يوسف_علوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قتامة الصورة وألم السخرية في -طائر القصب - *
- -فاقة تتعاظم وشعور يندثر- صراع المرأة ضد المجتمع وتقاليده
- التقطيع والصور في رواية -يا مريم- لسنان انطون
- الأمل والخيبة في رواية -العرس- لصبيحة شبر
- في رواية -موطن الأسرار- الوهم.. وهاجس الموت حبا
- الخيبة والرمز في رواية -نجمة البتاوين- لشاكر الانباري*
- هموم وهواجس في قصص -لست أنت- لصبيحة شبر
- لآلئ حنون مجيد تتناثر في -الخيانة العظمى-
- بعيدا الى هنا
- الحدث وشعريّة اللغة في «الأسود يليق بكِ»
- دلالات الحدث في -سيف يهوذا- لفاروق السامر
- ناصر قوطي.. يُسقط -وهم الطائر..- -ليس هناك من يولد حراً-
- - عش هكذا.. في علو أيها العلمُ-!
- -أنهم يقتلون الديمقراطية-
- لا يتفقون إلا على سرقة البلاد في اختلافهم.. رحمة!!
- -الجسر...- وأجهزة كشف المتفجرات!!
- الازمة في سوريا .. هل تقود المنطقة الى حرب طائفية
- بعد (9) سنوات من التغيير..العراق إلى أين؟
- فزاعة -حكومة الأغلبية- هل بالاستطاعة تشكيلها ؟
- علاوي والمالكي؛ لعنة السياسة أم لعنة العراق؟


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف علوان - قتامة الصورة وألم السخرية في -طائر القصب -