سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 23:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
السؤال: مجلس النواب الأمريكي أقر يوم الجمعة 15 / 5 / 2015 ميزانية الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2016، وقد نصت أحد فقراتها على تسليح ما اسماهم بالأكراد والسنة بشكل مباشر ومنفصل عن ما اسماه بالحكومة المركزية في بغداد.. وخصصت الميزانية الموضوعة 715 مليون دولار كمساعدات أمنية للعراق، لكنها اشترطت منح 25% منها إلى الأكراد والسُنة مباشرة وبشكل منفصل عن بغداد، فيما تحبس الحكومة الأمريكية 75% عن الحكومة المركزية حتى تستوفي شروطاً معينة منها حل المظالم العرقية والطائفية للأقليات، وتشريع قانون لتأسيس الحرس الوطني العراقي السني، وإيقاف الدعم للميليشيات الشيعية. المسؤولين في الأدارة الأمريكية يؤكدون أن الأمر لا يعني تقسيم العراق عرقيا وطائفيا الى ثلاث دويلات. لكن من الجانب الأخر نرى مسؤولي الأحزاب والكتل الكردية يسعون الى أنشاء الدولة الكردية ومثلهم مسؤولي الأحزاب والكتل السنية يسعون الى أنشاء الدولة السنية.. هل أن ما يجري يسير نحو تقسيم العراق الى ثلاث دويلات؟؟ أم أن الأدارة الأمريكية تسعى من وراء هذا الضغط لتمرير سياساتها في المنطقة؟؟..
سامان كريم: تقسيم المجتمع في العراق تم على قدم وساق وفق الدستور العراقي بصورة مستمرة ويومية لتعميق الفجوة بين ابناء المجتمع في العراق على أساس "المكونات" العراقية. هذا تم بالفعل وبراي هذا اخطر من تقسيم الاراضي, اي تقسيم العراق جغرافيا وسياسيا الى دويلات ثلاثة. القضية براي ليس تفكيك العراق الى ثلاثة دويلات شيعية وسنية وكردية, بل الاهم من ذلك هي تفكيك المجتمع وفرض الهويات الكاذبة عليه. الهوية الهويات الطائفية والقومية. اقول هويات كاذبة, لانها مصطنعة من قبل القوى السياسية وخصوصا الهوية الطائفية جديدة بهذا المعنى الاجتماعي العام. ان الطائفية السنية والشيعية هي من فعل وممارسة الطائفية السياسية التي تبنتها كافة قوى الاسلام السياسي الشيعي والسني وبدرجات مختلفة. بمعنى ان الطائفية السياسية هي التي خلقت الطائفية على الاساس الاجتماعي, وبطبيعة الحال تفكيك المجتمع على اساس هذه الهوية, وهكذا بالنسبة للهوية القومية التي خلقتها الحركة القومية الكردية واحزابها.
بسبب احتلال العراق وتفكيك المجتمع فيه على اساس المكونات والحكم على اساس حصص هذه المكونات والدستور على اساس وجود وخلق هذه المكونات القومية والدينية والطائفية... تم تفكيك العراق بصوة فعلية واجتماعية, ويعاد توليد هذه السياسية في كل مفاصل الدولة وكل مجريات السياسية سواء كان من قبل امريكا او القوى الحاكمة في بغداد اي القوى المؤتلفة من كافة المكونات. تقسيم المدن والاصوات الانتخابية, تقسيم الوزرات والرئاسات الثلاث... وبعد ذلك المدراء العامون كلها تتم عبر صفقات التمثيل للمكونات المختلفة وفق الاتفاق بين قواها المختلفة في البرلمان والحكومة. تم اعدام صدام حسين وازلامه ليس وفق القانون بل وفق هذه السياسية.. ان قضية تفكيك العراق وتقسيمه ليس ناتج للاحتلال بل جزء منه. ان تفكيك العراق جزء من استراتيجية امريكية في المنطقة. ذلك لخلق بديل عن الحركة القومية العربية واحلاله محلها بديل الطائفي السياسي والاجتماعي وهذا ما حصل في العراق. الاستراتيجية الامريكية تفضل ان يكون لحلفائها الهويات الدينية والطائفية... لكسر شوكة "الاتحاد" وفق الهوية القومية ولكسر شوكة اقتصاد الدولة او رأسمالية الدولة التي تتبناها كافة الحركات القومية العربية من الجزائر الى العراق ومصر وسورية وليبيا, واخير لتدمير جيوشها القوية نسبياً, ويعاد تسليحها على اساس طائفي, مثل ما حصل الان في العراق وماجاء في سؤالكم اعلاه.
هذا القرار وتخصيص نسبة من المعونات الامريكية على اساس هذه الهويات الطائفية والقومية, سياسة الخط الاول بمعنى سياسية تحقق اهداف الاحتلال, ليس فيها شئ جديد. ولا يتطلب كل هذه الهراء والماكنة الاعلامية وخصوصا السياسية الشيعية وايران معها... هذه القوى والاحزاب الحاكمة, وهنا نتحدث عن الاسلام السياسي الشيعي الذي يبكي على وحدة العراق هو اساسا جزء من هذه السياسية, اي لولا ارتكاز امريكا على هذه القوى ومرجعيتها لم يكن المجتمع العراقي امام هكذا تقسيمات. خصوصا ان هذه القوى هي كلها حاكمة ولديها تحالف وائتلاف جامع, ورئاسة الوزراء ووزارت سيادية عدة. بمعنى انها تقود العراق وبالفعل انها تقوده بصورة الطائفية الى اقصى درجات الطائفية... عليه ان بكائها هو بكاء بدموع التماسيح ليس الا. القوى البرجوازية العراقية ليس فيها قوة واحدة تريد توحيد العراق بصورة واقعية. البرجوازية العراقية كطبقة ليست بامكانها ان تتوحد كطبقة مثل ما فعله حزب البعث في نهاية الستينيات. القوى والاحزاب الموجودة الحاكمة كلها قوة تفكيكية وتحاول تقسيم العراق سواء كانت واعية لذلك مثل الاحزاب القومية الكردية, وبعض القوى الطائفية السنية او عبر استخدام القوة مثل اكثرية قوى الاسلام السياسي الشيعي الحاكم... عبر حكومتها وسياساتها الرعناء منذ بداية الاحتلال ولحد الان.
هذه السياسية التي تبنتها امريكا ولو أنها ندمت عليها وشطبهتا في محضر برلمانها... لكن هي سياسة فعلية تجري على الارض. وهي جزء من استراتيجية امريكية في هذه المرحلة. استراتيجية امريكية تضمن لصالحها ثلثي العراق اي تضمن اتفاقات استراتيجية وتحالفات استراتيجية مع الدولة الكردية والدولة السنية... وفق الحسابات الامريكية وستكون الدولة الكردية حليفا قويا سواء بمواردها الطبيعية او بموقعها الجيو سياسي المهم لامريكا.. لها حدود مع ايران وتركيا وسورية وقريبة من روسيا ولديها امتداد قومي في ثلاثة اتجاهات مختلفة.. ستكون مع اسرائيل حليفا قويا ومؤثراً لامريكا في المنطقة.. لكن في هذه المرحلة بالتحديد واقصد مرحلة ما بعد داعش "دولة الخلافة الاسلامية" هي سياسة تكتيكية للضغط على حكومة العبادي لتنفيذ البرنامج المتفق عليه بعد مجئ داعش وللضغط على ايران وكسب تنازلات منها خصوصا في العراق, بمعنى سياسة تكتيكية لتمرير سياساتها في هذه المرحلة وفي العراق بالتحديد.. انها ورقة ضغط تلوح بها وترفعها مرة تلو الاخرى مثل مسعود البارزاني. من الجدير بالذكر ان امريكا اكثر جدية في هذه القضية من البارزاني لان البارزاني يتحرك وفق البارومتر الامريكي, وطلبه لاستقلال كردستان بهذا المعنى ليس السياسة التي يتبناها حزبه منذ نشؤه بل يرفعها حين ترتفع درجة حرارة السياسة الامريكية في المنطقة.
امريكا لحد الان ولو ليس بالمستوى السابق تهدف الى بناء نظام عالمي جديد خاص بها, عالم احادي القطب تقوده امريكا... وهي تدرك جيدا انها تترنح وراء هذه السياسية ونتائجها السلبية عليها وعلى العالم اجمع, وان استمرار الحروب في المنطقة في سورية والعراق وليبيا واليمن هو بمجمله جزء من استراتيجية امريكية, والتي هي الأن تتخبط فيها وليس بامكانها ان تخرج منها سالمة خصوصا مع بروز وحضور قوي لروسيا وبعدها الصين على الصعيدين العالمي والاقليمي... بهذا المعنى امريكا تعرف ليس بامكانها ان تدير العراق الحالي عليه تهدف الى التقسيم وتفكيكه لحصول على ثلثيه مثل ما ذكرنا اعلاه. ولكن هل تتمكن من تقسيم العراق؟ هذا هو السؤال براي في هذه المرحلة.. لا ليس بامكانها.. لان ليس فقط روسيا والصين وايران اي بمعنى اعدائها المتوقعين يقفون بالضد من هذا المشروع، بل ايضا حلفائها في تركيا والسعودية يرفضون ذلك, ناهيك عن عدد كبير من الدول الاوروبية الحليفة لها... هذه هي مشكلة امريكا.. ولو أن هناك قوة كافية على الارض في كردستان العراق والمناطق التي صنفت على اساس انها مناطق سنية... هذه هي اهداف وتطلعات امريكا وعوائقها ايضا.
الطبقة العاملة بامكانها ان تعمل على توحيد الصفوف والنضال لخلق حالة التوحيد لتحل محل التفكيك اي حالة التوحيد والاتحاد الاجتماعي يجب اعادة تولديها، ولكن ليس على اساس القومية والقومية العربية ليست بامكانها ان تكون قوة موحدة في العراق, بل على اساس الهوية الطبقية تقودها الطبقة العاملة بصوة فعلية.. ان النضال العمالي بصوة موضوعية هو نضال اممي.. نضال للتوحيد على اساس هوية "قوة العمل" نضالها في سبيل زيادة الاجر او تقسيم الارباح او توزيع الاراضي او أقرار ضمان البطالة.. او الحريات السياسية والمدنية وحرية الاضراب والتنظيم كلها نضالات اممية بوجه الرأسمال.. العامل حين يطلب زيادة الاجور.. يطلبه من الرأسمالي لا يسال من هو هذا الراسمالي هل هو كردي او عربي او سني او شيعي او اثوري او أيزدي او صابئي او مسيحي او يهودي واسلامي بل يطب زيادة الاجرة.. هذا المحتوى الطبقي اساس للحركة النضالية للطبقة العاملة.. ولكن هذا اساس فقط يتطلب هذا الاساس جملة من مسائل سياسية وتنظيمة مهمة في هذه المرحل لتحقيق حالة التوحيد مرة اخرى وعلى اساس طبقي:
اولا: البدء برفض سياسة التقسيم بصوة واضحة وعلى اساسا احتجاجات وتحشدات واضرابات عمالية في كل مناطق العراق.. نحن لم نرى نضال طبقي مشترك على صعيد العراق خلال عشرات السنين السابقة.. وحتى النضالات المستمرة لعمال النفط في البصرة لم تؤدي الى اى تضامن عمالي مع شركة نفط الشمال في كركوك واطرفها او حتى في ميسان والدورة... هذا يتطلب حلقات وشبكات ومنظمات وقيادات عمالية سرية وعلنية او شبة علنية, جماهيرية وحزبية وغير حزبية...
ثانيا: اعلان هوية المواطنة كهوية اساسية في المجتمع العراقي.. وتحل محل الهويات الاخرى الطائفية خصوصا والدينية والقومية.. ورفض الطائفية ومحاكمة الاحزاب التي تنشر وتدعوا للطائفية في العراق كمطلب رئيس لهذه الاحتجاجات.. وبالتالي منع تشكيل الاحزاب على اساس طائفي. ونشر الافكار والسياسة التي تؤدي الى بناء هوية المواطنة العراقية, ونقد الافكار الطائفية والدينية والقومية عبر الجرائد والندوات وكافة القنوات الاعلامية الاخرى التي لديها التوجه ذاته او قريبة منه..
ثالثا: رفض التدخل الامريكي في العراق اينما كان وطرد السفير الامريكي في العراق.. بما فيه تدخلها لضرب داعش.. هذه نقطة مهمة لرفع الغطاء الدولي عن الطائفية وسياسة تقسيم العراق على اساس هذه الهويات..
رابعا: محاولة جادة للتوقيع على ورقة المواطنة. ورقة تعدها وتقرها تلك القوى التي ترفض التقسيم على اساس السياسية الامريكية والسياسة الطائفية الراهنة.. ورقة من عدة فقرات تؤمن هوية المواطنة وتفضلها عن الهويات القومية والدينية والطائفية". ورقة تطلب فيها الغاء كتابة الدين والطائفية والقومية في كافة السجلات الحكومية والمدينة.. وفي كافة الاوراق الثبوتية للافراد والمؤسسات.. ورقة توفر للعراقيين كافة الحريات الفردية والمدنية والسياسية بما فيها حرية التدين والالحاد.. ورقة فيها المساواة التامة بين الرجل والمراة والغاء كافة القوانين والقرارات والتوصيات التي تقر بقوانين احوال شخصية دينية وطائفية.. حرية الاضراب والتنظيم... هذه الورقة بامكان اي حزب سياسي او مؤسسة تنظيمة او اتحاد عمالي او مهني او طلابي ان يوقع عليها ويكون جزأ من هذه الحالة النضالية.. هذه الورقة بأمكان التوقيع عليها في اول اجتماع او مؤتمر او كونفرانس.. لعدة احزاب ومنظمات في مدينة ما في العراق..
الحزب الشيوعي العمالي العراقي أو الحزب الشيوعي العراقي جزءا متدخلا ومهما لهذه السياسية.. وهما حزبان يشكلان جزءا من هذه الورقة.. عليهما ان يكونا مبادرين لتقوية هذه السياسية..
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟