أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - مدام ميرابيل القسم الثاني8















المزيد.....

مدام ميرابيل القسم الثاني8


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


بعد الظهر، جاؤوا إلى المصنع بحثًا عن مارغريت، ونقلوا إليها ما جرى، فخفت إلى رؤية ابنتها. أرادت أن تحتضن آنييس، لكنها حادت عنها، فضمت جيروم، والدموع تسيل من عينيها. تناولته آنييس من كتفيه، ورمته أرضًا. كان جيروم مضمخًا كله بالدم، ويئن أنين الحمام. نظرت مارغريت إلى المطر الغزير من وراء القضبان، وفكرت في اللعنة التي يسقي الأرض إياها، وفي طوفان نهر السين، وفي العقاب الذي تحبل به كل حبة مطر. كانت كل حبة مطر تحبل بحبة ملح، وكان الرعد يتفجر مثل أيام الحرب. جاء حارس، وقال لمارغريت إن السيد هنري يريد مقابلتها، فلم تفرح المدام ميرابيل بلقاء الموسيو هنري. ذهبت إلى مكتبه، والبرودة أختها، كأم فقدت ابنها.
- مدام، قال السيد هنري، وهو يقف، تفضلي بقبول هذا الإطراء من فضلك: أنت سحر للعيون... رغم كل هذا الحزن. الحزن في عينيك لوحة بريشة أعظم فنان!
- ذلك الذي كاد رجالك يقتلونه مثل ابني، قالت بصوت هياب، وآنييس ابنتي الوحيدة، موسيو. والصغير جوفريه...
كان يحدق فيها مذهولاً، وكان يذكره هذا الجمال الأخاذ بامرأة أخرى ربما عرفها في الماضي.
- منذ متى أنت تعملين عندي؟ سأل.
- منذ أكثر من عام بقليل، عندما عينتني...
ابتسم بهدوء، وهو يتذكر: في ذلك اليوم، شعر بالتوقد في داخله. اخترقته نارها التي ترسل الشرر من عينيه، وذهبت حتى أسفل بطنه.
عانقها في عينيها، فأشاحت مارغريت بوجهها عن عينيه.
- اغفري لي، اعتذر السيد هنري.
راح قلبها يخفق بقوة: السيد هنري بعينه هو من ينظر إليها هكذا، ومن يطلب منها المغفرة... وربما كان يعتذر لأنه نسيها؟
- لم أتركك تنتظرين إلا الكثير، تابع. اغفري لي. لعن الله الظروف!
جرفتها السعادة كما يجرف المطر الأوحال ويغسل بِلاط باريس...
- الظروف الحالية أقسى الظروف، قالت بانتباه وتركيز.
جاء بيده إلى كتفها، ومس شعرها الطويل، ليحرق أصابعه في الحرير .
- اطمئني، مدام... ميرابيل، قال لها، ابنتك لن تتعرض لأي خطر على الإطلاق.
- وجيروم، الولد...؟
- لا أستطيع أن أعدك بشيء فيما يخصه، إصابته خطيرة، إلا أنني سأعمل على إسعافه أفضل ما يكون، كوني على ثقة من ذلك.
اتجه نحو مكتبه، وضغط على زر طالبًا من سماه "رشيد"، فحضر في الحال شاب عربي أنيق يشبه جان غابان قليلاً، ولبد بالباب.
- سيدي...؟
- فليطلقوا سراح مدموزيل ميرابيل على التو، ولينقلوا الولد إلى المستشفى الأمريكي.
طأطأ رشيد الرأس طوع أمره، وغادر المكتب. والسيد هنري يجد نفسه وحيدًا مع مارغريت من جديد، نظر إليها، وقال لها بابتسامة واسعة:
- من فضلك مدام، تفضلي بقبول دعوة إلى العشاء، أنت وابنتك، هذا المساء...
وقفت مدام ميرابيل.
- عليّ أولاً الذهاب عند جوزيان، زميلتي في العمل التي...
- هل هذا هام إلى هذه الدرجة؟
- فقدت أصغر أبنائها في كل هذه المسخرة، وعليّ واجب دعمها، إنها صديقتي.
- كما تشائين، سيارتي تحت تصرفك.
عاد يطلب رشيد، وعاد رشيد إلى الحضور.
- رافق المدام عند أم الصغير المتوفى، أمره، قدم لها تعازينا، وعوض مدام... جوزيان كما يوافق لك.
طأطأ رشيد الرأس طوع أمره، وانتظر مدام ميرابيل، ليترك المكتب معها، وهو يغلق الباب بهدوء من ورائه.
- إلى هذا المساء، مدام!
لم يكن يعلم لماذا، كان لديه شعور من عرف هذه المارغريت في الماضي، كانت تذكره بامرأة أخرى... فجأة استرجع كل شيء كصورة فوتوغرافية: امرأة جميلة مثلها، لذيذة مثلها، أحبها ليلة واحدة، بالصدفة، هناك ثلاثون أو خمسٌ وثلاثون سنة...
لم ترد بنات جوزيان الصغيرة التحية على آنييس، وأولادها كلهم في ثياب الحداد كعشيرة من الغربان يرمونها بنظراتهم الحاقدة، دون أن يعرفوا عن الحقد شيئًا كثيرًا. كان يهوذا يتصنع مثلها، ومع ذلك، ذهبت آنييس تبكي على صدر جوزيان الصغيرة، وجوزيان الصغيرة لا تقوم بأية حركة. كان هناك عددٌ من الشغيلات والشغيلة، بانتظار وصول جثمان الصغير جوفريه، وهم يهمهمون شاكين مصير المرأة المسكينة. وكانوا يهمهمون بقوة أكثر، وهم يسمعون زفرات آنييس، ويغذون قلوبهم بالحقد الأعمى ضد كل هؤلاء الشبان ذوي الحياة الفاسدة! وصلت رولس رويس السيد هنري تحت المطر الغزير، وعجلاتها لا تغوص في الوحل، وكأنها تطير، تدور بترفع واستعلاء، دون أن تأبه بدمع السماء. ظنوا أن المعلم الكبير يجيء ليرى جوزيان الصغيرة، وليعزيها بطفلها المتوفى، وإذا بمارغريت هي التي تنزل من السيارة، يتبعها رشيد، وهو يفتح لها مظلة عريضة.
اندفعت مارغريت، وضمت صديقتها.
- أوه، يا صغيرتي جوزيان! أوه، يا عزيزتي!
لم تقم جوزيان الصغيرة بأقل حركة.
- تظنين أنني لم أتأثر، أنا؟ سألت مارغريت. جوفريه كان مثل ولدي، وآنييس كانت تحبه كثيرًا. ثم آنييس لا دخل لها في كل هذا، أنت تعرفين هذا جيدًا!
انحنى رشيد على أذن المرأة المسكينة، وهمس:
- أرفع لك من طرف السيد هنري أحر التعازي، مدام. وهو إذ يشجب بقوة الحادث الأليم، ويعتبر أن من واجبه تقديم يد العون مساهمة منه في تكاليف الدفن، يعطيكِ...
أخرج غلافًا من جيبه، ووضعه على الطاولة، وللصمت المخيم، تلعثم بكلام غير مفهوم، ومن جديد:
- لا يسعني سوى أن أعبر لك عن الحزن العظيم للسيد هنري، الذي يشجب كل ما جرى. إنها إرادة الله، على التأكيد...
ألقى نظرَهُ المضطربَ على مارغريت، وهي تتأمل كل هذا العالم الأخرس كتماثيل العصر الحجري، واحدًا واحدًا، بشيء من الفضول المفاجئ. تنحنح، وتابع:
- كل ما جرى قضاء وقدر، أليس كذلك؟ وأنتِ، مدام جوزيان، حظك كبير بالمقارنة مع نساء أخريات: لقد عوضك الله بأولاد كثيرين... في هذا معنى عميق، وفي هذا حكمة.
تردد قليلاً ثم، وهو يشعر بكلامه يدور في صالحه، ختم واجبه الرسولي:
- بالنظر إلى وضعك الصعب، والشروط التي تعيشين فيها، موت الصغير يخفف عليك القليل، بشكل من الأشكال.
سمع كل واحد من الحاضرين هذه الكلمات دون أن يحرك ساكنًا، كتماثيل العصر الحجري كانوا بالفعل. نهضت جوزيان الصغيرة، لتذهب إلى حجرة الأولاد، وأشارت إلى مارغريت باللحاق بها.
- اغلقي الباب من ورائك، طلبت جوزيان الصغيرة.
- ...
- مارغريت، قالت أم يهوذا، ببطءِ واحدٍ يحتضر، ستعرف ابنتك نفس المصير الذي عرفه صغيري جوفريه...
- جوزيان، ماذا تحكين؟ نبرت أم آنييس ساخطة. هل جننت؟! آنييس لا يد لها في الأمر، هي كابنتك، هل نسيت؟ وأنت كأختي، تقاسمنا أتراحنا سوية، وسنتقاسم أفراحنا سوية. و، ربما كان هناك درس نتعلمه من موت جوفريه، ربما كان موته بشير حياة جديدة لنا جميعًا!
انهمرت دموعها.
- عن أي درس تتكلمين؟ جمجمت جوزيان الصغيرة، وعن أية حياة جديدة؟ جعلتموني أُضيع طفلي، وأريدكم أن تعيدوه لي...
- سيعينك السيد هنري، سأطلب منه أن يبدل لك عملك، سأفعل كل شيء كي لا ينقص أبناءك شيء...
- اخرسي، هددت جوزيان الصغيرة, في حالة ما لم تفهميني جيدًا: ستموت آنييس بالطريقة نفسها التي مات فيها صغيري جوفريه! بعد ذلك سيمكننا الكلام!
بقيت مارغريت فاغرة الفم، وبعد هُنَيْهَة:
- إذا مسست شعرة واحدة من شعر ابنتي، يا جوزيان، كانت النهاية لكل أسرتك!
خرجت، وهي تطرق الباب. فوقف رشيد، وتبع مارغريت، التي أمسكت ابنتها من ذراعها، ودفعتها بهدوء من أمامها. لحقهم يهوذا، ووقف على عتبة الباب قليلاً قبل أن يجوز عتبة الشعور. رمى الغلاف بما فيه من أوراق نقدية في الوحل، وداسها بقدمه. وفي نفس اللحظة، تخلصت آنييس من أمها، وذهبت راكضة تحت المطر، إلا أن إشارة واحدة من رشيد كانت كافية ليعيدها الحراس إلى السيارة. كان رشيد كالكتابة المستديرة، فضفر أكاليل الثناء لآنييس، وهو ينطلق بها دون ضجة، دون ذمة، بعيدًا عن فيض الغيث والدموع.
امتطى يهوذا الدراجة، وتبع الرولس.


يتبع القسم الثاني9



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدام ميرابيل القسم الثاني7
- مدام ميرابيل القسم الثاني6
- مدام ميرابيل القسم الثاني5
- مدام ميرابيل القسم الثاني4
- مدام ميرابيل القسم الثاني3
- مدام ميرابيل القسم الثاني2
- مدام ميرابيل القسم الثاني1
- مدام ميرابيل القسم الأول15
- مدام ميرابيل القسم الأول14
- مدام ميرابيل القسم الأول13
- مدام ميرابيل القسم الأول12
- مدام ميرابيل القسم الأول11
- مدام ميرابيل القسم الأول10
- مدام ميرابيل القسم الأول9
- مدام ميرابيل القسم الأول8
- مدام ميرابيل القسم الأول7
- مدام ميرابيل القسم الأول6
- مدام ميرابيل القسم الأول5
- مدام ميرابيل القسم الأول4
- مدام ميرابيل القسم الأول3


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - مدام ميرابيل القسم الثاني8