أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - مدام ميرابيل القسم الثاني7















المزيد.....

مدام ميرابيل القسم الثاني7


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4801 - 2015 / 5 / 9 - 17:11
المحور: الادب والفن
    


عندما وصلت آنييس إلى شارع جوزيان الصغيرة، كانت تبكي كمائة امرأة. كانت تبكي عليها وعلى كل اللواتي سيبكين يومًا لأنهن يتألمن لأنهن أحببن كثيرًا. لم تعرفها جوزيان لم ترها في مثل تلك الحال، ضمتها بقوة ورافقتها إلى الحمام. أعانتها في خلع أسمالها التي تقطر ماء، وآنييس لا تتوقف عن البكاء غير قادرة على قول كلمة توضح ما حصل. نهضت جوزيت وأختان من أخواتها ليرين، فأمرتهن أمهن بالعودة إلى النوم. ثم جاء جوفريه، ورأى آنييس عارية، وهي جالسة على طرف المغطس. أرادت جوزيان الصغيرة أن تصرفه كأخواته، إلا أن آنييس أخذته بين ذراعيها، وقبلته من جبينه. ساعدها ذلك على تهدئتها فليلاً، ومن وراء الباب، رأى يهوذا الغيور أصابع أخيه البريئة، وهي تداعب حلمة الثدي الأبيض.
نزلت مارغريت من سيارة الأجرة، وركضت تحت المطر الغزير المذل لسماء باريس حتى باب جوزيان الصغيرة، وطرقته عدة مرات. شجعها الضوء المتسلل من تحته على طرقه بأكثر قوة، والريح تصفر حولها، تريد هي الأخرى أن تفتح جوزيان الصغيرة لسيدة المطر والريح بأقصى سرعة. أخيرًا جاءت أم يهوذا، وهي تدفع رأسها إلى الوراء كبطة مذعورة. فتحت دون أن تسأل من الطارق، فمن غير مارغريت سيكون، ومن غير مارغريت سيأتي عندما يصب المطر على مثل هذه الغزارة، ومن سينير كالضوء في بحر الظلام غير سيدة البحر والضوء؟
اقتفت مارغريت آثار الوحل حتى الحمام، فأعادت آنييس جوفريه إلى ذراعي أمه التي ذهبت لتنيمه. أخذت مارغريت ابنتها، صغيرتها ووحيدتها، في حضنها، وضمتها من كل قلبها، عارية كما كانت في اليوم الذي ولدتها، وانفجرت باكية. أرادت أن تغسل بدمعها العار في قلب آنييس كما يغسل المطر الرعاع والوحل والنتن، وأحست بنفسها تتزعزع إلى درجة لا يمكن معرفتها سوى الأنبياء وحدهم، قبل أن يكرسوا حياتهم للصلاة والإخلاص والتواضع الأقصى. آنييس كاد يُغشى عليها، وانفجرت باكية بدورها، وهي تردد "ماما، ماما...". ولما رأت جوزيان آنييس عارية بين ذراعي أمها كطفلة تتضور جوعًا، انهارت، وقرنت تأثرها بتأثر مضيفتيها. ضمتهما إلى صدرها الضخم، وصارت أمهما. أعطت لصديقتها ما تغطي به ابنتها، ثم ذهبت مارغريت بآنييس إلى الأريكة، وجعلتها تنام في حضنها.
في صباح اليوم التالي، كان المطر يملأ الجو، عندما ذهبت بنات جوزيان الصغيرة إلى المدرسة. لم يصعد النهار على البيت، وآخر الليل لم يغادر العتبة بعد. عادت إحدى البنات، وأيقظت آنييس: كان فتى الدراجة يريد التحدث إليها. تركت آنييس الأريكة، وخفت إلى النافذة، وجيروم هناك، جالسٌ على دراجته، منتظرٌ، وعلى ما يبدو غيرُ مبالٍ بالمطر، منبع التمرد الغارق فيه بكل ثيابه.
- سأطرده نهائيًا، سترين، قالت لأمها. أنا لا أريد أن أراه أبدًا.
- ما الذي فعله المسكين كي تعامليه بكل هذه القسوة؟ سألت جوزيان الصغيرة.
- آه، جوزيان، لا تتدخلي أنت في كل هذا! نبرت مارغريت. آنييس تعرف ما تفعل!
- الأمر أمرها، هذا صحيح، لكن هذا لا يمنع هيئة العاشق هيئته.
- اسكتي أنت، يا جوزيان، من فضلك! تكلمت مارغريت بلهجة قاسية.
- سأسكت، يا عزيزتي مارغريت، سأسكت!
انتهت آنييس من ارتداء ملابسها، وخرجت بخطى سريعة، وهي تغطي رأسها بطرف سترتها. وفي الحال، التصقت مارغريت بجوزيان الصغيرة من وراء النافذة، بينما أخذت آنييس تزعق دون أن يسمعاها جيدًا، وتدفع جيروم حتى أسقطته مع دراجته. أعطته ظهرها، وعادت بخطى سريعة كما غادرت.
ترك الأولاد آنييس تمر، وهم يتحاشون نظرتها، وخرجوا دون أدنى ضجيج. كان الأخير جوفريه، فحملته آنييس، وقالت، وهي تنظر إليه بحنو:
- سأذهب به عند مدام دولاكروا.
فتحت مظلة، وخرجت تركض بجوفريه تحت سماء سائبة وواطئة. تبعتها أمها، ثم جوزيان الصغيرة، ويهوذا يتحدث مع جيروم، في الوقت الذي يدور فيه حول الدراجة معجبًا. ركب جيروم دراجته، وجاء محاذيًا آنييس. كلمها، قال لها أشياء، والمطرُ يُسَفْنِجُ كلماته، ولم يبق سوى الطوفان البريء. جاء إلى جانب مارغريت، وحدق في وجهها، وعيناه مفعمتان بالحقد.
- تظنين أنك نجحت في إبعاد آنييس عني! لكنها لي قبل أن تكون لك، قبل أن تكون ابنتك، وستظل!
كانت مارغريت تحترق من الداخل... "لا، أنا حبك، أيها الأحمق! أنا الوحيدة التي أحبتك بصدق! مرة واحدة، مرة صغيرة واحدة، ولكن بقدر آلاف المرات، بقدر آلاف النساء آلاف المرات، لكنك لا ترى شيئًا! أنا لك كالمطر للأرض الظمأى، فأسقيك مما لا ينضب من أنهار! أنا لك كالليل للسماء البيضاء، فأشعل لك مما لا ينطفئ من أضواء! أنا لك كالريح للغصن المنكسر، فأفرش لك مما لا يتعرى من أشجار!..."
شخصت في نظرته الحاقدة بصمت، فتوقف، وصاح بآنييس، قبل أن تدخل عند العجوز دولاكروا:
- لن أترك أمك تفعل ما تشاء بك، هل تسمعين؟ سأركب الأهوال والأخطار من أجلك، ولن أخلف اليوم موعدي معك، فاستعدي. هل تسمعينني؟
جاءت العجوز دولاكروا تفتح، فانطلقت الدراجة كالسهم الناري، وهي تشعل المطر تحت عجلتيها. شُدِهَتْ مارغريت، فاشرأبت بشفتيها وعنقها، وشربت قليلاً. ضغطت جوزيان الصغيرة على ذراعها، وهي تفكر "من يزرع الريح يحصد العاصفة!" لقد حانت ساعة البدء بالعمل، وإذا ما جرجرت قدميها هكذا، أصيبت حتمًا بشيء ما.
و...
دوت بعض الطلقات النارية، فسارعت آنييس إلى النافذة، وكذلك جاءت العجوز دولاكروا لترى، فأعطتها آنييس الطفل الذي تلقمه قارورة الرضاع بعجلة:
- يجب إغلاق الباب بسرعة، مدام دولاكروا.
- إغلاق الباب بسرعة؟ لكن لماذا؟ ماذا يجري، يا آنييس؟ لماذا أنت قلقة هكذا؟
جمعت آنييس الأطفال في حجرة، وخفت إلى الباب، غير أن جيروم كان هناك، وكان مجروحًا من كتفه.
- اخرج من هنا حالاً! صاحت آنييس، لا تشركنا في قصصك القذرة! اذهب! حالاً!
عندما رأته العجوز دولاكروا، وهو يترنح، وينزف، والمسدس بيده، تركت الطفل يسحل من بين يديها، وسقطت مغشيًا عليها. التقط جيروم الطفل من ذراعه، وسدد رأسه بمسدسه.
- كلمة أخرى، وسأطلق.
- جيروم، لا!...
أخذ الصغير يبكي كما لم يبك منذ ولادته.
- كلمة واحدة، فأقتله، عوى جيروم، مفهوم؟!
طوق الحرس الخاص للسيد هنري كل الحي، فاقتحم جيروم الحجرة التي يتجمع فيها الأطفال، وصرخ، وأخوه الارتياع.
- سأقتلهم، صاح، وهو يشير بمسدسه إلى الرؤوس الشقراء. إذا ما لم ينسحبوا، إذا ما لم يحضروا سيارة نُقِلُّهَا، إذا ما لم يفعلوا كل شيء كما قلت، قتلت الصغار.
- لا!... أنت لن تقتلهم!
- إذن سأقتل جوفريه، هل هذا ما تريدين؟
- اترك جوفريه، جوفريه لم يفعل لك شيئًا!
- الآخرون كذلك لم يفعلوا لي شيئًا، قال ضاحكًا كالوحش، ومع ذلك سأقتلهم إذا ما لزم الأمر، وجوفريه معهم. اسمعي! اذهبي في الحال وقولي لهم ما قلته لك، وإلا أقسم لك أني سأقتله، صغيرك جوفريه!
وبمسدسه سدد رأس الطفل، فهرعت آنييس إلى الذهاب كالمجنونة.
عندما خرج جيروم، وفوهة المسدس على رأس جوفريه، أمر آنييس باتباعه، وعندما كان على وشك الصعود في السيارة، دوت الطلقات من كل ناحية. أصيب أول من أصيب جوفريه، الذي مات في الحال، ثم جيروم، عدة إصابات. دك آنييس مرأى جوفريه، وهو يطرق الأرض كالدمية أمام عينيها، وأخذت تصرخ، وتمدد ذراعيها نحو الجسد الصغير الذي لا حياة فيه: كانت الضوضاء أقوى من كل شيء، الطلقات، الصرخات، المطر، الرعد، العناب.
رموا جيروم وآنييس في زنزانة، وأودعوا جثة الصغير جوفريه في مركز الشرطة.
عندما غادر يهوذا مدرسته الإعدادية، كان كل شيء قد انتهى منذ وقت طويل. ذهب إلى مكان تراشق النار، وذرف دمعه السخي. لم يكن يعلم أنه يحب جوفريه كل هذا الحب، فهو دومًا ما كان منه غيورًا لاهتمام أمه، لاهتمام آنييس، وكان يفكر أنه لهذا يكرهه. مات أخوه مقابل لا شيء، دون أن يؤذي أحدًا إطلاقًا... أورط جيروم آنييس في مصرعه، الجميلة آنييس ذات الثدي الأبيض... دار في المكان محزنًا، مفكرًا، لما رأى دراجة جيروم المنقلبة في حفرة. رفعها، وفحصها، كانت تبدو في حالة جيدة. أدار المحرك، وامتطاها، ثم ما لبث أن انطلق.
كان ولدًا، وغدا رجلاً.


يتبع القسم الثاني8



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدام ميرابيل القسم الثاني6
- مدام ميرابيل القسم الثاني5
- مدام ميرابيل القسم الثاني4
- مدام ميرابيل القسم الثاني3
- مدام ميرابيل القسم الثاني2
- مدام ميرابيل القسم الثاني1
- مدام ميرابيل القسم الأول15
- مدام ميرابيل القسم الأول14
- مدام ميرابيل القسم الأول13
- مدام ميرابيل القسم الأول12
- مدام ميرابيل القسم الأول11
- مدام ميرابيل القسم الأول10
- مدام ميرابيل القسم الأول9
- مدام ميرابيل القسم الأول8
- مدام ميرابيل القسم الأول7
- مدام ميرابيل القسم الأول6
- مدام ميرابيل القسم الأول5
- مدام ميرابيل القسم الأول4
- مدام ميرابيل القسم الأول3
- مدام ميرابيل القسم الأول2


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - مدام ميرابيل القسم الثاني7