|
مدام ميرابيل القسم الثاني4
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 11:06
المحور:
الادب والفن
طرقت مارغريت الباب على جوزيان الصغيرة، والبرد يقص الحجر. غطى الشتاء الشمس بغيومه، وكان الصباح غائبًا. لم تكن جوزيان الصغيرة تنتظر أحدًا على مثل تلك الساعة المبكرة، ولم تفكر أن تجد مارغريت وآنييس أمامها، وفي الحال سالت الدموع من عينيها. - عودة طيبة، يا آنييس! قالت، وهي تدعوهما إلى الدخول. كان أولادها وبناتها قد نهضوا ليس إلا، فجاء أول من جاء جوفريه. أخذته جوزيان الصغيرة بين ذراعيها، وقالت له: - هل ترى، هذه آنييس، ستعتني بك مع مدام دولاكروا. ابتسم جوفريه، مع بعض الحياء، فأخذته آنييس بين ذراعيها. - ستكون عاقلاً معي، قالت له، ليس صحيحًا؟ حرك الصغير رأسه، ابتسمت النساء الثلاث، وطبعت آنييس قبلة على خده. سحبت جوزيان الصغيرة مارغريت من ذراعها، وبكثير من الحذر والحيطة، همست في أذنها: - كيف وجدتِهَا؟ - سأحكي لك فيما بعد، همست مارغريت، وهي تنظر دومًا إلى ابنتها التي تدلل جوفريه. بعد ذلك، جاءت البنات، جوزيت الأولى، دُرْنَ بآنييس، وسألنها إذا ما كانت ستسكن عندهن بالفعل. - طبعًا ستسكن عندنا، أكدت جوزيان الصغيرة، ستكون أختكن الكبيرة. أليس كذلك، يا آنييس؟ وضعت آنييس جوفريه على الأرض. - نعم، آنييس موافقة، قالت مارغريت. سبق لنا وتحدثنا في ذلك بإسهاب معًا، أنا وهي. بدورهم، دار الأولاد بآنييس، وقالوا ستكون خطيبتهم الجديدة، بينما يهوذا لم يفه بكلمة. - أنتم لم تزالوا صغارًا لتفكروا في هذه الأشياء، عاتبتهم جوزيان الصغيرة، ستكون كأخت لكم. تقدم يهوذا، وطبع قبلة على وجنة آنييس، فاحتارت جوزيان، وتأسفت، شارحة أن يهوذا لم يعد يطيعها. - يريد أن يأخذ مكان أبيه، ظانًا أنه كبر، وأنه حر في فعل ما يريد. أنبته بعض الشيء، وطلبت من أولادها الذهاب ليتناولوا فطورهم، فخفوا إلى المطبخ، وهم يتراشقون بالتهم، آملين في سرهم أن تجعل آنييس من أحدهم المختار لقلبها. وبعدهم، تمنت كل بنت بدورها أن تكون المفضلة لآنييس، ودخلن المطبخ، وهن يتشاجرن. قطعت جوزيت عليهن نزاعهن المعتاد، وهي تمارس دور البنت البكر، ثم ذهبوا كلهم إلى المدرسة –ما عدا الصغير جوفريه- وتنفست جوزيان الصغيرة الصُّعَداء. - عليّ الآن تحضير جوفريه، فلن تطول ساعة الذهاب به إلى الحضانة، قالت، وهي تستدير نحو صديقتها. هل تريدين أن تشربي شيئًا، يا مارغريت؟ قهوة؟ القهوة على الرف، هناك، هل تعدين لنا فنجانًا صغيرًا؟ أعدت مارغريت القهوة، وصبتها في ثلاثة فناجين قدمت أحدها لآنييس، فلم تُرِدْهُ، وهمست، وهي لا تخفي غضبها: - إذن هنا تريدين أن تتركيني؟! - آه، أنت لن تبدأي من جديد! سبق لنا واتفقنا حول هذا الموضوع، وأنا لا أرمي إلى الرجوع عنه. اقبلي بالأشياء كما هي في الوقت الحاضر، وسنرى ما سنفعله فيما بعد. عادت جوزيان الصغيرة وجوفريه بين ذراعيها، وهي تلهث، ومدته لآنييس طالبة إليها أن تمشط له شعره. شربت قهوتها، وابتلعت قطعة خبز كبيرة مطلية بالزبدة، وأخذت تشكو من حساسيتها، وتقول إنها ستعمل "ريجيم"... سألتها مارغريت الانتهاء بسرعة، فساعة العمل تقترب و، خاصةً، من اللازم أن تتكلم عن آنييس مع مدام دولاكروا. - أتكلم عن آنييس مع مدام دولاكروا؟ ردت جوزيان الصغيرة كما لو كانت تختنق، مرة أخرى؟ ولماذا؟ سبق وتكلمت معها، سبق وتكلمنا معها. اليوم لم يعد هناك ما نتكلم عنه، لم يبق هناك سوى تقديم آنييس لها، وسيكون كل شيء على ما يرام. وهي تصعد الطريق المليئة بالحفر، أعادت مارغريت على ابنتها وصاياها العشر، وآنييس تمسك جوفريه من يده. - هلا توقفتِ قليلاً! أنا لم أعد بنتًا صغيرة، ردت آنييس. ومع ذلك، أعرف ما يجب عليّ فعله. - صحيح، أضافت جوزيان الصغيرة، لم تعد طفلة، فاتركيها على حالها! عند ذلك، رأت مارغريت جيروم، وهو يستند إلى جدار، واضعًا يديه في جيبيه، هناك غير بعيد. - لا تقولي لي إنه تبعنا، استشاطت مارغريت غضبًا. - لماذا؟ هل هي جريمة؟ - من هو، هذا الشاب؟ سألت جوزيان. - سأحكي لك فيما بعد، قالت مارغريت، دون أن يزول غضبها. ودخلت ثلاثتهن عند العجوز دولاكروا. بعد العمل في المساء، عادت مارغريت وجوزيان الصغيرة سويةً عند العجوز دولاكروا، ووجدتا جوفريه ينام على ركبتي آنييس. - هل هو مريض؟ استفسرت جوزيان الصغيرة مضطربة. لماذا ينام هكذا على مثل هذه الساعة؟ - هذا لأن آنييس دللته كثيرًا، قالت العجوز دولاكروا. - إذن جوفريه ليس مريضًا، ابتسمت الأم. - الصغير في صحة جيدة على الرغم من كل الجراثيم التي تحتفي بها البيئة، علقت العجوز دولاكروا. كانت مارغريت تريد أن تعلم إذا ما دارت الأمور جيدًا مع ابنتها، وفي الحال طمأنتها العجوز دولاكروا: - آنييس ذكية جدًا، فلا تقلقي من أجلها، وستتعلم كل شيء في وقت أقصر من قصير. ابتسمت مارغريت، وهي تستدير نحو آنييس، وآنييس لا تبتسم. - سأعود بجوفريه إلى البيت، قالت آنييس، وهي تقف، والصغير بين ذراعيها. هل أستطيع الذهاب؟ - بالطبع، يا حبيبتي، أجابت العجوز دولاكروا، على أي حال، إنها ساعة ذهابك. أرادت جوزيان الصغيرة أن تأخذ جوفريه، لكن آنييس كانت قد خرجت معه، فشكرت مارغريت العجوز دولاكروا بحرارة. في الطريق، أشار جيروم إلى آنييس يريد التكلم معها. - تعال، صاحت الصغيرة جوزيان بمرح، ستتكلم معها في البيت. أعطت آنييس جوفريه لأمه، ولحقت بجيروم تحت المصباح، بينما بقيت مارغريت هناك، بانتظار ابنتها. بعد قليل، نادتها جوزيان الصغيرة، وقالت لها، وهي تدخل: - مارغريت!... كما لو أنك لم تكوني أبدًا عاشقة! اتركيهما وشأنهما قليلاً، ألا ترين جيدًا أنهما يتحابان؟ - لا أريد أن يُدعى هذا الولد إلى المجيء عندك هكذا، أريدك أن تكوني أكثر حزمًا مع آنييس. - أكثر حزمًا مع آنييس؟ قولي لي قليلاً كيف تريدين أن أكون حازمة: بإعادتها إلى الدير؟ - لا، أريد فقط أن تكوني أكثر صرامة معها. أنت لا يمكنك استقبال هذا الولد عندك هكذا. اليوم هو، غدًا آخرون، وسأفقد ابنتي، وأنت بناتك. وصل أبناء جوزيان الصغيرة من المدرسة واحدًا واحدًا، ومروا واحدًا واحدًا ليقولوا مساء الخير لأمهم ولمارغريت. - كم هم عاقلون، أبناؤك، قالت مارغريت، وقلبها يرق. - عاقلون؟! أرغب في أن تريهم وهم على جبهة الاشتباك، هؤلاء العفاريت الصغار. العاقل بالفعل كان أبوهم، ولهذا لم يستطع الصمود، انتشر السرطان في كل مكان من جسده في وقت أقل من قليل، المسكين... الأخير كان يهوذا، وبدل أن يقبل أمه، قبض على جوفريه، الذي كان بين ذراعيها، ووضعه أرضًا قبل أن يضربه. - أنت تدلعينه كثيرًا، هذا الولد! صرخ بأمه. وبدورها، صرخت جوزيان بيهوذا، واستدارت نحو مارغريت: - ها هم أبنائي العاقلون! ثم عادت آنييس، وشرحت أن جيروم لم يشأ المجيء. - أحسن! همهمت مارغريت. - يبدو لي أنه ولد لطيف جدًا، رمت جوزيان الصغيرة. تعالي، قالت لآنييس، سأريك غرفتك. سترتاحين قليلاً، وسأناديك عندما يكون العشاء جاهزًا. قفزت البنات من الفرح، وكل واحدة كانت على استعداد للتخلي عن سريرها لأختها الجديدة. سحبنها من يدها، واقترحن عليها ثيابًا، بانتظار أن تذهب مارغريت لإحضار أغراضها من الدير. ستذهب أولاً لتقص كل هذا على زوجها، وهي لهذا رفضت البقاء للعشاء. تساقط الضباب مع الليل، وفي قلب الزقاق، كان جيروم ينتظر كالملاك، أو كالشيطان، مستعدًا للقفز على ضحيته. هل هذا من أجلها؟ هي، كبرت، لكن هو، بقي كاليوم الأول، شابًا، عاشقًا... خانها الزمان، عقارب الساعة، أمواج الرمل. تركها الزمان على عتبة الكون، فصنع الانتظار، وعرف الإنسان اليأس من الأمل، ربع القمر في الليالي الطويلة السهاد. تذكرت حبها الأول، عناقها الأول تحت شجرة: في البداية، رفضت تسليم جسدها، ثم وافقت على تسليم جسدها كمن يوافق على تسليم مدينته للأعداء. لم يعد للهزيمة معنى الخيانة، فخسر البشر الحروب، وهم واثقون من إخلاصهم لأوطانهم. كانت هي، كان جيروم، وكان جسدها، الذي سلمته ابنتها مرة ثانية.
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدام ميرابيل القسم الثاني3
-
مدام ميرابيل القسم الثاني2
-
مدام ميرابيل القسم الثاني1
-
مدام ميرابيل القسم الأول15
-
مدام ميرابيل القسم الأول14
-
مدام ميرابيل القسم الأول13
-
مدام ميرابيل القسم الأول12
-
مدام ميرابيل القسم الأول11
-
مدام ميرابيل القسم الأول10
-
مدام ميرابيل القسم الأول9
-
مدام ميرابيل القسم الأول8
-
مدام ميرابيل القسم الأول7
-
مدام ميرابيل القسم الأول6
-
مدام ميرابيل القسم الأول5
-
مدام ميرابيل القسم الأول4
-
مدام ميرابيل القسم الأول3
-
مدام ميرابيل القسم الأول2
-
مدام ميرابيل القسم الأول1
-
الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون النص الكامل النهائي
-
الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون الرواية الجديدة لحي ب
...
المزيد.....
-
إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري!
...
-
ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع
...
-
كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا
...
-
شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش
...
-
-الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل
...
-
-أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر
...
-
-مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
-
الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
-
وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم
...
-
الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|