المثقف ودوره في المجتمع (3-3)

ديفيد ج. كوج

الحوار المتمدن-العدد: 4777 - 2015 / 4 / 14 - 14:44
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

ديـفـيـد جـ. كـوج

طالما ان دور المثقف طليعي وتقدمي, ومهمته الدفاع عن الإنسانية والعمل علي زرع القيم والمثل العليا في الانسان موجود ومرتبط بمخالفة السلطة.. فان دوره الإجتماعي لا يقل اهمية ايضا بطبيعة الحال .. ولهذا الدور القديم المتجدد اهمية خاصة بالنسبة لنا في جنوب السودان لان التركيبة الإجتماعية لدينا معقدة للغاية.. بما ان معظم افراد المجتمع لم يفصلوا بعد بين العوالم (اي العالم الذاتي والعالم الموضوعي) فالعالمين متداخلين بشكل يصعب احيانا معرفته وتمييزه, وهذا يعود الي غموض الامر ..
كما رأينا في السابق كيف ظهر المثقف ودوره الذي قام به في قضية دريفوس.. فالموضوع منذ البدء تعلق برفع الظلم عن المظلومين ولو بمواجهة السلطة وبمؤهلات ومقدرات اقل مما لديها كما فعل زولا ورفاقه.. فان دور المثقف في المجتمع ايضا ينبغي ان يكون طليعي وتوعوي .. حتي يكون النقاش السياسي والديموقراطي هادفا.
انا اعتقد ان دور المثقف ليس في مواجهة السلطة فقط بل والعمل علي ازالة الشوائب والخلافات (التناقضات) الموجودة في المجتمعات الانسانية .. وخير مثال لذلك جنوب السودان الذي يقوم اي علاقة فيها علي اساس القبيلة والعشيرة من جانب ومن جانب اخر علي الولاء السياسي وبغطاء قبلي ايضا.. ومن هنا يأتي مهمة المثقف ودوره في المجتمع! لذلك اري انه علي المثقف محاربة القبيلة ( واقول القبيلة وليس القبلية لانه بدون قبيلة لن يوجد قبلية) في مجتمعه وذلك عن طريق الحوار العام والنقاش والكتابة.. فالقبيلة الان – حسب اعتقادي - سبب نصف مشاكلنا ومعاناة شعبنا لان كل شئ يتم ويقوم علي اساس القبيلة والولاء القبلي.. الشئ الذي جعل تحقق مشروع التنمية علي ارض الواقع شبه مستحيل.. وعلي المثقف ان يعمل علي تحويل الناس من الانتماء المركب (الانتماء للقبيلة) الي الانتماء البسيط (الانتماء للانسانية) عكس ما هو شائع.. فالانتماء المركب (بالمعني الاوسع لكلمة مركب) يكون علي اساس القبيلة, العشيرة وما اليها من التناقضات المركبة التي تبعد الغير عن الخطاب وتعمل بجد علي إقصائه! بينما يكون الانتماء البسيط غير معقد حيث تكون انسان فقط لا اكثر اي ان انتماءك يكون لشئ اكبر واوسع واسهل وبسيط الا وهي الانسانية .. مما يجعل مهمة الدخول في علاقات مع الاخرين سهلة للغاية لان هذا الفهم غير معقد.. وبجانب القبيلة يأتي الامية التي لا تقل خطورة عن القبلية ايضا .. لان الأُمي لا يعرف حقوقه ولا واجباته كما يسهل علي السلطة غشه والتلاعب بعقله وبالتالي جره لارتكاب افعال لن تحمد عقباه.. لان الانسان الامي عفوي بطبعه كما يكون من السهل ان يتمسك بالقبيلة وبالتالي استشراء القبلية في المجتمع مما يجعل البلاد كله يدور حول نفسه دون جدوي ويجعلنا ذلك اكثر شعوب الارض تخلفا (لاننا نقتل الغير بسبب اختلافهم عنا سواء علي اساس القبيلة او الانتماؤ السياسي)!
وايضا الفساد (بما تحمله الكلمة من معني) يجب ان يعمل المثقف علي محاربته بما اوتي من قوة (المعرفة والقدرة علي التعبير) لان المهمة الاهم في نهاية المطاف هو نشدان مجتمع انساني متسامح يغيب عنه الظلم.. والكراهية, ويكون بدلا عن ذلك الاخاء والمساواة في الحقوق والواجبات.. كما علي فئة الانتلجنسيا عدم الاهتمام بما يقوله عنهم السلطة.. لان السلطة في النهاية تنظر اليهم علي انهم يوتوبيين ويدخلون انوفهم فيما لا يعنيهم .. لان اختيار النضال والوقوف الي جانب الشعب ليس بالمهمة السهلة ..
في نهاية المطاف نقول ان المثقف الحق لا يمل ولا يكل في الدفاع عن حقوق المواطن ومكتسباته .. ومحاربة القبيلة (في مجتمعنا) وبالتالي القضاء علي القبلية .. ومحاربة الأمية والفساد المستشري في الجنوب كله.
من هنا نعود الي التأكيد مجددا ان المثقف ليس كل من تلقي تعليم معين او يحمل شهادات بقدر ما هو من يمارس ما لديه من معرفة في الخطاب والكتابة لاستخدامه في المجال العام ضد السلطة.. لان كل من يكون مع السلطة او يدافع عنه لا يمكن وباي سبب من الاسباب ان يكون او يطلق عليه لفظ المثقف!

#ديفيد_ج._كوج (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل