أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية2-6















المزيد.....


المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية2-6


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 4761 - 2015 / 3 / 28 - 16:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قصة سيدنا آدم(ع)
من بين العديد من قصص الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم وكتاب التوراة، نلاحظ تميّز قصة سيدنا آدم(ع) بنكهة خاصة فريدة. ففي هذه القصة نجد أحداثا غريبة تسرح بالخيال الى أبعد الحدود لتتخطى حدود العقل والمعقول، فما دار من حوار بين الله سبحانه وتعالى من جهة وبين إبليس من جهة أخرى، وما جرى من حوار بين سيدنا آدم(ع) وإبليس، وعملية العقاب الإلهي الجماعية للبشر لسبب يعتبر في ظاهره غاية في البساطة، وغير ذلك من مجريات أحداث القصة، كل هذا يدفعنا لإعادة قراءتها بصوت عال.
ان لقصة آدم(ع) البسيطة في ظاهرها، معانٍ عميقة خفية بحاجة الى كثير من التمعن والتفكير الدقيق، فهي ذات دلالات علمية عميقة وخطيرة، ومن الضروري التأمل بمفاهيمها جيداً، ولولا أهميتها العظيمة، لما حفظها الله سبحانه وتعالى وكررها في كتبه المنزلة كتاب بعد آخر.
ان صياغة أي مثال بصورة صحيحة مجدية، لابد من توافر مقوماته كاملة، مثل الزمان والمكان والشخوص وتسلسل الأحداث، وما ورد في هذه القصة من أحداث ومسميات، رغم قدم عهدها، بقيت معالمها فعالة وآثارها باقية حتى اليوم، كما هو الحال مع الثمرة والشجرة والحية والإنسان والمرأة والخير والشر والسعادة والشقاء، ومن الوارد جدا، أن الله سبحانه وتعالى مطلع وعالم بعلمه الغيبي أن الإنسان سيحاول في يوم من الأيام البحث عن كيفية خلقه وزمن بداية وجوده على الأرض، وبما أنه سيصعب عليه العودة الى ذلك التاريخ الموغل في القدم، وسيعجز عن اكتشافه من خلال تبدل معالم الأرض وطبقات قشرتها، لذلك ترك له هذه القصة الإعجازية لتسهل عليه الاستدلال من خلال أحداثها المختصرة بشكلها العجيب ليستشف منها على بداية وجوده على الأرض وبداية تاريخه، وفي نفس الوقت يستقرئ منها ما يفيده في مستقبله.
فإذا قلنا ان القصة توضح بشكل دقيق تطور مسار البشرية عبر تاريخها الطويل، فهذا أقل ما يقال عنها. فشخصية آدم في القصة، تمثل (روح) آدم الخيّرة التي تأمره دائما باتباع الخير وعمل الأفعال الطيبة، أي ان آدم يمثل الجانب الخير في الإنسان؛ وان (الجنة) التي جاء ذكرها، تصور العالم الروحاني الأول الخالي من الشرور، أو عالم الخير المحض؛ وان معنى (الأرض) التي نزل عليها آدم بعد خروجه من عالم الخير، هي عالم الحياة المادية وما فيها من أمور الخير وعدمه (الشر)؛ أما معنى (الحيّة) فهي تمثل الدوافع والرغبات النفسية الأمارة بالسوء، وما جاء تمثيلها بالحيّة، الا بسبب طريقة تسللها الهادئة غير المحسوسة الى داخل نفس الإنسان وفكره دون الشعور بإغوائها، فتغريه على عمل الأخطاء والموبيقات والنواهي دون ان يشعر بها أو بتأثيرها. أما (الثمرة) فهي تمثيل وتشبيه لطعم ومذاق الأعمال السيئة في بداية تذوقها وما يصاحب ذلك من مشاعر اللذة والزهو والغرور؛ أما (حواء) فهـي لا تعني الأنثى أو المرأة على الإطلاق، بل تمثل (نفس) آدم الأمارة بالسوء، أي حالة الاستعداد والجاهزية لفعل السيئات، أي هي القوة المخالفة لقوة الروح الخيرة، التي تدعو صاحبها وتغريه من داخله الى ارتكاب أعمال الشر المضادة لحقيقة روح آدم المتطلعة الى السمو والرقي والترفع عن العالم المادي المليء بالمغريات والمشتهيات.
لو طبقنا هذا التصوير أو التمثيل على جوانب القصة المختلفة وشخوصها، لظهر لها وجه آخر يتقارب في مفهومه مع العقل والمنطق، ويخالف ما دأب آباؤنا وأجدادنا على سرده وتكراره وتناقله من فم الى آخر، ولأدركنا ان الله سبحانه وتعالى يتكلم بمستوى عال رفيع، عجز عن إدراكه السلف الكرام وأهل الديانات السابقة، لأنه خالق كل العقول ولابد لكلامه من معان كثيرة وعميقة أبعد مراماً وأدق نظراً من تصورات خلقه؛ فطالما انه يتكلم مع البشرية جمعاء بكل عصورها وأجيالها ومراتبها وقدراتها، فلابد ان يكون لكلامه معان عميقة تتناسب مع عقول البشرية مهما تطورت على مرّ الدهور، لذلك قيل ان كلام الله يصلح لكل زمان ومكان، وليس مثل كلام رجال الدين الذي تمليه عليهم ثقافاتهم الوضعية واكتساباتهم الدنيوية، فتخضع للخطأ والصواب والإضافة والاختصار.
عندما خلق الله آدم أي (الإنسان) منذ الأزل، خلق فيه قوة الخير الخالصة الخالية من الشوائب، وبما ان هذا الخلق الجديد هو نفخة أو نفحة من نَفَسْ الله وروحه ومن صنعة يده، فلابد وان أول الخلق كان في البدء خيراً محضاً، أي لا شر ولا سوء في طباعه، لذلك عاش الإنسان الأول عيشة بسيطة بعيدا عن المساوئ والمنكرات وعصيان الله، (وحتى لو افترضنا له هفوات وزلات، فلقد كانت من البساطة التي وجب مسامحته عليها لقلة عقله وضحالة إدراكه).
فمنذ بداية عملية الخلق التي لا أول لها والمغمورة في قدم التاريخ الى الزمن الذي انتبه فيه الإنسان الى المغريات وأعمال السوء، أي الى زمن دخوله مرحلة التمييز، كان مثله مثل طفل حديث الولادة، بريئا في تصرفاته وأعماله وأفعاله ولا يحاسب عليها حتى لو ارتكب أفعالاً مخالفة للعرف والتقاليد وبدت عليها معالم الشقاوة والتمرد، فهو جاهل لا يقصد من وراء تصرفاته نية سوء؛ وهذه المرحلة، مرحلة براءة الأطفال، بدأت منذ الولادة أي منذ بداية الخلق واستمرت لملايين السنين حتى مرحلة التمييز.
إذن يمكن وصف فترة الطفولة والجهالة غير المميزة بفترة البراءة البشرية (كل البشرية) على الأرض، حيث كانت أعمال البشر على الفطرة وبدون مقاصد شريرة أو نوايا سيئة، وتتمثل في القصة، بأول زمن وجود آدم في الجنة (أي في الأرض) وامتدت حتى نهوض بذرة نفسه الأمارة بالسوء (حواء) من قمقم برائتها، عندما ابتدأ ينتبه الى الفرق بين الأنا والأنت، وبين نحن وهم. هنا راحت النفس الأمارة بالسوء بعد أن كبرت، تغوي الإنسان بالتقدم لأكل الثمرة أي (ارتكاب أعمال الشر)، أي امتد عمر فترة الجهالة حتى فترة التمييز الإنسانية، يعني ان الإنسان كان يعيش في فترة وجوده الأولى على الفطرة الخيّرة، وكان الخير الخالص يعم كل تصرفات البشر، لأن الأعمال بالنيّات، ونيّة الإنسان في ذلك الوقت كانت سليمة، لأنه كان بسيط العقل والتفكير والإرادة والمتطلبات، ولم تكن لديه رغبات مقصودة في السيطرة وحب التسلط والاعتداء والكذب والغش والخداع وحب الذات والرغبات الشريرة التي نعرفها اليوم. ولم تظهر صفات الإنسان السيئة المقصودة إلا ساعة موافقته على قبول اقتراح نفسه الأمارة (حواء) بالاقتراب من الرذائل والمنكرات وتذوق طعمها. في ذلك الوقت دخلت البشرية المرحلة الثانية أي مرحلة التمييز بين الأنا والأنت، وبين الخير والشر، والحلال والحرام.
يمكن من هذه الفرضية وهذا المفهوم القول ان حياة الإنسان على الأرض تنقسم الى عدة فترات، أو عدة مراحل، الأولى (فترة الخير المحض) وبدأت منذ بداية أمر الله عز وجل بإيجاد الخلق والتكوين، يوم أمر أمره المبرم القاطع وقال (كن فيكون) فكان الخلق والإيجاد، وتتمثل في القصة ببداية خلق آدم (الإنسان)، واستمرت هذه الفترة حتى بداية فترة التمييز. وهذه الفترة، أي المرحلة الأولى (فترة البراءة) لا يمكن تقديرها بالسنين لطول مدتها.
ثم جاءت مرحلة التمييز التي بدأت نفس الإنسان في محبة ذاتها وتفضيل رغباتها على غيرها، أي حب الأنا ورغبة الاستحواذ والتملك والحسد والتنافس السلبي، كما هو الحال مع الإنسان الفرد. ومن خلال هذه الأنانية راح يستبيح لنفسه حق الاستحواذ على أملاك الغير والاعتداء على حقوقهم وتفضيل نفسه عليهم. وبذلك تعتبر فترة بداية ظهور الأعمال الشريرة بين البشر وتعاملهم بها، هي بداية الدخول في المرحلة الثانية (فترة التمييز) التي بدأت منذ اللحظة التي انتهت فيها مرحلة الفطرة، حيث بدأ الشر المقصود ينتشر وينمو في نفوس بني الإنسان ويسود تعاملهم، وكان في بدايته فردياً، ثم راح يستفحل ليتدرج مع نمو البشرية بشكل جماعي كلما دخلت مرحلة جديدة من مراحل عمرها التالية ويأخذ شكله المنظم، فمرت بمرحلة الشقاوة والاعتداء وما رافقها من تجاوزات على حقوق الآخرين، ومرحلة التفاعل مع واقع الحياة ومحاولة تفهم حقائق الموجودات، ثم مرحلة التشييد والبناء وظهور الحضارات بمختلف أشكالها البسيطة والمركبة وما رافقها من أشكال التنافس والغزو العشوائي والحروب المنظمة، ترافقها مرحلة تنامي نضوج المتطلبات الجسدية والنفسية، والحاجة الى التعليم والتعلم وظهور الكتابة وبداية اختراع القوانين، فراحت البشرية ترتكب الأخطاء وتتعلم منها، وتميز الخطأ من الصواب والخير من الشر والحلال من الحرام فتتذبذب في مسيرتها بين ممارسة هذا وارتكاب ذاك، حتى وصلت لما هي عليه اليوم من تراكم المعارف والمعتقدات والتقدم العلمي، رافقها في ذلك كثرة الحروب والمظالم وتناوب الثورات الاجتماعية وما نتج عنها من تطور المجتمعات وظهور النظريات.
أما ما توصف به حياة البشر في فترتها الحالية وما تشبّه به، فهي فترة المراهقة، ومن المعلوم أن حياة الإنسان تتسم في هذه الفترة القصيرة بالنسبة لبقية فترات حياته بشدة النشاط وسرعة الحركة وتفجر الطاقات وجودة الاستعداد والقدرة على التعلم وصفة التمرد على الأنظمة والقوانين ومخالفة العادات والتقاليد ومحاولة التملص من رقابة الوالدين والرقيب والتذبذب بين حالتي الماديات والروحانيات، فكان انعكاس كل ذلك واضحاً على حياة البشرية على مر التاريخ الماضي. في المقابل، امتازت فترة المراهقة البشرية مرة باختراع أشد أنواع الأسلحة فتكاً، وتارة في السعي لاكتشاف أنجع الأدوية والمضادات الحيوية لمـا ينتشر من أمراض وأوبئة، مرة بتجاهل ما يجري من مظالم بين البشر، وأخرى مطالبته بوقف الممارسات غير الأخلاقية، والسعي الحثيث في طلب العلم والمعرفة، تقابلها فترات بالعزوف عن قوة العقل والتنكر له والاعتقاد بعدم فائدته؛ فكل هذه التناقضات والتباينات هي من معالم فترة مراهقة البشرية التي تمر بها في هذه المرحلة الحالية.
ان كل ما مرت به البشرية من مراحل مختلفة، يبشر بشكل لا لبس فيه استعدادها الحتمي لدخول مرحلة النضوج التالية، أي مرحلة الإدراك والنضوج الفكري والعلمي والسعي الى فعل الخير وتوقف أعمال الشر، وتقييم التصرفات وإدراك سبب تدهور الأحوال الى هذا المستوى الذي لا يتفق مع مستوى عقل الإنسان وقدراته، وعندما ستفهم ان كل ما يشاهد اليوم من انتشار للآثام والمنازعات والحروب والظلم، إنما مرده حصيلة الصفات السيئة والأفكار الخاطئة للنفس الإنسانية (حواء) ورغباتها الجامحة. عندها ستتوقف البشرية عن ممارسة هذه الأفعال غير اللائقة بها، ويبدأ الإنسان (آدم) في الدخول الى عالم الخير مرة أخرى وتأسيس (جنة) الله على الأرض من خلال العودة الى نداء العقل والروحانيات، فيصحح مساره ويضبط تصرفاته.
لذلك يمكن تفسير كل ما جرى ويجري لتاريخ البشرية من أحداث وتغييرات، إنما هو حلقات متتالية لتطور نموها، وما نعيشه اليوم ما هو إلا حلقة غاية في التعقيد والارتباك نتيجة تراكم خبرات الفترات السابقة والمرور بمرحلتي المراهقة والشباب الطائش التي ستنتقل منها قريبا وتجتازها بقوة العقل الى مرحلة الشباب الناضج المفعم بالاختراعات والاكتشافات السلمية والتطور الفكري والعلمي المجدي لتترجمها الى منجزات عملية مفيدة حتى تنعم بحياتها وترتاح في فترة نضوجها ورجولتها القادمة.
ان عمر فترة المراهقة البشرية قد تطول أو تقصر، وقد تستمر الى عشرات السنين القادمة أو الى مئات، فهذا يعتمد على مجيء لحظة الانتباه والسرعة في النضوج، وعندها ستصحح كثيرا من المفاهيم الخاطئة وتبدع لايجاد غيرها أفضل منها، وتعلم أن الله لم يخلق الشر والشرور، وإنما هو عدم صرف غير موجود، وتدرك أن حقيقة الشر ما هي إلا ابتعاد البشر عن مواكبة التعاليم السماوية، وتتخلى عن فكرة وجود الخير والشر معاً واعتبارهما مخلوقان صنوان لا يفترقان، وان سبب ظهور هذا الاعتقاد الخاطئ هو طول الفترة المظلمة الماضية من عمر البشرية التي استمرت لملايين السنين واستقراء البشرية الخاطئ لاسبابها ونتائجها، ولاستلذاذ البشرية بمذاق (الثمرة) الشهي لجهلها بمعرفة الخير وتمييزه عن مذاق الشر، وأن باستطاعتها الامتناع عن تناول (ثمرة) الشرور، وتفهم سبب استطاعة تلك القلة القليلة من المؤمنين بأديان الله على مر التاريخ في الابتعاد عن هذا المسار الخاطئ، وان ذلك لم يكن بسبب قوة عقولهم وسعة إدراكهم حصراً، بل لشدة ايمانهم وثقتهم بأحقية كلام الله وسلامة قلوبهم وطهارة نفوسهم التي أدت الى ابتعادهم عن هذه المساوئ، كما قال تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ)(1).
ويمكن كذلك تشبيه الفترات السابقة من عمر البشرية بالليل الطويل المظلم، وتشبيه المرحلة القادمة التي تقف البشرية اليوم على أعتابها بالنهار المنور المضيء، حيث ستتضح غالبية الأمور المعقدة للبشر وتتفجر الأفكار والعقول من خلال توالي تطور العلوم والمعرفة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسان، الى درجة سيكون فيها مستوى إنسان هذا القرن الذي نعيشه اليوم الى مستواه في المستقبل القريب، كمستوى الجهلة والأطفال بالنسبة للعلماء والمفكرين، وعندها سيعود البشر الى التمسك بعروة الدين والفضائل الإنسانية ويكتشفون توافق وتناغم علوم الأديان التي نادى بها الرسل والأنبياء مع العلوم المادية الصرفة، كما وعد سبحانه وتعالى في قوله الكريم (إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)(2).
إننا نعلـم ان طريقة الله مع خلقه هي امتحان حقيقة إيمانهم على الدوام من خلال إرسال رسل جديدة حتى لو وصلوا في مراتب إيمانهم وتقواهم الى مصاف الملائكة (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً)(3)، وذلك لمعرفة وتمييز المؤمن من الكافر والطيب من الشرير، فبهذه الطريقة الإلهية فقط يحتل الإنسان مقامه في العالم الآخر ان كان عالياً أم دانياً، فلما تحركت المشتهيات النفسية الأمّارة داخل آدم الإنسان حال انتقاله الى مرحلة التمييز، وتاقت واشتهت نفسه التقرب من المنكرات والرغبات النفسية التي أمره الله بالابتعاد عنها، وحاول تجربتها بالاقتراب منها وأكل الثمرة نتيجة تسلل رغبته النفسية (الحيّة) بهدوء وخفة الى داخل حقيقته، ونتيجة لجمال الثمرة (الأعمال السيئة) وشكلها الشهي، وبترغيب ودفع من نفسه الأمارة التي سميت (حواء) مجازاً والتي كانت كامنة في داخله بدون حراك، فلما تم نمو هذه النفس الغاوية وكبرت وتمكنت من تحريك سواعد الإغراء ووجدت المقدرة على إغواء آدم بعمل المنكر عن قصد وسابق تخطيط (وهو عصيان أمر الله القاضي بعدم التقرب من المنكرات)، وتسللت إليه كما تتسلل الحيّة بهدوء وخفة دون ان يشعر بها صاحبها، أقدم الإنسان (آدم) على الاستجابة لرغباته النفسية من حواء (نفسه الأمارة)، وانتقل من مرحلة البراءة والنقاء والطهارة التامة والفطرة الخيّرة الى مرحلة الصراع بين روحه ونفسه، فالروح تطالبه بالسمو والرفعة والتمسك بأحكام الله وتدعوه الى أعمال الخير عبر تعاليـم أنبيائه ورسله، والنفس تدفعه الى العصيان وتغويه الى عمل المنكرات، وبقي هذا الإنسان المتمثل بآدم ينحرف تارة الى هذه وأخرى الى تلك، لكن السمة الواضحة الغالبة في هذه المرحلة كانت سيطرة النفس الأمارة على البشر وانتشار الآثام والموبقات، وما حالة البشر المتردية في هذه الأيام الا صورة جلية واضحة لوقوفهم على قمة هذه المرحلة وأوج عنفوانها. لكن لابد لهذه المرحلة من نهاية ولا بد لها من جلاء، وعند انتهاءها ستدخل البشرية المرحلة الجديدة، مرحلة العقل والمعقولية والنضوج والمنطق السليم والاقتراب من الصفات المثلى ووقف المنازعات والحروب وضرورة الاتحاد بين بني البشر وانتشار السلام العالمي والرجوع الى الله والعمل بأوامره ومرضاته.
لكن هذا لا يأتي دفعة واحدة ولا في ساعة واحدة، بل يحتاج الى سنين طويلة وعمل دؤوب شاق، وبعد ان يمر على البشرية زمن قد يطول أو يقصر في هبوط سفح جبل الشرور، وعسى ان يكون هذا النزول سريعا حتى تعود لتبدأ تسلق سفح جبل العقل والأخلاق والمثل والقيم العليا الجديد. والله الحافظ للجميع.
من المهم إدراك معنى انتهاء مرحلة المراهقة الحالية، فهي تشمل كل ما هو موجود تحت جناحها وظلها من قوانين ونظم وثقافات وأفكار ومبادئ وأديان ومذاهب وحضارات. وما انتشار فكرة وجود الخير والشر معاً عند الإنسان التي اعتمدت على أساسها غالبية الديانات والقوانين الوضعية والشرائع والأفكار والثقافات في صياغة مفاهيمها وقوانينها، الا من إفرازات هذه المرحلة والمراحل السابقة. ومهما امتد زمنها، فلابد ان تنتهي ويضمحل تأثيرها وتدخل البشرية مرحلة العقل والإدراك والرجولة الناضجة والحضارات السامية والعقائد الرائعة والإنسانية المثلى.
لقد كتب الفيلسوف أفلاطون عن المدينة الفاضلة وتصور إمكانية وجودها، وما تنبأ به هذا الفيلسوف لهي نظرة خارقة وعبقرية فذة استطاع من خلالهـا رؤية إمكانية وجود هذه المدينة إذا توفرت ظروفها، ولقد سبق هذا الرجل عصره بفكرته آلاف السنين، لكن الذي غاب عنه ولم يتمكن من تصوره، ان هذه المرحلة الراقية التي حلم بها، مرتبطة بتطور الإنسانية وتنور عقولها ومفاهيمها التدريجي التي لـم تكن قد نضجت في زمانه بعد، ولا بد انه كان ينظر الى نفسه وأقرانه ثم يتصور ويفكر ويكتب ويؤلف، لذلك ترك للأجيال تلك الفكرة الرائعـة.
ونحن لا نقول بتأسيس المدينة الفاضلة فقط، فهذا هدف تحقق اليوم بالفعل، فالمدينة الفاضلة موجودة في أنحاء مختلفة من الأرض هذا اليوم، وهناك كثير من المدن، صغيرة كانت أم كبيرة، يعيش أهلها في حالة من السعادة والراحة المادية والهناء والتنعم بالأمن والاستقرار لا يشوب حياتهم أي نوع من أنواع المشاكل والمنغصات، وهي مستمرة على الدوام باستقطاب كبار الأغنياء وميسوري الحال من مختلف بقاع الأرض. لكننا نقول بإمكانية تأسيس الأرض الفاضلة، كرة أرضية فاضلة، بكل أقوامها ومللها وشعوبها ومجتمعاتها وألوانها وأديانها وثقافاتها وأفكارها ولغاتها، لأن البشرية كما أثبتنا، تدخل في هذا القرن مرحلة الاستعداد لولوج فترة العالمية الفاضلة. فسمو عقل الإنسان وتطور مبادئه وأفكاره وخبرته الطويلة واستعداداته التي لا حدود لها كفيلة بتحقيق كل ذلك.
اذن يمكن استخلاص معنى رائع من معاني هذه القصة الخفية (قصة آدم وحواء)، وهو: أن للإنسانية مراحل مشابهة تماما لمراحل نمو الإنسان الفرد، مثل: الطفولة والبراءة والميل نحو اللعب والمراهقة والتمرد والفوضى والعصيان والنضوج والتعقل. وهذا المفهوم كرر الله سبحانه وتعالى ذكره في كتبه، وحث الإنسانية على إدراك كنهه الخفي الذي حفظه لآلاف السنين بين كلمات آياته، لمعرفته المسبقة وعلمه الغيبي بمقدار عمر البشرية وتسلسل تطورها وعدد مراحلها وحاجتها فيما بعد لتفهمه وتطبيقه في حياتها. وليس المعنى المنتشر الساذج الذي يتكرر على الألسنة دون تأمل معانيه. سيفي سيفي

الهوامش
1 - سورة سبأ آية 13.
2 - سورة هود آية 81.
3 - سورة الإسراء آية 95.


وتابعوا معي في المقال القادم.......... وقصة سفينة سيدنا نوح عليه السلام



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية1-6
- وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!2-2
- وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!1-2
- هل الفكر الجديد أمر سهل أم أنَّه تَحُفُّه مجموعة من الصعاب و ...
- هل الفكر الجديد أمر سهل أم أنّه تَحُفّه مجموعة من الصعاب وال ...
- هل الفكر الجديد أمر سهل أم أنّه تَحُفّه مجموعة من الصعاب وال ...
- هل الفكر الجديد أمر سهل أما انه تَحُفّه مجموعه من الصعاب وال ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! الالتز ...
- النضج الإنساني، الروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! من مظا ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! العلم ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! البلوغ ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! (4-8)
- يا وزارة الأوقاف : البهائية تعترف بسماوية الرسالة المحمدية و ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان -هذا اليوم-!3-8
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم } (2-8)
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم} (1-8)
- الحياة و الموت في كتب الله
- النفْس
- «إعتبروا الموت بأنه عين الحياة» حضرة عبدالبهاء
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية3-3


المزيد.....




- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية2-6