أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية3-3















المزيد.....


الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية3-3


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 4574 - 2014 / 9 / 14 - 19:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد وصلنا إلى فترة من الوقت - نهاية كل من القرن و نهاية الألفية - التي لها أهمية مزدوجة بسبب خسارتنا للإيمان الديني الحقيقي (كما تجلى في إنحطاط الأخلاق الخاصة والعامة) و إضطرابنا العصبى المتعمق كما وصفه كارل يونغ: "تُعبّر [الأديان] عن المدى الكامل للمشكلة النفسية في صورٍ قوية، بل هي الإقرار والإعتراف بالنفس، و في نفس الوقت الكشف عن طبيعة النفس. و من هذه القاعدة الشاملة فلا نفس إنسانية يتم عزلها؛ فقط ذلك الوعي الفردي الذي فقد إتصاله بالجمع الكلى النفسى psychic totality و الذى لا يزال عالقاً في وهم بأن النفس هي منطقة صغيرة محددة، وهو موضوع يصلح للتنظير ’العلمى‘. و أن فقدان هذه العلاقة العظيمة هو الشر الرئيسى وراء الإضطراب العصبى ... "
و حتى الآن فهذه الحالة من الإنحلال الأخلاقي والإضطراب العاطفي ليست شيئا جديدا، لأنه يبدو أن البشرية كانت دوماً و دورياً تعيد اكتشاف جذورها الروحية في خضم الفوضى والشقاق، بالأخص ذلك الذى يرافق التغيير.
دبليو بى ييتس، واحد من أعظم الشعراء في هذا القرن، قد إلتقط مزاج هذه اللحظة التاريخية، على عتبة عهد جديد، في قصيدة جديرة بعنوان "المجيء الثاني":
"يلف و يلف في دورات تتسع، فالصقر لا يمكنه سماع صاحبه؛ الأشياء تتداعى، والمركز لا يمكن ان يستمر متماسكاً؛ فالفوضى المجردة أطلق عقالها على العالم، واطلق عقال المد و الجزر بلون الدم القاتم، و غرق حفل البراءة في كل مكان، فالأفضل هو من يفتقر لكل إيمان راسخ، في حين أن الأسوأ مليئ بكثافة الشهوة."
إن قصيدة ييتس ليست فقط تحتفل بميلاد حضارة جديدة، ولكنها تؤكد أيضا على فترة من الإضطراب الحاد التى ترتبط وثيقاً و تسبق إنشاء نظام أخلاقي جديد. فصُوَر ييتس الدينية المجازية تترك القارئ فيما لا شك فيه بالنسبة لطبيعة المجتمع العالمي الذى توقعه والذى ينهض الآن.
شاعر شهير آخر، و الذي بطريقة مماثلة عاش في عصر الفرص لا كما عضرنا نحن، تحدث عن التفكك و الإنخلاع والشك في جيله. في قصيدة من القرن السابع عشر بعنوان "الذكرى الأولى" كتب جون دون يقول: "وفلسفة جديدة تدعو الجميع لكل موضع شك: إن عنصر النار تم إخماده تماماً؛ و فُقدت الشمس، والأرض، و لا لفطنة رجل يمكن أن توجهه أين يبحث عنها. "تس --- الكلٌ قِطعٌ مكسرة و كل التماسك ذهب."
في وقت لاحق في القرن السابع عشر قصيدة جون درايدن "قناع العلمانية" وشملت مرثية لعصره، وهى واحدة يمكن على حد سواء تطبيقها على يومنا هذا: "كل شيء، كل قطعة في جميع الأنحاء: مطاردتك كانت فى رؤياها وحشاً؛ حروبك جلبت لا شيئ؛ جميع عشاقك غير حقيقيين. تس، كذلك شيخوخة تخرج، والوقت للبدء من جديد".
في الوقت الحاضر لقد وصلنا إلى لغز مزدوج: قلنا أن الدين هو و قد كان السبب فى فترة الصراع، و مرة أخرى، و أيضاً بدون دين فالبشرية تنزلق فى إضطراب عصبى ذاتي التدمير. علاوة على ذلك، لا يمكن لجهد دائم لخلق العدالة والوحدة والسلام بمقدوره تجاهل الدور الرئيسى للدين.
فأي محاولة لتحقيق نظام عادل في العالم لن تكون ممكنة من دون أن يسبقها تحوّل فى الإيمان من خلال ظهور جديد لتراثنا الروحي المشترك. و علامات مثل هذه الصحوة واضحة في توقان الملايين من الناس في البلدان الشيوعية السابقة للحياة الروحية. و في حين لا ينبغي لولادتنا الجديدة الروحية أن ترفض التقدم الذي حققه العقل منذ عصر التنوير، يجب أن نضع وراءنا الممارسات البشرية الدينية المأساوية الكثيرة. فالتحدي الذي يواجهنا، بطبيعة الحال، هو التغلب على سوء الفهم و التحاملات التي هي سبب الفتنة بين الأديان المختلفة، وبدلا من ذلك نبنى على المعتقدات الأساسية التي تشترك فيها جميعاً. فالجنس البشري يتمتع بإرث دينى-ثقافي مشترك، لأن الثقافة والحضارة في النهاية مبنية على الدين. و عندما نبدأ في البحث عن الحقائق العالمية التي نتفق عليها، سنجد أنفسنا تتجلى فينا بشكل جماعي "علامات الوحدانية وجوهر الإنقطاع". على حد تعبير عبد البهاء:
"إنّ النّزاع بين الأديان والأمم والأجناس ينشأ عن سوء التّفاهم، وإذا نحن تحرّينا الأديان في سبيل اكتشاف المبادئ التّي تقوم عليها، فسنجدها جميعًا متّفقة فيما بينها، لأنّ حقيقتها الأساسيّة واحدة، لا تعدّد فيها، وبهذه الطّريقة سوف يصل أهل الأديان في العالم إلى ملتقى الوحدة والوئام". (عبدالبهاء، دراسات بهائيه، بهاءالله والعصر الجديد)
كما لاحظنا، فالجوانب الروحية والأخلاقية والدينية تشكل جزءا هاما من الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان. و أن الحقائق الخالدة قد كُشفت للبشرية في مراحل مختلفة فى تقدمنا ونمونا: إن صور الأديان في العالم قد تختلف، ولكن جوهرها هو واحد و نفس الذات. فكل الأنبياء المؤسسين لأديان العالم قد تحدثوا عن المطلق (الله)، الينبوع الأوحد للنور و الهداية الأخلاقية. و لنأخذ مرة أخرى مثالاً من الأدب، شيلي في "أدونيس" مرثاته النبيلة التى كتبها فى وفاة زميله الشاعر جون كيتس، إلتقطت معنى هذه الوحدانية: "الواحد يظل باق، و الكثرة تتغير و تذهب؛ ضوء السماء يضيء إلى الأبد، ظلال الأرض تطير، و الحياة، مثل قبة من زجاج عديد الألوان، تخضب الوهج الأبيض للخلود، حتى يدوسه الموت الى شظايا".
في التقاليد الإسلامية، فإن رمز ذلك الينبوع منارة الأخلاق و الهداية، النقطة المجازية التي يجب علينا جميعا أن نشد الرحال إليها، هى الكعبة. و الحكاية الرمزية التالية من القرن الثالث عشر الميلادى منسوبة إلى جلال الدين الرومي الصوفي العرفانى العظيم، يناقش هذه النقطة نفسها باستخدام مفهوم الكعبة السماوية: "على الرغم من أن الطرق عديدة، فالجهة المقصودة هى واحدة. ألا ترى عديداً من الطرق الى الكعبة. للبعض فالطريق من الأناضول، و للبعض من سوريا، و للبعض من بلاد فارس، و للبعض من الصين، ولا يزال للآخرين طريق البحر من الهند واليمن. لذلك، فإذا نظر الفرد إلى الطرق فقط، فثمة إختلافات كبيرة ومسافات بين بعضها البعض غير نهائية، ولكن إذا ما نظر الفرد إلى المكان المقصود (الغاية)، يتفق الجميع بالإجماع، وذلك لأن قلب كل فرد متوجه نحو الكعبة. فجميع القلوب لديها حب قوي و تعلق وجدانى بالكعبة. هناك لا يوجد تناقض لأن هذا التعلق بالكعبة هو فوق الإيمان والكفر. وبعبارة أخرى، فإن هذا التعلق لا علاقة له مع تلك الطرق المختلفة المؤدية للكعبة. وبمجرد وصولهم إلى الكعبة، تلك النزاعات، و المخاصمات، والإختلافات التي وقعت على الطريق تختفي. فإنه ليس سوى في الطريق يظلون يقولوون لبعضهم البعض، ’أنتم مخطؤن، أنتم كفاراً‘. ولكنهم عندما يصلوا إلى الكعبة، يصبح من الواضح أن مخاصماتهم كانت فقط على الطريق، في حين كانت وجهاتهم واحدة و ذات نفسها."
العبارة الافتتاحية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص بشكل قاطع أن الفلسفة التي يقوم عليها الإعلان العالمي UDHR هى الإيمان العميق و الإعتقاد الراسخ "في كرامة وقيمة الإنسان"، و ذلك: "[أن] الإعتراف بالكرامة المتأصلة فطرياً والحقوق المتساوية والثابتة لجميع أعضاء الأسرة البشرية هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم".
و كل التقاليد الروحية تؤكد أن الإنسان في تقسيمه الثلاثي: العقل، الجسم، والروح خلق على صورة الله. و تتفق الأديان السماوية على أن جملة العقل و الجسد والروح تميّز الكائن البشري وترفعه الى مقام هو أعلى مما تتمتع به الحيوانات (بلا نفس) والملائكة (بدون جسد). فمقام الإنسان المفضل إعترفت به جميع الكتب المقدسة الكبرى في العالم مما يؤدي حتما إلى إستنتاج مفاده أن الحط من قدره أو إذلاله بأي شكل من الأشكال أمر غير مقبول عند الله. فحياة الشخص، أسرته، وممتلكاته كلها مقدسة و لا تنتهك حرمتها. و أن الرحمة والرعاية لجميع عبيد الله، بغض النظر عن الدين الذي يختارونه، هو مسعى أجدر بكثير من قتل أو إيذاء الآخرين بسبب الحماس المفرط في سبيل الله. و في فصوص الحكمة لمحيي الدين بن عربي (1165-1240 م)، أعظم شعراء الصوفية، نصادف القصة التالية: "أراد داؤد بناء المعبد، وقد فعل ذلك عدة مرات، ولكنه كلما فرغ من الانتهاء منه، يخر ساقطاً. ثم شكا داؤد ذلك إلى الله. فكشف الله له: ’إن معبدى لا تبنيه أيدى من سفك الدماء‘. عندها قال داود: "أوه، يا رب، ألم يكن ذلك الفعل من أجلكم؟ فأجاب: نعم، ولكنهم كانوا أيضا عبيدى".
وكان أبو حامد محمد الغزالى ( 1058 – 1111م )، الذي عاش فى القرن قبل ابن عربي، و كان يمثل القديس أوغسطين [فى المسيحية] بالنسبة للإسلام و كان أعظم اللاهوتيين في عصره فى العالم الإسلامي. وبتخليه عن تعليمه الأرثوذكسى المكثف أصبح غير راضٍ عن النهج الفكري و الفقهى التشريعى للدين، وأعلن بدلا عن ذلك إعتقاده التام في عقيدة الحب الكونى. لا أى مفكر سواء من الشرق أو الغرب قد عرّف بكل النبل عظمة مقام الإنسان كما فعل الغزالى في مقدمته (كيمياء السعادة). "أعلم أيها الحبيب، أنه لم يتم خلق هذا الإنسان من باب الدعابة أو عشوائيا، ولكنه خُلق فى أحسن الصور و لأسمى الغايات. على الرغم من انه ليس من الأبدية، ولكنه يعيش إلى الأبد؛ وعلى الرغم من أن جسده هو وسيلة و ترابى، ولكن روحه سامية و سماوية. و عندما يتم وضعه في بوتقة الإمتحان القاسى من التقشف فإنه يتم تطهيره من الشهوات الجسدية و يبلغ المعالى، وبدلا من أن يكون عبداً للشهوة والغضب يصبح موهوباً بالصفات الملائكية. و ببلوغه تلك الحالة، يجد جنته فى التأمل فى الجمال السرمدى، ولم يعد له في المباهج الجسدية. فإن الكيمياء الروحية التي عملت هذا التغيير فيه، مثل تلك التي تحوّل المعادن الخسيسة إلى ذهب، ليس من السهولة كشفها... "
هذا المقطع يؤكد ليس فقط السبب لماذا ينبغي تكريم واحترام كل شخص، ولكن يشير أيضا كيف يمكننا غرس مثل هذا الإحترام لإخواننا من بني البشر بغض النظر عن العمر أو اللون أو العرق أو الجنس، أو العقيدة. في الحقيقة، أن كلمات الغزالى تؤكد على الضرورة الملحة لمدارسنا وجامعاتنا للإعتراف بأهمية تدريس حقوق الإنسان. و في الوقت نفسه، يجب علينا المضي قدما وبطريقة مبتكرة و بهمة لنقل مناقشة حقوق الإنسان خارج أروقة الأوساط الأكاديمية المقدسة الى مساحات أوسع فى السوق الفكرى. ففي قلب أي مناقشة لحقوق الإنسان، وعلاقة الإنسان بالإنسان، تقع مسألة مم يتشكل الجنس البشرى، وكيف أن البشرية قد تجد التعبير عن نفسها فى أقصى حد. و عندما تعجّب هاملت شكسبير مندهشاً، "ما أروع هذا المخلوق الإنسان!" وسوفوكليس، فى أنتيجون، يعلن "إن عجائباً كثيرة على الأرض، وأعظمها هذا الإنسان"، فإنهم أضافوا روابط جديدة لسلسلة من الحدس و الإستبطان تمتد الى الوراء على مدى قرون عديدة. و منذ 2300 سنة طرح ناظم المزامير (فى التوراة) هذا السؤال: "فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ." (مزامير، 8: 4 – 5).
وقد أجاب على السؤال الذي طرحه ناظم المزامير قبل وبعد زمانه سلسلة من المربين المستنيرين، و المطالع الإلهية، والأنبياء، ورسل الله. يتكلمون جميعهم عن "الملكوت الإلهي فى الإنسان" و يحضون الإنسانية لتنهض لتنال مقامها الصحيح ونبلها. و في الواقع فإن هؤلاء المربون يؤكدون على أعظم الحقوق جميعاً، و سلامة و حرمة كرامة الإنسان. و الأنبياء إشترطوا أيضا مسؤولية كل فرد لضمان الحقوق المتساوية لإخوتهم في الإنسانية. و هكذا نقرأ في الكتب المقدسة المختلفة:
" وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا." (حزقيال، 36: 27). (اليهودية)
" دقيقة أكثر من الدقيقة، أعظم من عظيمة، هى الروح (أتمان) التي نُفخت في قلب مخلوق هنا." (كاثا أبانيشاد، 2: 20). (الهندوسية)
" ثم ألم تر إلى كمال خلق الانسان كيف انطوت فيه كل هذه العوالم واستترت هذه المراتب. أتحسب انك جرم صغير **** وفيك انطوى العالم الأكبر؟". (الوديان السبعة، ص: 34) (البهائية)
"أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ." ( I- كورنثوس، 3: 16 – 17). (المسيحية)
" إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ "، (القرآن، 38: 71 – 72). (الإسلام)
"أنا هو نفسه لجميع البشر، وحبي الى الأبد هو نفسه، ولكن أولئك الذين يعبدوننى بتفانٍ و تقوى، فهم فيّ وأنا فيهم." (بهاقافات غيتا، 9: 29). (الهندوسية)
و الكتب المقدسة تحثنا الى مزيد من الترابط مع بعضنا البعض كإخوة وأخوات، وليس كأعداء وخصوم، في علاقة و التى هى روحية وإجتماعية في آن معا: " لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا. " (I- كورنثوس، 12: 13). (مسيحية).
إن "الروح الواحدة" التى أكدت عليها هذه الآيات المقدسة تقترح وحدة الرؤية و الأخلاقيات التي لها آثار حاسمة على الطريقة التي نفكر بها عن أنفسنا والمجتمع والطبيعة. ومن حيث مفهوم حقوق الإنسان يمكن للفرد أن يقول إذا كان كل واحد منا يتكون من جوهر الجميع والجميع من جوهر كل واحد، إذن فإنه تدمير ذاتى حين تشويه سمعة، وإذلال، أو ضرر إنسان آخر. وعلى نفس المنوال فإنه تعزيز ذاتى بإحترام، و ثناء، ورفعة، و تعزيز مصالح الآخر ما دام على مستوى الروح نحن متطابقون. على حد قول جبران خليل جبران: "أصْلى هو أصلهم، وجدانى هو وجدانهم، خصامى هو خصامهم، وحَجي هو حجهم. فاذا أذنبوا، فأنا أيضا مذنبٌ. و إذا ما أدوا أداءاً جيدا، أشعر بالفخر لأدائهم الجيد. و إذا نهضوا، أنهض معهم. و إذا بقوا خاملين، أشاركهم كسلهم."
إن أكبر عائق أمام الوحدة في عالم ما بعد الحرب الباردة هى ليست عقيدة سياسية بل الفتنة الدينية والثقافية. فإذا ما كان للنظام العالمي لحقوق الإنسان أن يتحقق، فإن الرجال والنساء من أهل الإيمان بحاجة الى أن ينظروا بعضهم البعض بعين من هو خلقنا جميعا. و كدليل ملموس على وحدة نسعى لها، لابد من الإعتراف في دائرتنا بالمشككين والملحدين لأنه سبحانه و تعالى هو مثل الشمس تشرق بأشعتها على كل شيء مخلوق من دون تمييز. و يجب على أعضاء مختلف الأديان تجاوز حرفية الكتاب المقدس و العقيدة و التقاليد و الأيدولوجيا. و يجب أن يتعلم المؤمنون الإستماع إلى الصوت الإلهي يتحدث من خلال الوحي والتاريخ ومعاً يفهمون ماذا يقول الله لكل واحد منا من خلال دينه الخاص به ومن خلال أديان الآخرين. ولكن ربما أيضا ينبغي أن نأتي لمعرفة ما يدعوه جيرالد قورت "الآخر في أنفسنا":
"قبل طرح أسئلة بشأن آخر هناك، علينا أن نسأل عن الآخر فينا، إن جارنا الأنبل الأسمى و كذا الرفيق – هو روحنا نحن- التى تصافح بيد واحدة جسدنا وعقلنا هنا على الأرض، و بالآخرى تتمسك بثبات بالحقيقة التي تتجاوز ذاتها. وعندها فقط يمكننا أن نأمل أن نرحل من يد إلى أخرى، من الكثرة الى الواحد. من هنا، ليعرف الفرد الحقيقة حول ذاته وحول الآخر فهى أن يعرف حقيقة النفس، والتي في وقت واحد تميزنا كأفراد و تعولمنا كلنا مجتمعين. النفس الأولى، ثم الله! "
"أعرف نفسك". قرأ سقراط هذه الكلمات على أوراكل دلفي (ضريح مقدس فى مدينة دلفى)، فهى تمثل له أصل كل الحكمة. وبعد ألف سنة ساوى الحديث الشريف الإسلامى معرفة النفس بمعرفة الله والحقيقة: "من عرف نفسه فقد عرف ربه". و ألف سنة بعد الرسول الأعظم للإسلام، مرة أخرى نفس الرسالة عُبّر عنها بوضوح في كلمات حضرة بهاءالله:
"يَا ابْنَ الرُّوحِ - خَلَقْتُكَ غَنِيّاً كَيْفَ تَفْتَقِرُ، وَصَنَعْتُكَ عَزِيزاً بِمَ تَسْتَذِلُّ، وَمِنْ جَوْهَرِ العِلْمِ أَظْهَرْتُكَ لِمَ تَسْتَعْلِمُ عَنْ دُونِي، وَمِنْ طينِ الْحُبِّ عَجَنْتُكَ كَيْفَ تَشْتَغِلُ بِغَيْري؛ (حضرة بهاءالله، الكلمات المكنونة: 13)
-----------------------------
ما يميز علم النفس اليونغي هو فكرة أن هناك مركزين للشخصية. الأنا ego و هو مركز الوعي، بينما الذات Self هى مركز للشخصية الكلية، والتي تشمل الوعي واللاوعي، والأنا. و أن الذات هى الكل والمركز معاً. في حين أن الأنا هو مركز مكتفى بذاته صغير من الدائرة المحتواة في داخل الكل، و يمكن فهم الذات باعتبارها الدائرة الأكبر.
-------------------------------
إنتهى.



قائمة المراجع للمقال كله بأجزاءه 1-2-3 Bibliography
Allott, Philip, 1990, Eunomia: New Order for a New World, Oxford University Press, Oxford.
Abdu l-Bahá-;---;-----;---, 1945, Foundations of World Unity, Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- Publishing Trust, Wilmette IL.
Abdu l-Bahá-;---;-----;---, 1980, Bahá-;---;-----;--- u llá-;---;-----;---h and the New Era, Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- Publishing Trust, Wilmette IL.
Abrams, M. H., et al., eds., 1968, The Norton Anthology of English Literature, 2 Vols., W. W. Norton & Company, New York.
Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- International Community, "Indivisibility of Human Rights," Statement to the United Nations World Conference on Human Rights, Vienna, 1993.
Bahá-;---;-----;--- u llá-;---;-----;---h, 1988, Tablets of Bahá-;---;-----;--- u llá-;---;-----;---h, Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- Publishing Trust, Wilmette IL.
Bahá-;---;-----;--- u llá-;---;-----;---h, 1992, Hidden Words, Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- Publishing Trust, Wilmette IL.
Bennett, Roger E., ed., The Complete Poems of John Donne, Hendricks House, New York.
Claude, Richard and Burns Weston, eds., 1992, Human Rights in the World Community, University of Pennsylvania Press, Philadelphia.
Cranston, Maurice, 1973, What are Human Rights?, Taplinger, New York.
Al-Ghazzali, 1980, The Alchemy of Happiness, Octogon Press, London.
Gort, Jerald D., et al., eds., 1992, On Sharing Religious Experience, William B. Ferdmazns Publishing Company, Grand Rapids, MI.
Gurr, Ted, 1993, Minorities at Risk, United States Institute of Peace Press, Washington, DC.
Hick, John, 1985, The Experience of Religious Diversity, Gower Publishing, Aldershot.
Jüng, Carl Gustav, 1980, Collected Works, ed. H. Read, trans. R.F.C. Hull, Princeton University Press, Princeton, NJ.
Küng, Hans, 1991, Global Responsibility, Crossroads, New York.
Sharma, Ahanker Dayal, et al., eds., 1993, Contemporary Relevance of Sufism, Indian Council for Cultural Relations, New Delhi.
Sheen, Fulton J., 1948, Philosophy of Religion, Appleton, Century, Crofts, New York.
Shoghi Effendi, 1982, The World Order of Bahá-;---;-----;--- u llá-;---;-----;---h, Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- Publishing Trust, Wilmette.
Smith, Cantwell, 1981, Toward a World Theology, Macmillan, London.
United Nations, 1951, "Our Rights as Human Beings," United Nations Publications, New York.
Universal House of Justice, 1985, "The Promise of World Peace," Bahá-;---;-----;--- í-;---;-----;--- Publishing Trust, Wilmette IL.

هذه الورقة توجد على موقع المكتبة البهائية على النت Bahai Library Online على الرابط أدناه
http://bahai-library.com/bushrui_foundation_human_rights
ترجمة حامد المعلم



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية2-3
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية 2-3
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية1-3
- احتجاب سراج الدين وانحراف الطبيعة الإنسانية!
- تقسيم العالم بواسطة الدين كيف تم ولماذا؟3-3
- تقسيم العالم بواسطة الدين كيف تم ولماذا؟ 2-3
- تقسيم العالم بواسطة الدين كيف تم ولماذا؟1-3
- السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ 5-5
- السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ 4-5
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان - وجهة نظر بهائية
- السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ 3-5
- السّلام العالميّ وَعْدٌ حَقٌّ 2-5
- السّلام العالميّ وَعْدٌ حَقٌّ 1-5
- خاتم النّبيّين
- نهجا الحياة
- رسالة مفتوحة من البهائيين بمصر إلى كلّ المصريّين
- صعود السيد المسيح
- التقاليد خلاف الحقيقة
- حقيقة مسألة التّناسخ التي يعتقدها بعض الملل
- في بادرة غير مسبوقة-رجل دين بارز في ايران يدعو إلى التعايش ا ...


المزيد.....




- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية3-3