أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلعت رضوان - الجثة : قصة قصيرة















المزيد.....

الجثة : قصة قصيرة


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4761 - 2015 / 3 / 28 - 14:35
المحور: الادب والفن
    



كانت المرة الأولى التى أرى فيها خالى يبكى . لم يبك وهو يرى ابنته تحتضر فى المستشفى ، ولم يبك عندما كان يُصلى عليها فى المسجد ، ولم يبك وهو يتلقى العزاء من الجيران والأصدقاء ، ولكنه بكى عندما رفض الأقارب دفن جثة ابنته فى مدافن الأسرة.
دافع خالى عن نفسه وقال : المدفن لكل عائلة البنهاوية. وأنا بنهاوى أصيل وأدفع الاشتراك السنوى وأساهم فى أى اصلاحات للمدفن ، فلماذا ترفضون دفن ابنتى؟
ردّ ابن عمتى الدكتور (ز) المسئول عن مدفن الأسرة : أنت تعلم.. وكلنا نعلم أنها ليست ابنتك.
صحيح كان خالى يعلم وأنّ كل أفراد العائلة كانوا يعلمون أنها ليست ابنته. وصحيح أنهم قاطعوه عندما عرفوا أنه جاء بها من أحد الملاجىء. وقالوا – فى وجهه – ((ما فعلته حرام)) وأضاف الدكتور (ز) الذى تزعّم الحملة ضد خالى : جايز ابن أخته (وأشار إلىّ) أقنعه بإنْ الحرام والحلال من مُـخلفات المُـتخلفين أمثالنا.
مضى على هذا المشهد أكثر من ثلاثين عامًا ، عندما كانت الطفلة بنت عاميْن ، واختار لها خالى وزوجته اسم (هدى) ومع مرور الأعوام اعتقد خالى أنّ النار التى أشعلها الدكتور (ز) هدأتْ ، ولم يبال بالمُـقاطعة ، وأصبحتْ الطفلة (هدى) طبيبة وعروسة على وشك الزفاف ، إلى أنْ جاء ملاك الموت وخطفها من الأم والأب اللذين ربياها.
بعد أنْ صلينا على جثة الفتاة ، همس أحد الأقارب المُـتعاطفين مع خالى ، أنّ الدكتور (ز) اتصل بالتربى وأمره بعدم فتح باب المدفن . نقلتُ لخالى توجسى وخشيتى من المواجهة. ردّ علىّ بطيبته المعهودة فيه ، أنّ ثلاثين عامًا مضتْ لابد أنْ تكون غيّرتْ النفوس والعقول. وبهذه الطيبة وهذا التفاؤل تقــدّم من الدكتور (ز) وقال له : يا دكتور هدى مكتوبة باسمى بشهادة ميلاد رسمية.. يعنى أصبحتْ بنهاوية أصيلة. انفعل الدكتور (ز) وقال : لا تقل بنهاوية. نحن لا نعلم أصلها.. وأنا بنفسى ذهبت لدار الأيتام وقالت لى مديرة الدار، أنها استلمتها من قسم الشرطة. وجاء فى المحضر أنه تمّ العثور على الطفلة (بنت الشهريْن) أمام مسجد سيدى الكومى.
أدار الأقارب الذين جاءوا للتضامن مع الدكتور (ز) وجوههم عندما رأوا خالى يبكى من جديد. وقال أحد الأٌقارب من كبار السن للدكتور (ز) كفايه كدا يا دكتور.. والأستاذ (م) (أى خالى) مهما كان واحد من العيله وحسابه عند الله. لم يبال الدكنور (ز) بكلام الرجل وألقى بآخر قذائفه فى وجه خالى : إحنا عارفين إنْ شهادة الميلاد رسمية.. بس إحنا كمان عارفين الحيلة اللى عملها المحامى اللى رفع دعوى باسم زوجتك لصدور حكم بصحة النسب. وإنت خالفتْ شرع الله وشهدتْ فى المحكمة بإنْ البنت من صلبك . وأنا كان ممكن – بعد ما سألتْ واحد محامى كبير- أتدخل فى الدعوى.. وأطلب تحليل دمك ودم البنت.. بس أنا رأفتْ بحالك.. وقلت لنفسى ولكل العيله كفايه علىّ نصيحتك ومقاطعتك وحسابك عند الله.
همستْ زوجة خالى فى أذن زوجها.. فأشار خالى إلىّ وطلب منى مساعدته فى حمل الجثة. كانت سيارة الموتى قد انصرفتْ . وضعنا الجثة فى سيارة خالى الكبيرة . فى الطريق أخرجتْ زوجة خالى الموبايل وأجرتْ اتصالا. طلبتْ من الشخص الذى ردّ عليها أنْ يفتح حوش مدفن الأسرة. يبدو أنّ رد الطرف الآخر لم يُـعجبها ، سمعتُ صراخها فى الموبايل : إنت اتجننتْ. هدى بنتى . وأنا من عيلة الغرباويه.. وإنت عارف إنْ أنا غرباويه أصيله. بعد حوالىْ عشر دقائق من الحوار أغلقتْ زوجة خالى الموبايل وبكتْ بصوت مرتفع.. وبدتْ فى حالة أقرب إلى التشنج. حاولتُ وحاول خالى تهدئتها.. ولكنها انفعلتْ أكثر وقالت وهى تمسح دموعها : أنا مش مسدقه نفسى.. قريبى الدكتور (و) بيقول نفس كلام الدكتور (ز)
أوقف خالى السيارة.. ومن نبرات صوته بدا أنه سيدخل فى دور جديد من البكاء.. ولكنه تظاهر بالتماسك وسأل أو تساءل وقد أسلمَ وجهه لما هو خارج السيارة : طيب ح نعمل إيه؟
انطلق صوت زوجة خالى مباشرة : ح نروح ويحصل اللى يحصل . تردّد خالى قليلا ولكنه استسلم فى نهاية الأمر.
على باب مدفن أسرة زوجة خالى ، وقف بعض أفراد أسرتها. رفضوا دفن الجثة. انفعلتْ زوجة خالى وانفعل أقاربها. لم أتحمّل الحوار الدائر بين الطرفيْن. ابتعدتُ عن المشهد قليلا وأنا أتأمل فراغ الصحراء ، وتقتحم أذنى – بين فترة وأخرى - كلمة الحرام وكلمة الحلال.. فى فراغ الصحراء وسكونها ، رأيتُ الجثة تخرج من السيارة وتطير فى الفضاء اللامُــتناهى.. تمنيتُ أنْ ألحق بها وأتـشعلق بطرفها. بحثتُ عن شجرة أو أى مكان ظليل أختبىء فيه من جنون الشمس ومن جنون الخيال.. دخلتُ سيارة خالى لأستمتع بهواء التكييف وأطمئن على وجود الجثة.
رأيتُ أقارب زوجة خالى ينصرفون بسياراتهم . دخل خالى وزوجته السيارة. أدار خالى الموتور. أوقفته زوجته وخرجتْ مُسرعة. خرجنا وراءها. سألها خالى : رايحه فين؟ قالت تعال نكلم التربى.. ونطلب منه يفتح لنا التربة. تردّد خالى قليلا ولكنه استسلم للحل المُــقترح . من نبرات صوت التربى بان عليه التأثر بالطلب ولكنه قال لزوجة خالى : أنا نفسى أخدمك.. بس قريبك الدكتور (و) مِشدّد علىّ إنى ما أفتحش التربة إلاّ بإذنه. وإنتى عارفه قريبك هوّ اللى بيدفع الفلوس.. قالت زوجة خالى : خد الفلوس اللى إنت عاوزها.. قال الرجل : إنت عارفه قريبك الدكتور (و) صعب.. ولو عِرفْ ممكن يخرب بيتى.. خصوصًا لما هدّدنى وقال لى إنْ دفن الجثه مخالف للشرع . ولما انفعلتْ زوجة خالى وبكتْ ، قال الرجل بنبرات مُــتلجلجة خجولة – كأنه يعتذر- ممكن تدفنى جثة بنتك فى مدافن الصدقه.
نظر خالى لزوجته ونظرتْ إليه. ونظر الإثنان إلىّ.. قلتُ : يظهر إنْ ما فيش حل تانى. انفعلتْ زوجة خالى وقالت : بنتى تندفن فى مقابر الصدقه!؟ بنتى الدكتوره والمُـعيده فى الجامعه تندفن فى مقابر الصدقه!؟ عجزتُ عن الرد.. وتمنيتْ لو كان خيالى حقيقة.. وتتمكــّـن الجثة من الطيران.. وتترك أرضنا إلى الفضاء الذى لا يعرف ولا يعترف بشرائع التحريم.. وحلــّـق خيالى إلى شعوب ليس لديها مدافن.. ويحرقون الجثث وينثرون رمادها فى مياه بحورها.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العروبيون والحضارة المصرية
- التواصل الحضارة : الموسيقى المصرية نموذجًا
- أخناتون : الفرعون المارق
- بورتريه لحفيد جدتى (ص. م)
- أدونيس من شاعر إلى داعية إسلامى
- الاستشراق والاستشراق معكوسًا
- الدكتور مُصدّق وعبد الناصر والمخابرات الأمريكية
- الصهيونية وسرقة التراث المصرى
- هوس الأصوليين الإسلاميين بحكم العالم
- ذهنية التحريم
- هل يمكن التخلص من كابوس يوليو1952
- الإبداع والتراث العبرى / العربى
- مدرسة سيد قطب والإسلاميون الإرهابيون
- العداء الرعوى ومجتمع الزراع
- ثقافات الشعوب القديمة والديانة العبرية
- إعدام فرعون سينمايًا
- نماذج من عجائب التراث العبرى
- الإخوان والاستعمار: تاريخ الخزى والعار
- أول سيدة تُمنح وسامًا عسكرًا
- الإرهاب الدينى والمغالطات السائدة


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلعت رضوان - الجثة : قصة قصيرة