أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الطالبي - ليس البحر بحرا ......














المزيد.....

ليس البحر بحرا ......


احمد الطالبي

الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 21 - 19:46
المحور: الادب والفن
    


..............ليس البحر بحرا ................

إنطلقت السيارة تلتهم الطريق ، كأنها وحش أسطوري يبتلع شريطا أسودا طويلا بلا نهاية ، كانت جامحة مثل حصان ،و كانت الوجهة جنوبا في يوم من ايام غشت الحارة ، الشمس تسكب جام لهيبها على الأرض دون رحمة ، لم يكترث للحرارة المفرطة مادام المحرك يهدر بقوة ، هو وحده يعرف سحر الجنوب في عز القيظ ، لذلك إختار أن يقلب الوجهة ، عينه على أشجار الغظى والطلح الممتدة في الأفق ، وهي تعاند بإصرار، تقاوم العطش و الرياح الجافة ، إنها تتحدى الموت و شظف الحياة ...

كان يستعجل لحظة وصوله إلى تلك الرقعة ، ليتخلص من عبئ الوطن ، الوطن الهارب من نفسه ، الهارب إلى شواطء البحار بحثا عن لحظة رظوبة عابرة ، لا تظفئ نارا و لا تروي عطشا ..

لا ليس هذا وطني و لا هو بموطني ، هكذا فكر وهو يضغط بغضب على دواسة السرعة مستعجلا الوصول إلى هناك ليفتح عينيه على على الأفق الواسع وعلى السراب ، يريد ان يكون وحيدا ليكون ما يشاء ، لكي لا يكون ما كان ، يريد أن ينغمس في حقيقة الكون . لم يعد يأبه بما حوله من ألوان زائفة ، من أرواح فارغة من كل شيء عدا جموح المتعة و اللذة .. يريد أن يلفظ كل شيء ، ويسال نفسه من هو ؟ ومن اين اثى ؟ يريد أن يتحسس نفسه ، جسده ، أعضاءه ....

وهو غارق في هذيانه ، شعر أن السيارة تقود نفسها ، تناور تتجاوز ، تندفع بكل قوة وبكل ثقة ، أحس بها مطواعة ، رخوة كالفرس وهي تتمايل ، وترفع ساقيها الأممايتين ثم تنطلق كالسهم ..خيل إليه أنه يسمع صوت البارود ، صدحت البنادق وامتلأت السماء نقعا و دخانا ،وعلت زغاريد النساء..

ما أجملك ايها الوطن لو ....

و الآخرون ، إلى أين يذهبون ؟ هو وحده يسير في ذلك الإتجاه ، آه. إنه غشت ،شهر الحرارة و القيظ .. إنهم يذهبون باحثين عن الرطوبة على شواطئ البحار ، يعرضون جتثهم على الرمال المبللة بماء البحر ، وهل البحر بحر ؟ لا ليس بحرا مادام لا يبحر ، لم يتجاوز بعد مكانه ، إنه يخشى ، منذ الأزل ما زال كما كان ، لا يتحرك .. إنه ليس بحرا ، من سماه كذلك ؟ لماذا ينكسر موجه ؟ حتى في أيام غضبه ينكسر موجه لماذا ؟ لهذا لم يعد يحب البحر ، إنه ينكسر عند أول اصطدام ، ينكسر حتى على الرمال ، ويصبح موجه زبدا أبيضا تنثره الرياح .....

محرك السيارة يهدر بصوت غريب إنتشله من تلك الغفلة ، وجد السيارة تتسلق مرتفعا جبليا .. آه يجب تغيير درجة السرعة من الرابعة إلى التالثة ، هكذا لن يختنق المحرك ، وهوما كان ، فما أن فعل ، حتى انطلقت السيارة بجموح الفرس صاعدة دون اكتراث ، وحده يسير في اتجاه الجنوب ، في اتجاه السراب والرمال والعطش ، هو يهرب من شيء ما لا يعرفه ، كأنه مطارد ، لم تعد المقاهي مكانه ، لا الشوارع و لا الحدائق .. الفضاءات كلها ، لا شيء ...

قطع مسافة ، شعر بجفاف في أنفه فانتعش ، إنه يقترب ، نعم يقترب ، بعد قليل سيجتاز آخر المنعرجات ويطل على الأفق الواسع ، ويرى السراب الحقيقي ، لقد مل من سماع السراب ، في كل الأمكنة يسمع سرابا ، سرابا سرابا ، سمعه في المدارس عندما كان صغيرا ، سمعه في مدرجات الجامعة ...

ما أجمل سراب الصحراء ، ليس خداعا ، هو يقول ، أنا السراب ، من يريد أن يلاحقني فليفعل ، لكني سراب ...

إستعجل الوصول ليستمتع بالسراب و الرمال ، ضغط دواسة السرعة وأطلق لخياله العنان ، ربما هي آخر المنعرجات ، وحده يسير ، والسيارة تبتلع الشريط الأسود ، خيل إليه أنها واقفة ، والشريط يأتيها مطواعا ، فجأة رأى شاحنة ضخمة أمامه ، ناور و تجاوز دون اكتراث .. مع آخر منعرج ، وهو يدور يسارا هبت موجة من رياح الشركي الحارة ...

لقد وصل ، فكر في الشاي ، كم هو لذيذ على نار أغصان الغظى .. إنتعش ، واتسع الأفق وزاد تركيزه ، رأى علامة تشوير : خفف الدرك ...

خفف من السرعة ، فتح الزجاج وملأ رئتيه بالهواء الجاف ، رأى أمامه دركيا يقف وسط الطريق ، بكل ما لديه من حزم ، يشير بيده اليسرى ، إنه أمر الوقوف على أقصى اليمين ، كان الرجل طويل القامة ، عريض الكثفين ، يحمل نياشين و حذاؤه يلمع من شدة السواد ، على صدره حمالة بيضاء ناصعة ، قفزت إلى مخيلته صور رآها يوما على صفحات ثلاوة أحمد بوكماخ ...

طلب الدركي أوراق السيارة ، سلمها له واحدة واحدة ، نظر إليه نظرة صارمة ، و أمره أن يلتحق به في مخفر صغير قرب الحاجز ....

سيدي لديك ، مخالفة ، لقد تجاززت شاحنة بمنعرج خطير ، فيه خط متصل ، عليك أن تؤدي الغرامة و إلا سحبت منك رخصة السياقة ...
أكد ما قاله الدركي ، أقر وهو يستحضر ضميره الوطني أنه فعل ذلك ،

أخذ الدركي محضرا ، ليحرر المخالفة ، فبادره بالقول : إنتظر لدي ما أقوله لك ، لا تتسرع في تحرير المخالفة . نظر إليه الدركي وابتسم ، قل ما لديك :
- إن الوطن غفور رحيم ، ألا يمكن أن يغفر لي وطني خطيئة واحدة ..
- فكر الدركي مليا وقال ، يمكن بشرط ، واستطرد قائلا مبلغ الغرامة 700 درهم ، ويمكن أن يغفر لك الوطن وتؤدي ، بيني وبينك لا عين رأت و لا أذن سمعت 300 entre nous...

شعر بمغص، وبدوار كأنه يهوي في بئر بلا قاع ، إنتفض في وجه الدركي قائلا : لا يمكن لا ، حرر لي محضر المخالفة ، و سأدفع ، أنا مواطن يجب أن أنضبط للقانون ، لكن أنت ، أنت يا صاحب النياشين و البدلة الأنيقة ، من سيحرر لك محضرا بهذه المخالفة الخطيرة التي تجاوزت فيها القانون والقيم من ؟ من ؟ ...

سكت الدركي ، فاستطرد هو : أنا من سيفعل ، نعم أنا ، و في يوم عيد المدرسة ، سأنصب محكمة من أطفال المدرسة لمحاكمتك ، أنت منذ الآن متهم ، أنت متلبس بأخطر الجرائم ، نعم أنت وذاك ، و الآخر ، والآخرون ، كلكلم ، كلكم ، كلكم ، كلهم ........

خرج من المخفر بسرعة ، والدركي يلهث خلفه حاملا الأوراق ، سيدي سيدي خذ أوراقك ، سيدي إن الوطن غفور رحيم ..
هدر المحرك ، وانطلق بعيدا بعيدا ، وبين أشجار الطلح تساءل وهو يرشف كأسا من الشاي : لماذا لا يبحر البحر؟ لماذا تنكسر أمواجه لماذا ؟ ....



#احمد_الطالبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفخاخ المقدسة
- هل من معنى للمرجعية الدينية في السياسة ؟
- خطاب إلى عبدة الأصنام ......
- مرثية لشهداء السيول ، ونعي الوطن ..
- ..........لا عدالة ، لا تنمية ...............
- صمت ليس من علامات القبول و الرضى ...
- أيها المغاربة ، إنتبهوا و احذروا............
- بعد أن نفدناه
- ضد السلم الإجتماعي دفاعا عن الإضراب العام
- المغرب القهرقراطي و الهدرقراطي
- ...أرقص ليذهب عنك الحزن و تسقط عنك الخطايا...
- الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل تقرر إضرابا عاما..
- في الحاجة إلى حركة سياسية، فكرية ، مدنية، قوية.
- أزمة الراهن المغربي ، ومسؤولية القوى التقدمية ..
- دفاعا عن العقل
- شيء ما يستعصي على الفهم
- يجب إرجاعهم إلى زمن ما قبل الصناعة..
- مرافعة تحت التراب
- شبح داعش
- في الحاجة إلى حراك جديد


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الطالبي - ليس البحر بحرا ......