|
مرثية لشهداء السيول ، ونعي الوطن ..
احمد الطالبي
الحوار المتمدن-العدد: 4647 - 2014 / 11 / 29 - 14:41
المحور:
الادب والفن
.........رسالة إلى ا ل و ط ن ............
أيها ...
لقد قررت أن أراسلك ، و أخط اسمك هكذا- ا ل و ط ن - لأني إلى حد الآن لا أعرف معنى شيء يقال له الوطن ..
أتذكر عندما كنت صغيرا، أجلس على مقعد خشبي مهترئ ، أتقاسمه مع تلث من بؤساء بلدتي يداية السبعينيات من القرن الماضي ، و في قاعة من تراب بنيت بسواعد أهل القرية ، أتذكر حينها أنك كنت تأتي إلينا كل يوم ، و تتسلل إلى قلوبنا عبر أناشيد نحفظها عن ظهر قلب ، وحين يسألنا الكبار عن معناها نقول لهم مفتخرين إنها أغاني الوطن ، وعندما يصرون على السؤال عن معنى الوطن ،نقول لهم : يقول المعلم ، إنه يمنح الشغل و الوظائف ،و يبني المدارس ، و المستشفيات ، ويشق الطرق و يبني القناطر ، ويمنح الخبز للجياع ، وقد إعتقدنا أن ذلك كله صحيح ، كما اعتقدنا أن الخبز الأسود الذي تخبزه أمهاتنا يأتي من عندك و ليس من عرق جبين أبائنا الكدح . وحتى الملابس التي نتباهى بها صبيحة العيد إعتقدنا صغارا أنها من عندك .وذات يوم اصبت بحروق في يدي فحملوني إلى مستوصف بعيد عنا بمقدار خمس كيلومترات ، وعندما دخلت البناية ، قلت في نفسي إنه الوطن الذي سيداوي حروقي التي ما زلت أحمل بعضا من أثرها على يدي اليمنى، لكن الحروق التي أصابتني الآن أكبر مما تصورت ....
أرايت ايها ا ل و ط ن ؟ كم هي جميلة تلك الصورة التي كوناها لك في مخيلاتنا ونحن صغار ، ونحن أبرياء ، وكم هي جميلة تلك الأحلام الوردية التي ترقص كالفراشات في عقولنا الصغيرة مطمئنين أننا إذا كبرنا سيمنحها لنا الوطن بسخاء ...
لكن سيدي ، حز في نفسي أنني عندما وعيت و كبرت ، ما رأيت من كل ذلك شيئا ، بل إكتشفت أن تلك المدرسة التي اعتقدت أنها هبة من عندك ما هي إلا خدعة عطلت العديد من طاقاتي ، كبلت قدراتي و جموح خيالي و قلصت من قدرتي على الإبداع بل وحفرت بداخلي أخاديد و شروخا لم أستطع لحد الآن رغم كل محاولاتي تجاوز أعطابها .....
أرأيت حجم الضرر الذي ألحقته بكياني ايها ال و ط ن ؟ أرايت كيف قتلت الإنسان بداخلي بإصرار و ترصد ؟
ورغم أني أقرر كل مرة في قرارة نفسي أن أغفر لك خطاياك في حقي و في حق غيري ، إلا أنني أصطدم بعنادك و إصرارك ، وتنكرك لكل هذا الحب الذي أحمله لك في قلبي الذي أنهكته ، ولم يعد به متسع لأي شيء ..
إصرارك هذا الذي ينزل علينا مرة إهمالا كما الآن ،ومرة هراوات و زراويط ، ومرة غلاء وربما اعتقالا و محاكمة ، مع أنك إدعيت يوما أنك غفور رحيم ، لكن للأسف ليس بابنائك البررة ، إنما بمن خانوك ، وطعنوك و نهبوك ،..
قد تقول أنني أبالغ في قساوة الحكم عليك ، و انني جاحد و ناكر للجميل ، لكن ما من شك أيها ا ل و ط ن أنني صادق في ما اقول ، وليس في كلامي مبالغة ، بعد lن سمعت إعلامك الكاذب يتحدث عن المروحيات التي أنقدت ضحايا السيول ، بينما شهدت بأمي عيني شابا إسمه فؤاد بمعية آخرين ، يصارعون الموت تحت جبروت المياه المتدفقة بلا رحمة ، ولم أر أيها ا ل و ط ن مروحياتك ،و لا طرقك ،و لا قناطرك إلا على شاشات كاذبة ، فقط رايت فؤاد يصارع الموت ، رايت صراخه و رايت قلبه ينبض خوفا ، وسمعت تضرعه إلى ربه -مختلطا بهدير المياه - طالبا النجاة ، متمسكا بما تبقى له من عزم بآخر رمق في الحياة . ...
ظل كذلك مصرا على الحياة ربما حبا فيك حيث عز عليه فراقك ، وربما فعل ذلك خجلا من دموع أمه ، أو اعتقادا منه انك في آخر لحظة ستمد له يدك القوية و تنتشله من بين مخالب موت محقق . ظل كذلك إلى أن اقتلعت المياه التمدفقة بلا رحمة ما تبقى من شجرة تمسك بها ، فراح و في حلقه غصة ندم على وهم إسمه ا ل و ط ن ، راح وفي مخيلته بقايا صور عن أبيه الذي حمل البندقية يوما للدفاع عنك، وها أنت تتنكر لكل ذلك ..رأيته يختفي و ربما ارتطم راسه بصخرة في قاع الوادي ،ولم أراك ايها ا ل و ط ن ، و لم أر مروحياتك ..
لم أراك ايها الوطن بعد أن رأيت الحاضرين الذين شهدوا على هذا الجرم ، يشيحون بوجوههم ، ويكتمون بداخلهم غيضا و يحملون في قلوبهم أسى ،و ربما تاه بعضهم كفرا بك إلى الأبد .....
لم أراك بقدرما رأيت إصرارك على إدلالنا ، عندما حملت جتث شهدائنا على شاحنات حمل الأزبال ...
أ لا يكفيك هذا ، ألم تستحي بعد مما فعلته و تفعله بنا ؟
كلمة أخيرة ، أقولها لك مضطرا و أنت الذي أكرهتني على قولها ، لقد نفذ صبري ، ولم أعد اطيق كل هذا الظلم وهذا العبث ..
- لا تلمني بعد اليوم إن كفرت بك ايها الوثن ...
#احمد_الطالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
..........لا عدالة ، لا تنمية ...............
-
صمت ليس من علامات القبول و الرضى ...
-
أيها المغاربة ، إنتبهوا و احذروا............
-
بعد أن نفدناه
-
ضد السلم الإجتماعي دفاعا عن الإضراب العام
-
المغرب القهرقراطي و الهدرقراطي
-
...أرقص ليذهب عنك الحزن و تسقط عنك الخطايا...
-
الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل تقرر إضرابا عاما..
-
في الحاجة إلى حركة سياسية، فكرية ، مدنية، قوية.
-
أزمة الراهن المغربي ، ومسؤولية القوى التقدمية ..
-
دفاعا عن العقل
-
شيء ما يستعصي على الفهم
-
يجب إرجاعهم إلى زمن ما قبل الصناعة..
-
مرافعة تحت التراب
-
شبح داعش
-
في الحاجة إلى حراك جديد
-
الفعل الكنفيدرالي بتيزنيت بين ضرورتي النقد و التحصين
-
في حقد حزب العدالة و التنمية على الأمازيغ وتهديد تماسك المجت
...
-
.الويسكي و الشمبانيا بين الدين و السياسة...
-
في نقض النقد السوقي/ ليس دفاعا عن الأموي- الحلقة 2
المزيد.....
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|