أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الغربة القسرية والحنين إلى الوطن في منازل الوحشة















المزيد.....

الغربة القسرية والحنين إلى الوطن في منازل الوحشة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4750 - 2015 / 3 / 16 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


تلعب الجملة الاستهلالية دورا مهما في الإيحاء بفحوى الرواية ومضمونها الذي لم يُكشف عنه بعد. فهي التي تحدد مسار النص الروائي سواء أكان كوميديا أم تراجيديا أم بينَ بين. وهي أشبه بالمفتاح الذي يفتح بوابة الرواية ويتيح للقارئ الولوج إلى عالمها الواقعي أو المتخيل، خصوصا إذا كانت الرواية مبنية بناء فنيا رصينا، كما هو الحال في رواية «منازل الوحشة» للروائية دنى غالي التي سبق لها أن أصدرت روايتين مهمتين وهما «عندما تستيقظ الرائحة» و«النقطة الأبعد». يجب أن لا ننسى في هذا السياق أن العنوان نفسه في هذه الرواية تحديدا يشكل عتبه نصية مهمة تحيل إلى ثيمة الرواية، خصوصا إذا كان جزءا من لُحمة النص وسَداته، وليس طارئا على الرواية أو مُصاغا غبّ الانتهاء منها، كما يفعل كثير من الروائيين الذين لا يخططون للنص الروائي قبل الشروع في كتابته. تستهل دنى غالي «منازل الوحشة» بالجملة الآتية: «أتسلل من دون أن يشعرا بي لأستريح». فثمة تعب كبير تعاني منه الراوية التي تسرد النص بصيغة المتكلم. ثم تعزز هذا التعب بمنظر حديقتها «اليابسة»، وتعليتهم للسياج الخارجي الذي لم يستطع حماية البيت بسبب الأوضاع الأمنية المنفلتة. ومنْ يدقق في هذه الجملة الاستهلالية المعبرة سيجد أن لها علاقة وطيدة بكل صفحة من صفحات هذه الرواية العميقة التي تفحص الواقع العراقي، وتحلل مناخه السياسي، وتغوص في أعماق شخصياته التي استدرجتها الكاتبة إلى هذا النص المفجع في أحداثه، واللذيذ في لغته، والجميل ببنائه الفني المتقن.

الشخصية الإشكالية
لم تختر دنى غالي أي شخصية بسيطة أو ساذجة على مدار النص برمته. فحتى الشخصيات الثانوية التي ظهرت ثم توارت عن الأنظار سريعا كانت على شيء من التعقيد في أضعف الأحوال، أما الشخصيات الرئيسة الثلاث التي تقاسمت أدوار البطولة فهي شخصيات إشكالية بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى، بدءا من الابن سلوان، مرورا بأمه، راوية النص، وانتهاء بأبيه الذي قرر العودة من الخارج إلى العراق، ثم تعرض للتهديد والاختطاف، فهرب من بغداد ثانية خشية مما لا تحمد عقباه.
تحتاج هذه الشخصيات الرئيسة الثلاث إلى متابعة وفحص دقيقين كي نقف على أبعادها السياسية والنفسية والدينية والاجتماعية، وربما تكون شخصية «سلوان» أعقدهم جميعا، ذلك لأن أمراضه المتعددة ظلت غامضة وعصية على التشخيص على الرغم من متابعة الأطباء الذين قدموا تشخيصات كثيرة ضاعفت من غموض مرضه الذي يشير من طرف خفي إلى اعتلال في صحة قلبه أو خلل في دمه، بينما يذهب صديق العائلة الدكتور حسام إلى أن «سلوان» يعاني من أمراض نفسية أكثر من معاناته من أمراض عضوية على الرغم من أن هذا الابن الكئيب والمنعزل لم يشترك في حربٍ معينة، لكنه يعاني من نتائجها الخطيرة التي تركت أثرا سيئا في سلوكه وعلاقته بأبويه وأصدقائه وببقية الناس المحيطين به.
لابد من القول إن دنى غالي قد انتقت هذه الشخصيات الثلاث بعناية فائقة لتكشف من خلالهم شرائح واسعة من المجتمع العراقي الذي عانى من حروب متعددة، وحصار جائر، ونظام شمولي قمع الناس، وكمم أفواههم على مدى 35 عاما. وربما تكون هذه العائلة هي خير أنموذج للشخصية العراقية المقموعة والمخذولة في آن معا، بل إنها ارتضت بالانسحاب والانزواء مثل والد الراوية الذي كان ملاكا ثم أصبح تاجرا قبل أن ينسحب تماما من الحياة العامة، أو مثل أسعد الذي فكر بالخلاص الفردي كحل أخير تاركا زوجته وابنه وعائلته ضحايا مؤجلة للإرهابيين، واللصوص، ومثيري الفتن الطائفية. أما أم سلوان فهي موزعة بين ابنها المريض، وزوجها المخطوف الذي هرب أخيرا إلى عمان لأنه أصبح هدفا إلى أكثر من جماعة أخطبوطية تستهدف الأدباء والمثقفين والمتنورين. فهو لم يحمل من الشيوعية سوى تهمة الانتساب إليها، غير أن هذه التهمة سوف تلاحقه حتى النفس الأخير مثل لعنة أبدية.
لم تقتصر هزيمة أسعد على الانسحاب والعزلة والنأي عن الوطن بسبب مواقفه الفكرية والثقافية فحسب، وإنما تمتد إلى هزيمته الشخصية المتمثلة بخذلانه العاطفي، وفشله في التواصل مع زوجته التي لم تأخذ هذا الفشل على محمل الجد. وربما خيانته السابقة التي سوف تكتشفها زوجته المخدوعة، حينما تقرأ الصفحة الأولى من مجموع 50 صفحة من الرزمة الأولى. كما أنه كان يشك في طبيعة علاقتها بابنهم سلوان الذي شب عن الطوق ولم يعد طفلا صغيرا، خصوصا أن هناك ما يعزز هذا الشعور حينما تخاطب نفسها قائلة: «سأموت لو تصور أنني خنته». وهي تقصد خيانتها مع الدكتور حسام الذي اضطر للمبيت معهم بسبب قتال مسلح اندلع قرب منزلهم وحال دون ذهابه إلى بيته.

ثيمات الرواية
تكمن أهمية هذه الرواية في تعدد المضامين التي استوعبتها من جهة، وفي طريقة معالجتها من جهة أخرى. فضمير المتكلم يبدو حياديا في سرده، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الشخصية التي لم نعرف اسمها طوال النص هي شخصية عراقية مثقفة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة العليا في أضعف الأحوال، وقد أتمت تعليمها الجامعي، وتزوجت من أسعد الحاصل على الماجستير، والأستاذ الأكاديمي الذي أحيلت خدماته إلى أرشيف الجامعة كنوع من العقوبة، لأنه لم ينتمِ إلى حزب السلطة الحاكم آنذاك، كان يكتب مقالات فنية وأدبية يحتفظ بها لنفسه. وقد انتقل هذا الولع الثقافي إلى ابنه سلوان الذي توزع بين حب الكتابة الشعرية والاستماع للموسيقى العالمية. وقد ولد فيه هذا الاهتمام نوعا من التعالي على الثقافة المحلية وفنونها، فهو لا يعرف من الفنانين العراقيين إلا القليل، بينما يحفظ عن ظهر قلب أسماء السيمفونيات العالمية الشهيرة، ويستمع إليها يوميا من دون أن يدب إليه الملل.
أبرز الثيمات التي عالجتها هذه الرواية هي الغربة القسرية، الحنين إلى الوطن، المداهمات الأميركية، الفتنة الطائفية، الملثمون، تفجير المراقد الدينية، الإرهاب، الاختطاف، الحب، الشك، الحرمان، الخيانة الزوجية، العجز الجنسي لاحقا وما إلى ذلك من المواضيع التي تعاطت معها الروائية دنى غالي غب عودة أسعد وعائلته إلى الوطن.
ولأن هذه الرواية مكتوبة بمستويات زمكانية متعددة فقد تناولت الروائية ثيمات أخرى تسيدت في الزمن الديكتاتوري السابق مثل القمع، والملاحقة، والسجن، وابتزاز الملاكين والتجار والأثرياء، لكن التركيز كان منصبا على حقبة ما بعد 2003، بل إن الروائية دنى غالي قد ركزت على الحقبة الممتدة بين مطلع 2006 حتى نهاية 2008 تحديدا لأنها حقبة الاحتراب الطائفي المقيت الذي سببته أحزاب دينية متخلفة وفدت من وراء الحدود العراقية.
لا يمكن الإحاطة بكل الشخصيات الثانوية، لكنني أجد من المناسب أن أتوقف عند شخصية أم الراوية، وهي الزوجة الثانية لوالد الراوية. وبغض النظر عن الفوارق الطبقية بين الاثنين، فهي من عائلة فلاحية فقيرة من عشيرة «السواعد»، بينما ينتمي زوجها الثري إلى عشيرة «الخضيري» المعروفة.
لا شك في أن هذا النص المتشظي بأحداثه وشخصياته يحتاج إلى بؤرة تلم الثيمة الموضوعية، التي توزعت في ثلاثة بلدان وثلاث شخصيات رئيسة وعدد آخر من الشخصيات الفرعية، أبرزها الدكتور حسام وأم الراوية وأبيها، لكن الراوية ارتأت أن تنهي الرواية بالمشهد الصادم الذي يكشف خيانة زوجها مع جارتهم. وكأن الراوية تريد أن تقول إن الحرب تستهدف منظومة القيم الأخلاقية برمتها، وتطعنها في الصميم، كما أنها تفرق أبناء العائلة الواحدة، فكيف لا تستطيع أن تفرق شعبا متعدد الأقوام والمذاهب والأطياف؟



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدائق الرئيس
- مشرحة بغداد
- ماذا عن رواية «دعبول» لأمل بورتر
- النحات البلغاري سفيلِن بيتروف وثيماته الإماراتية
- كيم دونغ-هو في فيلمه الروائي الأول صُنع في الصين
- رانيا توفيق وليلى حطيط تستكشفان علاقتهما بالوطن الأصلي
- فرادة الابتكار وأصالة الصوت الشعري في -قلعة دزه- لصلاح نيازي
- ملامح الحداثة في الثقافة العراقية
- سخرية القشطيني
- التعالق النصيّ
- استثمار السيرة الذاتية
- ما وراء الجسد
- أدب الاعتراف
- رواية سعد محمد رحيم الماكرة!
- التقنية الميتا- سردية في رواية -كاباريهت- لحازم كمال الدين
- أولاد أبو غرّيب
- دراسات في سياسات التعليم لنديم العبدالله
- سينما التحريك لبرنار جينان وترجمة صلاح سرميني
- السخرية الصامتة في فيلم شاشاتنا
- باثولوميو بيل يترجم -الأرض اليباب- إلى صورٍ بصريةٍ مُدهشة


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الغربة القسرية والحنين إلى الوطن في منازل الوحشة