أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (78)














المزيد.....

منزلنا الريفي (78)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4750 - 2015 / 3 / 16 - 09:17
المحور: الادب والفن
    


طيف امرأة

لماذا هاتيك الفتيات ذبلن في ذاكرتي إلا أنت ؟؟ كم هي السنوات التي مرت، وكم هي الفصول التي تعاقبت، ومازلت أنت كما أنت عالقة في ذاكرتي تأبين الرحيل! ما عدت بشرا، لعلك طيف يسربل محلقا في دنيا خيالي . منذ خمسة عشر عاما كنا نجلس سويا في نفس المقعد، كانت نظرة واحدة إلى عينيك العسليتين تعوض الحياة برمتها، كم هو بريء حب الطفولة ! كان اسمك عبودي، وكلما دخلت إلى معبدك كنت أتأمل قسمات وجهك لعلي أشبع نهمي، كنت روحا ولم تكوني جسدا، ولهذا كلما نظرت إليك أعجز عن الكلام، وأستسلم للصمت مثلما يفعل الرهبان البوذيون لعلي أهتدي إلى الروح السرمدية التي تسكن العالم.
في المساء، كنت أرافق أختي نحو المرعى، وحينما يحين الغروب أصعد إلى الصخرة، وأواجه الشمس المحتضرة، ويتراءى طيفها، وهو يتلاشى في سديم الكون، وأثناء العودة يمشي القطيع أمامنا والظلام يطبق على المكان، أدعو أختي للإصغاء إلى جزء من قصيدة للشابي : (ظمئت إلى النور فوق الغصون/ ظمئت إلى الظل تحت الشجر/ ما هو إلا كخفق الجناح/ حتى نما شوقها وانتصر/ فصدعت الأرض من فوقها/ وأبصرت الكون عذب الصور)، لم تكن أختي متعلمة، لكن القصيدة تعبر الروح دون كلمات، عرفت أنني مغرم، وتاقت إلى اليوم الذي ترى فيه عبودي، وذات يوم التقتها وأعجبتها، وقبل أن أذهب إلى المدرسة كانت تقول لي : (هل حفظت القصيدة جيدا ؟ لا تنسى أنك اليوم ستستظهرها أمام المعلم وأمام عبودي !)، في الصباح الباكر، نمتطي معا الحمار، بينما هي تنحرف نحو أرض حمرية * من أجل قص الأعشاب، في حين أنا أواصل رحلتي مشيا على القدمين، أرتعد حد البكاء، وشمس الصباح تحلق عاليا في الأفق، ونحيب قلبي المفعم بالوجد يبلغ حد الغليان في كياني .
تستقبلني المدرسة بضبابها، والمعلم يقف جوار الباب، يحمل عصا خشبية، وطابور من التلاميذ المتأخرين ينتظرون دورهم لتناول العصا، يختلط الحب بالخوف، تمر تلك اللحظات، وهاهو القسم يضمني، أجلس على المقعد، وصوت عبودي يطوقني: (عنتر!)، رعشة تسري في كياني، وحب يكبر في تجاويفي، تلتقي عيوننا وفي دواخلها الظمأ، (أريد قلما)، يجيب قلبي: (خوذي كل شيء ما عادت فواصل تحدنا ولا حواجز تمنعنا)، بينما يجيب فمي: (خذيه)، يدخل الأستاذ الغبري رفقة محفظته التي تثير الرهاب، ووجهه المتزن الذي يشعل الخوف، وعصاه التي تأخذ مكانا على المكتب، يقف الأستاذ وقفة مرهوبة الجانب، نحملق فيه مرتعدين، وبعد برهة يتفوه: (من لم يحفظ سورة البينة يتقدم نحو السبورة؟؟)، تقدم الجميع، وبقيت وحيدا يطوقني العراء، كانت السورة طويلة ولم يستطع التلاميذ حفظها، فقضيت الليالي ساهرا لحفظها، وها أنا ماثل أمام المعلم مشبكا يداي، وصوتي ينساب كجدول مائي على مشارف الحقول، لم يتركني المعلم أكمل ورجعت لكي أجلس على المقعد. في حين زملائي انتظروا دورهم على مقصلة الفلقة، كم الدموع ذرفت وكم الصرخات تلعلعت وكم الأحزان تفاقمت، لم أكن أرى أحد سوى عبودي، وعندما جاء دورها شعرت أنني تناولت الفلاقة، ذرفت عيناها الدموع، وتقاطرت على خذيها ومسحتها بقميصي وقلت لها: ( في المرة القادمة نراجع معا!!)، مضت عدة سنوات قبل رحيلها، ولم نراجع!
كانت عبودي تسكن في فيلا مجاورة للطريق المؤدية إلى ثلاثاء الزيايدة، كم مرة رأيتها تلعب جوار الفيلا، وفي أيام الأحد تذهب رفقة عائلتها إلى الوادي، ذات مرة حكت لي: ( أن الوادي جرف نعليها وعادت حافية إلى فيلتها )، وفي الصيف استحممت في الوادي ولم أعثر على النعلين، والد عبودي ينحدر من الشمال ويعمل حارسا للفيلا ولما باعها مالكها رحل والد عبودي. ذات خريف دخلنا إلى المدرسة جلست على المقعد ومرت الحصة الدراسية وبقي مكانها شاغرا، قيل لي أنها رحلت!
حينما أغادر المدرسة، أتخيل طريق الثلاثاء كشارع حافل بالأضواء في ليلة حالكة، وفوق الأضواء تمشي عبودي متغنجة، على وجهها الضياء وعلى ثغرها الابتسامة، تستقبلني على شفا المدرسة فتقبلني ونحلق في السماء طليقين كطيور الجنة. اختفى والدها الذي يرافقها إلى المدرسة، وتوارى أخوها الرعديد الذي يؤنبها على تأخرها، حتى النعاج التي تنتظرني في المرعى اختفت، وبعد برهة أجد نفسي تائها في ظلام دامس يطوقني نباح الكلاب ونسمات هواء بارد، وأحجار تدحرجني، وبقايا أعشاب يعمها صوت الجدجد (الصرار)، في حين قصيدة الشابي تعم الأرجاء، بينما في عقلي طنين أطياف وصورة امرأة تكبر، سرعان ما تبددت، لكنها بقيت عالقة في ذاكرتي غير مبالية بالزمان فمتى تموتين متى تموتين!!!؟

عبد الله عنتار / 15 مارس 2015/ بني ملال



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (77)
- في انتظار بزوغ الشمس
- تغازوت
- وداعا صغيرتي
- منزلنا الريفي (76)
- جنون الثمالة
- السراب التائه
- منزلنا الريفي (75)
- منزلنا الريفي (74)
- منزلنا الريفي (73)
- منزلنا الريفي (72)
- فلتعودي من حيث أتيت
- منزلنا الريفي (71)
- منزلنا الريفي (70)
- الرماد 2
- منزلنا الريفي (69)
- كنت الوحيدة
- حلم النهضة
- شرارة كلمات
- منزلنا الريفي (68)


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (78)