أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - جمعيات غير تعاونية - قصة قصيرة














المزيد.....

جمعيات غير تعاونية - قصة قصيرة


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 4744 - 2015 / 3 / 10 - 08:19
المحور: الادب والفن
    


ركل جابر حماره للمرة العشرين وأخذ صوته يعلو مؤنباً إياه أن يسرع ويكف عن البلادة، لكن الحمار أسرع لبرهة قصيرة ثم رجع كما كان عليه. ونظر جابر إلى السماء يريد أن يستطلع الوقت من مكان الشمس، وردّ في نفسه أن الوقت ما زال مبكراً وسيصل إلى سوق الحمير قبل أن تتعجرف حرارة الشمس.ورغم انهماكه في ضرب الحمار، إلا أن هذا لم يمنعه من إطلاق حنجرته بأغانٍ لم يسمع بها أحد قط، ووقع الطرب في نفسه فأخذ يميل بجذعه حسب الألحان، لكن الحمار ظل عابساً يشد نفسه تارة نحو اليمين وأخرى نحو اليسار .. إلى المجهول.
ثمة بصيص في الأرض أوقفه وأنزله عن حماره فالتقطه بإصبعيه وأخذ يقلب به ويحملق ظناً أنه عملة ذهبية، لكن بعد أن عرف أن بصره قد خدعه، شد شرواله إلى الأعلى وربط قنبازه على وسطه وأمسك برقبة حماره ثم قفز ببطء على ظهره، وشعر أنه قد تقدم في العمر ولم يعد باستطاعته القفز والجري كما لو كان شاباً. أخذ يمرر أصابعه على وجهه فلم يعترضها سوى الشيب، وحفر عميقة غائرة لا تردم.
اندفع الماضي برأس جابر بكل ألوانه وشعر بعفونة ذكرياته، فحاول أن يلجأ إلى أحداث بعيدة عن مداهمة قبيلة النبهان لبيته و قتل ابنه حميد أو الطوفان الذي أغرق أمه و أفقده جميع محاصيله. و رغم كل المحاولات الفاشلة كانت ذاكرته تطير و تحط عند حدث واحد.. ( المحصول). في القديم عاش تحت رحمة الباشوات ثم المختار، والآن الجمعيات التعاونية التي لم يتحسن وضعه بها. فالدين ما زال يتضخم و المحصول يتناقص. كان يزرع القمح فأوعزت إليه الجمعية بأن يزرع القطن ويبيعه للدولة، وللدولة فقط، وبالتسعيرة التي حددت سلفاً. فهو يرى أن وضع الحمار تحسن ووضعه ما زال رهينة يتقايض بها الغير، ورفع يده اليمنى ليحك رأسه محاولاً أن يجد ولو حدثاً واحداً يجعله ينسى كل هذه الآلام. فرجع مرة أخرى يصدح بصوته هارباً من عبء الأحزان، ووضع يده على جبينه يستكشف الطريق، فأخذت أبنية المدينة تظهر له كأنها مرصوفات هندسية.
اقترب من أحد الحوانيت ليسأل عن الطريق إلى سوق الحمير، فأشار صاحب الحانوت بيده إلى المكان، وانطلق جابر إلى البقعة التي أشار إليها الرجل فوجدها في منحدر تكتظ بالبائعين والشارين، فابتسم ثم ربت على رأس حماره و كأنه قد حقق نصف مهمته. عندما دخل وسط الناس لفت نظره جرة للماء، فمد يده و غرف جرعة، ثم أخذ ينادي كالآخرين ليبيع الحمار، ووقف بضعة متجولين في السوق يختبرون الحمار و ينظرون إلى أسنانه. عبثاً، لم يكن هناك رجل جدي في شراء الحمار. و شعر بالتعب المضني، فوجد صخرة ناتئة في وسط السوق. جلس عليها وأرخى عنان الحمار لبرهة. داهمه النوم ، فوجد نفسه يغط في نوم عميق. وفجأة خرجت أصوات الرصاص تعلو على أصوات الباعة والشارين ، وتضع حداً لخلاف بين بائع متعنت وشارٍ أهوج، وتشتت البهائم وتبعثرت في كل اتجاه وأخذت الأقدام تتطاير كالبرق ولم يبق في الساحة غير رجل واحد استيقظ من نومه مذعوراً من أصوات تحمل الموت في ذاكرته وأخذ يقفز كالمجنون يحاول أن يجد مكاناً يختبئ فيه . انفض الخلاف بعد قليل ، فأخذ جابر يبحث عن حماره بين آلاف المواشي ، لكن دون جدوى.
بدأت الشمس تجر أشعتها نحو الغروب ، ومازال جابر بدون حمار، فأخذت الصور تغيب من خياله وانتابته موجات من ألم خاطف اخذ يتكدس في كيانه وضباب كثيف راح يحتشد أمام ناظريه، ولم تعد رجليه قادرتين على حمل جذعه. أحس أنه خسر كل شيء ، والحمار الذي كان ينوي أن يبيع فر واندثر، وهاهو يعود للقرية وحيداً على قدميه . تسرب اليأس إلى عروقه وخيبة أمل لا تسترد. رفع يديه ورأسه للسماء متضرعاً وصوت يعلو في أعماقه يكاد أن يتفجر. لماذا يا رب كل هذا العزاب ! ماذا فعلت لتعاقبني . أخذت ذاكرته تنبش الماضي مرة أخرى وصور جاهزة تعبث في قلبه . . عشيرة النبهان وابنه حميد وغرق أمه ، وجمعيات لا(تعاونية) تسرق المحصول .



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رغيف خبز - قصة قصيرة
- الجذور الأولية للرق والاخلاق
- ما وراء العنف اللفظي
- بروز داعش
- الجذر اللفظي للأكل دون ملح
- القناص الامريكي والانتفاخ
- تورتيلا فلات والصعلكة السياسية العربية
- لؤلؤة فقراء الربيع العربي
- حِكْمَة شَهْرَزَادْ
- الغندورة
- قراءة في كتاب الكافرة
- رموز الحكاية الشعبية
- ظروف تعيسة
- عقدة السلطة عند كافكا
- الروائي ابراهيم الكوني واسقاطات الحكمة في روايته الاخيرة
- تجذير الحوار في موقع الحوار المتمدن
- مابعد سليلو
- ذئاب بلا أنياب
- القاص خليل الشيخة للكاتب عيسى اسماعيل
- موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - جمعيات غير تعاونية - قصة قصيرة