|
هل يمكن ان يكون المستبد عادلا ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 12:43
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
نسمع كثيرا و من جهات عدة، ان الشرق الاوسط و العالم الثالث يحتاج لمستبد عادل كي يسير دون بروز مشاكل فيه، و يمكن تامين احتياجات المواطنين في ظله بالشكل الذي يتناسب مع الموجود من الناس و العقليات و الثقافات السائدة فيه . هذه ليست اقوال عوام الناس البسيطة فقط و انما من ابداعات بعض القادة التي يمكن ان يوصفوا ضمن الدكتاتوريين و المستبدين بشكل من الاشكال . لو بحثنا هذا الكلام منطقيا و نحن نعرف السمات التي تتصف بها شعوب منطقة الشرق الاوسط و ما يحملون من الانتماءات و العقائد و الافكار و العقليات، و ما توارثوه من السلبيات جراء انتشار الافكار المثالية و الاديان التي لم تضف الى المنطقة الا القتل و السفك و التحارب، و استغلت بشكل سهل دون اية عرقلة من قبل المستبدين و اصحاب العقول و الافكار الضيقة لنشر الفوضى و اللاعدالة فيها، او لتوفير اقل مستوى ممكن من الضرورات الانسانية لكتم الاصوات و منع الاحتجاجات . و في هذه الحال يمكن ان يدوم السلم و الهدوء لتفرة قصيرة و لكنه سيتعرض لافرازات التغييرات الحتمية في حياة الناس و ما تتطلبه التغييرات الطوعية من المستلزمات التي لا يمكن للمستبد ان يوفرها، و يكون تحت ضغوط التغييرات و افرازاتها من جميع الجوانب . اي لا يمكن ان يدوم الاستبداد في اي مكان دون ان ينبثق اثناء مسيرته معارضة لم تتحمل ما يحصل، و لا يمكن للاستبداد ان يطبق القانون بعدالة مقنعة للناس و هذا اي متطلبات المستبد الهادف الى ادامة الحال على ما هي عليه، بدوره يجعل العدالة بعيدة المنال مع استمرار الاستبداد، و هذه معادلة بسيطة لتنفيد الراي الخاطيء حول المستبد العادل . اما ما يحصل من تداخل العلاقات المتشابكة بين الدول التي تأن تحت الآم الاستبداد و اخرى تتوفر فيها نسبة مقنعة لشعوبها من العدالة الاجتماعية فانهما يتضاربان و يحثان البعض على التعامل مع التطورات وفق ما يمكن توفره من الحرية و العدالة، اي تتناقض الاطراف المختلفة الحكم و الجو السياسي و تتضارب مع بعضها مما يفرض على المستبد الانعزال و به يتضرر دولة المستبد و يبتعد اكثر عن العدالة التي تتطلب ارضية و قوانين و منفذين عقلاء، و يستوجب ارضية جديدة قريبة من العدالة و السلم و هذا على العكس من ما يفرضه الاستبداد و يجعلهما في تناحر مستمر . المعلوم ان الاستبداد ينتج العديد من الامراض من كافة النواحي الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية من جهة، و لا يمكن ان ينجح الا في ظل انعدام الحرية، اي يحتاج الى اجواء الاستعباد و الظلم من جهة اخرى. و هذا من جانبه يبعد العدالة عنه مهما كان الشخص الاول عادلا او متقيا او يتصف بالحكمة و الخبرة، و هذا ما ثبته لنا التاريخ بان القادة مهما اتسموا بالمواصفات الايجابية الا انهم استبدوا في حكمهم مهما ادعى البعض غير ذلك . و لكن المريدين و الموالين و المنتمين الى افكار و توجهات السلاطين و القادة الذين حكموا فترة من الزمن هذه المنطقة يدعون العكس لجموديتهم و سلفيتهم و عدم تلائم افكارهم و عقليتهم مع الجديد الواجب حصوله و الانتقال من مرحلة الى اخرى بتغيير مواصفاتها و خصائصها مهما امتنع عنها القائد المستبد او اغلق المنافذ عنها . اي ان الاستبداد هو الجمود على حال و عدم مواكبة التغيير، و بهذا يمكن ان تبقى الحال على ما هي عليه و به يسيطر التخلف على مسار الحياة و لا يمكن ان تطيقه اصحاب الافكار النيرة التي تحس بالموجود و من الواجب تغييره، و به لا يمكن ان يستمر الاستبداد الا باستعمال القوة المفرطة و هذا ايضا ليس بالعدالة التي يمكن ادعائها من حكم المستبد . طالما كان المستبد غير آبه بالقانون و الحرية و المصالح العليا و الخاصة للشعب و فضل الحكم على كل شيء فانه لا يمكنه ان يوفر العدالة مهما عمل من اجلها، اي الاستبداد بذاته هو ينافي و يمنع و يزيح العدالة لاعتماده على فكر و عقلية ضيقة لشخص او حلقة ضيقة، و هذا هو لب اللاعدالة التي تُنتج من فر ض المستبد مصالحه الضيقة بعيدا عن القيم و القوانين مهما ادعى غيره . من يروج لهذا الفكر الساقط قبل نشره هم الحكام المستبدون انفسهم و من يعيش في هذه المنطقة التي اصبحت مهدا للاستبداد و الدكتاتورية المشؤومة التي لم تجلب الا الضيم و الظلم، و هو من نتاج ايدي المستبدين المدعين بالعدالة . ان النظرية التي تدعي بتلائم الاستبداد مع العقلية الشرقية المتغذية بافكار مثالية موالية للشخصيات و السلاطين ناقصة الاركان و الاسناد و لا يمكن تطبيقها حتى في افقر و ادنى مستوى من الثقافة و العلم و المعرفة في اية دولة كانت، و مهما كان تاريخها مليء بالظلمات و الاعتداءات . التغييرات اضطرارية و لا بد لها و لا يمكن ان توقفها ايدي المستبدين مهما كانت قوتهم . فالتغيير يمنع الثبوت على الحال و به يزيح الاستبداد مهما كان مكلفا .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرحلة تفرض على الكورد خطوات سياسية محدودة
-
لم يُبقي داعش الا الهجوم للدفاع عن النفس
-
هل تجهل امريكا ما تجري في هذه المنطقة ام ..؟
-
المشكلة الرئيسية هي الانتماء الحقيقي للشعب العراقي
-
ياشار كمال انسانا و فكرا لم يعجب الراسمالية العالمية
-
هل ينجح الاتفاق التركي الكوردي ؟
-
حطم داعش متحف الموصل بينما ضمٌن نقل ضريح سليمان شاه !!
-
هل يخطط المالكي كما فعل علي عبدالله صالح
-
الترفع عن لقاء الاخرين
-
تركيا تدس انفها في كل ما يجري في المنطقة
-
لازالت هناك فرصة امام العبادي
-
بماذا يُفيد الارهاب الراسمالية العالمية ؟
-
هل من مشكلة لو انفصلت كوردستان عن العراق ؟
-
حيرة حكومة اقليم كوردستان بين انقرة و بغداد
-
هل ينجح بوتين في مسعاه في الشرق الاوسط
-
من هي الدولة التي يمكن الكورد ان يعتمد عليها ؟
-
سياسة امريكا على حساب شباب الشرق الاوسط
-
التقى العبادي البرزاني على ارض محايدة
-
تحررت كوباني دفاعا عن اهلها و ليس لتفعيل ضجة
-
الاصولية طاعون العصر اَم ماعون القصر
المزيد.....
-
-بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل
...
-
-هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض
...
-
ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
-
بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال
...
-
مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
-
بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا
...
-
ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا
...
-
بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها
...
-
حسن البنا مفتيًا
-
وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق
...
المزيد.....
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
-
سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية
/ دلير زنكنة
-
أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره
/ سمير الأمير
-
فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|