أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العدالة الاجتماعية والشرق العظيم















المزيد.....

العدالة الاجتماعية والشرق العظيم


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 19:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إذا كانت بعض الاحتفالات في مناسبات عامة تكتسب طابعاً تقليدياً، لاسيّما بعنصر التكرار، فالأمر سيكون أكثر إشكالية في إطار منظمة دولية مثل الأمم المتحدة، حيث المشاعر الباردة واللغة الدبلوماسية والمجاملات العامة والأداء الوظيفي والبيروقراطية الإدارية، لكن احتفالاً بيوم "العدالة الاجتماعية" هذا العام كان له بُعد آخر، فالذي دعت إليه ورعته سيّدة مرموقة ومجتهدة، حيث سعت لإضفاء لمسة دفء عليه على الرغم من العواصف والثلوج والأمطار خارج مبنى الأمم المتحدة، بحيث يخرج من إطاره التقليدي، ليتسم بالجدّة والفرح والمحبة والجمال، وهو ما حاولت الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، أن يكون عليه احتفال هذا العام بيوم العدالة الاجتماعية في بيت الأمم المتحدة ببيروت .
إذاً، فالموضوع الذي تم الاحتفال به لم يكن حدثاً عابراً أو ذكرى سنوية يتم استحضارها كمناسبة خاصة، بل هو يتعلّق بصميم معيشة الناس وكرامتهم وحاجاتهم وطموحاتهم وأحلامهم في "العدالة الاجتماعية"، وكان الاحتفال بيوم العدالة الاجتماعية قد تقرّر حين أصدرت الأمم قراراً بذلك في العام 2007 . أما مكان الاحتفال فقد حمل الكثير من المعاني، حيث يجتمع الشرق والغرب في لبنان التواصل الحضاري والتفاعل الثقافي بكل عنفوانهما وصخبهما وجنونهما بما في ذلك من تاريخ وميثولوجيا وقيم تمثّل المشترك الإنساني للحضارات المختلفة والثقافات المتنوّعة .
الاحتفال هذا العام اجتمع فيه العمل الرسمي الأممي خارج نطاق الوظيفة العمومية والدولية، بالفن والأدب في لفتة جميلة كانت الأسكوا "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" هي من قامت بتنظيمه . وبعد الاستماع إلى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي ألقتها سيغريد كاغ وإلى السيّدة ريما خلف ورشيد درباس وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وكلمة المجتمع المدني التي ألقاها زياد عبد الصمد، جاء دور الفن والأدب ليشارك في إحياء يوم العدالة الاجتماعية، وليؤكد أن الثقافة باعتبارها وعاءً يمكن أن تكون عنصر تغيير بالتعبير عن ضمير الناس، وتطلّعاتهم لغدٍ أفضل وحياة أسمى ومعاني أنبل عبر الآداب والفنون، وهو ما كان الحراك العربي السلمي قد بدأه في تونس ومصر، وامتد لاحقاً إلى ليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان العربية، حيث ارتفعت شعارات الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، بغضّ النظر عن الفوضى والعنف اللذين ضربا الدولة الوطنية بالصميم في العديد من البلدان، الأمر الذي سبّب مرارات وخيبات، خصوصاً بغياب أو ضعف المؤسسات والتراكيب الديمقراطية ونهج الاستبداد الذي استمرّ لسنوات .
الفن تجلّى بأغنية خاصة أعدّتها الفنانة المبدعة كارول سماحة سفيرة النوايا الحسنة بعنوان "الشرق العظيم"، وقدّمتها بعد كلمة مؤثرة بالقول إنها جاءت لتوّها من جنيف، حيث كانت تحضر مؤتمراً عن الإرهاب الدولي، وها هي إذ تشارك في احتفال العدالة الاجتماعية، كأنها تريد القول إن غياب الأخيرة، كان السبب في انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي واستشراء العنف وتفشي التطرف والتعصب والغلو في مجتمعاتنا، فضلاً عن تأثير ذلك في العلاقات الدولية، وهو الأمر الذي يتطلّب جهداً داخلياً وإقليمياً ودولياً لمعالجة الجذر الاجتماعي لمثل تلك الظواهر، لاسيّما بانعدام المساواة واستمرار نهج التمييز وسياسة الكيل بمكيالين، والمعايير المزدوجة .
ولعلّ التفاوت الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء والمتخومين والمحرومين ومن يملكون ولا يملكون، وبين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير، وبين الدول الصناعية والدول النامية، كان وراء ظواهر الإرهاب والعنف والتعصّب، وإذا ما أردنا وضع حد لذلك، فلا بدّ من العمل لتقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق المساواة وعدم التمييز واحترام حقوق الإنسان، وخصوصاً حقوق المرأة والمجموعات الثقافية وذوي الاحتياجات الخاصة والمهمّشين وغيرهم، فذلك من شأنه تأمين الشروط الأولية للسير في طريق العدالة الاجتماعية، ولاسيّما في القضاء على الفقر والأمّية وتوفير العمل والتعليم والعلاج لجميع من يحتاج إليه، إضافة إلى سكن مناسب وعيش كريم .
لقد كان إقرار يوم عالمي للعدالة الاجتماعية، تكريساً لجهد دولي يبذل في سبيل القضاء على الفقر وتحقيق الرفاه الاجتماعي والمساواة بين الجنسين وحفظ الكرامة الإنسانية للبشر، بغضّ النظر عن دينهم ولونهم وجنسهم ولغتهم وأفكارهم السياسية وأصلهم الاجتماعي، وهو ما نصّت عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان .
ربما يقول قائل، أليس في ذلك بطر؟ وهل يمكن بالغناء والفن عموماً القضاء على الإرهاب، الذي بدأ جنونه يجتاح العالم، وخصوصاً في منطقتنا التي تعاني التشظّي والإرهاب والعنف وتفكّك الدولة الوطنية، حيث تسيطر "داعش" على نحو ثلث الأراضي العراقية ونحو ثلث الأراضي السورية، ويستمر الإرهاب الأعمى يحصد يومياً أرواح العشرات والمئات خارج القانون وتداس على أبسط القيم الإنسانية، سواءً في ليبيا أو سوريا أو اليمن وهي البلدان التي تلتهمها الحروب والنزاعات الأهلية ويتهدّدها التقسيم كذلك، أو أعمال التفجير والإرهاب في مصر أو غيرها، إضافة إلى ما حصل مؤخراً في باريس حين تم اغتيال 12 صحفياً في حادثة مروعة عُرفت باسم مجزرة صحيفة "شارلي أيبدو" وكذلك في كوبنهاغن حيث تم تفجير مركز ثقافي وأصيب عدد من أفراد الشرطة، وفي الولايات المتحدة، حيث تكرّرت بعض الحوادث ضد العرب والمسلمين وضد السود، كما ترتفع موجة عنصرية يمينية في أوروبا ضد الأجانب بشكل عام والمسلمين والعرب بشكل خاص .
الإرهاب لا يهزم بوسيلة واحدة، إذ لا يمكن دحره بالدعوات والمناشدات أو بالحلول العسكرية والأمنية، بل يحتاج الأمر إلى الذهاب إلى ما هو أعمق من ذلك، من خلال عمل دؤوب وطويل الأمد لتأمين العدالة الاجتماعية في القضاء على الفقر والأمية والتخلّف مصدر الشرور والتعصّب والتطرّف، والعمل على تجفيف منابع الإرهاب، وليس أفضل من الثقافة والأدب والفن والشعر والموسيقى في الدعوة لقيم الخير والجمال والسلام والتسامح وردّ العدوان والظلم ومحاربة الاستغلال وتأمين حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام حقوق الإنسان، ففي ذلك يمكن تشكيل جبهة قوية لدعم العدالة، إذ لا عدالة من دون سلم وأمن، ولا عدالة دون تنمية ولا عدالة مع الفقر والتخلف والأمية، ولا عدالة من دون مساواة .
وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة قد أغفل الحديث عن العدالة الاجتماعية، وكذلك الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ممثلة بالإعلان العالمي الصادر في عام 1948 والعهدين الدوليين الأول الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والثاني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادرين عام 1966 والداخلين حيّز التنفيذ عام ،1976 لكن إعلان كوبنهاغن العام 1995 بشأن التنمية الاجتماعية وكذلك برنامج عمل مؤتمر القمة للتنمية الاجتماعية حاول تلافي هذا النقص الفادح، كما نصّ عليه لاحقاً إعلان الألفية الثالثة العام ،2000 وورد أيضاً على لسان الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان، كما ورد في دعوات منظمة العمل الدولي وخصوصاً مبدأ المساواة في الحقوق، ومثل هذا يقع على عاتق الأمم المتحدة وعلى جميع دول العالم وخاصة نخبه الفكرية والثقافية للعمل خلال كل أيام السنة من أجل العدالة الاجتماعية وليس يوماً احتفالياً فحسب .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة-هوّية الحزب: شؤون وشجون-الحل ...
- آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة-الحوار مع حزب البعث- الحلقة ...
- مدوّنات آرا خاجادور الشيوعية- الحلقة الثانية
- آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة- شيوعية وهمهمات وتاريخ!
- لماذا تخشى “إسرائيل” من القضاء الدولي؟
- النازحون العراقيون بين مطرقة الإرهاب وسندان الغياب
- الاستثمارات القطرية تعزز الاستقرار في العراق
- ماذا يعني فوز اليسار اليوناني؟
- القنّاص: أبعد من جدل سينمائي
- ما بعد “شارلي أيبدو” . . الإسلاملوجيا والإسلامفوبيا!
- في بعض إشكاليات العدالة الانتقالية
- واشنطن - هافانا ونظرية بناء الجسور
- زياد أبو عين وثلاثيته الأثيرة
- عبد الرحمن النعيمي: في مسألة الهوّية وتوابعها
- شاكر السماوي والعقل النقدي
- داعش.. المشكلة في الإستراتيجية
- الأطفال على مأدبة الشياطين
- المهدي بن بركة ودائرة الضوء
- حقوق الإنسان . . بين الواقع والمفترض
- عن أية نخب عربية نتحدث؟


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العدالة الاجتماعية والشرق العظيم