محمود جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 16:38
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في يوم 5 نوفمبر 1995 ، كنت وقتها لا أزال في في العاشرة من العمر ، ذهبت إلى المدرسة فوجدت الجميع فرحاً بما حدث في الليلة السابقة ، ليلة اغتيال إسحاق رابين ، حتى إن بعض المعلمات وزعن الحلوى ابتهاجاً بهذا الخبر . اغتيال رئيس وزراء اسرائيل ... ما أجمله من خبر !! فرحت بالتأكيد كما فرح الجميع ، في المدرسة و الشوارع و المنازل و المقاهي . عدت إلى المنزل ، كانت عائلتي في قمة الفرح أيضاً ، بادرت إلى سؤال أمي : من الذي اغتاله ؟؟ لا أدري لماذا نسيت أن اسأل هذا السؤال في المدرسة ، لكنني سألته لأمي حين عدت إلى المنزل ، ربما لأنني توقعت متيقناً أنه سيكون أحد أبطال المقاومة الفلسطينية ، و بالتالي فقد أجبت نفسي بنفسي ، لكن أمي قالت لي أن من اغتاله اسرائيلي . تبعثرت علامات الإستفهام في رأسي الصغير آنذاك : اسرائيلي يقتل رئيس وزراءه !!! فتحت التلفاز ، يومها لم نكن نملك ساتلايت ، كان التلفاز يبث قناة الأردن الأولى و الثانية و سوريا الأولى و الثانية و قناة اسرائيل الأولى ، فهمت يومها أن القاتل يهودي متطرف يدعى ايجال عامير ، قتل رابين لأن الله أمره بذلك ، ولماذا يطلب الله من هذه الشخص أن يقتل رابين ؟؟ لأنه اراد السلام مع الفلسطينيين ، و هذا ضد مصلحة اليهود،شعب الله المختار، حسب رأي عامير ، فاستل مسدسه و أطلق النار على رابين بينما كان يهم بالمغادرة بعد خطبة ألقاها أمام حشد من أفراد شعبه . لم أهتم كثيراً بالتفاصيل ، كنت أصغر بكثير من أن أفكر في هذا الموضوع بعقلانية و أقوم بتحليله ، المهم أنه قد تم اغتياله و هذا ما يجب أن يبقيني فرحاً لساعات طويلة ، لكن ليس بعد 20 عاماً .
قبل فترة قصيرة شاهدت فيلماً تم انتاجه عام 1991 ، اسمه JFK ، و لمن لا يعرف ماذا ترمز هذه الحروف ، فهي اختصار للإسم الثلاثي للرئيس الأميركي السابق جون فيتزجيرالد كينيدي ، الفيلم مبني على قصة حقيقية ، تتناول التحقيقات التي أجراها المدعي العام جيم غاريسون عام 1968 ، بعد اغتيال كينيدي بخمس سنوات ، دحض فيها التحقيقات السابقة التي تعمدت إخفاء الكثير من الحقائق ، و فتح ملف القضية من جديد ، و اسفرت تحقيقاته عن نتائج مذهلة يتورط فيها كبار من السياسيين على رأسهم نائب كينيدي و الذي أصبح الرئيس لاحقاً، ليندون جونسون، و القادة العسكريين و رجال الأعمال . ما الذي جعل كل هذه الشخصيات تتآمر ضد الرئيس ؟؟ لقد كان كينيدي متحفظاً عن الدخول في حرب فيتنام ، و كان متحفظاً على استعداء كوبا و فرض حصار اقتصادي على نظام كاسترو، الذي وصل إلى السلطة في ثورة حصلت قبل اغتيال كينيدي بسنوات قليلة ، و كان يعمل على ضرب عصابات المافيا و نشاطاتها خاصة تلك المتعلقة بتجارة المخدرات ، كل ذلك ينبغي أن يفسر تآمر الكثير ضد كينيدي الذي يهدد مصالحهم ، فهو كان يريد السلام قدر الإمكان ، و الآخرون يريدون الحروب ، السلام ليس مربحاً ، الحروب هي المربحة ، لكن إدانة كل هذه الرؤوس و المؤسسات بالأدلة القاطعة كان أصعب بكثير من ان يقوم فيه غاريسون ، فخسر القضية .
السلام ليس مربحاً، الحروب هي المربحة ، و كي تكون مربحة يجب إبقاؤها مشتعلة أطول فترة ممكنة ، و كم تكون مربحة إذا كانت في منطقة مثل الشرق الأوسط ، بكل ما فيه من الثروات ، و تعدد الأعراق و الأديان و المذاهب ، هذا كان السبب الرئيسي لزرع اسرائيل في هذه المنطقة ، واهمٌ من يظن أن اسرائيل قد قامت بسبب التوراة ، هذا السبب هو ما يقنعون فيه البسطاء الساذجين من اليهود ، أولئك الذين يؤمنون أن الله أعطاهم الحق في أرض الميعاد و أنهم شعب الله المختار، هذه هي الذريعة التي تم جلب اليهود من خلالها ، من كل بقاع العالم في بداية و منتصف القرن الفائت ، و هم الذين كانوا يعانون التمييز العرقي و الإضطهاد في كل مكان ، إنهم تماماً مثل البسطاء و الذج من المسلمين الذين تم إقناعهم أن سبب الجهل و التخلف الذي يمرون فيه هو بعدهم عن الدين و أن لا عزة لهم إلا بإقامة الحكم الإسلامي في كل بقاع الأرض ، فوجدوه منفذاً لهم من الفشل و الإحباط الذي عانوه طيلة قرونِ خلت . فكان من السهل جداً أن يهاجر أولئك السذ إلى فلسطين لإقامة دولتهم المنشودة .
لكن لا التوراة و لا التلمود و لا كل أديان و مذاهب العالم كانت السبب الحقيقي وراء ذلك ، لأن مصدر وجود هذا الكيان هو إشعال هذه المنطقة، كما أسلفنا، لأطول فترة ممكنة ، و ذلك سيضمن لمختلف القطاعات الرأسمالية العملاقة ، و حتى تلك الأصغر ، أن تنمي أرباحها من خلال السلحة و شركات المقاولات و النقل و الأغذية و الأدوية و المؤسسات الإعلامية ، و كان لهم ما أرادوا ، و تدفقت الأرباح و ازدادت، و لا زالت ، على جيوب أصحاب الشركات ، و كلما فترت النار أعادوا إشعالها ، و ما وجود الجماعات الإرهابية و ما يسمى الربيع العربي و هو أبعد ما يكون عن الربيع، سوى حلقة أخرى من حلقات إشعال المنطقة و إدامة الحرب فيها .
عودة غلى النقطة التي بدأت منها : ايجال عامير لم يكن سوى هارفي اوزوالد جديد ،هارفي أوزوالد هو الشاب الصغير الذي تم اتهامه بقتل الرئيس كينيدي و محاولة اختصار القضية من مؤامرة عملاقة إلى عملية إرهاب شخصية ، ايجال عامير هو من ضغط زناد المسدس ، لكن القضية كانت اكبر من ذلك بكثير، رابين كان يريد إنهاء الصراع و الوصول إلى حل سلمي يتضمن في نهايته إقامة دولة فلسطينية ، و كان مؤتمر مدريد و من بعده اوسلو بداية الطريق نحو ذلك ، و هو ما لا يناسب الأهداف التي سبق و ذكرتها ، فلما اقترب الحل تم التخلص من رابين و جاؤوا بنتنياهو اليميني الذي أفسد كل ما تم بناؤه سابقاً ، لكن نتنياهو لم ينل رضا الشعب فجاء ايهود باراك ، و الذي حاول (رغم أننا لا نختلف على صيته السيء الإجرامي) إعادة إحياء ما قتله نتنياهو ، و عقد مؤتمر كامب ديفيد و حاول الجميع فيه الوصول إلى حل نهائي، و رغم فشل المؤتمر لكنه كان محاولة ناجحة لإحياء السلام من جديد ، فلما وصل الأمر إلى ما وصل إليه ، جاء تاريخ الثامن عشر من سبتمبر لعام 2000 عندما دخل سيء الذكر ارييل شارون إلى المسجد الأقصى ، فكان ذلك سبباً في اندلاع الإنتفاضة الثانية ، فصقط باراك بعدها بأشهر و جاء شارون ليحل مكانه .
و لأن اسرائيل قد خسرت الكثير في تلك الإنتفاضة، فقد كان من الضروري تغيير الإستراتيجية التي تدار فيها الأمور ، و لتغييرها لا بد من ضرب المكون الفلسطيني ببعضه البعض ، فكان التخلص من عرفات و ياسين و الرنتيسي في عام واحد و من قبلهم أبو علي مصطفى تمهيداً لما سيحصل لاحقاً من ضرب الفصائل لبعضها، بعد أن تم إستحضار عباس و هنية و غيرهم إلى واجهة المشهد . و في نفس الفترة كانت تدار عملية إشعال أخرى في مكان ليس ببعيد ، الإحتلال الأميركي للعراق. و من بعدها فتحت أبواب جهنم للصراعات الدينية و المذهبية، و كان وقودها ، و لا زال ، الشعوب المسلمة المغرقة منذ قرون في تخلفها و جهلها ، و الذي يبدو أنه قد طال أمده أكثر من اللازم .
#محمود_جرادات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟